عن أي إسلام تتحدث حماس بالضبط ؟!


سامي النابلسي
الحوار المتمدن - العدد: 5126 - 2016 / 4 / 7 - 17:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

عن أي إسلام تتحدث حماس بالضبط ؟!

في مشهد تمثيلي درامي، قامت وزارة الأوقاف التابعة لحكومة غزة أمس، بإقامة مهرجان استتابة للأطفال ( الكفار )، فما الذي فعله هؤلاء الصبية حتى تقوم حماس بإرهابهم وترويعهم ؟! وإلى متى تظل مدارسنا دفيئات لتربية الدواعش ؟! وأين وزارة التربية والتعليم الفلسطينية المسؤول الرسمي مما يحدث في مدارسها ؟؟

ألا يذكرنا هذا التمثيل بمشاهد مشابهة قامت بها داعش في الرقة السورية لاستتابة الناس هناك ؟! وهل أجيال غزة القادمة في طريقهم للتحول إلى دواعش بدعوى أن النشاط يقصد منه ترغيب وتحبيب الناس بالقرآن والنبي والملائكة والإسلام ؟؟! وهل حقاً أن أهل غزة بحاجة إلى استتابة باعتبارهم ( كفار ) خارجون عن الملة ؟؟!

شاهد الفيديو:

https://www.youtube.com/watch?v=kfZ0C6aFkf4

--------------------------------------

هذه التصرفات الوهابية القادمة من صحراء آل سعود، لا علاقة لها بإسلام ولا يحزنون، فالقرآن يكفل حرية الاعتقاد بشكل كامل كما سيأتي، والأمم الأخرى التي تفوقت علينا وتقدمت في شتى الميادين، لا تتميز عن المسلمين سوى أنهم ( يفكرون بحرية ) دون صراخ وضوضاء وبكاء وتمثيل وإرهاب. وإليكم الدليل القرآني على أن الإسلام يكفل حرية الاعتقاد بشكل كامل:

1 – " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميعٌ عليم " – البقرة: 256
وقد جاء في تفسير ابن كثير المنشور على موقع ( إسلام ويب )، أن الله تعالى يقول " ( لا إكراه في الدين )، أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام فإنه بين واضح جلي دلائله براهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً. وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية في قوم من الأنصار، وإن كان حكمها عاماً " – انتهى.
ثم يضيف ابن كثير ما نصه حرفياً " وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كانت المرأة تكون مقلاناً فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل الله عز وجل ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) – انتهى.
http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=216&idto=216&bk_no=49&ID=220

كلام ابن كثير واضح لا مجال للاختلاف حوله، وفيه التساؤل: ماذا يفيد الدين إن دخله شخص مكرهاً مقسوراً ؟؟! ولمن شاهد الفيديو السابق موضوع هذا المقال، نقول: ألم يكن ما شاهدناه منتهى القسوة والإرهاب بالضوضاء والزعيق على اعتبار أن الصبية الأطفال قد فعلوا أمراً جللاً يستحق كل هذا التمثيل ؟؟!

2- والآن نذكر الدليل القرآني الثاني لمسألة أن الإسلام يكفل ويضمن حرية التفكير والاعتقاد تماماً كما الثقافات الكونية الأخرى، وهي الآية الكريمة " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " – يونس: 99.
والخطاب الإلهي في الآية السابقة كما تقول التفاسير، موجه من الله عز وجل إلى محمد ( ص ) الذي كان حريصاً على أن يؤمن جميع الناس، حيث يقول الله لنبيه الكريم أنه لا يؤمن إلا من سبق له السعادة، ولا يضل إلا من سبق له الشقاوة، وهنا أيضاً وللمرة الثانية، فإن الآية واضحة ومفادها ( لا إيمان بالإكراه ) !

شاهد الشرح من موقع الإسلام ويب:

http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=707&idto=707&bk_no=51&ID=700

3- أما الدليل القرآني الثالث على أن الإسلام يضمن حرية الاعتقاد، فهي الآية من سورة الكافرون " لكم دينكم ولي دين " والتي أجمع غالبية المفسرين بأنها ليست آية منسوخة بآية السيف كما اعتقد بعضهم خطأ !

وللتأكيد على أن الآية السابقة محكمة لا نسخ فيها، يذكر المفسرون آية أخرى لا تقل أهمية وهي (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) – الممتحنة: 8، 9.
توضح الآيات السابقة على أن الله عز ذكره يؤكد للناس أن الاختلافات العقائدية واردة، وأكثر من ذلك، يأمرنا الله بأن نعامل المختلف معنا في الاعتقاد بالمودة والخير والعدل، طالما أنهم لم يعتدوا علينا ولم يخرجونا من ديارنا، كما فعلت العصابات الصهيونية مع شعبنا الفلسطيني عام 1948.
------------------------------------------------
إذن من أين تأتي حماس وداعش والنصرة بالإسلام لكي يرهبوا الناس وأطفال المدارس والمراهقين ؟؟! رب العزة يكفل حرية الاعتقاد في القرآن الكريم بشكل واضح لا لبس فيه كما سبق وأوضحنا، فعن أي إسلام تتحدث وزارة أوقاف حماس ؟؟! الله جل وعلا يكفل حرية التفكير للناس، ولكن الوهابيون يعارضون رب العزة ويقحمون أنفسهم في عقائد الناس، ويمارسون الترهيب والولولة والصراخ المفتعل، لكي يقولوا لنا أن الدين يمنع التفكير ويمنع حرية الاعتقاد، وهم بهذه الأفعال، إنما يسيئون للإسلام ويصورونه وكأنه دين معادٍ للتفكير معاكس للحضارة البشرية، وكان على حماس، وبدلاً من افتعال هذه الدراما أمام الصبية، أن تجيب هؤلاء الصبية عن المستقبل الذي ينتظرهم إن استمرت حماس في حكمها لغزة. كان على حماس أن تجيب الفقراء على سؤال يراودهم ( من أين لنا أن ندفع هذه الضرائب كلها ؟! )، وكان على حماس أن تجيب المرضى والطلاب وعامة الناس، إلى متى يمكن أن يستمر إغلاق المعبر بسبب وجودهم في السلطة ؟؟! وبدلاً من الهروب للأمام والقفز في الهواء، فإن على حماس أن تتخلى عن السلطة في غزة بهدف إخلاء سبيل أهل غزة وإنهاء الحصار الذي تسببت فيه حماس بسيطرتها على غزة !

الناس في غزة لا تنتظر استتابة من الكفر، فالجوع نفسه كفر، والمرض كفر، والذل كفر، وهنا أذكر حماس بما فعله مستشار النمسا " كرايسكي " المتهم بأفكاره المتعاطفة مع النازية، حيث عندما فاز بالانتخابات الحرة والمباشرة قام الاتحاد الأوروبي بتهديد الشعب النمساوي بالمقاطعة والحصار إن استمر هذا الرجل في السلطة، فقام المستشار بالاستقالة موجهاً إلى الناخبين رسالة مفادها ( لقد انتخبتموني من أجل النهوض والتقدم وليس من أجل الجوع والحصار، لهذا أتقدم باستقالتي للبرلمان لكي يعيش الشعب النمساوي ).
الرجل تخلى عن السلطة عندما أيقن أن أوروبا لن تسمح له بمزاولة نشاطه. لم يقل أن الانتخابات مقدسة ونهائية وأننا أحرار في اختيارنا .. لا أحد حر في اختياره أمام القوى العظمى التي تحكم الكوكب. هناك عالم من حولنا يضج بالحركة والتطور، وهناك شعوب تتوق إلى السلام وصنع الحضارة، والعنوان الصحيح من أجل قضيتنا الوطنية وحرية شعبنا هو العالم من حولنا، فقد نجحت حركة ال BDS في فرض مقاطعة أكاديمية وثقافية وأكاديمية من خلال نضالاتها العالمية وتواصلها مع شعوب العالم، وبضمنها الشعب الأمريكي نفسه، الذي يضغط الآن على حكومته من أجل إلغاء القانون الذي يعتبر الوكالة اليهودية مؤسسة خيرية معفاة من الضرائب. إلى هناك وصل رفاق أكاديميون أكفاء مخلصون لشعبهم ولقضيتهم الوطنية، تماماً كما تمكن الشعب الجنوب أفريقي من إسقاط العنصرية البيضاء، وها نحن نسعى مع الأصدقاء والخيرون في هذا العالم، لحصار إسرائيل وفرض المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية عليها، أما حماس فعليها أن تجدد خطابها وعقلياتها، وأن تحاول الاندماج في المجتمع الدولي والكف عن استعداء حقوق الإنسان، فالاختلاف في التفكير حق إنساني أصيل لم نتعلمه بعد في غزة، بل في كل العالم العربي !

دمتم بخير