لتكن المواجهة شمولية ضد الفساد والإرهاب

سعيد الكحل

الحوار المتمدن-العدد: 1989 - 2007 / 7 / 27 - 11:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

إن الحقيقة التي يجب أن نراها "عين اليقين" هي أن أمن المغرب ومصالحه العليا مسئولية ينبغي أن يتقاسمها جميع المواطنين بدرجات متفاوتة ، وليست حكرا على جهة بعينها . فالمواطن المغربي بسيط في مطالبه معتدل في طموحاته ، لا يريد غير ستر العرض وصون الكرامة . لهذا فهو قنوع صبور تبعا للمثل الشعبي " سير بالنعالة حتى يجيب الله الصباط" . غير أن الحقائق المرة التي يعيشها تمطره بالأسئلة المؤرقة التي ستخرجه عن اعتداله وتنفذ صبره . فهو يلمس المأساة ويغوص في أعماقها كلما أدركه نور الصباح : غلاء متزايد ، إجرام متفاحش ، نهب متوحش ، بطالة مفترسة ، فقر مدقع . ليس هذا قضاء إلهيا ، بل هو واقع من فعل عدد من الذين أسندت إليهم أمانة الشأن العام فعاثوا فيه فسادا وتسترا على الفاسدين . هؤلاء خانوا الأمانة في دينهم وفي وطنهم . أما خيانة الدين فيجسدها الحديث النبوي الشريف ( عن عدي بن عميرة الكندي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا أيها الناس من عمل منكم لنا على عمل فكتمنا منه مخيطا فما فوقه فهو غل يأتي به يوم القيامة فقام رجل من الأنصار أسود كأني أنظر إليه فقال يا رسول الله اقبل عني عملك قال وما ذاك قال سمعتك تقول كذا وكذا قال وأنا أقول ذلك من استعملناه على عمل فليأت بقليله وكثيره فما أوتي منه أخذه وما نهي عنه انتهى ) . وهذا حال كثير ممن استأمنهم الشعب والدولة على المال العام فنهبوه وأساءوا تدبيره دون أن تكون العدالة في حقهم بالحزم الذي تكونه مع القليل من الفاسدين وعموم المواطنين الذين ارتكبوا جنحة أو جرما . بدليل أن حالات الفساد وجرائم النهب في تزايد ، كلما افتُضح أمر واحدة تعالى صدى أخريات . ولنا في حالات الفساد المتعلقة بتفويت أراضي الوقف والأملاك المخزنية نماذج صارخة . لقد كان من الحكمة والصرامة أن تتوقف فضائح السطو والتحايل على الأملاك الوقفية أو المخزنية عقب افتضاح أمر الماجدي ، لكنها استمرت ولفائدة أشخاص أقل نفوذا من الماجدي . وما يقال عن الأملاك المخزنية يقال كذلك عن الأراضي المسترجعة التي تم تفويت ضيعات هامة منها، في إطار الخوصصة ـ لفائدة الأصحاب أو ذوي النفوذ . علما أن هذه الأراضي والضيعات كان الأولى بها خريجو المعاهد المتخصصة والشباب العاطل بعد تأهيلهم . فتكون بذلك إحدى المداخل الحقيقية للتنمية البشرية التي فتح جلالة الملك أوراشها الكبرى .
أما بخصوص خيانة أمانة الوطن ، فيكفي التذكير بالأرقام التي كشفت عنها الدوائر الرسمية أو المنظمات غير الحكومية والمتعلقة بحجم النهب في المؤسسات التالية : الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بـ115 مليار درهم ، و القرض العقاري والسياحي بـ8 مليار درهم، والقرض الفلاحي بـ846 مليون درهم، والبنك الشعبي بـ30 مليون درهم، والمكتب الشريف للفوسفات بـ10 مليارات درهم، وشركة كوماناف للنقل البحري بـ400 مليون درهم، والمكتب الوطني للنقل بـ20 مليون درهم، وشركة الخطوط الجوية الملكية التي سبق لمديرها الأسبق أن اتهم باختلاس مليار سنتيم، فضلا عن تبذير مبالغ مالية مهمة على صيانة الطائرات في الخارج ، ومكتب التكوين المهني الذي اختلست منه 7 مليارات سنتيم في إطار برنامج العقود الخاصة للتكوين، والقناة التلفزيونية الثانية «2M» التي كانت على شفا الإفلاس، وتم ضخ أموال ضخمة من المال العام في ميزانيتها لإنقاذها، كما اختلست مبالغ ضخمة من البنك الوطني للإنماء الاقتصادي، والمكتب الوطني للصيد البحري حيث أعلن وزير سابق للقطاع أن أزيد من 70 في المائة من الإنتاج المغربي للثروة السمكية يباع بطرق غير قانونية . بل إن وزارة الصيد اضطرت ـ خلال يوليوز الجاري وأمام احتجاج أرباب الصيد ـ لإضافة مبلغ 20 مليون سنتيم إلى الغرامة الأولية التي حددتها في 10 ملايين سنتيم ضد صاحب إحدى شركات الصيد في أعالى البحار التي تم ضبطها وهي تحاول تهريب كميات كبيرة من الأخطبوط .
ويكشف لنا الأستاذ العربي المساري بعض أوجه النهب وحجم الفساد كالتالي( ومما تضمنه التقرير البرلماني عن القرض العقاري والسياحي أن أجرة المدير السنوية كانت تعادل 1822 أجراً أدنى، وأن ما صرفه المدير في إصلاح وتجهيز بيته عادل 7059 أجراً أدنى، وأن عدد المستخدمين في المؤسسة تضاعف من 922 شخصا في سنة 1990 إلى 1801 في 1997، وأن تدقيق حسابات المؤسسة كان سطحيا وشكليا، وأن الإدارة فرطت في استرجاع الديون من الزبناء، وأنها منحت قروضا بطريقة غير منضبطة مع القانون، أي أن الأموال العمومية كانت تنفق بسفه ويستفيد منها عدد محدود من المحظوظين)الشرق الأوسط 2/2/2001 .
إن حالات الفساد هذه لن تترك للمواطنين البسطاء ـ الذين ظل سعيهم في الحياة محصورا في ستر العرض وصون الكرامة ـ مسوغا لتمطيط الصبر وتجرع مرارة الغبن والحقارة وهم يرون خيرات الوطن تتطاير نهبا وتهريبا أمام عجز القوانين وكساح العدالة . إن غبنهم يتجرعونه حيثما حلوا وارتحلوا ، بل تطاردهم لعناته في الإدارات والمستشفيات والضيعات والأسواق والمتاجر وحين يدركون أن عيونهم بصيرة وأيديهم قصيرة . ويزداد ألمهم غورا بازدياد يقينهم من كون يد المحاكم ليست فقط قصيرة وإنما مغلولة أمام النهب والتبذير والفساد . لكن ، وحين يتعلق الأمر بجنح البسطاء و "جرائمهم" تكون يد العدالة طويلة وأحكامها نافذة . إن وضعية اللاعقاب واللاحساب التي يتمتع بها الفاسدون المفسدون لن تخلق ، في نفوس المواطنين ، مشاعر الرضا ولن تمنحهم طاقة للتحمل والصبر ؛ بل ستبث فيهم مشاعر الغضب وتقوي فيهم دوافع التمرد ونزوع الانتقام . وليتعظ الذين لا يرقبون في البسطاء إلاًّ ولا ذمّة ، وليعلموا أن الغبن والحرمان أشد فتكا بالضمير والأمعاء . وهذه الحالة من فقد البصيرة والاتزان يتربص بها كل شرير مجرم أو متطرف حاقد ليستغل ضحاياه في تنفيذ المخططات الإجرامية على اختلاف تلاوينها ومستوياتها . وأخطر هذه المخططات : التطرف والإرهاب والإجرام . لكل هذه المخططات أهداف ، رغم اختلافها ، تلتقي عند زعزعة الأمن وتدمير الوطن . ولا مخرج ، أمام تسونامي الفساد والإرهاب ، سوى بتوحيد الجهود لخوض المعركة ضد الفساد والإرهاب ، ولنجعل من المغرب أما حنونا ترضع كل أبنائها بدلا من أن تظل بقرة ينهب حليبها الناهبون . وأولى المداخل : أ ـ الإسراع بتنفيذ الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي أقرها المجلس الوزاري برئاسة جلالة الملك يوم 27/12/2006 . ب ـ إلزام كل الوزراء والبرلمانيين والموظفين السامين بالتصريح بممتلكاتهم . ج ـ استرجاع كل الأموال المنهوبة ومصادرة الممتلكات المترتبة عنها . د ـ وضع حد للتهرب الضريبي .

#سعيد_الكحل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات