أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - أديب في الجنة (27) - نسمة الغدير- ترحل إلى السماء!















المزيد.....

أديب في الجنة (27) - نسمة الغدير- ترحل إلى السماء!


محمود شاهين
روائي

(Mahmoud Shahin)


الحوار المتمدن-العدد: 5045 - 2016 / 1 / 15 - 12:33
المحور: الادب والفن
    


دون أن يعلم الملك لقمان قامت الرئيسة نسمة الغدير بترتيب الروض بمساعدة الملك شمنهور
فأخلت منتصف الروض من المقاعد والموائد وعملت منه ساحة كبيرة للرقص أحاطتها بموائد وضع خلفها صف واحد من الكراسي في اتجاه الساحة . وجعلت خلف المقاعد فسحة أخرى دائرية يمكن الرقص فيها ،ثم صف موائد ففسحة أخرى فموائد وهكذا إلا أن ملأت الروض بصالات دائرية وموائد في اتجاه واحد هو الساحة الرئيسة. وكان كل صف موائد يعلو ما سبقه مع مساحة الرقص أمامه ،ليتسنى لجميع الحضور المشاهدة الجيدة .
أشرفت الملكة نور السماء على تهيئة موائد الطعام والخمور فلم تترك شيئا شهيا إلا وأحضرته ، بما في ذلك الجوز واللوز والفستق الحلبي والكاجو .. وأحضرت أجمل الحوريات الجنيات للخدمة. بدأت الوفود بالتوافد محتلة كافة الصفوف ما عدا الصف الأول الذي ترك لكبار المدعوين .
كان الجميع يعلمون أن الحفل حفل رحيل إلى الخلود دون أن يعرفوا من هو الراحل،وإن كانوا يعتقدون أنه شخصية مهمة لحجم المكان الذي سيقام فيه الحفل وطريقة إعداده.
حرصت الرئيسة على اصطحاب الملك لقمان من قصر الضيافة إلى الروض . و قد بات كل منهما يكن محبة كبيرة للآخر. كانت موسيقى روحانية هادئة يرافقها لحن ناي شجي تنبعث من كافة أرجاء الروض .. وظهر في وسط الساحة والساحات الدائرية المحيطة بالموائد فرق رقص من الفتيات والشباب مرتديي الفساتين والقمصان البيض ، وشرعوا في رقص روحاني خفيف رافق الموسيقى.
كان الملك لقمان يجلس بين الملكة نور السماء والرئيسة نسمة الغدير كعادته منذ أن قدم إلى هذا الكوكب. هتف إلى الرئيسة :
- لم تخبريني سيادتك عن المحتفى به ومتى سيحضر ؟
ترددت الرئيسة في الإجابة . لم تشأ أن تصدم الملك . تود تسريب الخبر شيئا فشيئا ليتقبل وقعه على نفسه.
- هو أحد كبار المسؤولين في الكوكب وسيأتي في وقت لا حق !
غير أن الملك لقمان أدرك بنباهته أن الرئيسة تخفي عنه الحقيقة ، فإذا كان هناك مسؤول كبير سيرحل فهل يعقل أن لا يتم حجز مكان له . لقد امتلأت كافة الأماكن بالناس ولم يبق مكان له !
- يبدو أنك لا تقولين الحقيقة سيادتك !
- أؤكد لك أنه مسؤول كبير !
- وهو موجود بيننا لكنك تؤجلين الإفصاح عنه !
ولم تجد الرئيسة بدا من القول :
- وجود جلالتك في ضيافته أضفى سعادة كبيرة على نفسه ، بحيث لم يعش فرحا أجمل من هذا الفرح في حياته ، فقرر أن يرحل عن الدنيا بحضورك ولتكون أول وآخر من يودعه في عالم الدنيا !
بدأت الدهشة تعتري وجه الملك لقمان وهو يحدق وينصت إلى الرئيسة بكل جوارحه ،وما أن هتفت " إنه من يجلس إلى جانب جلالتك أيها الملك " حتى شعر أنه تجمد للحظات وهو يحدق في وجه الرئيسة ،وما لبث أن ضم رأسها إلى عنقه ملقيا رأسه عليه ،دون أن يعرف ما يمكن أن يقوله لها . كان كثيرون ينظرون دون أن يعرفوا ماذا يجرى بين الملك والرئيسة . وترددت في مخيلة الملك لقمان فقرات من أشعاره الروحانية ، ما لبث أن راح يهمس بها للرئيسة:
..عشق الأحبة متبادل
بنبض القلوب
وآهات الروح
ورعشة الجسد
لا يكتمل الحبيب إلا بالحبيب
فلا اكتمال بحب منفرد
سعي الخلائق إلى الكمال
بسعي الخالق يتحد
فإما كمال يعم الخليقة
وإما انتهاء إلى الأبد
****
ثم وجد نفسه يردد المقطع الأخير في القصيدة دون أن يفلت رأس الرئيسة :
..فكل كائن كان فيّ
وفي كل كائن كنت
فأنا الكينونة دون حد
وآفاقي لا تحد
فليس للحد مني حد
ولا حد حيث كنت
أنا الله أل بلا حد
لا غنى للخليقة عني
ولا غنى لي عن الخليقة
فنحن الواحد في الكل
والكل في الواحد يتحد
*****
ورفع رأس الرئيسة عن عنقه وحدق في وجهها وما لبث أن بادلها قبلة عميقة وعاد ليضم رأسها وهو يدعو الله في قرارة نفسه أن يعينه على مواجهة هذا الإختبار مع فكره ،حيث ولأول مرة يجد نفسه في قلب فكره الفلسفي الروحاني وقد تجسد في فعل دنيوي ينطوي على بعد أخروي ، إذ يفترض أن الرئيسة تقدم على فعل ما آمن ويؤمن هو به .
كان الروض قد ضج بالتصفيق الحاد والملك يقبل الرئيسة . وما أن توقف التصفيق حتى استأذنت الرئيسة الملك لتلقي كلمة وداع لجماهير الكوكب .
ما أن وقفت الرئيسة على المنصة حتى نهض الحضور جميعا وشرعوا في التصفيق.
" أحبتي أبناء كوكب الحب ! أقف أمامكم في هذه اللحظات ، لا لأعدد المنجزات الحضارية التي حققها كوكبنا ، بل لأرسل لكل واحدة وواحد منكم قبلات الوداع ، حيث قررت أن أغادر الدنيا لأذهب بعيدا في الخالد المطلق الذي لا يموت . ولأتحد معه إلى الأبد. فلا خلود إلا للمطلق . وثقوا أيها الأحبة أنني سأكون معكم دائما وأبدا . وإني لأوصيكم أيها الأحبة بتعميق أواصر المحبة التي حققها كوكبنا عبر قرون وقرون . لأنه لا سبيل أمامنا غيرها . كما وأدعوكم للعمل على استيعاب أبعاد فكرنا الروحاني وتعميقه بل وتجديده إن استطعتم . وثقوا أن أي فكر يقوم على المحبة كإحدى غايات الخلق سيكتب له البقاء إلى الأبد . وأدعوكم الآن إلى الفرح والإبتهاج وتناول الطعام والشراب .
شرع الحضورفي التصفيق . وما أن جلست الرئيسة حتى شرعوا في تناول الطعام والشراب فيما راحت موسيقى فرحة راقصة تصدح من كافة أرجاء الكون ، شرع مئات الآلاف في الرقص على ايقاعها .
أقدم الملك لقمان على خطوة كونية بأن جعل الحفل منقولا في كافة أرجاء الكون ، وكان يبث عبر شاشات ضخمة انتشرت في كل بلد وفي أي مكان .
فوجئ الجميع بنهوض الملك لقمان ووقوفه في منتصف الساحة وهو يحرك يديه إيقاعيا وكأنه قائد اوركسترا لتنبعث موسيقى كونية روحانية ترافق وقع حركة يديه ، ولتظهر من حولة فرقة رقص صوفي بلباس أبيض أخاذ ، ضمت مئات الفتيات ومئات الشباب من أبناء الجن . وراحت ترقص ببطء مرافقة أيقاع الموسيقى . وحين هتف الملك لقمان منشدا :
"يا إلهي يا حبيبي ويا سندي .. عليك يوم الحق معتمدي !"
حتى ضج الروض بالتصفيق وشرع في الرقص الروحاني .
فيما شرع الملك لقمان في الغناء وهو يدور على نفسه قدر الإمكان ونهضت الملكة نور السماء والرئيسة ( نسمة الغدير) وأستير ونسمة وشرعن يرقصن من حوله مع الفرقة . ردد الملك المقطع السابق عدة مرات كان يجدد في ترديده كل مرة إلى أن توقف للحظات ثم هتف مستذكرا صوفية الحلاج:
" رأيت ربي بعين قلبي .. فقلت من أنت ؟ قال أنت ! "
وراح الملك يترنم بالكلمات فيما شرع الآلاف يرددون وراءه :
( را را رأيت )
ردد آلاف غناء( رارا رأيت )
( رأيت رب----ي بيعاين قلبي )
...............
( ف ف فقلت )
...........
( من أنت ؟)
.........
( قال أنت !)
التمعت بروق في الفضاء عابرة الكون من أقصاه إلى أقصاه راسمة خطوطا ملونة متعرجة تذهل الأبصار , فيما تردد من أرجاء الكون إيقاع طبول عملاقة وألحان صارخة راحت تصدح في أرجاء السماء .
......
" فليس للأين منك أين
ولا أين حيث أنت "
رددت جوقة مع الجمهور :
" ولا أين حيث أنت "
فيما الملك يتابع وقد أخذ يسارع من حركته ويدخل في الحالة الصوفية الروحانية والكون كل الكون يضج بالصخب فيما الناس يضجون بما يشبه الجنون وكأنهم جميعا يودون الدخول في المطلق والبقاء في الألوهة ! ولم يستطع الملك لقمان أن يداري دموعه وهو يهتف منشدا :
"أنت الذي حزت كل أين
بنحو لا أين فأين أنت ؟"
تردد ت الأصوات من كافة الأرجاء :
( فأين أنت ؟)
وكأنها لحظة اختلاط للإيمان المطلق بالإلحاد المطلق ! ولتبدو السماء بدورها وقد اصطخبت بإيقاعات الطبول وما يشبه هزيم الرعود .
"وليس للوهم منك وهم
فيعلم الوهم أين أنت"
"وجزت حد الدنو حتى
لم يعلم الأين أين أنت"
"ففي بقائي ولا بقائي
وفي فنائي وجدت أنت "
عم الصخب والتوحد بالوجود كافة أرجاء الكون وليس الروض فحسب . وتقدمت فتاة من وسط ساحة الرقص تحمل طبقا فرش عليه منديل أبيض وضعت عليه العلبة التي تحوي حبة الرحيل الرحيم وكأس ماء .
أشار الملك لقمان بيديه موحيا بحركات بطيئة لتتقدم الفتاة منه وليأخذ العلبة ويفتحها ويقدمها نحو الرئيسة لتأخذ الحبة . مدت الرئيسة يدها وأخذت الحبة لتضعها في فمها وتتبعها بجرعة من كأس الماء ، ثم تلقي نفسها في أحضان الملك لقمان الذي راح يشير بيديه إلى الموسيقى لترتفع ولتصدح بأعلى ما في مقدورها .
"في محو اسمي ورسم جسمي
سألت عني فقلت: أنت"
"أشار سري إليك حتى
فنيت عني فقلت: أنت "
"وغاب عني حفيظ قلبي
عرفت سري فأين أنت"
"أنت حياتي وسر قلبي
فحيثما كنت كنت أنت "
"أحطت علما بكل شيء
فكل شيء أراه أنت "
"فمن بالعفو يا إلهي
فليس أرجو سواك أنت "
*******
اصطخبت السماء والكون والروض بألحان لم يسمع مثيل لها من قبل فيما كان الملك لقمان يحتوي الرئيسة إلى حضنه ويدور بها راقصا لتلفظ أنفاسها الأخيرة بين يديه .
مدد جسد الرئيسة على منصة مرتفعة ودام الإحتفال حتى الصباح ، حيث شيعت الرئيسة " نسمة الغدير" في موكب مهيب إلى مثوى جسدها الأخير، شارك فيه الإنس والجن بقيادة الملك لقمان والملكة نور السماء . وعشرات فرق الموسيقى وفرق الكشافة وفرق الفرسان . وبدت مشاركة السماء أيضا في موكب التشييع حين ظهرت في فضاء الموكب غيوم في أشكال بشرية منتظمة كان يرافقها موسيقى جنائزية هادئة .
ما أن ووري الجثمان الثرى على أنغام الموسيقى حتى ودع الملك لقمان نائب الرئيسة الراحلة وأعضاء مجلس الرئاسة وتابع رحلته الكونية في الفضاء ..
*****
يتبع



#محمود_شاهين (هاشتاغ)       Mahmoud_Shahin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أديب في الجنة 26 * روض شمنهوري يفوق الخيال!
- أديب في الجنة 25 * الرحيل إلى الخلود الأبدي في حفل بهيج !
- أديب في الجنة 24 * حب بلا شروط وأمهات منجبات !
- القدس تاريخيا بين منطق العقل ومنطق الجهل والخرافة !*
- أديب في الجنة 23 كوكب الحب والجنون والأحلام !
- أديب في الجنة (22) الوجود تحقق خيال !
- أديب في الجنة (21) فصل الختام في رحلة الملك لقمان الفضائية ا ...
- أديب في الجنة (20) * البشر والجن على موائد الله !!
- أديب في الجنة (19) * فرحة الأمم بالمحبة والسلام !
- أديب في الجنة (18) * دولة النساء الديمقراطية العلمانية !
- أديب في الجنة (17)غلمان الخليفة وحلم الملك لقمان بدولة تحكمه ...
- الجنون في الأدب !
- أديب في الجنة (16) ثورة النساء على ظلم الرجال والحكام !
- أديب في الجنة (15) تعاليم لقمانية واغتصاب جماعي !
- أديب في الجنة (14) الله يمثل في قلوب الناس !
- أديب في الجنة (13) حين يرتعب الجنرالات !
- تأملات وخواطر ومقولات ومقالات في الخالق . الخلق . المعرفة . ...
- أديب في الجنة . (12)
- أديب في الجنة . (11)
- أديب في الجنة (10)


المزيد.....




- طريقة تنزيل تردد قناة توم وجيري الجديد 2024 نايل سات لمتابعة ...
- نتنياهو عن إصدار مذكرة اعتقال ضده من الجنائية الدولية: مسرحي ...
- كرنفال الثقافات في برلين ينبض بالحياة والألوان والموسيقى وال ...
- ما الأدب؟ حديث في الماهية والغاية
- رشيد مشهراوي: مشروع أفلام -من المسافة صفر- ينقل حقيقة ما يعي ...
- شاهد الآن ح 34… مسلسل المتوحش الحلقة 34 مترجمة.. تردد جميع ا ...
- مصر.. تأييد الحكم بالسجن 3 سنوات للمتسبب في مصرع الفنان أشرف ...
- بعد مسرحية عن -روسيات ودواعش-.. مخرجة وكاتبة تواجهان السجن ف ...
- بقضية الممثلة الإباحية.. -تفاصيل فنية- قد تنهي محاكمة ترامب ...
- مصر.. القبض على فنان شهير بالشيخ زايد بتهمة دهس سيدتين


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - أديب في الجنة (27) - نسمة الغدير- ترحل إلى السماء!