الاحتجاج بمنطقة الحسيمة بالريف: من- الحالة المحلية - إلى - الظاهرة -


محمد بوجنال
الحوار المتمدن - العدد: 5575 - 2017 / 7 / 8 - 13:32
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     



المغرب، ككل بلدان العالم، هو " مكان "؛ وقديما قال أرسطو: الطبيعة تهاب الفراغ؛ لذلك ،فمختلف النخب تحرص على تحرص على تشكيل الأمكنة تلك كل حسب مدى مواطنتها؛ فنجد نخبا تسعى لإغناء "المكان" بمأسسته وتوفير شروط تطوره، وهناك نخبا تسعى إلى تشكيله بممارسة الاستبداد عليه بصيغة ومبرر المشروعية؛ وفي الطرف الآخر، نجد الشعوب التي منها من اكتسب، بفعل العديد من العوامل، وعيا فعالا ومناضلا وعقلانيا بمعنى الوجود؛ ومنها من بقي ضحية تشكل النخب المستبدة قانعا خاضعا يأكل القوت وينتظر الموت كما تقول الثقافة الشعبية.
إذن، فالكلام عن الدولة المغربية ك"مكان" يقتضي منا ،وبالضرورة، استحضار النخبة المغربية المستبدة هي نفسها ك"مكان" معاق ومعيق، همها الأساس الحفاظ على السلطة التي هي أساس وأداة الحفاظ على نمو الثروة المخطوفة؛ وفي مقابلها يوجد الشعب المغربي ك"مكان"آخر تم اختطافه وإخضاعه لعملية الترويض والتسليع. وفي ذلك تم توظيف، منذ الاستقلال،" مبدأ الطبيعة تخشى الفراغ" أو قل أن النخبة تلك ك"مكان" تخشى التمرد، كما هو حاصل في الريف وغيره من المناطق والمدن المغربية وإن بأشكال مختلفة.
ومعلوم أن للتاريخ قواعده وقوانينه التي منها ما يبرز بالتدريج ومنها ما يبرز بشكل فجائي. إنها القواعد والقوانين التي تخشاها النخبة المغربية – وغيرها من النخب العربية-؛ لذا، فهي تعمل جاهدة على الهيمنة على "المكان" خوفا من اختراق القوى النقيضة له. إلا أن للتاريخ ك"مكان" منطقه الذي ينصت إلى قوانينه المتراكمة أو أحداته الفجائية التي قد لا تحترم النخبة المغربية ك"مكان" مستبد وفاسد. وهذا هو وضع الشعب المغربي ك"مكان" تسربت إليه متغيرات تمردت على ظاهرة الخضوع والطاعة والخوف ولغة الكذب؛ فتمكنت بذلك من فرض بعض مواقفها على خطاب وأيديولوجية النخبة ك"مكان". وقد ترجم ذلك باحتجاجاته المتتالية والمتكاثرة التي تعني سوسيولوجيا بداية تشكل الاحتجاج ك"ظاهرة" ترفض الاستبداد والوصاية أو قل تمكنها ك"ظاهرة" من محاولات استرجاع نسبة معينة من الحقوق باعتماد آليات التمرد التي أصبحت جزء لا يتجزأ من مكونات ثقافة "المكان".
بالمعنى الوارد أعلاه، نسجل احتجاج منطقة الريف الذي تحول من "حالة محلية "إلى "ظاهرة"، الريف ك"مكان" يمارس عليه التهميش والتفقير والتسلط بالشكل الذي لم يعد بالإمكان استمرار تحمله؛ فحصل، وفقا لقوانين التاريخ، التي هي في جوهرها رزمة علاقات، الانفجار الذي عرى خداع النخبة المغربية ك"مكان" ماكر ظاهره يخفي فساد عمقه. ومعلوم أن ما تتميز به الظاهرة السوسيولوجية هو كونها علاقات وتفاعلات أصبحت تحظى بالانتشار والتعميم وفرض الذات. لذا، ووفق هذه القادة، تم التفاعل مع احتجاج الريف في الكثير من المناطق مدعمة الاحتجاج بمنطقة الريف، ومعبرة في نفس الآن عن استيائها هي بدورها من التهميش والتفقير والتسلط والفساد. لذلك قلنا أننا أصبحنا أمام الاحتجاج كظاهرة سوسيولوجية توجد في "المكان"، وقد تتخذ أبعادا أخرى تتحدد بمدى تطور العلاقات في "المكان"
وفي هذا الإطار، نسجل ضعف النخبة ك"مكان" بصدد قضايا المجتمع المغربي وبالتالي ضعفها كمؤسسات وآليات وومعتقدات وايديولوجيات؛ ومن هنا أهمية وضرورة تشريحها سوسيولوجيا؛ تشريح يمكننا من فهم أكثر لضعفها وارتباكاتها أمام قضايا واحتجاجات ومطالب الشعب الذي منه على سبيل المثال لا الحصر احتجاجات منطقة الريف حيث أن تركيب بنية عقل النخبة ك"مكان"، عوض الاستماع للمطالب والاستجابة للمنطقي فيها كضرورة محاربة التسلط والفساد والتهميش والتفقير، نجدها تفاجأ بإصرار الشعب على الاستجابة لمطالبه، بل وإصراره على انتزاع حقوقه المشروعة التي طالما صادرتها منه النخبة تلك. بل وفي الوقت الذي ترتفع فيه وتيرة الاحتجاج من "الحالة المحلية" إلى "الظاهرة"، يزداد في الآن نفسه ضعف النخبة والاكتشاف المتزايد لفسادها وهو ما يعني أنها بقيت سجينة عقلية فاسدة يجب تحليلها استعانة بالسوسيولوجيا.