|
ننعي لكم الطبقة المتوسطة السورية
سلطان الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 2090 - 2007 / 11 / 5 - 10:47
المحور:
كتابات ساخرة
عندما لا يجد الجيل الجديد من المثقفين والأطباء والصيادلة والمحامين والتقنيين والمهندسين وأساتذة الجامعات ، وأصحاب الدخل المحدود من الموظفين ، وصغار التجار . وبعض الضباط الشرفاء . ما يستر بدنهم ، ويُشبع جوعهم ، ويحفظ لهم ماء الوجه ، ويقيهم من التسول والانحراف ، فهذا يعني أن الطبقة المتوسطة في بلد ما قد اضمحلت وغابت عن الوجود . عندما تضمحل الطبقة المتوسطة وتتلاشى تحت ضربات التجار الكبار ، والاستثمارات المرعبة ، والتي أصبحت تخص قلة من التجار والمسؤولين ، حيث نلاحظ تجمع كل الاستثمارات بيد فئة واحدة من التجار ، عندها تكون الديمقراطية في أسوأ صورها . فالطبقة المتوسطة في كل زمان ومكان ، هي الجدار الصلب الذي تتكئ عليه الديمقراطية ، وبإنهياره ، تنهار اسس الديمقراطية في أي بلد كان .
في سوريا اليوم ، غابت تلك الطبقة ، وأصبح الدعاء اليومي لأصحابها : يا رب قنا من التسول وأعطنا خبزنا كفاف يومنا ، ولا تجعل آخرتنا حول الحاويات ، انك لسميع مجيب .
أبو هاشم جاري يعمل في مهنة التنجيد ، لديه شابين وزوجة ، يصل الى مشغله في الصباح الباكر ، افطاره وولديه ، خبز عراقي مغموس بالشاي ، لا أكثر ولا أقل ، وعند الظهيرة ، قد يتناول ما تبقى من الخبز ، أو يشتري نصف كيلو من الحمص مع نصف كيلو من البندورة ، يأكل ، ويأخذ ما تبقى الى زوجته في المنزل . هذه حال أبو هاشم المنجد، وكذلك حال الكوى الذي يتناول نفس الفطور ، وينام في محله ، بسبب ارتفاع أجرة المنازل والغرف . أبو هاشم يلبس قميص أخضر ، منذ ثلاث سنوات ، بداية ملاحظتي له ، لا يستبدله ، لا في العيد ولا في الليل ولا في النهار. في قدمه حذاء يُجايل القميص في العمر ، لم يعد يستحي ابو هاشم من الترقيعات التي فيه ، لأن كل جيرانه ، أحذيتهم مرقعة . اذا تجاوزنا المأكل والملبس ، واتجهنا الى نواحي أخرى من حياة هذا البائس : جاءني مرة يعوي مثل الكلب أجلكم الله من هذا التشبيه ، وكان يضع يده على ضرسه ويصرخ ، أعطيناه مسكن ودواء التهاب ، وعاد في اليوم التالي ينبح ويجعر وينهق مثل الحمار أعزكم الله من كل هذا النباح والجعير والنهيق . استفسرت منه عن حقيقة ألمه وسببه ، فقال: الله لا يوريك يا دكتور مثل هالوجع ، لقد ركبت بدلة أسنان ، وهي تؤلمني كثيرا، وشرح كيف ركب بدلة الأسنان ، ليس عند طبيب الأسنان ، ولكن عند النور (البدو) .!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! في القرن الواحد والعشرين ، وفي عهد حكومة العطري الموقرة ، يقوم مواطن سوري بتركيب بدلة (طقم) أسنان على يد البدو ، لأنه لا يملك شروى نقير أو حمير .
آخر انجازات حضارية للحكومة : رفع الدعم عن البنزين ، في غفلة من الزمن ، ومن الشعب ، وتركت الشعب يُصارع أصحاب التكسيات ، وجلست تُشاهد النتيجة . في كل دول العالم ، وقبل أي رفع للأسعار ، تأخذ الدولة اجراءتها ، وتُحضر نفسها ، وتسن ما يلزم من قوانين تتناسب مع الواقع الجديد . لا ، تهرع في ظلمة الليل وترفع الدعم ، وترتفع الأسعار ، وتبدأ المشاكل بين المواطنين . المشترك بين الشعب والحكومة هو الاختلاف فقط -
-أكثر أشكال العنف انتشاراً في العالم هو ذاك الذي يحصل داخل العائلة . لأن هذا العنف في معظم الحالات يبقى غير مكتشف وبدون عقاب ، لأنه يحدث بين الجدران (المحصنة) للبيت . -و أكثر أشكال الظلم والفقر والفساد انتشاراً في المنطقة العربية ، هو ذاك الذي يحصل داخل سوريا ، على يد حكومة مسيو عطري ، التي لم تستطع حل أي مشكلة ، وعلى العكس فاقمت كل المشاكل . لأن هذا الظلم والفقر في معظم الحالات يبقى غير مكتشف وبدون عقاب ، لأنه يحصل بين الجدران المحصنة ( رأي آخر مقموع، صحافة مراقبة ، مواقع محجوبة ) ، للدولة. وعلى ذكر حجب المواقع وتكميم الأفواه وقمع الرأي الوطني ، والتي لن نسامح وزير الاتصالات ابدا عليها ، يقول (كانت) معرفا الحرية الثقافية على أنها : ( الحق في الاستعمال العام للعقل!)) . وعلى ذكر العقل فقد تم في مخابر ، مخيم جرمانا للنازحين ،تحاليل مخبرية تبين على أثرها ، بأنه يوجد في العقل الصغير مراكز للموقع والحركة ، وتوازن الجسد ، وفي العقل الكبير مراكز للعمل الإنساني الخلاق . ولدى أخذ عينة عشوائية من عقول رجال الحكومة ، تبين أن أكثرهم ينتمون الى الصنف الأول من هذه الدراسة .
إن تاريخ سوريا الحديثة أيها الجهابذة هو إلى حد كبير تاريخ الطبقة المتوسطة فهي محرِّكته وصانعة الكثير من أحداثه، وهي جزء لا يتجزأ من مسيرته السياسية على مر العقود والأجيال ، ومن رحمها خرج حزب البعث وثورته ، التي تستمتعون اليوم بثمارها .
يا حكومة العطري : سوريا تتراجع كل يوم سنة الى الوراء في عهدكم الميمون .
#سلطان_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معاناة مواطن سوري
-
عندما تتحول النزوة الى قانون في سوريا
-
لماذا الفكر المسيحي؟ الأصولية السورية المتمثلة في بعض القياد
...
-
نشودة حجب المواقع السورية على يد أبو حجاب للشاعر العربي احمد
...
-
أيها القتلة المجرمون : خطف كاهنين في الموصل
-
في انتظار غودو (رفعت الأسد ) .
-
معرم بالطقم الطلياني فوق الشروال العثماني : لُحى العلمانية ف
...
-
سوريا على خطى مصر في التضييق على المسيحيين
-
السيدة فلافل وحكومة العطري
-
منظمات حقوق الإنسان في سوريا، دفاع عن قضيتين احداهما باطلة .
-
طبخة كبسة بلا أرز
-
بماذا كافأ مجلس الشعب السوري ناخبيه ؟
-
سوريا في زيارة طبيب نفسي
-
المعارضة شرف
-
سياسة (شلون ما كان )
-
لقاء (حوار متمدن) مع رئيس الوزراء العراقي نوري
-
ما للقحطانية عوجلت في صباها دعاها الى اردى داعيان : العرب وا
...
-
حضارة بربرية تنتج برابرة متحضرين - قضية تنصر محمد احمد حجازي
-
الصراع الطبقي في سوريا 3 مسؤولية الدين ؟
-
مهلاً ماغي
المزيد.....
-
الشعر في أفغانستان.. ما تريده طالبان
-
أكثر من 300 لوحة.. ليس معرضا بل شهادة على فنانين من غزة رحلو
...
-
RT العربية توقع اتفاقات تعاون مع وكالتي -بترا- و-عمون- في ال
...
-
جامع دجينغاربير.. تحفة تمبكتو ذات السبعة قرون
-
حملة ترامب تطالب بوقف عرض فيلم -ذي أبرنتيس- وتتهم صانعيه بال
...
-
ذكريات يسرا في مهرجان كان السينمائي
-
فنانو مسرح ماريوبول يتلقون دورات تدريبية في موسكو
-
محاكمة ترامب.. -الجلسة سرية- في قضية شراء صمت الممثلة الإباح
...
-
دائرة الثقافة والإعلام الحزبي تعقد ندوة سياسية في ذكرى النكب
...
-
كراسنويارسك الروسية تستضيف مهرجان -البطل- الدولي لأفلام الأط
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|