أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أوزجان يشار - الطبيب و المقبرة














المزيد.....

الطبيب و المقبرة


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 1941 - 2007 / 6 / 9 - 07:59
المحور: الادب والفن
    


من مذكرات الكاتب التركي "عزيز نيسين

ترجمة: أوزجان يشار

أصبحت شقيقتي البالغة من العمر ثلاثة سنوات مريضة فقد كانت لا تستطيع الوقوف على رجليها . بعد مرور سنة أدركت أنها مصابة بمرض كساح الأطفال (وهو مرض يصيب العظام) وهو ناتج عن سؤ التغذية وعدم الاهتمام اللازم .
ربما يتسأل البعض - ماذا عن الطبيب ؟ في ذلك الوقت كنا نسمع فقط بأسم الطبيب . كان الطبيب بالنسبة إلينا حالة من الرفاهية, لذلك لم يكن من المتاح لنا أن نستعين بطبيب أو حتى نسمع صوتة. عندما يموت طفل كان يقولون :" الله أعطى والله أخذ" و لكن لو تلقت شقيقتي تغذية سليمة وجيدة بإشراف طبيب، لتحسنت حالتها كثيراً و أصبحت في صحة افضل . جربوا كافة أنواع الأدوية و الأدوية التي اتكلم عنها هنا هي الوصفات الشعبية التي يتم تجهيزها بلا نقود- وعندما فشلنا، أخبروا أمي بطريقةٍ اخرى لمعالجتها .
قالوا .. "في المساء ، عندما تقام صلاة المغرب، خذي الطفلة إلى المقبرة وأتركيها فوق ضريح قبر ثم أرجعي إلى البيت دون أن تنظري إلى الخلف . وبدون أن تشربي أي شىء حتى لو كان هذا الشىء قطرة شاي واحدة . سوف يتبعك البعض وسوف يحضروا الطفلة إلى البيت ".
أوضحت أمي للطفلة أنه إذا أردات أن تشفى و تتحسن وإذا أردت أن تمشي و تلعب كما كانت في السابق فعليها أن تتبع هذه الوصفة ، قالت لها أمي "يجب الا تخافي أو تبكي عندما نتركك في المقبرة وكانت شقيقتي بنت ذكية و مطيعة ايضاً .
كانت امي تأخذ شقيقتي في ذراعها كل مساء وتأخذني بيدها لنذهب إلى مقبرة "جروكلوك" التي تقع بين منطقة "كاظم باشا" حيث نسكن و منطقة "بيغولو" حيث كانت أشجار الصنوبر الكثيفة المتناثرة في المقبرة تجعل من ظلام الليل أكثر حلكة و أشد عتمة. في هذا الجو الكئيب تبدو القبور أكبر بكثير من حجمها الحقيقي . عندما تبدأ أصوات آذان صلاة المغرب تأتي من المآذن والمنارات ، تترك أمي شقيقتي فوق ضريح قبر وتأخذ يدي وبدون أن تنظر إلى الخلف, كانت تسرع الخطى بعيداً . استمر هذا الحال لشهور عديدة حتى دخل فصل الشتاء .
في كل مرة لم تكن أمي تلتفت إلى الوراء وفي كل مرة لم تصرخ شقيقتي ذات الثلاثة سنوات عندما كانت توضع فوق ضريح القبر .
لم أكن أستطيع رؤية وجه أمي أسفل خمارها . لم يكن أحد يدرك حجم المعاناة التي تعانيها, فقد كانت لا تتوقف عن البكاء وهي في الطريق بين المقبرة والبيت . عندما تعود إلى البيت عائدةً من المقبرة كانت ترمي بنفسها على المرتبة وتغمض عينيها حتى يعود أحدهم بشقيقتي من المقبرة .
أفكر كثيراً في تبعات ترك طفلٍ مريضٍ في مقبرة كملاذ آخير لكي يشفية و يعافية الله . إن الفقراء الذين لا يجدون طريقهم إلى الطبيب أو للأدوية والذين ليس لديهم القدرة حتى على اطعام أولادهم ، يسألون الله:
" يا الله ، تركت طفلي ها هنا عندك ، فادفن مرض طفلي في الأرض ، أرجعه يا الله لي معافى وسليم " .


في إحدى الأيام أحضر أبي تفاحاً إلى البيت . فأخبرني قائلاً :" أدر ظهرك" فأدرت وجهي ناحية الجدار ووقعت تفاحة أمامي ، ثم تفاحة أخرى . ثم قال أبي :" لقد أرسل الله إليك هذا التفاح فأدعوه" . إن الله الذي أرسل التفاح لي قد يشفي أختي أيضاً و لكن أختي ماتت. .

حينما حملت أمي الكفن الصغير للقبر ، كنت أظن أن الأمر لعبة وضحكت على العمة سارة التي كانت واقفة على باب الغرفة . أجل أنها لعبة ، سيتركون أختي في هذا الصندوق الخشبي فوق الضريح في المقبرة و هناك سوف تطيب وتأتي راكضة نحو البيت .
قالوا:" خذوا الولد إلى الداخل ".
حبسوني داخل الغرفة لأني لم أتوقف عن الضحك و الضجيج . أتت إلى أمي وقبلتني . وأخبرتني:" ماتت أختك ، يجب ألا تضحك هكذا".
خجلت بعد أن علمت بأني أقترفت شيئاً مخزياً .

دائماً كنت أسأل لماذا أصبحت كثير المرح و الضحك ولا أجد جواباً سوى "أن الشيء الذي جعلني مرحاً هكذا هو حياتي التي عشتها, لقد كانت حياتي طريق طويل حافل بالدموع" .



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بدلة أول عيد و أول يد أنثى
- الملائكة تتكئ على عصا
- أسنان البحر
- المحظورات و أول و آخر صفعة
- أوروبا تعزز المعرفة الفيزيائية بين شعوبها
- فوضى الزحف إلى المدن
- صياغة العقول تبدأ من توم وجيري
- طقوس و تنوع الانتحار عبر التاريخ
- براكين عصرية
- قراءة في رواية الطريق الوحيد
- البحث عن مدينة أخرى
- شقيقا روح
- الصناعات البلاستيكية و سلامة البيئة
- إغتيال كوكب الأرض
- نعانق الضوء خارج القفص
- الشعر الكثيف يفسد العقل
- أريد أباً
- !! ومن السر ... ما قتل


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أوزجان يشار - الطبيب و المقبرة