بهاءالله في القرآن (20) - أعداء الخطة الإلهية- سورة المُدَّثر

راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 6639 - 2020 / 8 / 7 - 18:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

قل تالله قد أتى الرحمن بقدرة وسلطان وبه ارتعدت فرائص الأديان وغنَّ عندليب البيان على أعلى غصن العرفان. قد ظهر من كان مكنوناً في العلم ومسطوراً في الكتاب. حضرة بهاءالله

إن القرآن الكريم كالكتاب المقدّس لليهود والمسيحيين عبارة عن دائرة معارف تحتوي على العديد من الدلائل على "البشارات"التي تخص ظهور الدين البهائي. أغلب هذه الدلائل والأخبار مستورة خلف حجاب الرمز والإشارة ولكن حين تُزال هذه الحجبات تظهر هذه الأسرار والرموز كالنهار، مضيئةً وواضحةً.
إن سورة المدثّر هي سورة قصيرة ولكن بها أسرار كثيرة ومستورة. ان جمال كلام الله سبحانه وتعالى واضح في هذه السورة التي يغلب عليها السجع. تخبرنا هذه السورة من بدايتها إلى نهايتها عن نبأ ظهور الدين البهائي وخاصة أنها تشرح حدثاً تاريخياً هاماً تبيِّنُه بصورة رمزية. ان ظهور الموعودين هما اللذان كشفا المعاني المستورة في هذه السورة. يمكن تقسيم هذه السورة إلى خمسة أقسام :
1. قصة شخص معمّم يتحّدى الموعود ويتشبث بالحيلة والمكر لإبادته. (الآیات 35-1).
2. اختيار العدد 19 لامتحان الناس، فيرتاب المنكرون ويطمئن المؤمنون. (الآیات 35-1).
3. الإخبار بظهور موعوديْ هذا العصر واختيار الناس بين قبولهما أو إنكارهما. (الآیات38 -32).
4. مصیر المؤمنین والمنکرین فی العالم الأبدي. (الآیات 53-39).
5. الهدف من هذه الآیات والأخبار الواردة. (الآیات 56-54).
إن القصة الأصلية والمأساوية لسورة المدّثر لها ارتباط بعمل مجتهد مقتدر مكّار هو الشيخ عبدالحسين طهراني ــ شيخ العراقيين ــ والذي كان له دور هام فترة إقامة حضرة بهاءالله في العراق. إن هذا المجتهد المغرور كان يسعى لنيل الجاه والمقام ولم يستطع ناصرالدين شاه الملقَّب بـ "رئيس الظالمين" أن يبقيه تحت سلطته وطاعته، ولهذا وبحجة ــ إعادة بناء الأماكن المتبركة ــ أرسله إلى العراق حتى يتخلص منه ويكون في أمان.
ولأسباب خارجة عن بحثنا هذا، فإن حضرة بهاءالله حين توقفه وإقامته في بغداد كان محل احترام الكثير من سكان تلك المدينة من العلماء والحكّام والأهالي العاديين، مما أثار الغيرة بشدّة عند الشیخ عبدالحسین الذي قام بكل همة وعزم على معارضة حضرة بهاءالله. وكانت نار الحسد والغيرة مشتعلة في قلب هذا الشيخ الماكر لدرجة أنه كان يتمنى القضاء على الموعود المنتظر.ولكي يصل إلى مقصوده قام بطرح سبع خطط ووضعها قيد التنفيذ:
• أولى خططه كانت أن يأخذ إذناً من حاكم بغداد بالقبض على حضرة بهاءالله ونفيه إلى إيران ولكنه لم يستطع تنفيذ خطته.
• بعد ذلك صمم أن يُثير تعصّب ومشاعر أهالي بغداد ضد البهائيين. ولكي يُوَفَّق لنيل مقصوده أشاع بأنه رأى مناماً حتى يعطي المصداقية على أهدافه المشؤومة. هذه الخطة أيضاً لم تحظَ بالنجاح.
• بعد هذا الفشل قام بإعداد خطة أخرى: طلب من میرزا بزرگ خان، قنصل إیران في بغداد أن يأتي لمساعدته. سعى هذان الزميلان أن يُثيرا غضب أهالي بغداد المتعصّبين ضد حضرة بهاءالله لعل بهذه الطريقة يقوم البهائيون بالمواجهة والانتقام فيحصل على عذر لنفي حضرته إلى إيران. ولكن هذه الخطة أيضاً باءت بالفشل.
• بعد فشل الخطة السابقة قرَّر أن يقوم بقتل حضرة بهاءالله. ولكي يُنَفِّذ خطته قام بتوظيف أحد الجناة الأتراك ويُسمى رضا. وفي أحد الأيام حين كان حضرته ذاهباً إلى الحمام دخل رضا الحمام وقد أخفى سلاحه. ولكن حين رأى الجمال المبارك اضطرب فأصبح عاجزاً عن تنفيذ خطته.
• لم يترك الجاني هذه الأعمال جانباً بل سعى وبتحفيز ودعم من الشيخ عبدالحسين أن يقتل حضرة بهاءالله في مكان آخر من بغداد. ولكن حين اقترب من حضرته شعر باضطراب وخوف مرة أخرى مما أدى إلى سقوط سلاحه من يده. حينئذ قال حضرة بهاءالله لأخيه جناب الكليم أن يناوله السلاح ويريه الطريق إلى منزله.
• لم يثنِ الفشل في كل مرة الشيخ عبدالحسين من مواصلة أعماله الشنيعة. فقد كانت خطته التاليه أن يُقنع ناصرالدين شاه بأن بقاء حضرة بهاءالله في بغداد سوف يسبب المخاطر له. ولكي يثبت إدعاءاته قام بإرسال تقارير طويلة إلى الشاه وكانت تُظهر هذه التقارير نفوذ وقدرة حضرة بهاءالله وأدعى فيها بأن قبائل الصحراء تُقدِّم لحضرته الولاء مما تمكنه أن يُجَهِّزَ في خلال يوم مائة ألف مسلّح. وذكرت تلك التقارير أيضاً بأن حضرة بهاءالله يستطيع وبمعاضدة رؤساء وحكام إيران أن يُثير الإيرانيين ضد شاه إيران. وبعد جهد وسعي متواصلين نجح في حيلته تلك وحصل على حكم من ناصرالدين شاه وبموجبه كان يجب على العلماء وبعض موظفي الحكومة مساندته. وبعد حصوله على الحكم جمع العلماء وعقد لهم مجلساً حتى يصل بمساعدتهم إلى مقصوده. ولكن هذه المرة أيضاً اتضح أن خططه كلها باءت بالفشل.لأنه وبعد مباحثات عدّة رفض رئيس المجلس الشيخ مرتضى أنصاري والذي كان رئيس الشيعة حينه أهداف العلماء فأظهر مخالفته لهم وترك المجلس فجأة. وبعد أن يئس الجميع من تلك الخطه واصلوا مشورتهم وقاموا بإعداد خطة أخرى. لنستمع إلى شرح هذه الخطه من حضرة عبدالبهاء:
أنّ علماء إيران الّذين بمدينة كربلاء ونجف انتخبوا شخصاً عالماً أنابوه عنهم، وكان ذلك الشّخص يسمّى ملاّ حسن عمو تشرّف باللّقاء المبارك وسأل بعض الأسئلة من قبل العلماء وسمع الجواب، ثمّ قال إنّ العلماء مقرّون ومعترفون بعلمكم وفضلكم ومسلّم لدى الجميع بأنّه ليس لكم مثيل ولا نظير في العلم والعرفان، ومن الثّابت أنّكم لم تدرسوا ولم تتعلّموا ولكنّ العلماء يقولون نحن لا نقتنع بذلك ولا نعترف بصحّة دعواه بسبب علمه وفضله لهذا نرجو أن يظهر لنا معجزة واحدة لإقناعنا واطمئنان قلوبنا، فقال حضرة بهاء الله ولو أنّهم ليسوا بمحقّين في ذلك، إذ للحقّ أن يمتحن الخلق ولا لهؤلاء أن يمتحنوا الحقّ، مع ذلك فإنّ الطّلب مقبول، أمّا أمر الله فليس مسرحاً للشّعوذة والألاعيب يمثّل عليه كلّ ساعة دور ويطلب كلّ يوم مطلب، لأنّ بهذا يصبح أمر الله ملعبة صبيانيّة، ولكن للعلماء أن يجتمعوا ويتّفقوا على طلب معجزة واحدة، ثمّ يكتبوا أنّ بظهور هذه المعجزة لا يبقى لدينا شكّ أو شبهة، وكلّنا نقرّ ونعترف بأحقّيّة هذا الأمر، ويختمون تلك الورقة وائتِ بها وليكن هذا ميزاناً حتّى إذا ظهرت المعجزة لا يبقى لهم شبهة وإن عجزنا ثبت بطلاننا، فقام ذلك الشّخص العالم وقبّل ركبتيّ حضرة بهاء الله مع أنّه لم يكن مؤمناً، ثمّ ذهب وجمع حضرات العلماء وبلّغهم الرّسالة فتشاوروا ثمّ قالوا إنّ هذا لساحر وربّما أتى بسحر فلا يبقى لنا ما نقول، وبذا لم يجرءوا أن يتقدّموا بمطلب جديد. ولكنّ ذلك الرّسول أذاع الخبر في كثير من المحافل والمجالس وسافر من كربلاء إلى كرمنشاه وطهران ناشراً تفاصيل الحادثة بين الجميع مبيّناً خوف العلماء وعدم إقدامهم.

عندما طلب الناس معجزة من الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام، ماذا كان ردّه ؟
قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً؟ سورة الإسراء، آیة 93

توضح الآية السابقة أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام كسائر الرسل لا يأتي بآية إلا بإذن الله. إذاً لماذا أُعطي الإذن لحضرة بهاءالله بالإتيان بمعجزة؟ هذا السؤال يوضّح الموضوع: ماذا كان سيحدث إذا رفض حضرة بهاءالله طلب العلماء؟ وما هو السلاح الذي كان سيرفعه عبدالحسين من جرّاء هذا الرفض؟ وبالإضافة إلى ذلك كان يعلم حضرة بهاءالله من قَبْل بأن العلماء على علم محدود بقدراته الروحانية وأنهم على خوف عميق من التوقيع على رسالة يُعَرِّض مقامهم ومنزلتهم للخطر ولذلك سوف لن يوافقوا على القيام بمثل هذا التصرف. وكما نرى فإن الشيخ عبدالحسين، المجتهد المقتدر، الذي لم يكن له نظير في الحيلة والخبث وجد نفسه عاجزاً أمام التقديرات الغيبية الإلهية وقد باءت كل خططه بالفشل. لنر الآن كيف يخبرنا القرآن الكريم عن هذه الأحداث.

#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات