باقر جاسم محمد
الحوار المتمدن-العدد: 1151 - 2005 / 3 / 29 - 11:52
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
بعد أن حققت الانتخابات العراقية في 30/ 1 / 2005 نجاحا منقطع النظير حين جرت في ظروف صعبة و استثنائية ، و أعلنت نتائجها على الشعب العراقي الذي كان هو الفائز الأكبر فيها ، أطل علينا بعض من شككوا بإمكانية نجاح الانتخابات أو دعوا الى مقاطعتها ، و عبر شاشات الفضائيات ليرددوا مرارا و تكرارا زعما يفيد أن نسبة من شاركوا بالانتخابات هي 58% من الشعب العراق ( و هذا الجزء الصحيح من زعمهم ) و لذلك فأنهم يمثلون نسبة 42% التي لم تشارك في الانتخابات. و هذه هي المغالطة الكبرى التي بنوا زعمهم عليها . وهي مغالطة لاحظنا أن الكثير من المحاورين و المحللين لم يلتفتوا إليها و يعطوها ما تستحق من تحليل و نقد . و نحن إذ نسجل موقفنا الذي يرى ضرورة إشراك جميع أطياف الشعب العراقي في صياغة الدستور و ربما في الحكومة المقبلة ، و ذلك لأن المرحلة المقبلة التي يعاد فيها صوغ العقد الاجتماعي المؤسس للدولة العراقية الثانية في العصر الحديث ، فإننا سنتوقف عند هذا الزعم و نسهم في مناقشته و تبيان ما انطوى عليه من مغالطات كبرى و صغرى . و ذلك من أجل تشكيل الوعي السياسي الجديد الذي يستند الى الحقائق لا الى الأغاليط . و نرى أن هذا الزعم هو مغالطة كبرى بنيت على مجموعة من المصادرات على المطلوب أو المغالطات الصغرى . و على النحو الأتي:
1. القول بأن 42% ممن لم يسهموا بالتصويت تمثل رفضا لها و تأييدا لمن قاطعوها هو زعم باطل. لأن الافتراض بأن كل من يحق له الانتخاب سينتخب ينطوي ضمنا على القول بأن الانتخابات ستحقق 100% من المشاركة . و هذا أمر لن يتحقق و لم يتحقق إلا في استفتاءات صدام و سواء أشارك المقاطعون جميعا أم لم يشاركوا . و المأمول في أحسن الأحوال أن تكون نسبة المشاركة حوالي90% في حال مشاركة الجميع. و هذا يعني عمليا أن نسبة من لم يشاركوا لا تتجاوز هي 32% ممن يحق لهم التصويت باعتبار أن 10% لن تشارك في كل الأحوال . و لكن نسبة 32% ليست متجانسة و لا يمكن الزعم أنها تمثل توجها معينا مؤيدا لفئة معينة . و إذا افترضنا أن نصف هذه النسبة ، أي 16% من الناخبين يؤيد المقاطعين ، فكيف يثبت كائن من يكون ، و سواء أكان فردا أو حزبا أو هيئة ، أنه يمثل هذه الشريحة المقاطعة!؟؟ إن الاستيلاء على أصوات المقاطعين بهذه الطريقة يمثل سطوا على صندوق الاقتراع أو إلغاء لدوره . إذ بدون أن يثبت صندوق الاقتراع من سينتخب هؤلاء المقاطعون ليمثلهم في الحياة السياسية الديمقراطية لا يستطيع أحد أن يزعم أنه هو الذي يمثل المقاطعين . وهو يعد " تهميشا " فعليا لمن قاطعوا , و تزييفا بالملموس لا بالزعم ، لإرادتهم . لذلك نحذر من أخذ هذا الزعم على علاته و التعامل مع من يطلقونه على أنهم " الممثلين " الفعليين لمن قاطع عن وعي و موقف . فحذار حذار من منح حق تمثيل المقاطعين لهذا الطرف أو ذاك ممن يزعم حق تمثيلهم . فالمقاطعون هم وحدهم من يقرر ذلك في الانتخابات القادمة .
2. لقد قلنا أن نسبة 32% التي لم تسهم في الانتخابات تنقسم ، بتقدير أولي
الى 16% مؤيدة للانتخابات و للقوائم التي أسهمت فيها و16% قاطعت عن موقف واع . و هذا زعم يحتاج منا الى إثبات ؛ فنقول في التدليل عليه الآتي:
أولا: هنالك أعداد كبيرة من العراقيين الذين لم تسمح لهم ظروف وجودهم في الخارج من التصويت . فقد قدرت المفوضية العليا للانتخابات عدد العراقيين الذين لم يستطيعوا الإدلاء بأصواتهم بنحو مليون شخص ؛ وخير مثال على ذلك أنه تم تقدير عدد العراقيين الذين حرموا من الانتخاب في قارة أفريقيا وحدها بأكثر من ربع مليون شخص . ولكن عدم وجود مراكز اقتراع في كل الدول الأفريقية منع هؤلاء من المشاركة . و الحق يقال أن هنالك نسبة معينة من العراقيين في أفريقيا ستؤيد المقاطعين ، و لكنني على يقين أيضا أن الغالبية العظمى من هؤلاء ليس ممن يؤيد من قاطع الانتخابات . و لعل الانتخابات القادمة و إمكان إسهامهم فيها سيظهر صحة ما قلت فضلا عن أن الانتخابات السابقة تمثل دليلا قاطعا على اتجاهات الرأي لعراقيي الخارج .
ثانيا:إن نسبة كبيرة من الذين لم يشاركوا في الانتخابات هي من سكان محافظات شمال العراق و وسطه و جنوبه . و هؤلاء ليسوا جميعا ضد الانتخابات أو يؤيدون من رفضها أو قاطعها ، و إنما حالت ظروف قاهرة دون اشتراكهم فيها مثل انتقال السكن أو سؤ الأحوال الجوية ، خصوصا في المحافظات الشمالية ، أو الحالة الصحية أو حتى الخشية من التهديدات التي رافقت الانتخابات . وهذا يعني أن هؤلاء سيسهمون في الانتخابات القادمة لنصرة القوائم المشاركة بالانتخابات ، وليس لتأييد من قاطعوها .
ثالثا: حال انتهاء يوم الانتخابات ، تظاهر عدد كبير ( حوالي 150 ألف شخص ) من سكان الموصل في مناطق بعشيقة وبحزاني و القوش و سواها ، و هم من المسيحيين العراقيين ممن لم يتح لهم المشاركة في الانتخابات ، مطالبين بالمشاركة فيها. و نظرا لعدم إمكان إيجاد حل لمشكلتهم فقد تعذرت الاستجابة لمطلبهم . و هؤلاء كما يعلم الجميع يغلب عليهم التوجه العلماني و الماركسي تحديدا . لذلك يمكن القول أن قائمة " اتحاد الشعب " هي المتضرر الأكبر من عدم استطاعة هؤلاء المواطنين من التصويت . فهل يزعم المقاطعون أن هؤلاء ، و مثلهم الكثير ، ممن سيمنح صوته لهم ؛ و عذرا لاستخدام لفظة " لهم" لأنني حقا لا أستطيع معرفة من " هم " هؤلاء .
رابعا: و يتصل بما ورد أعلاه القول انه ليس كل قاطع الانتخابات عن وعي و تسجيلا لموقف يؤيد من ظهروا على الفضائيات ، أو من لم يظهر ، و هو أو هم مستمرون بالزعم أن من لم ينتخبوا إنما يمثلون حصته الخالصة له أو لهم التي ستنتخبهم حتما في أية انتخابات قادمة ، هذا ما أثبتنا بطلانه بطلانا مطلقا.
خامسا: إن نسبة 16% التي قاطعت عن وعي و موقف لا تقدح مطلقا بشرعية الانتخابات . و حتى لو فرضنا جدلا أن كل من قاطعوا يمثلون اتجاها بعينه . هذا ما لا يمثل الواقع مطلقا ، فأن ذلك لا يدعم حجج القائلين بنقص شرعية الجمعية أو الحكومة التي ستنبثق عنها . ذلك لأن من الفباء الديمقراطية أن أي فوز بنسبة أكثر من 50% من الذين شاركوا في الانتخابات تمنح الشرعية التامة و الكاملة لمن فازوا بهذه النسبة، أما من قاطعوا أو لم يشتركوا لهذا السبب أو ذاك فأنهم قد تنازلوا طواعية عن حق لهم . و لذلك نعتقد أن الشرعية في العراق تستمد من الجمعية الوطنية المنتخبة ديمقراطيا و ليس من " مباركة " من هذا الطرف أو ذاك .
سادسا : إننا لا نقدح بوطنية من يطرحون هذا المزاعم و لكننا نصحح لهم ما وهموا أنه الحقيقة . و نأمل منهم الإسهام الفاعل في العملية السياة دون إدعاآت لا يقوم عليها دليل .
أخيرا نود القول أن إشاعة المزاعم المغلوطة يسهم في تشويش الرؤية السليمة . و هو يؤدي بالنتيجة الى عدم القدرة على تشخيص القوى السياسية التي لها وجود فعلي على أرض الواقع في مناطق غرب العراق و شماله الغربي . و هي القوي التي يجب أن تمد لها الأيدي في هذه المرحلة للتعاون في رسم صورة العراق المستقبلية . أما من يمثل المقاطعين سياسيا ، و نسبتهم في تقديري و على وفق التحليل أعلاه لا تتجاوز 16% ، فأنه أمر متروك لصناديق الاقتراع لتقرره في المستقبل القريب . و حذار من أن يمنح من لا يملك لمن لا يستحق . فهذا هو التهميش بعينه . أليس كذلك؟
#باقر_جاسم_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟