جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2572 - 2009 / 3 / 1 - 09:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يقول بعض العلماء الإجتماعيين : من أن البدو الرعاة هم أول من أسس الحضارات , وهذا الكلام غير صحيح , وينسبُ غالبيتهم مثل تلك المقولات لإبن خلدون وهذا الكلام عارٍ عن الصحة , فقط البدو يقومون بالإستيلاء على حضارة الغير وقهرها وإبتلاعها وإدعائها لأنفسهم , وبما أنهم قومٌ بدوٌ رحلُ فكيف لهم؟ ومن أين لهم أن يصنعوا الأدوات وأن يكتشفوا ويخترعوا , فالإستقرار في القُرى هو الذي عمل على الإكتشاف والإختراع .
هم لم يخترعوا شيئاً بل هم هظموا ما أنتجه لهم الفلاحون , ومن ثم إدعوه لأنفسهم :
وعلى مدى التاريخ يخرجُ الثوارُ من الجبال , يجندهم السياسيون الفلاحون لأغراضهم وأهدافهم لقاء المواد الغذائية , والنساء, فالفلاحون السياسيون إذا أرادوا تدبير إنقلابات عسكرية دائماً ما يذهبون إلى البدو , ففطرتهم جعلتهم مستعدون فوراً للثورة دون بيان أسباب مقنعة أو غير مقنعة , فهم كالجراد يأكلون الأخضر واليابس .
وليلاحظ القارىء أن جميع الثورات تنطلق ُ من مواقع البدو من خيامهم وجبالهم , وهم يذهبون للمعارك دون معرفة سبب ذهابهم فقط هم يريدون المأكل والمشرب والنساء .
أما الفلاحون فإنهم يعشقون الإستقرار نظراً لعشقهم الزرع والضرع ولا يحبون الترحال من مواقعهم نظراً لأنهم يحرثون ويزرعون لذلك يبقون طوال السنة يعملون في كل المواسم , لذلك يعشقون الإستقرار , والإستقرار لا يتحققُ لهم بالثورات السياسية والإنقلابات العسكرية والعصيان المدني , إن هذه الأمور بحاجة إلى السلام الدائم وفتح جسور تعاون بينهم وبين الآخرين , لذلك أيضاً الفلاحون هم ألذين بنوا المدنية وشيدوها , حتى أن البدو الذين إحتلوا وإستعمروا المدن والعواصم , لم ينشأوا عواصمهم في الجبال الصحراوية , بل في المواقع الريفية , حيثُ الماء : بغداد..دمشق..وادي النيل ..وادي الفرات ..دجلة ..العاصي ..نهر الأردن ..ولم تنشأ أي حضارة مدينتها أو عاصمتها في الصحراء .
والفلاحون هم الذين أوجدو ا الديانات السماوية, وهم الذين صدروها للبدو الرعاة فهظمها البدو وأكلوها وشربوها كما شربوا العجل ببطونهم .
إن فائض إنتاج الفلاحين هو الذي أسس مبدأ الشراكة الدولية منذ بدأت تظهر كطريقةٍ للتعامل بين الدول ; فالفلاحون المثقفون إستطاعوا ضرب الأرض وشقها وفتحها بالفأس وبكافة أدوات الزراعة : مثل: الحرث والحصاد العُشبي والمائي , فحين زاد إنتاج الفلاح عن حجم الإستهلاك الطبيعي قام هذا الفلاح سريعاً بحركة ٍ ذكية بحيث إستبدل إنتاجه الزائد عن حاجته, بمنتوجات المدن المجاورة , وبذلك عملت هذه الأمور على تأسيس مبدأ الشراكة الدولية والتعاونية بكافة أشكالها , والفلاحون هم أول من شق الأرض وهم أول من أوجد الحُفر المائية (التِرعْ) في وادي النيل وما بين النهرين , والفلاحون هم أول من أوجد فكرة المرأة الخالقة .
فالمرأة التي تتشابه وظائفها مع وظائف الطبيعة كانت بالنسبة للرجل مقلقةٌ جداً ومرعبةٌ ومخيفة , فهذا الكائن الأنثوي الذي يخرج من بطنه كائنات حية تكبرُ بعد فترة وتصبح إنساناً لا بدّ أن تكون هي الخالق الذي خلق الإنسان , لذلك عبدها الفلاحون , بعكس الرعاة الذين إضطهدوها وحملوها أعباءاً إضافية , إن الفلاحين جعلوا المرأة خالقة ولهذا هم أول من أسس مبدأ العبادات الأنثوية , فعبدو (عشتار) وهي نجمة الصباح وهي القمر .
كل هذ لأن دورة المرأة الشهرية تكتملُ مع دورة القمر الشهرية , فالمرأة يأتيها الحيض في 30يوم أو 29-أو28..وبعدها تظهر عليها علامات الحمل , ولأن المرأة أثناء دورتها الشهرية تتعب وتهلك وتمرض لذلك جلست المرأة ولم تعمل في بيتها أي عملٍ من أعمالها ووظائفها المنزلية , ولهذه الأسباب كان يعتقدُ الفلاحون أن القمر يشبه المرأة في هذه الصفات لذلك قالوا : أن الآلهة تتعب أثناء الدورة الشهرية وتجلس في البيت , من هنا كان الفلاحون هم أول من سن نظام العطلة الشهرية , فكان الفلاحون يحتفلون في نهاية كل شهر قمري ولا يقومون بعمل أي شيء , ومن ثم عطلوا في كل ربع من أرباع الشهر في يوم أطلقوا عليه إسم (السباتو) ومعناها الراحة ومنها إشتق الناس إسم إسباتو والسبت والسبات.
والإنسان الفلاح والمزارع هو أول من إستقر في القرى وهو أول من بنى المُدن الصغيرة بسبب إستقراره , وكان الفلاحون والرعاة من قبل غير مستقرين لأنهم كانوا يركضون خلف الطرائد من منطقةٍ لمنطقة ٍ لكي يقتلونهن ويأكلونهن , ولكن الفلاح إستعاض عن مبدأ اللحاق بمبدأ التدجين فقام الفلاح بتدجين البقر في بيته وحول أطراف منزله وسكن في غرفة نوم بجانب بقره ومعزه , لكي يحميها من ضربات الشمس الحارقة ومن لسعات البرد وهنا يبدو أن الفلاحين تعاملوا مع مواشيهم بأحسن مما يتعاملوا مع أبنائهم من إناثٍ وذكور .
وهذا لكي ينتفع بما تدره له من لبن وحليب واشياء أخرى , وكانت البقرة قبل أن يدجنها الفلاح لا تحلبُ في السنة إلا حين الولادة فقط لا غير وكانت هذه مدة قصيرة , ولكن بفضل الفلاح إستطاعت البقرة أن تحلبَ كل يوم بفضل الأعلاف التي زرعها لها الفلاح وبذلك إستفادت الحيوانات الأليفة من تدجين الإنسان لها .
ولهذا السبب إستقر الفلاح ومارس تربية الدواجن والحيوانات الداجنة , وهو الذي إخترع الموازين والمكاييل , والعملة النقدية (الشيكل) أو (الشيقل) الذي ما زال اليهود إلى اليوم يتعاملون به , وقد نقله اليهود عن البابليين والسومريين .
والفلاحون هم أولُ من أوجد فكرة الإله المُخلص أو موت الإله وبعثه وقيامته , وهم أول من إستن فكرة العذاب والحساب بعد الموت , وذلك حين لاحظوا أن الزرع ينموا ويكبرُ ثم يموتُ ومن ثم يبعثُ مجدداً في مواسم الربيع التي إحتفلوا بها وجعلوها قيامة الرب كما هي قيامة الزرع , وهم الذين إخترعوا الكتابة , لأنهم إحتاجوا إليها فأوجدوا الرموز ومن ثم تحولت تلك الرموز إلى دلالات ومعاني ومن ثم إلى كلمات .
ومن الفلاحين أشتقت كلمة :culture بمعنى ثقافة من كلمة agry culture.
ومنحت التضاريس الطبيعية للفلاح طبائع لا تتناقض مع مبادئه : فعلى مدى التاريخ إمتاز الفلاحون بالبخل وعدم الكرم , نظراً لأنهم يتعبون جداً في الزرع والحصاد ولذلك هم لايفرطون بإنتاجهم , لأنهم يحصلون عليه بشق الأنفس وبالتعب وبالإرهاق , بعكس الرعاة , لقد إمتاز الرعاة عن البدو بحب التسلط وبحب القهر وبإهانة المرأة وبقدرتهم الفائقة على حمل السلاح وتدجين الحصان لأغراض عسكرية وبنفس الوقت الذي دُجن به الحصان في السهول الأمريكية (الأوراسية) كان البدو مع هذا التاريخ أيضاً قد دجنوا الحصان أيضاً ولكن الفلاحين كانوا يدجنون ويستأنسون : الماعز والخراف والبقر والثور (البيسون) وتنشط الفلاحون بنفس اليوم الذي نام به الرعاة على بطونهم من حرارة الشمس , ومن المعروف جيداً أن الكسل يدبُ في المواقع الحارة جداً فينام الإنسان طوال النهار خشية أن يتعرض لأشعة الشمس , أما مواقع الفلاحين فقد كانت على مدى التاريخ نهاية مفرحة لموسم مفرحٍ جداً , عمل به الفلاح وأكل وشرب من تعب يديه , وكذلك ولد أنبياء الله في الريف , حتى وإن كانوا من أصول بدوية , ففي المواقع الصحراوية لم يظهر الأنبياءُ وإنما ظهروا بعد أن إستقرت أقوامهم في المواقع الزراعية , في أورشالم (اليبوسيين) وفي أريحا , وفي الناصرة التي ينتسبُ إليها النصارى اليوم , فكلمة النصارى هي نسبة لمدينة الناصرة التي ولد بها مسيح الرب .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟