وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 5058 - 2016 / 1 / 28 - 15:59
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ولد ابيقور في ساموس (341- 270 ق .م )من اب اثيني ووضع مذهبه الفلسفي المعروف باسمه وكتب حوالي (300 ) كتاب وعددا من الرسائل فقدت جميعها ووصلتنا مقتطفات من كتابه حول الطبيعة . ولخص لنا الشاعر ( لوكريس ) مذهبه في كتابه طبيعة الاشياء .
انشا ابيقور مدرسته في اثينا حوالي عام 306 ق .م وكانت تسمى ( حديقة ابيقور ) . وكان تلامذته من الرجال والنساء اصحاب التعليم , يدرسون تعاليمه وممارسة حياة اللذة بحسب فلسفة ابيقور .
تاثر ابيقور بفلسفة ديمقريطس ونمت عنده فلسفة الشك بالاديان وبالفلسفات السابقة .
وقد ادرك ان العقبة التي تعترض سعادة الانسان هي خوفه من الالهة ومن الحياة الاخرة . وان الفلسفة يمكنها ان تخلصنا من هذا الخوف .
قام ابيقور بتطوير مبدا اللذة وتجاوز المعنى الارضي الى المعنى العقلي والوجداني . فقد ادرك ان اللذة الحسية قصيرة العمر وتفضي الى الالم , ولذلك نادى الابيقوريون بالارتقاء عن اللذات المادية حتى لايكون هنالك قلق واضطراب .
وهكذا اصبح الخير عندهم يتمثل في الطمانينة وهدوء البال ,واللذة يجب ان تؤدي الى هذا الامر لا الى اشاعة البلبلة في الحواس , وهو ماادى بالابيقورية الى الانقلاب ضد مبادئها في نهاية الامر , فقد وجدت ان الشعور باللامبالاة والزهد والعزلة هي الامور الواجب اتباعها لنشدان السعادة الروحية والعقلية.
انتقد ابيقور المعرفة الارسطية . ادرك ابيقور ان الانسان يرى ان مشكلته الاساسية هي العمل على تحرير نفسه من القلق والاضطراب , فعليه ان يتجنب البحث عن وجود عقل في الكون .قام ابيقور بتحرير الانسان من خوفه الوهمي من الالهة , وهو لم ينكر وجودهم بل دورهم في الامور التي تخص الانسان , وجعل الالهة تعيش في بطالة دائمة واناط كل شيء بالمصادفة واعتبر الاجساد والارواح مجرد كتل وذرات , ويستلزم الموت في نظره انحلال الكتل . فليس بالتالي من حياة ثانية وبعث ونشور , ويجب ان يزول الرعب الذي توجهه الالهة , اي انه كان زنديق عصره بالمفهوم الاسلامي .
كانت الهيات ابيقور ضعيفة , فهو ليس ملحدا ولكنه كان يرى ان الالهة كائنات سعيدة مغتبطة تحيا في طمانينة , ولا يعكر صفوها شيء , لكننا نعتقد خطا ان هذه الالهة تهتم بشؤون البشر وتعلن عن مشيئتها بتقديم القرابين والنذور .
وهكذا يسلك ابيقور مسلك ارسطو عندما يقطع الصلة بين العالم المادي والبشري وبين العالم الالهي . كان ارسطو يرى ان الالهة لاتتدخل في عالمنا .
وهكذا يتوغل ابيقور في فهم عالم المادة اولا في حقل الطبيعيات ثم يتوغل في فهم عالم الانسان نفسه في حقل الاخلاق .
يرى ابيقور ان الانسان في بداية حياته وقبل ان تفسد ميوله , يطلب اللذة عند شعوره بالالم ,اوحاجته الى الجوع او العطش , وحالما يزول الالم لايعود يطلب شيئا .ان اعلى درجات اللذة هي كما تتعين بالطبيعة ان هي الا حذف الالم . ومتى حذف الالم امكن للذة ان تتنوع ,لكن ليس ان تزيد, لان اللذة الحقة هي لذة ساكنة .
اللذةهي حالةاستمتاع بالتوازن ,فاذا زال الالم مطلقا حصلت النفس على لذتها العظمى .
عاصرت الابيقورية الفلسفة الرواقية التي وقفت بالضد من الابيقورية ..كما وقفت المسيحية لاحقا بالضد من الابيقورية لنكرانها القدرة الالهية .
كان مبدا اللذة ذا جذور في الفلسفةالاغريقية عند ارستبوس القورينائي وهو فيلسوف اغريقي عاش في ليبيا في مدينة قورينة , تسمى حاليا ( شحات ).
طور المشرقيون في العصر الهلنستي الابيقورية واصبحت مرتبطة بهم .وكما ابتكر فلاسفة الشرق الفلسفة الرواقية الانسانية العالمية للاغريق , فقد اسهموا ايضا في تطوير الفلسفة الابيقورية .
هذه الفلسفات التي طورها الشرقيون كانت العلاج الروحي والفكري للقلق النفسي والظلم الاجتماعي الذي ساد بلاد الاغريق في الغرب فقدم فلاسفة صور وصيدا طرسوس وسلوقية دجلةالعلاج الشافي لازمات الغرب .دعت الرواقية الى المساواة بين البشر وحب الواجب وبشرت بالتصوف واستبدال المتعة الحسية بمتعة المعرفة .
نادت الابيقورية بالتحرر من الخوف والاستمتاع قدر الامكان بالحياة قبل الرحيل الى عوالم غير معروفة .
الفلسفة الرواقية Stoicism
وهي فلسفة معاصرة للابيقورية ومعارضة لها . اسسها الفيلسوف زينون القبرصي والذي ولد في قبرص (322 – 264ق.م ), وكانت اسرته من التجار المنحدرين من اصل فينيقي , درس الفلسفة في اثينا على يد الارسطيين والميغاريين والكلبيين ثم تعلم الفلسفة في رواق اثينا , ولذلك سمي اتباعه بالرواقيين نسبة الى مكان اجتماعهم.
وضع الفيلسوف الرواقي زينون القبرصي اسس الفلسفة الرواقية كعلاج لازمات ذلك العصر . وازدهرت في صيدا في فينيقيا . وخرج منهم انتياتر الطرسوسي وارخيديموس الطرسوسي وخرج من صور ايضاانتباتر الصوري الرواقي في القرن الاول الميلادي .وفي القرن الثاني قبل الميلاد اخرجت مدينة سلوقية على نهر دجلة ديوجين البابلي .
نظرت الرواقية الى العالم بكونه منظم من قبل عقل الهي . اما الانسان فهو منسجم مع الكون .
.راى الرواقيون ان الصفات والاشياء المشتقة من القوة المعقولة المسماة باللوغوس هي التي تنفذ خلال المادة .الله ينفذ خلال جميع الاشياء كالنفس او النار الصناعية . يبدو الله عند الافلاطونيين بعيدا وعند الارسطيين منقطعا عن العالم . اما عند الرواقيين فيظهر في كل شيء فهو لوغوس الاشياء المادية, او معادل للتاو الصيني بحسب كاتب المقال , وهو النار التي تعمل على توليد الاشياء .
تبنى الامبراطور الروماني السادس عشر ماركوس اوريليوس الرواقية واصبح احد فلاسفتها الكبار , وادت الرواقية دورا مهما في ترسيخ الثقافة الهلنستية ويبدو هذا واضحا في كتاب المدينة الفاضلةللفيلسوف زينون واخذت تشكل بالنزعة العالمية الكونية وسادت لغة مشتركة Koine وهي اللغة الاغريقية باللهجة الاتيكية , وهي اللهجة التي سادت في اوساط المثقفين .
يقول الخطيب المشهور ايسوقراط الذي يميز الفرد الاغريقي هو التعليم , وليس الاصل ,وان اي شخص تعلم على الطريقة الاغريقية فهو هليني . وطبقا لهذا ىالمفهوم فان الشعوب الشرقية التي تشبعت بالثقافة الاغريقية تصبح جزءا من الامة الاغريقية .
من علامات التوحد بين شعوب العالم الهلنستي انتشار ديانات بعينها مثل بادة الربة المصرية ايزيس والاله سيرابيس وعبادة الرب الام في اسيا الصغرى , والاله السوري ادونيس والاله الفارسي ميثرا .
وجد الاغريق في تراث الشرق الفلسفي ضالتهم المنشودة , لذا راجت الافكار التي تبشر بالمحبة .
المصدر :
كتاب (كشف الحلقة المفقودة بين اديان التعدد والتوحيد )للباحث الدكتور خزعل الماجدي .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟