أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 5














المزيد.....

بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6580 - 2020 / 6 / 1 - 02:45
المحور: الادب والفن
    


الخريف، تعجّلَ في المجيء كي يُضفي على البلاد الجبلية سحرَ ألوانه. لكن القرية، المستلقية في السفح، كانت ما تفتأ تضمد جراحَ الصيف، المنصرم مع آثار جائحة الوباء والحرب. هوَ ذا أحدُ الناجين من تلك النوازل، وكان صبياً لم يُكمل عُمره بعدُ دزينة من الأعوام، يقف قدام منزل أسرته وقد دهمته الحيرة. إذ لم يكن ثمة بصيص نور، برغم أنها ساعة المساء؛ وعادةً ما تضج بحركة أهل الدار، وبالأخص الصغار منهم. هزيم الرعد، كان يصدى من أماكن بعيدة مما يعني احتمال هبوب عاصفة أمطار. مع لمع البرق فوق رأسه، كانت يده تستعجل قرع بوابة البيت الخشبية ذات المظهر الشبيه بالقوس. مع استمرار الطرق دونَ مُجيب، حقَّ للصبيّ أن يفكّر باحتمال وجود الأسرة في ضيافة المنزل المجاور، أين يقيم ابن العم الكبير.
" آه، حدّو؟ تعال أدخل "، هتفَ به أوسو فيما يضمه إلى صدره. لما مضى بالصبيّ إلى صالة الاستقبال، فإن هذا الأخير توقع أن يجد أفراد أسرته هناك. لكن الصالة كانت معتمة، وما لبثَ المضيف أن أضاءَ مصباح زيت، متمتماً: " حسنٌ أنك وصلتَ قبل هبوب العاصفة ". وكان حدّو ما ينفك يتساءل في نفسه عن ألغاز هذه الليلة، مرجّحاً هذه المرة أن أسرته ذهبت جميعاً إلى ماردين. لم يستطع كبتَ السؤال، فطرحه على ابن عمه: " هل الأهل في ضيافة أختي ريما؟ "
" لا يا بني، الأهل في ضيافة الله! "، قالها أوسو مع تنهيدة مفعمة بالحسرة والحزن. ثم أمسك بيد قريبه، وأجلسه بجانبه على أريكة واطئة: " وباء الريح الأصفر، قضى على نصف عشيرتنا وفيهم عائلتك. لقد كُتبَ لك النجاة، وكذلك لأخويك آكو وريما "
" آكو وريما؟ "، تساءل الصبيّ في نبرةٍ توحي وكأنه لم يستوعب حجمَ الكارثة أو أنها سلّمته للهذيان. بيد أنه سرعان ما بدأ ينشج، مخفياً وجهه بين يديه. عاد ابنُ العم ليضمه، مواسياً إياه بعباراتٍ تذكّرُ بالقدَر وضرورة الصبر. ثم ما عتمَ أن نهضَ، قائلاً: " ٍسأطلبُ إحضار العشاء ". لكنه قبل مغادرة الغرفة، استدرك متسائلاً: " أم الأفضل لو تستحم أولاً؟ "
" لا أرغبُ بشيء سوى النوم، لأنني سرتُ على قدميّ عدة أيام متواصلة "، رد حدّو خافضاً رأسه إلى الأرض. وهذا ما تحققَ له على الفور، حيث تمدد على الأريكة نفسها، ملتحفاً غطاءً سميكاً من الصوف. عادت الغرفة لتغرق في الظلام، باستثناء بقعة بيضاء بحجم النافذة الوحيدة، المطلة على الفناء. بعد قليل، وفيما كانت عينا الصبيّ تنغلقان على صوَر أفراد الأسرة الراحلين، كانت العاصفة تنقض على سقف المنزل بوابلٍ من الأمطار مع دويّ الرعد. من الطرف الآخر للمنزل، المجتمعة فيه الأسرة حول موقد التدفئة، ارتفع صوتُ أوسو مخاطباً امرأته: " يا إلهي، كيفَ حُبك قدَرُ ابن عمنا عليكي مذ وقت وصوله مع أسرته من الشام الشريف إلى وقت الرحيل الفاجع وكما لو أن ذلك بفعل صاعقة مفاجئة ".

***
في ظهيرة اليوم التالي، أفاقَ حدّو بعدما نام نحو ثمانية عشرة ساعة متواصلة. ابنُ عم أبيه، هوَ مَن تعهّد إيقاظه؛ ولكن ليسَ قبل أن يتملى فيه طويلاً والدموع تملأ عينيه. لقد لاحَ الصبيّ باسمَ السحنة، وكأنه مستسلمٌ لحلم سعيدٍ جمعه بأبويه وأفراد أسرته. فلما نهضَ من رقاده، أرسل نظرة مليّة عبرَ النافذة إلى السماء المغيّمة، والمفعمة بكآبة الخريف. لكن الشمسَ كانت تطل بين فينةٍ وأخرى، لتبث الأمل في النفوس الآيلة إلى الانهيار. بعد الحمّام، وضعت أمام الصبيّ سفرةٌ حافلة بأطايب الطعام. لم يستطع بلع أكثر من لقيمات قليلة، فحثّه المضيفُ على الإكثار من تناول عصير الفاكهة. انتعشَ نوعاً، وما لبثت بشرته أن دبّ فيها التورد.
" أرغبُ بزيارة.. القبور "، قالها حدّو بصوت متقطع ومخنوق من الانفعال. في الأثناء، كان أولاد المضيف يتدافعون عند باب صالة الاستقبال. رغبةً من الرجل في إخفاء تأثره، راحَ يصيح على أطفاله آمراً إياهم بالابتعاد. عقّبَ على الأثر، ساحباً نفساً من سيجارته: " بالطبع سنذهبُ معاً، وبعد ذلك نتفقد منزلكم "
" هل رجع آكو إلى المنزل؟ "
" بلى، لكنه لم يمكث سوى ثلاثة أو أربعة أيام. لقد قرر الفرارَ من الجندية، وأظنه الآنَ في دمشق "
" أنا أيضاً سأهربُ إلى دمشق، لكنني أرغبُ أولاً برؤية ريما "
" كنتُ أود بالأمس سؤالك عن كيفية تخلصك من النفي، لكنك كنتَ متعباً جداً "
" قيّضَ الله لي في مدينة أضنة امرأة طيبة، نصرانية، تعاملت معي كأنني ابنها. كانت أرملة وبلا أولاد. على أثر سيطرة الفوضى على المنطقة، انضمت هيَ إلى قافلة متجهة نحوَ مدينة اسكندرونة حيث لها أقارب هناك. لكن الفوضى ساعدتني في عبور المدن والقرى دونَ أن يوقفني أفراد الجندرمة، وإلا ربما كانوا قد أعدموني بالرصاص مثلما يفعلون مع من يخرق قانون النفي "، شدد حدّو على الكلمات الأخيرة. المضيف، بقيَ صامتاً وهوَ يدخن. لعله كان يفكّر في المحن، المتخلفة عن الحرب، والتي جعلت طفلاً يواجه ما يعجز عنه الرجال.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 4
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الثامن
- المارد والحورية
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل السابع
- المنحوتة
- المرآة السحرية
- غرام الأميرة الصغيرة
- بضعة أعوام ريما: الفصل السابع/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل السابع/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل السادس
- بضعة أعوام ريما: الفصل السادس/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل السادس/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الخامس
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الخامس
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الرابع
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الرابع
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 3
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 2


المزيد.....




- مقتل ممثل أمريكي شهير بالرصاص في لوس أنجلوس
- عالم فرنسي: الذكاء الاصطناعي لن يصل إلى مستوى الذكاء البشري ...
- مصر.. إحالة مطرب شهير للمحاكمة الجنائية
- دون سبب وفي صمت.. دخل إلى السينما وطعن فتيات
- تونس.. السر بين الأدب الروسي والعربي
- وائل حلاق: -الانتفاضة العظمى- عالمية وإدارة جامعة كولومبيا ب ...
- وفاة مؤلف أشهر أغنيات أفلام -ديزني- ريتشارد شيرمان عن 95 عام ...
- إعلان 2 مترجمة ح 162.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 162 الجزء 5 ...
- الإعلان الأول حصري ح 162.. عرض مسلسل قيامة عثمان الحلقة 162 ...
- رحيل الشاعر الأردني زياد العناني عن 62 عاما


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 5