أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - علي فضيل العربي - حديث عن أم ريفيّة ( 2 )















المزيد.....

حديث عن أم ريفيّة ( 2 )


علي فضيل العربي

الحوار المتمدن-العدد: 7387 - 2022 / 9 / 30 - 14:43
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


حديث عن أمّ ريفيّة ( 2 )

لم يشأ صديقي الريفي إنهاء حديثه و بوحه عن أمّه الريفيّة " الشهرزاديّة " . بدا لي أنّ ذاكرته تختزن عنها ملحمة عجيبة ، مرصّعة بالبطولة و الشموخ . كانت هبة للريف – و مازالت - هي شمسه المشرقة و بدره المكتمل و غدرانه الفضيّة و جداوله الرقراقة و خمائله الخضراء .
روى لي ، بفخر و اعتزاز ، كيف كانت أمّه سندا حقيقيّا لأبيه في أوقات الشدّة و العسرة ، و كيف كانت له في أوقات المسرّات – رغم قلتها - بردا و سلاما و جُنّة و سكنا . و أردف قائلا :
كانت أمّي - منذ زواجها – خفيفة الظلّ ، باسمة الثغر ، عزيزة النفس ، لا تفوتها صلاة ، متصدّقة ، زاهدة في مأكلها و ملبسها . لم أسمع يوما ، أنّها أرهقت جيب أبي ، أو طلبت منه ، ما هو فوق طاقته المالية . بل كانت تغضب – أحيانا – بلطف ، إذا جلب لها أبي ثوبا أو حذاء ، أو قطعة قماش بواسطة الإقراض . كانت تفضّل أن لا يشتري لها ، فنحن الأبناء أحقّ و أولى . و تسأله : كم دفعت في هذا الثوب أو الحذاء أوالقماش ؟
فيجيبها : لم أدفع فيه فلسا واحدا ؟
كيف ، لم تدفع فلسا واحدا ، هل وجدته على قارعة الطريق ؟
و لحظتها يقول لها أبي مبتسما :
اشتريته ( بالكريدي ) .
لحظتها يرتفع ضغطها ، و تحمّر وجنتاها ، و تتّسع عيناها ، و يغلي مرجلها ، و هي تردّد :
أعده إلى صاحبه ، لن ألبسه ، لن أنتعله . أنا مستورة ، و الحمد لله .

و أضاف صديقي الريقيّ :
و كانت أمّي الريفيّة تحتفظ ، بصندوق من الخشب الأصيل ، على جوانبه منمنمات لأزهار خضراء و أورجوانيّة اللون ، و سنونوات سوداء ، و خطوط حمراء و صفراء و خضراء ، مستطيل الشكل ، لا يزيد ارتفاعه عن المتر ، و عرضه في حدود نصف المتر ، أما طوله فمتر أو يزيد . أخبرتني ، أنّه صندوق عرسها ، وضعت لها أمّها ( جدّتي ) فيه ، عباءة و قطعة صابون و كحلا و عطرا بلديّا و مسكا و خلخالا من الفضّة ، و أشياء أخرى ، لا طائل من ذكرها . لكن ، أغلى ما حملته إلى بيت زوجها - الذي لم تعرفه ، و لم يعرفها ، و لم تره ، و لم يرها - وصيّة نفيسة من أمّها ( جدّتي ) . فقد أوصتها بوجوب القناعة و الطاعة ، و السهر على راحته رجلها ( زوجها ) و خدمته ، و حفظ أسراره و صون ماله و حسن تربيّة عياله .
و وصفت لي أمي الريفيّة – قال صديقي الريفيّ - يوم عرسها . و قالت :
جاء الدفّاعة ( أهل العريس ) عند الضحى ، على الخيل و البغال ، حاملين معهم الزاد ( المهر ) ، على عرف الوليّ الصالح ، سيدنا معمر ، أبومكحلة ( بندقيّة ) . وكان عبارة عن كبش أقرن و قنطار سميد أجود و قدر من الدُّهن ( الزبدة ) البلدي الأصيل ، و محرمة أرجوانيّة اللون ( منديل يوضع على الرأس ) ، و قطعة من الذهب ، قيمتها ربع دينار . أحسن أبي ( جدي ) استقبالهم ، و أكرمهم كرما حاتميّا ، و بعد الغذاء و شرب القهوة و الشاي ، أركبوني حصانا رفقة شيخي ( والد الزوج ) ، و غادروا مساء ، تحت وقع بارود الرجال و زغاريد النساء و غنائهم . ( يا علايتي سيدي معمر يا علايت السادات .. يا علايتي بو مكحلة حرمات حميسيات ) .

و أردف صديق الريفيّ قائلا :

و طوال حياتي ، لم أر أبي يشتري ، كثيرا من مواعين مطبخنا المتواضع و البدائيّ جدّا . فهو عبارة عن جزء من مساحة الكوخ المستطيل ، احتوى في زاوية من زواياه الأربعة ، على كانون بأثافيه الثلاث ، و مائدة خشبيّة دائريّة الشكل ، تكاد تلامس الأرض لقصر قوائمها الأربعة ، و غرابيل معلّقة في الركيزة ، التي تتوسّط الكوخ ، و قليل من المؤونة موضوعة فوق سُدّة ( مرتفع عن الأرض ) ، خوفا من البلل ، و مرفعا خشبيّا معلّقا على الجدار الطينيّ ، و رحى حجريّة يدويّة ، و ملاعق خشبيّة ، و قدور و كساكس من الطين المحلّي .
و كانت يد أمّي ماهرة في تمليس ( صنع ) الأواني الفخاريّة ، مثل الصحون و القدور و الكساكس و القصع . ثم تتفنّن تزيينها بطلاء أرجواني ، تجلبه من الجبل و تدقّه و تعجنه بالماء ، ثم إذا جفّت ، تحميها ( حرقها ) في تنّور ، ناره من ( الوقيد ) ( روث البقر ) . كانت أمّي – رحمها الله - توفّر على أبي ثمن شراء الأواني ( العصريّة ) من السوق أو الدكاكين .
قلت له : كانت أمّك – طيّب الله ثراها - امرأة من طينة النساء العظيمات .
- أجل ، يا صديقي . لم تكن تنتمي إلى عالم ( النصف ) . و لم يكن ينقصها عقل أو دين أو حكمة . كانت هي ( الكلّ ) ، و أبي هو النصف . كانت ركيزة الأسرة ، و سقفها ، و جدرانها ، و شمسها . تعمل عمل النساء و عمل الرجال ، و لا تكلّ أو تملّ ، أو تشكو من عناء أو شقاء .
ثم واصل صديقي الريفيّ حديثه ، بعد هنيهة صمت و تأمّل :
لم يكن أبي قادرا على إشباعنا - نحن دزينة من الأبناء ( اثنا عشر ) - و ردّ شبح الجوع عنّا و حمايتنا من غاراته طوال فصول السنة كلّها ، لولا حكمة أمّي و براعة تدبيرها . كانت بمثابة الرئيسة في الأسرة ، و أبي نائبها ، و نحن معشر الأبناء رعيّتها .
لقد شاركت أمّي الريفيّة في ثورة بلادها ضد المحتل الأجنبي . كان سلاحها إطعام المجاهدين الجوعى ، تخبز لهم و تفتل الكسكسي ، و تعدّ لهم القهوة و الشاي ، و تخفيهم في المطامير و السراديب إذا داهمهم خطر ، و توصل لهم المؤونة في قمة الجبال ، و كانت عينا من عيون الثورة . و لولا أمّي – و مثيلاتها الريفيّات - ، لمات أكثر المجاهدين جوعا .
و العجب العجاب هو خروج علينا بعض المعتوهين ، و فاقدي العقول ، ليمضغوا أقوالا يتّهمون فيها المرأة بالنقص و القصور العقلي و الديني . و يدّعون القوامة ، و هم الخاملون ، الكسالى ، أحلاس المقاهي ، يأكلون و يشربون و يلبسون و يدخنون السجائر من أجرة المرأة ، و من ذمتها الماليّة ، و لا يستحون .
و اختتم صديقي الريفيّ ، ملحمته عن أمّه الريفيّة قائلا :
ألا ، ما أتعس مجتمع يهين كرامة المرأة ، و يهضمها حقوقها الشرعيّة و القانونيّة ..



#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث عن أم ريفيّة
- الكتاب الورقيّ في عصر الرقمنة.. ما محلّه من الإعراب ؟
- الحرب النظيفة و الحرب القذرة
- أزمة الذكورة و الأنوثة في المجتمع العربي ؟ أين الخلل ؟
- تثقيف السياسة
- هل سيندلع الشتاء الأوربي ؟
- الفلسفة و الحرب و السلم
- قوارب بلا تأشيرة
- على هامش الصيف
- ماذا بعد الحرب الروسية الأوكرانيّة ؟
- وجهة العالم المعاصر . إلى أين ؟
- لماذا الحرب أيّها العقلاء ؟


المزيد.....




- الكشف عن وجه امرأة -نياندرتال- عمرها 75 ألف عام
- تحديد الجنس الأكثر عرضة للوفاة المبكرة
- تهم “الإرهاب” الكيدية تلاحق الناشطات مناهل العتيبي وبشرى بلح ...
- هل هناك -فجوة صحية- بين النساء والرجال؟ دراسة تجيب
- قوات الاحتلال تعتقل امرأة و 14 فلسطيني في الضفة الغربية
- هل يؤثّر منح اللجوء للنساء الأفغانيات على معدّلات الهجرة في ...
- هل تسقط حصانة جيرار ديبارديو أخيرًا ويحاسب على اعتداءاته؟
- الناشطات مناهل العتيبي وبشرى بلحاج وجميلة بن طويس بمواجهة ته ...
- مركز أبوظبي للغة العربية يُخلّد منجزات المرأة في كتاب «مئة م ...
- بينهم -تيك توكر- شهير.. ضبط عصابة لاغتصاب الأطفال في لبنان


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - علي فضيل العربي - حديث عن أم ريفيّة ( 2 )