عن دولة عمر بن الخطّاب !


سامي النابلسي
الحوار المتمدن - العدد: 5280 - 2016 / 9 / 9 - 13:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

لا يكاد يمر حديث عن دولة العدل التي يفتقدها المسلمون منذ وفاة النبي ( ص ) إلا ويخرج من الناس من يؤكد أن دولة عمر بن الخطاب كانت هي الدولة المثالية القوية التي حظي الناس فيها بالعدل والأمان، وهم في هذا إنما يتجاهلون الدول الديمقراطية المتقدمة التي يحظى جميع سكانها بخدمات التعليم النوعي والعلاج الصحي الراقي والضمان الاجتماعي دون فساد أو محسوبية أو تمييز !

وحتى دولة عمر لم تكن دولة بمفهوم الدولة الحديث الديمقراطية التي تفصل السلطات، بل كانت تجمعاً بدائياً يعتمد على قوة الحاكم وعدله، أي أن الدولة الإسلامية في الأساس تعتمد كلية على صلاح الحاكم، إن صلح الحاكم صلحت أحوال الرعية، وإن فسد هلك الناس وضاعت حقوقهم !
يا جماعة الدولة الحديثة لا تعتمد على فرد مطلق الصلاحيات، بل تعتمد حكم المؤسسات وفصل السلطات لكي لا تستبد قوة بالحكم والثروة، وحتى في فترة حكم عمر بن الخطاب، فإن منطق التطبيل والتزمير والتقديس يحجب الحقيقة الموضوعية، فمن ناحية، المسلمون يرفضون الاجتهاد مع وجود نص قرآني، رغم أن عمر قد فعلها دون أي مشكلة عندما ألغى نصيب المؤلفة قلوبهم من الزكاة رغم وجود نص قطعي، ذلك أنه لا سبيل لمواكبة التغيرات المذهلة في عجلة التاريخ بنصوص ثابتة لا تتغير ! قوة عمر في الاجتهاد كانت من إيجابيات حكمه.
لكن ما لا يعلمه الناس، وخاصة البسطاء غير الباحثين، أن عمر بن الخطاب نفسه قد قتل في قضية تتعلق بالعدل ! وهاكم الحقيقة كما أوردها محمد بن سعد في طبقاته الكبرى !

كان الخليفة عمر يخاطب قادة الجند بعد فتح فارس ويوصيهم بألا يحضروا أحدا من العلوج المواسي إلى بلاد المسلمين.
هامش: العلوج هم أهل البلاد المفتوحة، والمواسي تعني العنيدين المشاكسين !
وعندما كان المغيرة بن شعبة والي العراق، لفت نظره بناء وحداد ونقاش يقال له أبو لؤلؤة، فكتب المغيرة إلى الخليفة عمر يستأذنه في إرسال أبو لؤلؤة إلى مكة والمدينة لكي يبني قصورا كالتي رآها في بلاد الفرس، وقد سمح الخليفة عمر بقدوم أبو لؤلؤة إلى المدينة.
وذات يوم كان عمر مع بعض الصحابة متوجهين إلى المسجد لأداء صلاة العصر، فأقبل أبو لؤلؤة إلى عمر يشكو له ظلم المغيرة بن شعبة، حيث كان المغيرة قد ضرب خراجاً ( ضريبة ) على أبي لؤلؤة مقدارها مائة درهم. فسأله عمر: أنت ماذا تعمل ؟! قال له ( بناء وحداد ونقاش )، فقال له عمر ( ليس بكثير عليك مائة درهم ) !!! وفي يوم آخر عندما كان عمر وصحابته متوجهون للصلاة، مروا من أمام دكان أبو لؤلؤة، فناداه عمر قائلاً ( يا غلام .. أما قلت لي أنك تستطيع أن تصنع رحى تدور بالهواء ؟؟! )، فقال له أبو لؤلؤة ( سأصنع لك رحى يتحدث بها الناس ! ) فقال عمر لأصحابه ( لقد توعدني الغلام !!! )
وهكذا كان، فبعد أيام اختبأ أبو لؤلؤة في المسجد تحت جنح الظلام مسلحاً بخنجر مسموم، وبعدما قامت صلاة الفجر اقتحم أبو لؤلؤة الصف الأول من المصلين فقتل ستة أفراد منهم الخليفة عمر، وجرح حوالي 13 رجلاً !
وهكذا أعزائي لم يكن في مقتل عمر ما يستحق الذكر عن صراع ديني بين المجوس والمسلمين أو أن الرجل كان من عبدة النيران فقد ثبت أنه كان قد دخل الإسلام. الرجل بكل بساطة كان يشعر بالظلم والغبن فتوجه إلى الخليفة فلم ينصفه، فانتقم بنفسه من قيادة ( الفاتحين ) الذين نهبوا وسلبوا واغتصبوا وقتلوا !

نعم كانت دولة عمر عادلة، ولكن لمن ؟ لمن خاضوا معركة بدر الذين قدرت ثرواتهم بملايين الدنانير الذهبية، وليس لعامة الناس أمثالنا، فكيف بالموالي والعبيد ؟!

----------------------------------

يجب أن يغادر المسلمون منطق تقديس التاريخ وتحويله إلى عقيدة دينية، ويجب أن نغادر منطق تقديس الحكام الذين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.
يجب أن نغادر منطق الغرق في الماضي لأنه لن يعود، وهو إن صلح بمقاييس زمانه ومكانه، فلن يصلح بمقاييس هذا الزمان !
مطلوب بناء دولة عربية حديثة، علمانية، ديمقراطية، توفر الحرية والعدل والمساواة، تحكمها المؤسسة لا الفرد المستبد الطاغي. دولة تحتكم إلى دستور علماني يكفل جميع الحريات العامة والخاصة، أملا في الخلاص من عصر ظلامي قبيح نراه أقرب إلى ظلام العصور الوسطى الأوروبية منه إلى أبسط مفاهيم الحرية وقيمة الإنسان !