|
معاذ شهاب .. قصاص جديد
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 2883 - 2010 / 1 / 9 - 14:20
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
من المفرح أن تجد بين الشباب كاتبا جديدا موهوبا ، ولا أظن أن الموهوبين قلة ، لكن هناك دائما أكثر من عائق وحاجز يقطع الطريق على الموهبة . هناك أولا مشكلة النشر، فالكاتب الشاب قد يتحتم عليه الانتظار بكتابه في طوابير النشر بهيئة الكتاب حتى يشيخ وتتساقط أسنانه وينسى الموضوع الذي جاء من أجله للهيئة . هذا أو أن يدبر الكاتب مبلغا ( يصل لنصف تكلفة الكتاب عادة ) يدفعه لأي ناشر خاص ممن يدعون جميعا – وهم يحصون أرباحهم - أنهم أقاموا دور نشر لتشجيع الثقافة الجادة ! فإذا أفلت الكاتب من شيخوخة هيئة الكتاب ومن صعوبة تدبير المال ونجح في إصدار عمله فإن الصمت الضخم يبتلع إنجازه الأدبي بهدوء . هناك مشكلة أخرى سببها الكتاب الشباب أنفسهم ، فعدد غير قليل منهم تنحصر علاقته بالكتابة في حدود الرغبة في أن " يصبح كاتبا " ، " مرئيا " ، على أساس أن الكتابة علامة من علامات الوجاهة مثل اقتناء البيانو فيما مضى . ولا يستطيع أحد أن يلوم حركة النقد في ظل الأجور التي تدفع ، إذ يكون الناقد ملزما بشراء ومتابعة عشرات الكتب ليجد من بينها ما يستحق الكتابة ، ثم يجلس ليحلل " جماليات السرد " وما إلي ذلك ، وفي النهاية لا يزيد أجره في مجلاتنا المحترمة عن خمسين جنيها ، يدفعونها له عن المقال وهم يشيعونه بنظرات التألم والتقدير والتعاطف العميق ! ومازالت بعض المجلات تعتبر أن الكتابة نوع من " الصدقة " الثقافية الواجبة على كل كاتب بالغ ولا يعول ! ومن ثم يستلمون المقال ولا يدفعون له شيئا مكتفين بالشد على يدي الناقد بحرارة والنظر مباشرة في عينيه ليستحثوه على المزيد من العطاء النبيل لأن الإنسان في نهاية الأمر ذكرى ! . هناك مشكلة أخرى تعترض النقد والكتاب وهي المعايير التجارية التي صارت الصحف الثقافية تعممها مثل " بورصة الكتاب " وأكثر الكتب مبيعا وغير ذلك . وطالما تمنيت أن تنشر الصحف جوار أخبار البورصة التجارية أخبار بورصة أخرى خاصة بأكثر الكتب أهمية أو جدية أو تأثيرا ، ليكون هناك على الأقل معياران تحت نظر القارئ . على خلفية من هذه اللوحة التي لا تبهج كثيرا ، صرت أعتمد على المصادفة في العثور على عمل جديد ، جيد . من هذه الأعمال المجموعة القصصية الأولى للكاتب الشاب معاذ شهاب المسماة " معلش مخدتش بالي " الصادرة عن دار " اكتب "، وتشتمل على إحدى وثلاثين قصة قصيرة طازجة ، ومشبعة بروح شاب ما من عائق بين قلبه والعالم . فالقصص تتسم في معظمها ليس بالبحث عما يحبون تسميته " ألاعيب " الكتابة ، لكن بالتفتيش عن حركة القلب في تعاطفه مع البشر وفي سعيه لاكتشاف دور " سوء الفهم " القدري الذي يدمر المحبة كما في قصته " أهي تستحق ؟ " . واكتشاف علاقة الحب بالموت كما في قصته البديعة " تحت الماء " حيث يلتقي تغمر مياه البحر شابين يغرقان ، هو وهي ، لم تكن تربطهما سابق معرفة ، فيتبادلان النظرات المشبعة بنداء الاستغاثة والعجز ، وحين يدرك الاثنان أن النهاية قادمة لا محالة فإنها والماء يغمرها تبتسم للفتى تواسيه وتواسى نفسها ، فيلوح لها بيده من خلال الموج ، ناظرا إليها بشوق ، ويضع يده على قلبه ليعبر لها عما يدور بداخله ، معتذرا محبا . و " الجديد " في قصص معاذ شهاب هو اكتشافها الواقع من جانب مختلف لم يكن منظورا، عبر لحظات دقيقة وهشة ، مشبعة بروح إنسانية عميقة وصافية . ويكاد معاذ شهاب أن يعتمد في معظم قصصه بناء فنيا واحدا تقريبا ، يعود بنا إلي " لحظة الإضاءة " في القصة القصيرة ، إذ يتفجر معنى القصص كله في النهاية ، في مفاجأة , ولعل أبرز نموذج لتلك الحالة هي قصة " الضحية " التي يذهب فيها شاب مدمن مخدرات مع صديقه سائق التاكسي لتصيد فتاة من الشارع واغتصابها في مكان بعيد مهجور. وبالفعل يعثرا على فتاة تستوقف تاكسي ، فيتجهان بها لمكان ناء ويغتصبانها ، ثم يتضح أنها أخت الشاب الذي لم يميز ملامحها . هناك قصص أخرى جميلة بالفعل وتستحق القراءة ، وتتسم بعذوبة شديدة ، ورهافة ، وذكاء ، ويشير معظمها إلي موهبة كبيرة يجدر بصاحبها أن يرعاها وأن يعتنى بها ، لأن المواهب الحقيقية قليلة . مبروك يا معاذ !
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مظروف - قصة قصيرة
-
أزواج نادين البدير وحكاية الكوب النظيف
-
زكي مراد .. حياة الأسطورة
-
قوى عاملة وهجرة وشاي بلبن
-
طفل في قفص - قصة قصيرة
-
الموت المتاح للكتاب
-
أوباما .. دماثة فقراء وسياسة أغنياء
-
الجزائر ليست 11 لاعبا بكرة قدم
-
أنقذوا حياة الروائي المصري محمد ناجي
-
مؤتمر القصة العربية في القاهرة
-
شدو العندليب في حضرة السيف
-
دور الأدب الحقيقي
-
هل تتطور المرأة المصرية بالأوامر ؟
-
فيلم الحكومة والشعب .. أين عمري ؟
-
لماذا يعرض التلفزيون المصري مسلسلات أثناء الإعلانات ؟
-
إيمى
-
عالم مصر السفلى
-
من كان قادرا على الكتابة فليكتب .. أو فليسكت !
-
ندم - قصة قصيرة
-
كناري الصغيرة
المزيد.....
-
أمريكا: لا مؤشرات على أن -حماس- تخطط لاستهداف -رصيف المساعدا
...
-
سيعرض على الكنيست للتصويت.. لجنة وزارية إسرائيلية تقر مشروع
...
-
السجن 42 عاماً للزعيم الكردي صلاح الدين دميرتاش الموقوف في ت
...
-
أعمال عنف دموية في كاليدونيا الجديدة.. والجيش الفرنسي ينتشر
...
-
الصين تستعرض جيش -الكلاب الآلية- القاتلة في مناورات مشتركة م
...
-
روسيا والعرب.. علاقات تاريخية وتعاون بناء
-
جنوب إفريقيا: إسرائيل تواصل الإبادة بغزة
-
القوات الجوية الروسية تدمر 3 قواعد للمسلحين في سوريا
-
البنتاغون: لا نخطط لإرسال مدربين عسكريين إلى أوكرانيا
-
غالانت: سنكثف عملياتنا العسكرية في رفح
المزيد.....
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
-
فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو
...
/ طلال الربيعي
المزيد.....
|