|
أعطوا مالقيصر لقيصر
نورالدين محمد عثمان نورالدين
الحوار المتمدن-العدد: 4064 - 2013 / 4 / 16 - 03:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أعطوا مالقيصر لقيصر وما لله لله هي مقولة تاريخية منسوبة للسيد المسيح عليه السلام ، فحينما أشتد الصراع في عصور الظلام في أوربا ، بين البابوية – القيصرية و ملوك أوربا ، والذي في نهايته إنتصر تيار التغير ، والذي بدأ بوضع قوانين دنيوية يحتكم بها الشعب فيما بينهم ، بعد أن طلب النبلاء من الملك أن يسمح لهم بوضع بعض اللوائح ، وكانت هذه اللوائح بمثابة أول دستور وضعي على وجه الأرض ، حيث كان حينها الملك يعتبر ظل الله في الأرض وكل مايقوله الملك ويفعله هو من قول الله ومن فعله ، وكانت حينها الكنيسة تقتل وتصلب وتعذب كل من يخالف تعاليمها وقراراتها ، حتى إنها كانت تقتل العلماء حينما يكتشفون علماً جديداً ، وحادثة العالم جاليلو دائماً تطفوا هنا ، فعندما إكتشف كروية الأرض طلبت منه الكنيسة التراجع عن هذه النظرية المخالفة لتعاليم الكنيسة التي تقول أن الأرض مسطحة ، وعندما رفض الإنصياع للكنيسة قام رجال الدين بإعدامه ، ولكن بعد سنين أثبت العلم كروية الأرض ( فجاليلو مات والأرض مازالت تدور !! ) ، وإعتمد حينها صراع الكنيسة واللبراليون على مقولة السيد المسيح التي تقول ( أعطوا مالقيصر لقيصر ومالله لله ) ، وهنا يكمن العدل ، فالإهتمام بالحياة الدنيوية وعمارتها وتنظيمها عبر دساتير وقوانين ولوائح وأسس علمية ، لا يمنع أن نهتم بتعاليم الشريعة الدينية التي بدورها تنظم حياة الفرد والأسرة والمجتمع من خلال غرس الأخلاق الفاضلة والقيم في الإنسان ، وليس من المنطق أن تتدخل ايضاً الشريعة الدينية لتمنع حتى العلماء من إكتشاف الطبيعة وقوانينها التي بدورها تطور الحياة الدنيوية وتنظم حياة البشر وتسهلها عبر هذه الإكتشافات العلمية ، كالكهرباء وعلم الفلك والحاسبات والمحركات الخ ، كما كانت تفعل الكنيسة في عصور الظلام ، كما أنه ليس بذات المنطق والإنصاف ، أن يتم إبعاد الدين عن الحياة ورفض وجود الإله وإعتبار الإله من صنع العقل البشري كما يقول ( الملحدون ) ، فالعدل ياتي من خلال هذا التمييز المنصف بين ماهو سياسي دنيوي وبين ماهو ديني ، ويظهر هذا الإنصاف في مقولة الرسول المنزل المسيح عليه السلام ( أعطوا مالقيصر لقيصر ومالله لله ) ولم يقل لقيصر أن يأخذ مالله ولم يقل للناس أن يأخذوا مالقيصر ، ومن بعده قال رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ( أنتم أدرى بامور دنياكم ) عندما سأل الصحابة عن تلقيح النخل عندما بدأ يقل إنتاجه ..
ومن هنا نقول لكل من لا يعرف مالقيصر لقيصر أن العدل يكمن في هذه المقولة ، ولكن مايزال الصراع محتدم بين رجال الدين ورجال الدولة ، فالحركات الإسلامية أو تيار الإسلام السياسي دائماً ما يخلط عن عمد بين العلمانية والإلحاد ، فالعلمانية هي منزلة وسط بين تطرف الدين السياسي الذي يريد أن يسيطر على الحياة السياسية وقوانينها عبر زج الدين في هذا الصراع - كما كان يفعل ملوك أوربا في عصور الظلام - وبين من يرفضون وجود الدين في الحياة وهم الملحدون ، فالتميز بين ماهو سياسي وبين ماهو ديني مطلوب جداً لبناء دولة مدنية ديمقراطية يحكمها دستور يعبر عن كل توجهات وأفكار الجماعات والأحزاب و يعبر عن كل الثقافات والأديان الموجودة داخلها ، أي بمعنى أبسط هو وجود دستور محايد لايميز بين دين ودين وبين ثقافة وثقافة ، وهذا كله يتمثل في ( حياد الدولة بين الأديان ) ، ولكن سيظل الخلط موجود بين التشريعات الدينية والتشريعات الدنيوية مادام هناك تيار ديني سياسي تتقاطع مصالحه و إستغلال الدين في الصراع السياسي بعيداً عن القدسية والأخلاق ، ولا خروج من هذا الصراع إلا بوجود هذا الدستور المحايد الذي يرفض تأسيس وتكوين التنظيمات والأحزاب السياسية على أساس ديني ، أياً كان هذا الدين ، فالدولة هي التي تحافظ على قدسية الأديان بعيداً عن إستغلال الجماعات والأحزاب الدينية التي تجد في دغدغة الوجدان والأحاسيس العاطفية عبر خطاب ديني ، طريقاً سهلاً للوصول للسلطة ، ولكن ستنتصر الدولة المدنية في النهاية كما إنتصرت من قبل على تسلط ملوك أوربا الذين كانوا يستغلون الدين في الحياة السياسية ..ِ
ولكم ودي ..
#نورالدين_محمد_عثمان_نورالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرحمة حلوة !!
-
لست متفائلاً .. !!
-
التكسب بيهو ألعب بيهو !!
-
الأغاني الوطنية .. دعوة للحب !!
-
الكسب المشروع !!
-
يا حليل كرري !!
-
رؤوس حان قطافها !!
-
القطط تأكل أبناءها !!
-
مأساة أمير وإخوته
-
إعادة توطين النوبيين !!
-
مرسي خفايا وأسرار الزيارة !!
-
مركز نقد الثقافي ..
-
السّد ( مربط الفرس ) ..
-
شبابنا المفترى عليه !!
-
لحساب من يلطخ تاريخها ؟
-
كفاية .. ثم ماذا ؟
-
إنتخابات شنو ؟
-
أعطني مسرحاً أعطيك أمة !!
-
للمعاقيين مجاناً !!
-
حرية التعبير ..
المزيد.....
-
مقتل رجل على يد الشرطة حاول إضرام النار في كنيس يهودي شمال غ
...
-
الشرطة الفرنسية تقتل مسلحا حاول إضرام النار بكنيس يهودي
-
فرنسا.. الشرطة تقتل رجلا حاول إضرام النار بكنيس يهودي
-
وزير الداخلية الفرنسي: الشرطة قتلت مسلحا حاول إشعال النار في
...
-
قتلى وجرحى لجنود الاحتلال بهجومٍ للمقاومة الاسلامية على -جعت
...
-
-المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن استهداف هدف حيوي صهيوني
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن قصفها هدفا حيويا في إيلات
...
-
-المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن استهداف هدف حيوي إسرائيل
...
-
استقالة -مدوّية- لموظفة يهودية بإدراة بايدن لدعمه إسرائيل
-
المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان: منع الرموز الدينية بالمدارس
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|