هل ينتهي الإخوان المسلمون ؟؟!


سامي النابلسي
الحوار المتمدن - العدد: 5490 - 2017 / 4 / 13 - 19:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لكي نفهم طبيعة هذه الجماعة، يجب العودة إلى الجذور التاريخية والظروف التي تزامنت مع إنشاء جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 في مصر بدعم من المندوب السامي البريطاني وشركة قناة السويس المملوكة آنذاك لبريطانيا وفرنسا، وهي دول الاستعمار التي كانت تحتل الكوكب في تلك الحقبة.
لقد سبق تكوين جماعة الإخوان سنة 1928 أحداث عاصفة ذات علاقة جوهرية بأهداف بريطانيا من دعم جماعة دينية سياسية، وهي ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا سنة 1917، وهي الثورة التي رأت فيها الرأسمالية الغربية عدواً مستقبلياً عنيداً، وبما أن الثورة الاشتراكية كانت تقوم على أساس ثقافي مناهض للاستغلال والتوحش الرأسمالي والظلم الاجتماعي، فقد رأت بريطانيا في جماعة دينية إسلامية عدواً ثقافياً لدوداً للإلحاد الشيوعي. هذه نقطة، النقطة الثانية كانت عبارة عن قرار حل نظام الخلافة الإسلامية على يد القائد والمفكر العلماني مصطفى كما أتاتورك سنة 1923 / 1924 وبروز حاجة روحانية لدى الشعوب العربية بالبقاء لصيقة بثقافة الدين كونه كان يشكل وما زال المرجعية التشريعية لحياة المسلمين، بمعنى أن بريطانيا قد بدأت حربها الشرسة ضد العقل العربي مبكراً، في وقت كان فيه العرب يحاولون التماهي مع النهضة الأوروبية والثورة الصناعية حيث برز كوكبة من المفكرين والفلاسفة التنويريين أمثال محمد عبده والأفغاني والكواكبي ولاحقاً قاسم أمين وطه حسين وغيرهم.

بريطانيا أقنعت الغرب ككل، بما فيه الولايات المتحدة، من أن " الإسلام هو الحل " لمواجهة الثقافة الاشتراكية بل والثقافة العلمانية الديمقراطية، والواقع أن مشروع الإخوان المسلمين الثقافي منذ انطلاقته عام 1928 ولغاية الآن، قد نجح وأدى الغرض منه في حصار العقل العربي أمام جحافل الثقافات الوافدة عبر البحار. لقد شكل الإخوان قوة اجتماعية ثقافية رهيبة من خلال كتلهم الطلابية والنقابية الي تستغل فساد الأنظمة الحاكمة بهدف الحشد والتأييد لمشروع إحياء الخلافة الذي روج له المستشرقون الإنجليز والغربيون بشكل عام. حصل الإخوان على دعم سخي من مشيخات الخليج التي كانت ترى في الثقافة الاشتراكية تهديداً وجودياً على أنظمتها، كما حصلوا على الدعم السخي في دول الغرب من مركز الفكر الإسلامي في واشنطن إلى جعل دول الغربية ملجأ آمن لقيادات الإخوان ونقطة انطلاق لتحرير المجلات الدعوية التي تحرم وتكفر جميع الثقافات اليسارية والوطنية والقومية، بحيث لم يبق في العقل العربي أي متسع للخروج من واقع التخلف والهزيمة الحضارية.

الإخوان طاردوا جميع الحركات الوطنية والقومية، وقتلوا المفكرين أمثال حسين مروة وفرج فودة وشكري بلعيد، وطعنوا نجيب محفوظ بسكين، كما أقاموا دعاوى الحسبة والتكفير ضد كافة صنوف الإبداع الشعري والأدبي، فصادروا الروايات والدواوين وأحرقوها ومنعوا توزيعها، مستغلين تخلف الدولة القومية وهشاشة مناهجها التعليمية التي اخترقها الإخوان، فحولوا من غالبية مدارس الوطن العربي دفيئات لتفريخ الناشط الإسلامي الذي سيقاتل العلمانيين الكفار من أجل تحقيق نظام الخلافة الإسلامية باعتبار أن " الإسلام هو الحل " !
انتهت الحرب الباردة بين الشرق بقيادة الاتحاد السوفييتي والغرب بقيادة الولايات المتحدة بهزيمة الإمبراطورية السوفيتية سنة 1989، وبعدها بعام واحد فقط، فاز الإسلاميون في انتخابات الجزائر التشريعية سنة 1990 حيث صرح علي بلحاج القائد في جبهة الإنقاذ أن تلك الانتخابات ستكون الأخيرة لأن " الديمقراطية بدعة كافرة "، الأمر الذي دفع الجيش لإلغاء الانتخابات والنزول بالدبابات وإعلان الأحكام العرفية. الجزائر هي البداية الحقيقية للربيع الإسلامي الذي افترض أن الدول العربية ستكون بمثابة الغنيمة الي يحصدها الإسلام السياسي والإخوان نظير الخدمات الجليلة التي قدمها الإخوان إلى الغرب في حرب أفغانستان !

بعد تحرير أفغانستان من قبضة السوفييت، حدثت حرب بين الفصائل الموالية لإيران والفصائل الموالية للسعودية .. أي حرب سنية شيعية على الأرض الأفغانية، وبدا المشروع الإسلامي النرجسي الذي وعدوا الناس به ينهار تحت جنازير دبابات طالبان !
لكن بعد ضربة تنظيم القاعدة في 11 سبتمبر في نيويورك ثم توالي الضربات في لندن ومدريد وموسكو، طرأ تفكير استراتيجي جديد لدى الغرب، وهو ضرورة أن يقوم الإسلام المعتدل المتمثل بالإخوان المسلمين بمقاومة الإسلام المتطرف لدى تنظيم القاعدة، فعمل الغرب على إيصال الإخوان إلى السلطة في غزة 2006 ولاحقا مصر في 2012 ثم تونس، ثم انخرط الإخوان مع أمريكا ضد سوريا، بدعوى الدفاع عن حرية الشعب السوري، فكانت النتيجة بروز تنظيم داعش الشديد التطرف والذي نفذ عمليات في باريس وبروكسل وستوكهلوم وبرلين، وبالتالي فشلت الاستراتيجية الغربية القائلة بأن قوة الاعتدال الإخوانية قادرة على محاربة التطرف !

وبعد تجربة وصول الإخوان إلى السلطة في غزة، اتضح أن الإخوان من ناحية فكرية يؤمنون بكتابات سيد قطب وتفسيراته لآيات الحاكمية طبقاً لرؤية ابن تيمية، وأن نسبة من الشبان الذين انضموا لداعش من غزة قد خرجوا فعلا من تحت عباءة حماس !
مع ذهاب إدارة أوباما وهيلاري كلينتون، وبعد سقوط الإخوان المدوي في مصر، تغيرت استراتيجية أمريكا مع مجيء ترامب، فأصبح الخلاص من الإسلاميين مطلباً عالمياً كونهم قد نشروا العنف والكراهية والتطرف والاستبداد.
الخطوات غير المسبوقة التي أعلن عنها رئيس السلطة محمود عباس تضمنت إجراءات قاسية ضد سكان قطاع غزة، بدأت بتقليص رواتب الموظفين بنسبة 30 % والإعلان عن خطة عاجلة لإحالة الآلاف منهم إلى التقاعد، مع إجراءات ملازمة لسلطة النقد حول إلغاء التسهيلات المالية في البنوك، ثم إجراءات أخرى قاسية بحذف 630 أسرة من مساعدات الشؤون الاجتماعية، الأمر الذي سيضع الشعب الغزي بين مطرقة السلطة وسندان حماس، ويبدو أن الهدف من إجراءات أبو مازن غير المسبوقة تستهدف ماكنة حماس الضريبية المتوحشة، بينما سيدفع أهل القطاع ثمن الكساد والفقر والبطالة، وهي الأمور المتفاقمة منذ 10 سنوات.

الخلاصة:

1- جميع مبررات الرهان الغربي على قوة الإخوان المسلمين في محاربة التطرف الديني فشلت مع بروز تنظيمات مثل داعش وجيش الإسلام وغيرها !
2- تم استغلال قوة الإخوان الشعبوية في البلاد العربية من أجل تصعيد ما سمي زورا بالربيع العربي من أجل تحويل جميع الدول العربية إلى دول فاشلة مقسمة بين المليشيات والطوائف ! ( ليبيا والعراق وسوريا واليمن وغزة أمثلة )
3- سقط الرهان الغربي مجددا في سوريا على الإسلاميين واضطرت أمريكا إلى التدخل المباشر لضرب مطار الشعيرات.
4- عاد الرهان الغربي من جديد على الرئيس السيسي والرئيس عباس، ما يعني أن رياح التغيير قد بدأت تهب بعكس ما يشتهي الإخوان.
5- بعد تجربة حكم الإخوان في غزة لمدة 10 سنوات، اتضح أن الإخوان ليسوا قوة اعتدال، فهم يعتدون على الحريات العامة من خلال منع السيدات من تدخين الأرجيلة ومنع المراهقين من ارتداء بعض الأزياء ومنع بيع الخمور، علماً بأن تركيا التي يدعون الاقتداء بها تصنع الخمور وتطبق القانون العلماني فيما يخص الحجاب وقضايا أخرى !
6- غزة قبل نشاط الإخوان في الثمانينات لضرب نفوذ منظمة التحرير، كانت معتدلة، وسطية وأكثر انفتاحاً، وكانت تخلو من ظواهر إدمان المخدرات وتفاقم البطالة وانتشار الفقر !

انتهى