|
ملامح السخرية في المجموعة القصصية -الخلفية - للعربي بنجلون.*
مصطفى لغتيري
الحوار المتمدن-العدد: 2759 - 2009 / 9 / 4 - 22:35
المحور:
الادب والفن
لقد تعود الكثير من المتتبعين ربط اسم الكاتب المغربي العربي بنجلون بأدب الطفل ، و ذلك بسبب الكم الهائل من قصص الأطفال و الشباب الذي أغنى به الكاتب المكتبة المغربية و العربية على حد سواء ، و على الرغم من ذلك فإن للكاتب العربي بنجلون وجها جميلا آخر و مثيرا، و يتمثل في إبداعاته في مجال القصة القصيرة ، إذ أبدع هذا الكاتب نصوصا لامعة تستحق من المتتبعين أكثر من وقفة و التفاتة. و هذا بعض ما أتمنى أن أقوم به من خلال وقفتي هاته عند مجموعته القصصية الموسومة ب"الخلفية" و الواقعة في ثلاث و ستين صفحة من الحجم المتوسط ، ضامة بين دفتيها ست قصص هي على التوالي : الخلفية و الفياغرا و رائحة الموت و الوحل و العتمة و انتحار و الفيروس .
و مما استوقفني - و أنا أتصفح نصوص المجموعة- طابع السخرية الذي يهيمن على نصوص بعينها، مما أهل أسلوبها ليتميز بطابعه الخاص ، و لعل هذا ما يجعله قريبا من النفس،بل و ينتزع من شفتي القارئ الابتسامة تلو الأخرى ، و قد تبدت هذه السخرية في جملة من العناصر سنحاول رصدها خلال قراءتنا هاته للمجموعة. و لعل أول ما يثير الانتباه في هذا الصدد العناوين الفرعية المكملة للعناوين الأصلية، و التي لم تسلم منها قصة من قصص المجموعة الستة ،و قد بنيت هذه العناوين التكميلية بشكل يوحي بالبعد الساخر الذي سينتظره المتلقي –لا محالة-في النصوص ،ومن ذلك نذكر مثلا أن القصة الأولى التي تحمل عنوان "الخلفية" اختار الكاتب أن يضيف إلى عنوانها الأساس عنوانا مكملا هو "ابن بطوطة في كف عفريت " و هذا العنوان لا يمكن سوى أن يوجه أفق انتظار القارئ صوب البعد الساخر للقصة ، و نفس الشيء تكرر بالنسبة للقصة الثانية التي تحمل عنوان "الفياغرا" فقد أضاف الكاتب إلى عنوانها عنوانا مكملا هو " رجوع الشيخ إلى صباه" أما قصة "انتحار " فاختار أن يضيف إلى عنوانها عنوانا مكملا هو "الانبطاح في زمن الانفتاح". وقد طالت هذه السخرية بالإضافة إلى العناوين شخصيات القصص ، إذ أبدع الكاتب في وصفها بشكل يجعل منها شخصيات هزلية ، تعد بوقوعها خلال المتن الحكائي في مواقف ساخرة ، يقول السارد في قصة "الخلفية" متحدثا عن الشخصية الرئيسية في القصة " يجلس إلى طاولة متآكلة ، و كرشه متدلية بين رجليه القصيرتين ، يحتسي كؤوس الشاي المنعنعة بصوت حوشي ، ومن حين لآخر ، يفتل شاربه القطي ، و يجذب رشفة أو رشفتين من غليونه المغربي الطويل المزركش "السبسي" نافثا دخانه من منخريه الواسعين...ثم يحشو ثقبتي أنفه بالسعوط ، و شدقيه بالتبن أو التمر أو الجبن البلدي المالح.." أما نادلة الحانة فيصفها بما يلي " بارميت تختال بخطى بطيئة ، كناقة سمينة" و لم يكتف الكاتب برسم الشخصيات من أجل إبراز بعدها الساخر، بل تعدى ذلك إلى خلق مواقف تبدو فيها الأحداث سادرة في جو من التناقض و الغرابة ، لاعبا على معطى المفارقة اللغوية أو المفارقة في المواقف،و ذلك من أجل أن يزكي الملمح الساخر لنصوصه ، ففي القصة الأولى نجد هناك نوعا من اللعب على الألفاظ من خلال استغلال المعاني المتعددة للخلفية ، فحين تتبع الشخصية الرئيسية النادلة "البارميت يحدثنا السارد عن خلفيتها قائلا " يظهر من جيبه أوراقا نقدية ، لونها فاتح ، و يومئ – و العياذ بالله – إلى الخلفية التي تتمايل ذات اليمين و ذات الشمال ، و هي تبتسم ببلاهة و دلال" و في نفس القصة تقع الشخصية الرئيسية في يد الشرطة السرية ، فيشبعونه لكما و رفسا ثم يستفسرونه قائلين " - حدثنا عن خلفيتك يا ابن الزانية..أية خلفية تعنون؟ .. أنا مثل القرد الصيني ، أتالم و لا أتكلم ، أمشي في ظل الحائط .. أعمل ، آكل ، أنام ، كبهيمة عجماء. - ماركسي ، لينيني ، لا تنكر ... و إلا لم تطيل لحيتك السوداء كالقار؟. وهذا يجد القارئ نفسها حائرا في تفسير العنوان على ضوء ما جاء في القصة ن فأي الخلفيتين يرجح في التأويل؟ و في القصة الثانية الموسومة ب"الفياغرا" تتفجر الملامح الساخرة من الموقف الغريب الذي يضع الحاكم أو الملك نفسه فيه، فبعد أن أصيب بالعنة "البرود الجنسي"، جمع العلماء و الوزراء ليستفتيهم في الأمر ، فظن هؤلاء أن بلاء ما حل بالأمة ، لكنهم بعد أن عرفوا حقيقة الأمر اضطروا إلى مسايرة الملك باحثين له عن حلول تكشف عنه الغمة. فعبر أبو الجود نيابة عنهم قائلا :أبو الجود قائلا " حقا ما قلت سيدي ، أطال الله يدك في الخير .. إن القضية أخطر مما نخال و نقدر ، إذ ما يبقى للإنسان إذا فتر باهه ، و ذهب نشاطه و حيويته"
" حقا ما قلت سيدي ، أطال الله يدك في الخير .. إن القضية أخطر مما نخال و نقدر ، إذ ما يبقى للإنسان ، إذا فتر باهه ، و ذهب نشاطه؟". ليقترح عليه في الأخير الدواء المعالج ، قائلا" لقد بلغني ، أيها السيد الكريم ، أن الإفرنج ، صنعوا حبة زرقاء ، أطلقوا عليها اسم "الفياغرا" تحول في ثوان فقط ، الخروف الحيران إلى سعدان ، و العصفور المكسور الجناحين إلى وحش كاسر...فحبة واحدة كافية بأن تقوي الباه ، وتبعث الحياة.."
و قد طالت السخرية – بالإضافة إلى ذلك- أسلوب الكاتب، إذ عمد هذا الأخير في بعض القصص إلى الارتكان إلى السجع كأسلوب في الكتابة ،و إن في درجاته الدنيا ، و هذا لا عمري تعميق للسخرية في النصوص ، ومن ذلك ما جاء في الصفحة 59 – 60 ، حين يقول السارد " كان قلبك معميا ،و بصرك معميا، لم تملك في دنياك غير غرمياتك الباريسية و اللندنية ، و بذاءاتك و طموحاتك الرعناء ، و تكديس المال في البنوك السويسرية ، و تلميع الأحذية الأمريكية و الأوروبية.." و تبقى في الأخير المجموعة القصصية " الخلفية " زاخرة بالملامح الساخرة ، التي من الصعب رصدها كاملة ، و هذه الملامح تجعل من نصوص المجموعة نصوصا ممتعة و غنية، و تستحق بالتالي أكثر من وقفة لإبراز ما تزخر به من معطيات شكلية و مضمونية متنوعة. *الخلفية -العربي بنجلون- مجموعة قصصية .-المطبعة السريعة 2006
#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة مفتوحة إلى الشاعر حسن نجمي
-
هل -بيداغوجيا الكفايات - طريقة ملتوية لتطبيق شبكة التنقيط؟
-
حنان كوتاري تنقش اسمها بالحناء في مدونة القصة المغربية
-
بلاغة الغموض في - أشرب و ميض الحبر - للقاص اسماعيل البويحياو
...
-
ليلة إفريقية رواية جديدة للكاتب مصطفى لغتيري
-
رواية -عائشة القديسة- أو الوجه الآخر لمجتمع يصارع الانفصام
-
حوار مع مصطفى لغتيري حول الرواية المغربية
-
حضور الذات حقيقة و مجازا في ديوان - بقايا إنسان- لكريمة دليا
...
-
وقع امتداده.. و رحل- مجموعة قصصية جديدة للقاصة السعدية باحدة
-
أنماط الرواية العربية الجديدة
-
على أعتاب المكاشفة
-
رسائل إلى أديب ناشئ
-
الإبداع القصصي عند يوسف إدريس
-
أنطولوجيا القصة المغربية
-
تسونامي - قصص قصيرة جدا - الكتاب كاملا-
-
الكرسي -مسرحية من فصل واحد-
-
إبداعات مغربية 2
-
ضفائر للطيفة لبصير
-
إبداعات مغربية
-
السرد الروائي في رواية - رجال وكلاب- لمصطفى لغتيري
المزيد.....
-
الخارجية الروسية: القوات المسلحة الأوكرانية تستخدم المنشآت ا
...
-
تولى التأليف والإخراج والإنتاج والتصوير.. هل نجح زاك سنايدر
...
-
كيف تحمي أعمالك الفنية من الذكاء الاصطناعي
-
المخرج الأمريكي كوبولا يطمح إلى الظفر بسعفة ذهبية ثالثة عبر
...
-
دور النشر العربية بالمهجر.. حضور ثقافي وحضاري في العالم
-
شاومينج بيغشش .. تسريب امتحان اللغة العربية الصف الثالث الاع
...
-
مترو موسكو يقيم حفل باليه بمناسبة الذكرى الـ89 لتأسيسه (فيدي
...
-
وفاة المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد عن 70 عاما
-
بسررعة.. شاومينج ينشر إجابة امتحان اللغة العربية الشهادة الا
...
-
بكين تستقبل بوتين بأغنية -أمسيات موسكو- السوفيتية (فيديو)
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|