أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - صخرة سيزيف















المزيد.....

صخرة سيزيف


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6848 - 2021 / 3 / 22 - 12:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
٣٠ - سيزيف
أما الفلسفة فقد حاولت تفسير ما هو كائن وحاولت فهمه وليس تبريره أو إيجاد أسبابه، وحاولت تسجيل كل هذه التساؤلات والإهتمامات في مقولات ومفاهيم فكرية، وهو الفرق الكبير بين من يهتم بالسماء والملائكة ومن ينظر إلى الأرض والطبيعة. ذلك أن الفكر والعقل البشري هو آلية متحركة، ينمو ويتطور في أشكال مختلفة ومتناقضة، في تغير دائم في جميع الإتجاهات وذلك حسب المؤثرات الخارجية والداخلية المتعددة، الجغرافية والبيئية والإجتماعية والإقتصادية إلخ. الفكر ليس له ثبات أو ديمومة وهو ليس ذو بعد واحد، رغم أنه في نهاية القرن الماضي أصبح يفقد تنوعه تدريجيا. هناك على الدوام هذا التناقض الثري الذي يعطي للحياة طعما مختلفا عن طعم التراب الحجر. ورغم وجود هذه الخارطة الميتافيزيقية المفترضة، والتي كان هدفها أن يطمأن العباد ويواصلون رحلتهم في صمت ودون قلق أو خوف مما يجهلون، ويواصلون حياتهم كعبيد للآلهة مهندسي هذه الخارطة، وأيضا كعبيد لممثلي هذه القوة السماوية على الأرض من أنبياء ومرسلين وشيوخ وفقهاء وقساوسة وكهنة وبقية القائمة ممن يتواصلون - لاسلكيا - مباشرة مع السماء، رغم ذلك كله فإنه كان يوجد على الدوام من يشكك في صحة هذه الخارطة وعدم دقة حساباتها، وهناك من يدعي عدم وجودها أصلا، أو عدم الحاجة إليها حتى لو وجدت. هناك من يفضل أن يتيه الإنسان وحيدا في صحراء الكينونة، ويتسكع دون هدف في أزقة الوجود، لا يبحث عن شيء ولا يريد أن يجد أي شيء .. أن يعيش رحلته وأن يستمتع بالمفاجآت والإكتشافات عند كل منعطف مندهشا في كل خطوة. ولا شك أن أسطورة سيزيف تمثل خير تمثيل هذا الإنسان الذي يكد ويعاني من أجل لاشيء وعليه أن يبدأ عذابه من جديد في كل يوم وإلى الأبد.
و سيزيف Sisyphe هو ابن الملك أيولوس Éole ملك ثساليا و إيناريت، و أول ملك و مؤسس مملكة إيفيراÉphyra- كورنثة Corinthe. وتقول مصادر متأخرة بأن سيزيف هو والد أوليس Ulysse. اشتغل سيزيف بالتجارة والإبحار، لكنه كان مخادعا و جشعا، وخرق قوانين وأعراف الضيافة بأن قتل المسافرين والضيوف كما كان يفعل بروكست. وقد صوره هوميروس ومن تلاه من الكتاب واشتهر لديهم بأنه أمكر وأخبث البشر على وجه الأرض قاطبة وأكثرهم لؤما. اغتصب عرش أخيه وأغرى ابنتة ، وأفشى أسرار زيوس حين اتخذ سيزيف الخطوة الجريئة بالإبلاغ عن فضائح ونزوات زيوس الغرامية، وأخبر إله النهر أسوبوس Asopos بكل ما يتعلق من ظروف و ملابسات بخصوص إختطاف ابنته إيجينا Égine ثم إغتصابها من قبل ملك الآلهة. ونتيجة لهذا التدخل في الأمور الجنسية لكبار الآلهة، أمر زيوس هادس Hadès أن يسلسل سيزيف في الجحيم. غير أن سيزيف الماكر، طلب من الموت - Θάνατος - Thánatos - أن يجرب الأصفاد والسلاسل ليختبر مدى كفاءتها، وعندما فعل ثاناتوس ذلك أحكم عليه سيزيف الأصفاد وأصبح الموت مغللا بالسلاسل ولم يعد قادرا على القيام بمهمته الضرورية للآلهة. وأحدث ذلك تمردا وانقلايا وثورة وهياجا في مملكة السماء حيث لم يعد أحد من البشر يموت، حتى انزعج آريس Ἄρης - Árēs إله الحرب والدمار لأنه فقد المتعة من معاركه لأن خصومه لا يموتون، لذلك تدخلت الآلهة مرة أخرى وأرسلت هرمس Hermès لإطلاق سراح وفك أسر ثاناتوس. وعلى أية حال، قبل موت سيزيف، أخبر زوجته Pléiade Mérope أنه عندما يموت فعليها أن تمتنع عن تقديم أضحيتها المعتادة وصلواتها على قبره. وفى العالم السفلى، شكا من أن زوجته تهجره وتهمله وتتجاهله وأقنع برسيفونه، ملكة العالم السفلى، بالسماح له بالصعود للعالم العلوى ليطلب من زوجته أن تؤدى واجبها وتقدم أضحيتها أو معاقبتها على إهمالها. عندما عاد سيزيف إلى كورنثة، رفض أن يعود إلى العالم السفلي، وأرجع إلى العالم السفلى بالقوة بواسطة هادس، وفى رواية أخرى للأسطورة، اقتنعت برسيفونه بأن سيزيف كان مظلوما وقيد إلى الجحيم بطريق الخطأ وأمرت بأن تتركه الآلهة يواصل حياته على الأرض. وكعقاب من الآلهة على خداعه، أرغم سيزيف على دحرجة صخرة ضخمة على تل منحدر، ولكن قبل أن يبلغ قمة التل، تفلت الصخرة منه ويكون عليه أن يبدأ من جديد مرة أخرى.
يرتبط سيزيف بالحياة لانه يُحب شعاع الشمس وطعم الماء والحجارة الدافئة والبحر، لذلك فضل البقاء في كورنثة على العودة لظلمات هادس، ولكن الآلهة لا ترحم، فتُعاقبه على عصيانه وتمرده، وعليه، تنفيذاً لهذا العقاب، أن يرفع صخرةً بلا انقطاع الى قمة الجبل حيث تسقط الصخرة بسبب ثقلها ثانيةً، فسيزيف رمزيا كائن بشري، مرتبط بالأرض وبصخورها إرتباطا وجوديا وأبديا. كل جهوده غير مُثمرة ولا أمل فيها، وهذا هو الثمن الذي يجب أن يُدفع لقاء رفض السلطة ومواصلة التمرد. ان العمل الشاق الذي يقوم به سيزيف مُستمر ولا ينتهي أبداً، لكن سيزيف نفسه هو تجسيدٌ للعناء والحزم والشجاعة، حيث يعرف أن الصخرة التي يحاول رفعها ستتدحرج مرةً أًخرى وان مصيره المأساوي سيدوم أبد الدهر غير أنه يعرف أنه سيد أعماله. يحتقر سيزيف حكم الآلهة وسلطتهم، "ليس هنالك مصيرٌ لا يمكن أن يعلوه الاحتقار". ويرى كامو أن سيزيف ينتصر على لامعنى المصير الذي يقوده اليه نشاطه العبثي، النشاط الذي لا يقود أصلاً الى الانتصار، أي التمرد وعدم الخضوع للآلهة "يكمن كل سرور سيزيف الصامت هنا، ان مصيره يخصه هو".
ان مفهوم العبث إذا ليس حُكماً على جوهر العالم، بل هو تعبيرٌ عن "العلاقة المضطربة" بين الانسان والعالم من حوله. العالم في حد ذاته، هو عالم غيرعقلانيٌ و غير مُبرر Unrational ولا ضروري، وهذا كل ما يُمكن للمرء أن يقوله عنه، العالم يمثل الكينونة الصامطة المنغلقة على ذاتها والتي لا تحتمل المعنى. لكن هذا الصراع بين هذا الوضع غير المُبرر، والرغبة اليائسة للإنسان في الوضوح وهذه الأصوات النائحة التي تأتي من أعماقه - هذا هو العبث. العبث يخص الانسان أكثر مما يخص العالم، وهذه هي اللحظة، التي تتكون فيها العلاقة الوحيدة بينهما، ويرى كامو أن العبث "يربطهما معاً كما يربط الحقد بين مخلوقين. وهذا هو كل ما أستطيع أن أراه بوضوح في هذا الكون الذي لا قياس له والذي تحدث فيه مغامرتي"



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيوعية الأناركية
- لماذا خلق الله آدم يوم الجمعة ؟
- الله والفرن
- من تمنطق فقد تزندق
- الحصار
- الله عدو الشعب
- وظيفة الله
- بمناسبة الثامن من مارس
- التأويل بدل الحقيقة
- الديموقراطية في فأرستان
- العقل الإرتيابي
- السوبرمان
- الكمبيوتر المصاب بالكورونا
- الله والبق بانق
- ليبيا .. ضرورة رؤية يسارية للمستقبل
- قلق دراكولا
- تمطط الكون
- مطاردة الذئاب
- اللغة - اللوغوس
- صحراء الملح


المزيد.....




- سامح شكري يبحث مع نظيره الإيراني حل المسائل العالقة بشأن تطب ...
- بعد تلويح قطر بإغلاق مكتبها.. تشكيك بدور -حماس الدوحة- وحديث ...
- هل -فشلت- شركة تسلا على نحو غير متوقع؟
- في إطار مراجعة دورها - هل تغلق قطر مكتب حماس في الدوحة؟
- واشنطن تبحث عن نفوذها الضائع في ليبيا
- غانتس يعلن أن إسرائيل لم تتلق ردا عن موافقة حماس على الصفقة ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف مبنيين في مستوطنة شتولا شما ...
- مصر.. بيان من وزارة الصحة حول الإصابة بالجلطات بسبب -أسترازي ...
- فوز عمدة لندن صادق خان بولاية ثالثة
- الأرثوذكس الشرقيون يحتفلون بمراسم -النار المقدسة- في القدس ( ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - صخرة سيزيف