دور همفري بومان في التعليم الابتدائي ومناهجه في العراق من 1918 1920 م

كريم الوائلي
كاتب وناقد ادبي وتربوي .
(Karim Alwaili)

الحوار المتمدن-العدد: 6896 - 2021 / 5 / 12 - 23:44
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    

عمدت سلطات الاحتلال البريطاني الى اختيار مدير عام للمعارف في العراق، وكان الأمر مترددا بين بين شخصيتين ــــ لاسباب عديدة، ليس هنا مجال سردها ـــ هما : كراوفوت J.W.Crawfoot والكابتن ( الميجور لاحقا ) همفري بومان Humphrey.E.Bowman.1
وقد وصفوه بانه " رجل نشط، ومثابر، ولكنه ضيق الأفق وغير قادر على الدوام على إخفاء شكوكه ونفاد صبره مع زملائه من الموظفين العرب .... فهو شغول ونشط ومحب للنظام .... لكنه كان ذا نزعة عسكرية استعمارية شديدة " .
المرحلة الاستكشافية :
شرع همفري بومان باستكشاف الواقع التربوي العراقي عمليا، ولذلك بمجرد أن وصل البصرة في شهر آب 1918 م التقى بالدكتور جون فان ايس " وقد افاد منه في التعرف على أحوال المناطق المحتلة عامة، وعلى شؤون التعليم خاصة " .
ولاريب أن منهج كل منهما يختلف عن الآخر، إذ يعتمد جون فان ايس التجربة التعليمية الامريكية، وما حققه من إنجازات خلال عمله في الارسالية الامريكية العربية في البصرة، وهيمنته على العمل التربوي في الجنوب طيلة الاحتلال البريطاني الى أن جاء همفري بومان ،وكانت له آراؤه التي سعى الى تنفيذها مما اشرنا اليه، بخاصة تأكيده على تدريس اللغة الإنكليزية من الصف الأول الابتدائي، وان يكون نظام التعليم قائما على أسلوب المجموعات وليس نظام الصف .
اما همفري بومان فانه شرع في تنفيذ أفكاره البريطانية، وخبرته وتجربته الشخصية ونسخ التجربة التعليمية المصرية على الرغم من تفاوت طبيعة المجتمعين العراقي والمصري، ويمكن الإشارة الى طريقة بومان في تقسيم التعليم الى مدارس أولية ومدارس ابتدائية، مما يأتي الحديث عنه لاحقا.
وسعى بومان الى استقلال المعارف عن نظارة المالية، وبذا أصبحت نظارة المعارف مستقلة وبات بومان مسؤولا امام الحاكم الملكي العام ارنولد ولسن، وكونه مستشارا تعليميا للإدارة البريطانية في قضايا التعليم في ولايات بغداد والبصرة والمناطق المحتلة من ولاية الموصل . وقد تزامن ذلك مع استقلال المعارف في بناية خاصة هي بيت ( دلة )2 لأنه الفى مكاتب التعليم محشورة في بضع غرف في السراي القديم، وهي لا تتفق مع سياسته في توسيع خدمات التعليم التي يروم تحقيقها، ولذلك انتقل الى مكاتب رحبة في بناية فخمة تطل على نهر دجلة.
وأخذ بومان يوسع من اعداد الموظفين في نظارة المعارف، فلقد وجد في موظفين بريطانيين هما ( ماكرك ووليامس ) إضافة الى الفلسطيني حسني عبد الهادي الذي قدم استقالته، لأنه ـــ كما يقول عبد الرزاق الهلالي ـــ لم يشأ أن يتعاون مع الميجر بومان الاستعماري فاستقال من الوظيفة وغادر العراق ، ولقد التحق بنظارة المعارف المصري محمد عبد العزيز الذي أسندت له إدارة دار المعلمين، وقرر بومان تعيين سعدون الشاوي معاونا شخصيا له، وعين يوسف إبراهيم باشا سكرتيرا شخصيا، وعبد الكريم الجلبي مديرا للقلم العربي، وعبد الله مظفر ومحمد بشقة وعباس محمود وطالب مشتاق.
ومن الجدير بالذكر أن هؤلاء الموظفين يشرفون على مدارس بغداد، اما مدارس البصرة، فكانت تحت اشراف موظفي الواردات " واما المناطق الأخرى فقد كان الحكام السياسيون ومعاونوهم هم الذين يشرفون على المدارس فيها، إلا انهم يتبعون في ذلك التعليمات التي كانت تصدر عن نظارة المعارف العمومية في بغداد" .
وقام بومان بجولات تفتيشية للمدارس للوقوف على سير العملية التعليمية، وكذلك للبحث عن المعلمين القدامى لتكليفهم بإدارة المدارس، وذلك لعدم " مقدرة مديري المدارس الشبان ... في تحمل أعباء الواجبات الإدارية " كما انه كان يعقد اجتماعات أسبوعية مع مديري المدارس كي يتناقش معهم في الشؤون التعليمية، ويستفيد من ملاحظاتهم والمشاكل التي تعترض أعمالهم.
ومن اجل تنظيم العمل في إدارة نظارة المعارف قام بومان بتقسيم مناطق العراق على النحو الآتي :
1 ـــ منطقة معارف بغداد :
وتشتمل على : بغداد، ولواء الدليم، وسامراء، والكوت، وديالى، وعين لإدارتها : المستر كالين J.A.Glen .
2 ـــ منطقة معارف الموصل : وتشمل على المنطقة الشمالية، وقد عين لإدارتها الكابتن: بيس E.H.Base .
3 ـــ منطقة معارف الحلة : وتشتمل على : الحلة، والشامية، والديوانية، وقد عين لإدارتها الكابتن : ستو stow .
4 ـــ منطقة معارف البصرة : وتشتمل على : البصرة، والناصرية، وقد عين لإدارتها المستر ماكرك .
وابقى الكابتن جيروم فارل Jerome Farrell والكابتن رايلي F.B.Riely في المركز العام لنظارة المعارف العمومية، إذ كان يطلب منهما القيام بجولات تفتيشية بين الحين والأخر .
وبعد مرور سنتين من عمل بومان وقبل مغادرته العراق قرر تقسيم المناطق التعليمية على النحو الآتي :
1 ـــ منطقة معارف بغداد :
وتشتمل على : بغداد، ولواء الدليم، وسامراء، والكوت، وديالى، وعين لإدارتها : المستر كالين J.A.Glen .
2 ـــ المنطقة الشمالية وتشمل اعمالها منطقة الموصل، وقد ظل مسؤولا عنها الكابتن بيس E.H.Base .
3ـــ المنطقة الشمالية الشرقية : وتشمل اعمالها السليمانية وكركوك واربيل وعين لإدارتها الكابتن : جيروم فارل .
4 ـ المنطقة الغربية وتشتمل على : الحلة، والشامية، والديوانية، وقد عين لإدارتها المستر ليونيل سميث Lionel F.Smith.
5 ـــ المنطقة الجنوبية : وتشتمل على : البصرة، والناصرية، وقد عين لإدارتها الكابتن رايلي F.B.Riely .
المرحلة التنفيذية :
عقد همفري بومان اجتماعا موسعا مساء 19/9 /1918، حضره عدد كبير من وجهاء بغداد وأدبائها ومديري مدارسها ومعلميها، وألقى خطبة باللغة العربية، وقد تضمنت هذه الخطبة سياسته التعليمية التي يروم تنفيذها في العراق .
اكد بومان أن التعليم في العراق متأخر، وان رقي أي بلد رهين التعليم الصحيح، واكد أن الحكومة البريطانية عينته للقيام بهذه المهمة، وقد ارسى خطته على المحاور الآتية :
1 ــ اللغة : إذ يعدها أساسا للتعليم، لأنها قد اهملت في هذه البلاد مع انها من احسن لغات العالم واغناها، ولذا عقد العزم على ترقية اللغة العربية في المدارس الحكومية باسرها، لاعتقاده أن ترقية التعليم الثانوي والعالي لا يكون إلا بترقية اللغة العربية .
2ــ الأخلاق : وهي التي يتوقف عليها تهذيب العقل، وقرن الأخلاق بالدين، لان الدين يكوّن الاخلاق، ولذلك أولى الدين عناية فائقة في المدارس الحكومية، حيث أصبحت حصص مادتي القرآن الكريم والديانة ستة دروس في الأسبوع في المدارس الأولية، وأربعة أو خمسة دروس في الصفوف الابتدائية، وقد اسهم بتحديد مفردات الدين مما سيأتي الحديث عنه في منهج الدراسة الابتدائية، كما أن بومان يعنى باختيار معلمين لتدريس الدين، ويشترط لذلك أن يكونوا أكفاء، ليس في المعرفة الدينية بل في اخلاقهم أيضا .
3 ــــ الصحة : ويرى بومان أن العقل السليم في الجسم السليم، وبحكم نزعته العسكرية جعل الرياضة البدنية والألعاب ضمن منهاج التدريس في المدارس، كما انه أولى عناية خاصة بالحركة الكشفية.
مذكرة السياسة التعليمية لبومان :
نشر عبد الرزاق الهلالي ترجمة كاملة لنص مذكرة عن السياسة التعليمية قدمها همفري بومان في شهر آب 1919م، وصادق عليها الحاكم الملكي العام، وسنتوقف عند اهم محاورها وبخاصة فيما يتصل بموضوع بحثنا .
وجه بومان نقدا لنظامين تعليميين، أولهما : النظام التقليدي للتعليم الذي يقتصر على تدريس العلوم الدينية التقليدية، مثل المعارف الدينية وقواعد اللغة العربية والبلاغة ونحوها من المواد ذات الصبغة الدينية التقليدية، كما هو الحال في الازهر، التي لا يتخرج الطالب منها إلا وهو معبأ بالمذاهب الإسلامية واللغويات العربية وليس سوى ذلك من أي معرفة ، وثانيهما : نظام التعليم العثماني : يقول بومان " ان نظام التعليم الذي كان متبعا ابان العهد العثماني في بلاد ما بين النهرين، لم يكن نظاما جيدا أو كفوءا " .
وعلى الرغم من أن المدارس كان لها وجوده في مدن العراق كلها تقريبا، وان دور المعلمين فتحت في الولايات الأساسية بغداد والبصرة والموصل، غير أن " الأنظمة والتعليمات الخاصة بمنهج الدروس والنظام والانضباط والدوام لم تكن جيدة إلا على الورق فقط . وبهذا فان واجهة التعليم في العهد العثماني ـــ بحسب همفري بومان ـــ كانت جميلة الشكل غير أن الأسس التي قام عليها كانت ضعيفة، وهيكلة الداخلي فارغا اجوف " .
وقد انعكس ذلك بشكل جلي على مخرجات التعليم لدرجة يمكن القول معها " أن شبان البلدان وبدون استثناء كانوا خلواً من أي تعليم ...لقد كان بإمكان هؤلاء الشبان الذين تعلموا في ذلك العهد القراءة والكتابة والتكلم باللغة التركية، اما لغتهم العربية فإنها كظاهرة عامة لم يكونوا قادرين على كتابة رسالة خالية من الأخطاء النحوية والاملائية" .
ولذلك يسعى همفري بومان الى تجاوز ذلك بعد الاحتلال البريطاني، وذلك من خلال تأكيده على شروط التعليم : اللغة والأخلاق والصحة التي تحدثنا عنها سابقا، كما انه شرع في تحديد السياسة التعليمية، ومن ضمن ذلك وضع نظام للتعليم ومنهج للدراسة الابتدائية، مما سياتي الحديث عنهما .

محددات السياسة التعليمية عند بومان :
1- الإصلاح التدريجي لإزالة اثار النظام التعليمي العثماني واستئصاله، ليحل محله نظام متين راسخ على حد قوله ( ) .
2- البدء بالدراسة الابتدائية وفتح مدارس في الأماكن التي تكون الحاجة اليها ماسة، وتعترض هذه الخطوة بعض المشاكل :
أ‌- نقص في الإدارة الكفوءة.
ب‌- نقص في اعداد المعلمين الذين ( ابتلعتهم الحرب ) ( ) واكثرهم من الاتراك. ويرى أن من تخرج من دار المعلمين في بغداد والبصرة على قلتهم افضل من أولئك الذين تدربوا في العهد العثماني ( ).
وقد تضمنت مذكرة همفري بومان أصناف المدارس، حيث كانت المدارس مصنفة الى أربعة أصناف في ظل الدولة العثمانية، على النحو الآتي :
1 ــــ المدرسة الأولية . Elementary school
2 ـــ المدرسة الرشدية . Primary school
3 ـــ المدرسة الإعدادية . Secondary school
4 ـــ المدرسة الإعدادية . High school
ويعرض بومان أصناف المدارس كما حددها على النحو الآتي :
1 ــــ المدرسة الأولية . Elementary school
2 ـــ المدرسة الابتدائية . Primary school
3 ـــ المدرسة الإعدادية . Secondary school
4 ـــ المدرسة الإعدادية . High school
وقد حدد بومان الفئات العمرية للطلاب في المراحل الدراسية وعلى النحو الآتي :

المدرسة مدة العمر/ سنة مدة الدراسة/ سنة
الأولية 6ـــ 8 2
الابتدائية 8ـــ 10 4
الثانوية 12 ـــ 14 4
العالية 16 ــــ 18 3

ولقد اقتبس همفري بومان نظام الدراسة الثنائي في المرحلة الابتدائية، المدرسة الأولية والمدرسة الابتدائية من النظام التعليمي في مصر مما سيأتي الحديث عنه، ولذلك حاول إيضاح الفرق بينهما، إذ يرى " أن المدارس الأولية هي مدارس القرى والمدن الصغيرة والتي يكون منهج الدراسة ذا طبيعة بسيطة، لا تعلم فيها اللغة الإنكليزية وساعات الدراسة فيها اقل من ساعات المدرسة الابتدائية، ولكن المدرسة الأولية قد تتطور في بعض الحالات وتصبح مدرسة ابتدائية إذا كانت الظروف ملائمة لذلك، اما المدرسة الابتدائية فهي في الوقت الحاضر اقرب الى المكتب الرشدي الذي كان في العهد العثماني وارقى من المكتب الابتدائي في ذلك العهد "
وقد تعرضت مذكرة بومان الى موضوعات أخرى، لا تتصل بموضوعنا بشكل مباشر، وهي التعليم الثانوي، والتعليم العالي، ومدارس البنات، وبنايات المدارس وغيرها .

الهوامش :
1 همفري بومان ( 26/7/1879ــــ 23/3/1965 ) تلقى تعليمه في إيتون ونيو كوليج، أكسفورد، والتحق بالمعارف المصرية ايام المستشار دنلوب في سنة 1903 م حتى 1911 م، حيث انتدب للعمل في معارف السودان حتى اكتوبر 1913 م، وغادر العمل التربوي ليصبح مديرا للبعثة العلمية المصرية في انكلترا، وشارك بعد ذلك في المعارك التي جرت في فرنسا 1915 ــ 1916 م، وعين في تموز 1916 م ضابطا برتبة كابتن في مقر القيادة البريطانية في يورك في انكلترا، عين مديرا عاما للمعارف العرقية تحت اسم ( ناظر المعارف العمومية ) واستلم عمله 22/ آب / 1918م وغادر العراق بعد ان انهى خدماته في اب 1920 م.
2 تكرر هذا الاسم كثيرا في المراسلات والتقارير الخاصة بالتعليم في العراق ، وهو اكبر الخانات الموجودة في بغداد ، وكانت السلطات البريطانية اتخذته مركزا للشرطة ومحلا لتوقيف المظنونين والمعتقلين ، يقع في شارع النهر وهو يعود الى عبد القادر دله الذي كان ثرياً من اثرياء العراق ، واصبح خان دلة لاحقا مقرا لمعارف العراق

#كريم_الوائلي (هاشتاغ)       Karim_Alwaili#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات