أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - هناك في صحراء الدهشة تولد الرواية















المزيد.....

هناك في صحراء الدهشة تولد الرواية


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 4235 - 2013 / 10 / 4 - 23:20
المحور: الادب والفن
    


أنطوان دوسانت إكزوبري
هناك في صحراء الدهشة تولد الرواية


بعضُ الخلق في الرواية متعة القارئ أولاً ...والحقيقة أن الرواية تكتب لشعور مؤلفها بهاجس التأريخ يسكنهً حتى لو كان البدء سريرَ غرام.
كان سانت اكزبوري ساعي البريد لأسطورة المغامرة بالطائرات ويقول :كتبت رواية الأمير الصغير فقط لأفتش عن تاريخ البشر والوردة .
رؤية سانت اكزبوري تلك وعيتها جيدا في اختفاءه الاسطوري مع طائرته في أفق تمناه هو ليكون قبرا لمجهوله اللغز ، تاركا في اكياس رسائل بريد الجنوب مخطوطات كل رواياته ويومياته التي كانت اديث ستويل تغنيها في حانتها الصغيرة في كازابلانكا والتي قادني اليها ذات مساء صديقي الروائي والقاص المراكشي انيس الرفاعي فأقف مذهولا في رؤى المكان ودفء المرأة التي تعود اكزبوري على رخامة صوتها وهو يبلل قلم الكتابة في حبر روايته ويكتب مشدوداً بثمالة ما فيها من عذوبة وانوثة وهي تقرر ان يكون غرامها في حضن بطل فرنسا للملاكمة وليس في احضان الشعراء والروائيين والشعراء الفرنسيين الذين عشقوا صوتها من رينيه شار وحتى جان بول سارتر والبير كامو وايف بونفوا ....
تحلم الرواية لتصنع قدرها الوجودي من خلال تأريخ لهاجس أو لحظة او مكان وفي المحصلة الإنسانية في هكذا خلق نحصل على تفسير منطقي لمجل السيرة الحياتية لحياة الارض منذ آدم وحواء وحتى اللحظة التي شُيعَ فيها أهل مدينة العمارة روائيهم الشاب الروائي الشاب المرحوم محمد الحمراني صاحب رواية ( انفي يطلق الفراشات ) .
بعض الخلق في الرواية يرسم افقا بحدود وزوايا تختلف بمقدار ما يملكهُ كتابها من وعي وموهبة وثقافة وتحضر ، والخلق في الرواية يختلف تماماً عن الخلق الشعري ، فالشاعر قد ينتظر الملائكة فقط ليصنع القصيدة والروائي عليه أن ينتظر الملائكة وما يمنحهُ له المحيط والبيئة التي يعيشها...!
سانت أكزبوري يكتب من خلال ثقته بالمساحات المطلقة كحقيقة للوجود الرائع للبشر لهذا جعل من الصحراء المكان الاقرب لكل احلامه وتوقع لنهايتها أن تدفن تحت الرماد الخالدة كما صدى موسيقى سعف النخيل في واحات الصحراء الليبية عندما جعل من حقائب البريد الجوي خواطر قراءة العالم الرملي الشاسع وبذلك يقترب البوح مع رسالة الكاتب ويؤسس هذا المغامر الفرنسي في رواياته نمطاً سردياً يمازج بين الصوفية الروحية الرائية وبين فلسفة قراءة المكان والانتماء اليه وجعله الأبد الذي يشعرهُ انه يستقر فيه ويعشقه ويعرفه ويروي أحاسيسه في روايات يمثلها هو بهاجس القرين الحتمي المصنوع من أيمان اكزبوري أن المكان هو الزاوية الأكثر أقتراباً من قناعتنا :أننا ولدنا لنكون هنا .
وربما هذه القناعة بالمكان ورواياته لخصها سانت اكزبوري بقوله : لقد سُقيتُ من سحر الرمال… فيما يقوم آخرون بحفر أبارهم البترولية من أجل أن تربح تجارتهم… لكن هؤلاء على أية حال وصلوا بعد فوات الأوان لأن تلك الواحات البعيدة باحت لنا بأسرارها قبل وصولهم… لقد عرفت كيف أقترب من الصحراء …فعلت ذلك بقلبي… وفي عام 1935 فيما كنت في طريقي إلى الصين وجدت نفسي في تخوم ليبيا… ضننت أنني كنت سأدفن تحت التراب هناك… وهذه هي حكايتي.
دائما أقرأ سانت أكزبوري ، فقط لأهرب من زحام المدن المكتظة بتعاسة التخبط والسير المزدحم وتشتت الحواس والذاكرة ، أنه يمارس سطوة المسافة في عمق ارواحنا عندما نقرأه في رواياته المرتبطة بمكاتيب المدن والمغامرات الغير محسوبة بطائرة البريد الشراعية فوق صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا زرع ، وكان دائما يصل ليوثق في أختام الرسائل تحيات الجنود وقبائل الواحات وتواقيع الحكام ورؤساء الوحدات الادارية في المستعمرات الفرنسية في الشمال الافريقي ، فلقد حررته هذه الامكنة المفتوحة من قول قديم له : لقد كنا نعيش في عالم مغلق لكل خطوة فيه طعم لذيذ ، وكان لكل شيء معنى يخصه .
لقد جعل من الفضاء وصحراءه نقطة الرؤية الوحيدة لأشباع رغبته الروحية والجمالية في محاكاة العالم ، وربما لحظة التحليق في طائرة جعلت اكزبوري يحلق في المديات التي تجعل الزرقة واضحة وكاشفة للأسرار الخفية لعالم الصحراء ، مما جعلهُ يدرك وكما نحسها في مجمل حوارات رواياته أن لحظة الطيران بالنسبة لسانت اكزبوري هي لحظة الخفايا المدفونة في باطن الأرض ، فلقد كانت تلك الرسائل والاحاسيس لا تصل الى المرسلة اليهم إلا عبر مغامر مثقف وطائرة تكون في النهاية القبر الذي توقعه ليكون مكان الابد الخالد ، ولتبدأ دراما البحث عن رفاة سانت اكزبوري وسط اهتمام ومتابعة العالم كله.
لكن الصحراء التي يعشقها لم تمنحه في قدرية حلمها معه أن تكون لحده الذي تمنى ، فقد عاش لحظة معرفة موته في ذات الخيال الروائي المسكون في ذاكرة عراف فطن مثل سانت اكزبوري كما في هذه الشهادة عن ارملة الروائي المغدور غرقا مع طائرته :
روت كونسويلو أسونثين، أرملة الكاتب الفرنسي أنطوان دوسانت إكزوبري (1900 ـ 1944)، في «مذكرات الوردة»، الذي صدر عام 2000، عقب وفاتها، أن زوجها وصف لها ذات يوم مشاعره كغريق تحطمت طائرته فوق البحر فقال: «إنه من السهل أن يموت الإنسان غرقا. دعيني أروي لك ذلك: يجب أن يدرك المرء بسرعة، أنه لن يستطيع تنفس الأوكسجين، بل يجب أن يتنفس الماء بواسطة رئتيه: ينبغي ألا تسعلي، فالماء يجب ألا يتسرب عبر أنفك. ستشعرين بالراحة، مثلي، وأنت تتنفسين جرعة الماء الأولى. إنه بارد، وكل شيء سيكون على ما يرام بعد ذلك».
اقرأ روايات سانت اكزبوري لأعرف مستويات سطوع الكلمات وهي تروي حكاياتها في مستويات الدهشة الابعد، دهشة الرمل ، دهشة محرك الطائرة في صوته الخرافي على موجات هائلة من العواصف والشمس الساطعة والمساحات المرئية في جمالية مايشعر فيه ويحول هذا الشعور الى محاكاة مع الواقع وتلك البيئة الفطرية البريئة التي جعلت من الشرق الافريقي مصدر الهام لروائي قرب الوعي بسحريته وفنتازيته الى مستوى كتابة جديدة اقترنت بالفعل ليصير هذا الطيار / الروائي صاحب مغامرة ولغة بليغة ، عندما حول الطيران البدائي في المجهول البعيد الى روايات وفلسفة ولغة ادرك بجمال تأملها :أن الروائي هو من يصل مع شخوصه الى تفسير الحياة بالرؤية التي نألفها والتي لانألفها ،وفي المحصلة ، كل شيء في راوايات سانت اكزبوري يكتب في النقطة التي تقع فوق رؤوسنا حتى في روايته الطفولية العميقة فقد كتبت في مكان بعيد في الفضاء الخارجي.
لقد جعله الطيران يعي العالم ويراه كمن ينظر اليه بناظور مكبر الف مرة ، دائما الحياة بالنسبة لاكزبوري ان تذهب بعيدا لتكتشف ، ودائما امكنته فارغة من البشر وربما القليل منهم اولئك الذين يتناثرون بمجاميع صغيرة في صحراء بحجم قارة ولهذا كانت رواياته تبحث في المكان عن شيء لانراه ولكننا نحسه ، لهذا نراه في كل مرة يمدح هذا الطيران الحر فوق محيطات الرمل بقوله:
لا أفهم شيئًا من كل ذلك… فعالمي هو الطيران. أشعر بالغسق الذي يقترب والذي ننغلق فيه كأننا في معبد… هناك حيث نغلق على أنفسنا الأبواب غارقين في صلوات هي أقرب إلي طقوس بدئية في عوالم الأسرار. لم يأت الغسق بعد حتى يختفي العالم المرئي… مازال المكان تمسحه أضواء ذهبية…
لكن شيئا فشيئأ تختفي الأضواء.
لا أظن أن روائيا بدهشة اكزبوري سيتكرر ، لأن العولمة والتفكير الجديد والثورات الحقيقية والزائفة سوف لن تسمح بذلك ، وستبقى تلك المرويات الأنسانية الشفافة الأحدث الجميل في التراث الانساني ، أنه ينقل لنا الحلم والوعي والذكريات حتى عندما ينأى بها مع أحلام أميره الصغير في الكوكب البعيد وبالرغم من هذا هو يحفزنا مع مرويات اميره واكتشافاته البسيطة نستعيد كل موجودات طفولتنا المنسية.
سانت اكزبوري ..الذي صنع لنا الجديد في اخلاقيات المروي في ثقافة الصحراء ومكنونها الخفي ، لا أظن أنه سيتجدد في رؤية قريبة لتلك الروح الانسانية المغامرة وهو يضع في اكياس رسائل بريد الجنوب الامكنة والشهوات والتحيات التي يكتبها الجنود والعشاق وموظفي دوائر مدن ماوراء البحار.
أكزبوري. رسم الخروف والوردة في قصد واحد في قلب اميره ليقودنا الى اكتشاف الحياة بالطريقة المثالية الصافية التي تحتاجها عولمتنا لتعرف جمالية المنابع الحقيقية التي تتجدد كل يوم في روح المعنى ولمعانه.
أكزبوري يروي لأنه يدرك أن في الرواية فهم الحياة والتواصل معها ، وقد اختار المكان الخطر والمجهول ليكون نقطة الولوج الى فهم مايجري في عالمنا اليوم وأمس وغدا.........!



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ساكو وفانزيتي ( إشتراكية السينما والرواية )
- رواية الخبز الحافي وعولمة ابن بطوطة .....!
- الرواية المقرؤة ..تكتبها ( أَما ) أنثى أو قِطة ..........!
- الرواية ( الشعرية ) ..من يكتبها ..؟
- الريادة ((عراقيا)) في الجمع بين شاعرين استثنائيين ((سان جون ...
- الفرق بين روايات ماركيز وسلمان المنكوب
- الرواية والميثولوجيا ودبابة بول بريمر ....!
- المدينة الرياضية وهمُ الخليج وكأسه
- بورخيس ينظر اليها ...وماركيز يسميها أمرأة ( الرواية )*
- الناصرية مفخخات وأوربا وداخل حسن
- خاطرتان عن الرواية
- حرب الجوامع والحسينيات
- يا أولاد الحلال ( محدش شاف مصر ؟)
- الفقراء والسياسة.......!
- جنكيزخان في دبي بحزامهِ الناسف
- البغدادية وحالة الرئيس الطلباني الصحية...!
- يزورهُ القديس كل ليلة
- قل لنار قلبي لاتنطفىء...!
- المنابر لم تُحسمها بعد ...؟
- موسيقى الدمعة في تفجيرات الناصرية


المزيد.....




- مسلسل طائر الرفراف الحلقة 70 مترجمة باللغة العربية بجودة HD ...
- السحر والإغراء..أجمل الأزياء في مهرجان كان السينمائي
- موسكو تشهد العرض الأول للنسخة السينمائية من أوبرا -عايدة- لج ...
- المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان
- تحديات المسرح العربي في زمن الذكاء الصناعي
- بورتريه دموي لـ تشارلز الثالث يثير جدلا عاما
- -الحرب أولها الكلام-.. اللغة السودانية في ظلامية الخطاب الشع ...
- الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي.. ما حكايتها؟
- -موسكو الشرقية-.. كيف أصبحت هاربن الروسية صينية؟
- -جَنين جِنين- يفتتح فعاليات -النكبة سرديةٌ سينمائية-


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - هناك في صحراء الدهشة تولد الرواية