أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الدين داء أم دواء ؟














المزيد.....

الدين داء أم دواء ؟


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6887 - 2021 / 5 / 3 - 12:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
٤٠ - الدين أفيون الشعوب
لا أحد يستطيع أن يدعي اليوم أن قصيدة بارمينيس ونصه المؤسس للفلسفة "في الطبيعة"، ولا الفلسفة اليونانية بأسرها، ولا نقد كانط ولا ديالكتيك هيجل، ولا فكر شوبنهاور أو فويرباخ، ولا هايدجر ولا سارتر ولا ميرلوبونتي، ولا العشرات من الفلاسفة الذين واجهوا هذه الإشكالية ووجدوا بعض الحلول والمعادلات الصحيحة لفهم الكينونة والزمان والعدم، لا أحد يدعي أن ذلك له تأثير ولو ميكروسكوبي أو حتى نانوني على إنحسار القلق والإحساس بالعبثية والخواء وعدم ضرورة الحياة والوجود. ومن جهة أخرى نرى الأديان، بصورة عامة تقدم حلولا جاهزة ونهائية، تقضي على القلق والضياع وتعطي للإنسان سببا للحياة وهدفا بعد الموت، وتزوده بالخرائط اللازمة لمواصلة الطريق بثقة وأمان. ومع ذلك، فإن القلق لا يختفي نهائيا، لأن هذا الحل الديني يتطلب من الإنسان أن ينسلخ عن العقل وأن يضعه بين قوسين مؤقتا أو نهائيا، مما يسبب قلقا من نوع جديد.
كنا نعتقد أنه قبل ظهور الفلسفة اليونانية، كان العالم الذي يعيش فيه الإنسان كائنا عينيا صلبا لا شك في واقعيته، بعواصفه وبراكينه وزلازله وبرده وحرارته، الإنسان كان يعاني ويختنق من كينونة الظواهر الطبيعية ولم يكن له الترف أو إمكانية الشك في وجودها. العالم كان هنا كما كان الإنسان ذاته، بلا مبرر وبلا هدف. ومع تطور الإنسان وتطور قدراته العقلية أصبح يميز بينه - أي الإنسان ـ وبين الحجر الذي بدأ يستعمله، بينه وبين النار التي تمكن ما تطويعها ليستدفأ بها في الليالي الباردة، وبينه وبين الشمس والقمر والريح والمطر .. لقد بدأ ينفصل تدريجيا عن العالم وبدأ في تكوين ذاته وهويته الجماعية كقطيع من البشر يحاول أن يظل حيا في عالم شرس يعج بالفخاخ والمصائد والمطبات. وعندما أكتشف الإنسان عملية الإنفصال، وبأنه لم يعد جزءا مما يحيط به من الأشجار والأحجار والبحار والأنهار، بدأ الخوف الحقيقي يدخل قلبه وبدأ "الشيطان" يوسوس في صدره ويزرع الشكوك في حواسه. وهنا بدأت بضاعة الدين في الظهور، وإنتشار تجارة الآلهة كبضاعة بلا منافس. ويجب القول بأنه في تلك الظروف المعرفية، ربما لم يكن لهم حل آخر. الآلهة أو الأنظمة الدينبة، كانت بضاعة رائجة لأنها كانت لها وصفة سحرية، بل وصفات متعددة فيما يتعلق، ليس فقط بالظواهر الطبيعية ولكن أيضا بالظواهر النفسية والشعور بالخوف وبالموت. نعرف اليوم بأنه في ثقافة ما بين النهرين، والثقافة الفرعونية، وثقافة أمريكا الشمالية والجنوبية قبل إبادة الهنود، بأن "الكلمة" أو "الصوت" له "معنى" حسب الموقف والظروف والمكان والزمان، وأن الكلمة لها تأثيرها الفعلي على الأشياء، ومن هنا جاءت التراتيل والأناشيد والتضرعات والصلوات التي تستعمل الكلمات لتغيير أو التأثير في الظواهر الطبيعية. وبدأ الشك في وجود الأشياء ذاتها وفي حقيقة ما نراه حينما اكتشف الإنسان محدودية الحواس وضعف إمكانياتها وقدراتها المعرفية وكذلك إكتشافه لقدرة الخيال على صياغة الواقع وإكتشافه مبكرا لقوة الأحلام والقوة الإيحائية للظلال. ويبدو كأنه هناك نقطة مظلمة وغير مرئية أو غائبة عن التحليل والإستقصاء في تاريخ الفكر الفلسفي، فيما يخص أسباب الشك والإرتيابية في إمكانية العقل الإنساني لمسائلة الكينونة دون اللجوء للقوى الميتافيزيقة الخارقة، ويمكن أن تكون هذه الزاوية المظلمة هي إكتشاف الإنسان لـ "فرديته" وبالتالي لوحدته الأصلية المطلقة والمغلقة والغير قابلة للإنفتاح، وبالتالي إحساس مؤلم بالغربة والإنسلاخ. هذه الغربة الوجودية التي تغوص جذورها بعيدا في الوعي الإنساني، ترجع بدون شك إلى سقوط "الوجود الجماعي" والذي يمثله إنصهار الوعي الفردي في وعي جماعي كلي، وتحوله إلى "كينونة جماعية"، غير واعية بذاتها. نتيجة هذا السقوط أو التحول métamorphose - μεταμόρφωσις هو ذوبان هذه الكينونة الجماعية وتحولها تدريجيا إلى كينونة فردية واعية بذاتها وتكوين الآخر، الكينونة المنفصلة، ونشوء فكرة الفرد المعزول في قلعته الذاتية وجزيرته الخاصة. ويجد الإنسان نفسه منفصلا عن "القطيع" الذي كان جزءا حيويا منه، ويصبح نواة فردية تائهة في فراغ بلا حواف، ضعيفا، هزيلا، قابلا للسقوط والهزيمة والموت في كل خطوة وعند أول هبة ريح أو عاصفة.
يمكن تتبع أول الإشارات المسجلة والمكتوبة والتي تصور هذا الوعي الفردي بالقلق والخوف تجاه ظاهرة الموت منذ بداية الكتابة في حضارة ما بين النهرين، ونعني بذلك شخصية جلجامش التراجيدية، ورحلته الأسطورية الكبرى، هربا من وحدته وبحثا عن شجرة أو نبتة الخلود. كان جلجامش ملكا سلطويا وطاغية يفعل ما يشاء بشعبه، تقوده الرغبة في التسلط وإذلال رعاياه مستعينا ومفتونا بقوته الخارقة، حتى أكتشف الصداقة والحب في شخصية إنكيدو الذي جاء ليحد من طغيانه وتسلطه متحديا إياه بقوة مماثلة. غير أن إنكيدو سرعان ما سقط مريضا وفارق الحياة ليترك جلجامش وحيدا ومهزوما يأكله الخوف والقلق من مصير مشابه. ولم يكن لجلجامش من حل آخر، للتخلص من القلق والخوف الذي يسكن قلبه سوى ترك ملابسه الحريرية وفخامة قصره ويلبس ملابس إنكيدو البسيطة وينطلق بحثا عن حياة أبدية خالية من الموت. رحلة جلجامش الطويلة كانت للتخلص من القلق المزمن الذي اجتاح حياته بعد "غياب" إنكيدو، وإكتشافه للموت الفردي في عقر داره كما يقال، كحد أقصى للحياة البشرية ونهاية كل الرحلات وكل المغامرات وكل المشاريع، ليتحول الإنسان إلى جسد ساكن ينخره الدود .. ثم يوضع في صندوق نقفله وندفنه تحت التراب، ويختفي إلى الأبد.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة .. هي الحل
- الله والفيلسوف
- القاتل والمقتول
- عشتار وموت الله
- الإسلام والإغتيال السياسي
- التضحية بتموز
- عشتار تحت الأرض
- عن البداوة والحضارة
- القديسة العاهرة
- المهرج والساعة
- رأس فارغة للبيع
- عشتار
- فرانكنشتاين
- لولبية العبث
- صخرة سيزيف
- الشيوعية الأناركية
- لماذا خلق الله آدم يوم الجمعة ؟
- الله والفرن
- من تمنطق فقد تزندق
- الحصار


المزيد.....




- الدبلوماسية الأمريكية هالة هاريت توضح لـCNN دوافعها للاستقال ...
- الصحة السعودية تصدر بيانا بشأن آخر مستجدات واقعة التسمم في ا ...
- وثائقي مرتقب يدفع كيفين سبيسي للظهور ونفي -اعتداءات جنسية مز ...
- القوات الإسرائيلية تقتل فلسطينيا وتهدم منزلا في بلدة دير الغ ...
- الاتحاد الأوربي يدين -بشدة- اعتداء مستوطنين على قافلة أردنية ...
- -كلما طال الانتظار كبرت وصمة العار-.. الملكة رانيا تستذكر نص ...
- فوتشيتش يصف شي جين بينغ بالشريك الأفضل لصربيا
- لماذا تستعجل قيادة الجيش السوداني تحديد مرحلة ما بعد الحرب؟ ...
- شهيد في عملية مستمرة للاحتلال ضد مقاومين بطولكرم
- سحبت الميكروفون من يدها.. جامعة أميركية تفتح تحقيقا بعد مواج ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الدين داء أم دواء ؟