الظواهر والأوبئة منطق فكر قوى الاستبداد

الأنظمة الفكرية في العالم التي منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لم تكن سوى مراوغات اتخذت صيغة الإنشاءات اللغوية التي وفقها تم إلغاء الطبيعة والإنسان في حقيقتهما؛ وبعبارة أخرى، فالأنظمة الفكرية تلكن بمختلف مجالاتها عملت،ومنذ قرون،على التعدي على الطبيعة والإنسان مشرعنة اعتداءها ذاك باعتماد الإنشاءات اللغوية ذات القدرة الساحرة والمستوى العالي على الإقناع والإحلال.إنه الانفصال المخدوم عن الطبيعة والإنسان ليبقيا شأن مصالح قوى الاستبداد على مر العصور.وعليه، فوضع الطبيعة والإنسان إلى حدود انفجار وباء كورونا كوفيد-19 ليس سوى وضعا وهميا سلبت منه حقيقته. هذا الإعتداء أسس، ومنذ قرون، لطبيعتين ونوعين من الكائنات البشرية:الطبيعة /الوهم والطبيعة/المادة،الإنسان/الوهم والإنسان/المادة. فالأولى – الطبيعة/الوهم- تم التأسيس لها وتصويرها وتعليمها وتقديمها للشعوب في قوالب وهمية ادعت دوما أنها الحقيقة وهو ما انتشر وساد واكتسب،بفعل التراكم، مناعة تقتضي جهدا ينتظر البشرية؛ جهدا مشروطا بتحقيقها حصول التحرير والتحرر من سيطرة قوى الاستبداد. بهذا التصور، تم تشكيل وتسليع البنية الذهنية والشعورية واللاشعورية للشعوب في التاريخ؛ بهكذا نهج، تمكنت قوى الاستبداد، بفعل توظيفها الإنشاء اللغوي، من بناء جدار سميك بين الشعوب وحقيقة الطبيعة والإنسان لتستفرد بهما عبثا وتدميرا.أما مقابلها،الطبيعة/المادة فقد تملكتها وامتلكتها قوى الاستبداد معتبرة إياها حقها المشروع دينيا ودنيويا؛ إنها، كما ترى، مصدر الغنى والتفوق والرفاهية؛ لذا، كانت قوى الاستبداد، على مر العصور، تتصرف فيها وفق مبدأ "الغنى المتزايد " غير مبالية بأشكال الخلل الذي تلحقه بهما باعتدائها المستمر على مكوناتهما. ولا شك أن رفع سقف الاعتداء ترفضه الطبيعتان، الطبعية والانسانية؛ ومن هنا نفهم الكوارث الطبيعية التي نعيشها اليوم التي منها سلعنة الإنسان ليغدو الإنسان /الوهم حيث يصبح الأفراد- وبالتالي الشعوب – يتجولون وهم جاهلون بذواتهم، يضحكون وهم جاهلون بسعادتهم، ينظرون بأعين غير أعينهم، يسمعون بأذن غير أذنهم، يأكلون ويشربون وأجسامهم مختبرا للتجارب كالفئران،يفكرون وهم ليسوا سوى أشباح. وبالمحصلة،فالأنظمة الفكرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، السابقة منها والحالية،بفعل سحر الإنشاء اللغوي، هي أنظمة سلبت الإنسان، وعلى مر التاريخ،حقيقة وجوده ليصبح حيوانا مفترسا لأخيه الإنسان أو قل لعبة بأيدي قوى الاستبداد توظفها كلما أرادت وأينما أرادت؛ إنها كوارث الاقتتال وأشكال الإجرام في مناطق عدة من العالم وخاصة منطقة الشرق الأوسط أو قل أنه وباء الاقتتال والاجرام بفعل تسليع الإنسان، على مر التاريخ ومنعه من الوعي بذاته وتحريره وتحرره من الإنشاء اللغوي لقوى الاستبداد.هذا الوباء الأول.أما الباء الثاني،بفعل عدوان قوى الاستبداد فهو الاعتداد، ومنذ قرون،حيث مارست عليها القوى تلك الاستغلال المتوحش والتدمير المتصاعد لمكوناتها حيث تم الاعتداء على طبقات الغلاف الجوي وطبقات المناخ بالزيادة من إنتاج المواد ذات النفايات المضرة بقوانين الحرارة والتي رفضت قوى الاستبداد الحد من إنتاجها؛ لقد استمر ،وما زال، إنتاج المواد الكيماوية والفزيائية والبيولوجية والنووية دون احترام لقوانين الطبيعة، فحصل، بطبيعة الحال،ووفق القوانين الفزيائية والكيميائية والبيولوجية ، انفجارها في ما يسمى بالكورونا كوفيد-19 الذي ذهب ضحية شراسته العديد من الكائنات البشرية وما زال.أما الإنسان/المادي، في مقابل الإنسان/الوهم، فهو تلك القوى المستبدة ، هو مهندس الفكر الذي أسس لفكر اعتدى على الطبيعة والإنسان على السواء والمسئول الأول عن ظهور الكوارث والظواهر والأوبئة مدافعا عن تصوره باستحضار الإنشاء اللغوي.
وبالمجمل، فالظواهر التي تعرفها المجتمعات البشرية اليوم من غزو واقتتال وإجرام كالاقتتال في الشرق الأوسط وغيره، والكوارث كارتفاع درجات الحرارة والجفاف والإعصارات،والأوبئة ككورونا كوفيد-19 اليوم هو الإفراز المنطقي لتصرفت قوى الاستبداد التي اعتدت على الطبيعة والإنسان على السواء، وهو ما ولد لنا وباء مفترسا تمثل في الاقتتال المتوحش بين الكائنات البشرية وخاصة في الشرق الأوسط، ووباء مفترسا آخر تمثل في كورونا كوفيد-19 الذي تمثل شراسته تهديدا كبيرا للانسانية جمعاء. وفي المنطق نقول إن نفس المقدمات تنتج نفس النتائج؛ وعليه، كلما كانت مقدمات الفكر تمارس المكر والكذب وهو السائد على مر العصور ،مع الاستثناء، كلما عانت الطبيعة والإنسانية من شراسة الكوارث والأوبئة والظواهر.إنه الوضع الشرس الذي يقتضي المنطق مواجهته بحثا عن نقيضه.