الاقتصاد، الجنس،الدين،السياسة


محمد بوجنال
الحوار المتمدن - العدد: 4855 - 2015 / 7 / 3 - 10:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

مكونات فهم حدث فتاتي إنزكان وأخواتها:
الاقتصاد، الجنس،الدين،السياسة



عرف المغرب ، منذ السبعينات خصوصا- دون نسيان ما قبلها- تناميا ملحوظا للحركات الإسلامية سواء منها المتشددة أو المعتدلة. وقد توسع التنامي ذاك بفعل الدعم المالي والسياسي الذي حظيت به من دول كالسعودية وقطر وتركيا وبأمر ومباركة من الدول الرأسمالية الكبرى بهدف تدمير الحركات التقدمية المغربية. لتحقيق ذلك ركزت الحركات الإسلامية تلك على استثمار الدين بإلباسه ثوب البساطة والشعبوية من جهة، وتوظيف المال السعودي والقطري والتركي من جهة ثانية لاحتواء نسبة كبيرة من عامة الناس التي تتميز بالأمية والطمع المالي والعداء لحرية المرأة؛ وكل ذلك لأجل محاربة المد التقدمي. هكذا، فمكونات الجماعات الإسلامية بالمغرب تتمثل في الكبت الجنسي (العداء للمرأة كجسد)، وحب المال (الجشع المالي)، وتسخير الدين (التخدير)،وتسطيح السياسة (الشعبوية السياسية). وبالمجمل ، فمواقف الجماعات تلك ليست في حقيقتها سوي وحدة العلاقة بين مصالح الدول الرأسمالية الكبرى وحلفائها الإقليميين والحركات تلك كقوى محلية حيث أن مركز الهيمنة السياسية هو للأولى، والدعم المالي للثانية، والتنفيذ مع ما يرافقه من سلبيات لها كجماعات إسلامية تابعة.
انطلاقا مما سبق، تحدد وتفهم إحدى حكم الثقافة الشعبية المغربية: لا دخان بدون نار أو قل أن تحديد وفهم موضوع "حدث فتاتي إنزكان وأخواتها" يقتضي استحضار المكونات الأربع:
الجنس والجشع المالي والتخدير الديني والشعبوية السياسية؛ والمستهدف بطبيعة الحال، وفي العمق،هو بالكاد المشروع المجتمعي للحركات التقدمية. فوفق الحكمة الشعبية السابقة الذكر،
النار تبدأ جزئيا لتنتشر بسرعة كلما تم تركها لحالها؛ لذا، فقضايا الجنس (جسد المرأة)، وتوظيف الدين، والجشع المالي، والشعبوية السياسية، آليات توفر لها من الوقت ما مكنها من أن تصبح قوة ذات
حضور قوي على مستوى الشأن العام المغربي. ومن هنا نسجل إصرارها على مضايقة المرأة كجسد أو قل كشيطان يوقع بالمسلم ويفقده التعقل والصواب لصالح إثارة والتلاعب بعواطفه وجوارحه؛ إنها مضايقات لا تخرج عن القاعدة المتمثلة في تكفير الحركة التقدمية بالمغرب باسم شعارات مزيفة كالمس بالحياء العام، والتمرد على الأخلاق الإسلامية. ومن المسلمات المعروفة عن هذه الحركات الإسلامية ، المتشددة منها والمعتدلة، أنها حركات من بين ما يحكم تصوراتها الكبت الجنسي كأحد مكوناتها الأربع وهو ما يفسر حقدها على الجسد (مدونة المرأة،الزين اللي فيك ، حدث فتاتي إنزكان...الخ) الذي هو ،وفق مدارس التحليل النفسي، التعبير عن الرغبة في امتلاكه. وقد تجلى الكبت ذاك في العديد من مواقفها التي نستدعي بعضها على سبيل المثال لا الحصر. لقد سبق أن طرحت العديد من المؤسسات والفعاليات المتنورة مشروعا أو مسودة لمدونة المرأة قصد تنزيل حقوقها الطبيعية والاجتماعية التي تمت صياغتها وتقديمها كأرضية قابلة للنقاش إما بالتعديل أو الإغناء أو اقتراح البديل المتنور.إلا أن الحركات الإسلامية رفضت المقترحات جملة وتفصيلا بدعوى تناقضها مع قواعد الشريعة الإسلامية التي تحدد دلالة وجود المرأة في الإنجاب وطاعة الرجل وبالتالي فالمقترحات تلك، المقدمة لتحرير المرأة هي دعوة لممارسة الزندقة والخروج عن تعاليم الإسلام كما أرادت ذلك الحركات التقدمية؛ وعليه، فللدفاع عن موقفها هذا،معتمدة في ذلك رباعية مكوناتها السابقة الذكر، نزلت إلى الشارع، مجيشة أنصارها، منددة ورافضة منح المرأة حقوقها معتبرة إياها مخلوقا إلهيا لا تعدو كونها سوى جسدا صالحا ومعدا للحرث وطاعة الرجل. إنه اختزال المرأة في الجسد الذي تقتضي مكبوتاتهم ضرورة ممارسة الوصاية عليه لما يتمتع به، في نظرهم، من قدرة على افتتان الرجل والتلاعب بعواطفه حال منحها فرصة إبرازه أو تعرية أجزاء منه. وقد تبدى هذا الكبت كذلك، الذي اتخذ أشكال التسلط ممثلا في وبأشكال المكونات الرباعية، في الموقف من المغنية جينيفر لوبيز بمهرجان موازين التي قدمت سهرتها باعتبارها خطابا وظفت فيه فنيا وإنسانيا اللباس والجسد والحركة والصوت والتوزيع والكلمة وديكور خشبة المسرح، التي بوحدتها وفي وحدتها، كان الحضور أمام جسم مفعم بالحيوية والصفاء والإبداع الذي هو، بالكاد، الحياة.إنها الحيوية والحياة التي صعب على أصدقائنا التقاطها بفعل كون أن بؤرة الانتباه المكبوتة كانت غارقة بكليتها في جسد يرقص حياة أمامهم وهو الوضع الذي يستفز حتما المكبوت الذي تتولد لديه الرغبة اللاشعورية والشعورية والبهيمية في تملك الجسد ذاك. وقد اعتبرت الحركات الإسلامية تلك، بنوعيها المتشدد والمعتدل،أن السلوك ذاك،مهدد للتماسك الأخلاقي الإسلامي للمجتمع المغربي وبالتالي مهدد لنموه وتنميته عكس ما تعتقد به الحركات التقدمية. وفي هذا الصدد نقول أنه من البديهيات التي أكدتها مجمل الدراسات، استحالة حصول النمو والتنمية بإلغاء الجسد كتعبير ورقص وحركات أو قل كإبداع فني. إنه المؤشر القوي على قابلية أو عدم قابلية تطور المجتمع؛ فكلما حصل الإلغاء ذاك، كلما ازداد التخلف، وكلما حصل الاقتناع بقدرات وفاعلية الجسد كإبداع وبالتالي استحالة تهميش المرأة، كلما خطا المجتمع باتجاه النمو والتنمية في نظر الحركات التقدمية شريطة الحسم مع ظاهرة الفساد بمعنى أن نفي الجسد ذاك هو نفي لمعنى الحياة. وبنفس المعنى، ومن خلال مكوناتها الرباعية، أقامت الحركات الإسلامية المغربية، المتشددة منها والمعتدلة، ضجة حول فيلم سينمائي – حظي بالمنع الحكومي من العرض بالقاعات- تناول ظاهرة الاتجار بالجسد قصد طرحها على الرأي المغربي العام لتنال قسطها من التفكيك والتحليل والنقد. إنه موضوع لا يمكن نكران وجوده بالمغرب. لذا، فإبرازه وتشخيصه كظاهرة يقتضي إعادة بنائه، على المستوى السينمائي، وفي قالب فني،كما هو عليه في الواقع. فالتشخيص يقتضي احترام بطلة الفيلم واقع ظاهرة الاتجار بالجسد على مستوى اللباس والتجميل والسهرات وغيرها ، وإلا سنكون أمام ممثلة متطفلة ومهرجة. وعليه، فهذا الجسد العاري في أجزاء منه كما ورد في بعض اللقطات المسربة، هو ما أثار بؤرة انتباه الحركات الإسلامية المغربية. فلا شيء غير منطقي يثيره الفيلم أو قل أجزاء منه سوى ما تراه الحركات الإسلامية تلك من مناطق عارية من الجسد. لذا، غاب اعتبار الظاهرة ليحل محلها ضجيج، ليس في حقيقته سوى الاقتصاد الذي أخذ أشكالا جنسية ودينية واستبدادية؛ وقد تم ويتم تصريف هذه الأشكال وفق أساليب ظاهرها دعائي أخلاقي وباطنها سياسي استبدادي؛ وهي ،في كل ذلك، تقوم بتنفيذ برنامجها القاضي أساسا بعرقلة وتدمير الحركات التقدمية كمشروع مجتمعي. فوفق هذه الدلالة والأهداف يفهم حدث فتاتي انزكان الذي هو حلقة من حلقات فكر متخلف أرغمته العوامل الأربعة من اقتصاد وجنس ودين واستبداد على الإصرار على تحديد المرأة ككائن شيطان يتميز كجسد بالقدرة على الإغراء وإثارة الفتنة وخدمة أعمال الشيطان.

وبالمجمل، لكي لا ننساق وراء الجزئيات والدعاية، فحدث فتاتي إنزكان وأخواتها ليس سوى مناوشة ومظهر لما هو أعمق وهو المعنى الذي تحمله حكمة الثقافة الشعبية السابقة الذكر: لا دخان بدون نار. إن في الحدث ذاك وأخواته يوجد الخفي (الجشع الاقتصادي)، والتخدير (الدين)،والجنس (الكبت)،والاستبداد (السياسة). إنها المكونات الأربع التي بها حاربت وتحارب الحركات الإسلامية المغربية، المتشددة والمعتدلة على السواء، مشروع الحركات التقدمية الذي من بين بنوده، بند التنزيل الدستوري للحقوق الطبيعية والاجتماعية للمرأة كجسد وفكر في نفس الآن. لذا، فالمشكل هو أكبر من البقاء على مستوى سطح حدث فتاتي إنزكان وأخواتها، بقدر ما أنه مشروع واشتغال متواصل لإضعاف الحركات التقدمية في أفق تحقيق الهيمنة والسيطرة أو قل الرجعية والظلامية.