أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علي جرادات - تجاوز لكل الخطوط















المزيد.....

تجاوز لكل الخطوط


علي جرادات

الحوار المتمدن-العدد: 1931 - 2007 / 5 / 30 - 11:33
المحور: القضية الفلسطينية
    


في مقالة لصحيفة الخليج الإماراتية، وبإبداعٍ حوَّلَ العادي إلى مدهش، كثف الكاتب الفلسطيني خيري منصور بطولة الإنسان الفلسطيني ومعاناته بالقول: "لم يرد اسمه في أساطير الأولين أو أساطير الإغريق، لكنه جمع هؤلاء في قامة تعلمت مِن عمتها النخلة ألا تنحني، فهو "سيزيف" الذي حمل الصخرة صاعداً وهابطاً الجبل، وهو "بروميثيوس" الذي نهشت النسور كبده، لكنه كان يعاود النمو وهو واقف في العراء وحيداً كالرمح، لأنه سرق سر النار وأطلق الشرارة مِن الحجر، وهو "عوليس" الذي ضيعته البحار، تاركاً إمرأته على الشاطيء تبكي وتغزل الطيور وتنتظر. بالأمس شاهدناه رجلاً في الخمسين مِن عمره، عاش الهجرات الأربع كلها، وجرَّبَ المفاتيح التي أعطيت له فلم يصِرّ باب بدءاً مِن مفتاح وكالة الغوث حتى مفتاح البيت البديل الذي لا جدرانه تستر ولا سقفه يحمي ولا نوافذه تستقبل الريح، فلسطيني نموذجي حملَ على ظهره مِن بيت في المخيم، (نهر البارد)، أباً مشلولاً وأماً شقّوا أضلاع صدرها مرتين في عملية قلبٍ مفتوح، وإثني عشر طفلاً وثلاث نساء.......كل ما قاله، إنه عربي، وفلسطيني".
كنت شاهدت صورة ذاك اللاجيء الفلسطيني على الشاشة، وقرأت المقالة، فسالت دموعي ليس بفعلِ ما شاهدت وقرأت فقط، بل أيضاً لأنني تذكرت أنه، وبرغم هذا التشخيص الحقيقي لحال الفلسطينيين حيثما تواجدوا، وبرغم مجافاة ظرفهم الدولي والقومي، فإن ذلك لم يَقُدْ (للأسف) إلى تماسك العامل الوطني الداخلي، بما يساهم في منع تحويل الأزمة الفلسطينية إلى مأزقٍ مستعصٍ، ما يؤكد أن أخطاء بعض القيادات الفلسطينية لم تعد كمية، بل بنيوية، تتطلب إعادة التأسيس. ولعل أية مطالعة جدية لراهن الحالة الفلسطينية، تلحظ أنه منذ نتائج الإنتخابات التشريعية الأخيرة، فتشكيل الحكومة العاشرة للسلطة الفلسطينية، سقطت الكثير مِن البديهيات والمسلمات الوطنية، وأنتهكت العديد مِن المحرمات، ما قاد إلى تداعي الداخل الفلسطيني بصورة غير مسبوقة منذ عقود، بل صار الحال الفلسطيني ينتقل مِن سيء إلى أسوأ، إلى درجة أن لا تفلح "وثيقة الوفاق الوطني"، ف"اتقاق مكة"، فتشكيل الحكومة الحادية عشر للسلطة الفلسطينية في مداواته، أو التخفيف مِن وطأة أزمته الداخلية التي ما زالت تتفاقم، وتتجلى على أكثر مِن صعيد، وفي أكثر مِن مظهر، حيث:
لحمةُ النسيج الوطني السياسي والمجتمعي والعائلي تزداد تمزقاً يوماً إثر يوم؛ والدم الفلسطيني لم يعد خطاً أحمر، بل أصبحت إراقته على أيدٍ فلسطينية بمثابة لعبة ما أن يوضع حد لإحدى جولاتها حتى تنفجر أخرى أشدُّ وأقسى؛ وخطاب أن التناقض الرئيسي مع الاحتلال أصبح شعاراً خارج الممارسة العملية بنسبة كبيرة؛ وثقة القطاعات الشعبية الواسعة بالقوى السياسية الوطنية المُنظمة بلغت الحضيض دون أدنى مبالغة؛ والبحث عن الحلول الفردية أصبح ملاذا لا يَعدُّ المواطن الفلسطيني للعشرة قبل اللجوء إليه، هذا إذا توفر أصلاً؛ وحالة الفلتان والفوضى وتدمير الطاقة الوطنية وغياب سلطة القانون أصبحت قانوناً عاما يسود الحياة اليومية للفلسطينيين؛ ومظاهر الإحباط التي تتحول إلى حالات مِن اليأس الوطني تتنشر وتتنامى تناميا بكتيرياً؛ ودرجات التضامن بين الضفة والقطاع ضد ما يجري لكل منهما مِن ممارسات احتلالية استباحية بكل ما تحمله الكلمة مِن معنى، بلغت أدنى المستويات، ناهيك عن محدودية الإحتجاجات السياسية التضامنية لفلسطينيي الضفة والقطاع مع باقي التجمعات الفلسطينية وبالعكس، وذلك رغم ما يقع للاجئين الفلسطينيين في العراق مِن تذبيح، وما يتعرض له فلسطينيو مناطق 1948 مِن هجمة عنصرية شرسة، ناهيك عما استجد على وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين ربما تكون شرارة مخيم نهر البارد مجرد إشارة إلى ما يلوح لهم في الأفق؛ وفعاليات الإحتجاج الجماهيرية ضد ممارسات الاحتلال وإجراءاته تكاد تختفي إذا إستثنينا مسيرة بلعين الأسبوعية ضد الجدار العنصري النهبي العازل، ذلك برغم التصعيد الوحشي لهذه الممارسات والإجراءات، بدءاً مِن عمليات الإغتيال والقتل والجرح والإعتقال، مروراً بالتوغلات والإجتياحات والغارات الخاطفة ونصب الحواجز الثابتة والطيارة بكل ما تعنيه مِن مسٍ بالكرامة الوطنية والإنسانية، عرجاً على القصف والتدمير وهدم البيوت وصولاً إلى نهب الأرض وتهويد القدس وسلخها ووضع اليد على الأغوار وتحويل مناطق الضفة إلى معازل جائعة منفصلة عن غزة المطوقة الجائعة النازفة دماً لا بفعل جرائم الاحتلال فقط، بل وبسيف الاقتتال الداخلي أيضاً.
هذا هو المشهد الفلسطيني الذي لا تريد بعض القيادات الفئوية رؤيته والتصرف الوطني المسؤول على أساس أنه حقيقة قائمة، فيما لم تعد رؤية ملامح هذا المشهد العامة والتفصيلية حكراً على الفلسطينيين، بل صارت مكشوفة وواضحة لكل المتابعين للشأن الفلسطيني والمهتمين به، الأعداء منهم قبل الأصدقاء، بل أصبحت بمثابة مادة يومية تتناولها كافة وسائل الإعلام بجنسياتها وأنواعها، بالتشخيص والتحليل، ثم بثها لمشاهديها وقرائها ومستمعيها في الأركان الأربعة للمعمورة.
والحال، تغدو مشروعة الأسئلة: ترى ما هو السبب في كل ما يجري؟!!! هل تغير الشعب الفلسطيني بين ليلة وضحاها ولم يعد شعبا مكافحا متلاحما متراصا يغلي حماسة وغيرة وطنية؟!!!
درج الفلسطينيون، على إحتساب عاملهم الوطني، أي وحدتهم السياسية والوطنية وصمودهم السياسي وفعلهم المقاوم، كعامل قوة في حسبة ميزان القوى بينهم وبين الإسرائيليين، وهذا أمر بدهي، درجة أنه لم يخطر ببالِ فلسطيني في يوم مِن الأيام، حتى في أسوأ كوابيسه، أنه سيأتي اليوم الذي يتم فيه إخضاع هذه البديهية للنقاش. أما هذه الأيام، فقد بات أمراً طبيعياً وعادياً أن يضيف حتى أقل الفلسطينيين وعياً سياسياً، العاملَ الوطني الداخلي إلى عوامل معاناة الشعب الفلسطيني وتراجع قضيته الوطنية، بل وربما يقدمه على عامل الاحتلال الذي كان وما زال وسيبقى إلى أن يزول العلة الأولى والسبب الرئيسي في معاناة الفلسطينيين وتفجير نضالاتهم الدفاعية العادلة، وذلك منذ النكبة مروراً ب"النكسة" وحتى يوم الناس هذا. إن تحويل العامل الوطني الداخلي إلى عامل ضغط وإستنزاف، ينطوي على مفارقة لا قبلها ولا بعدها، ودون أدنى مبالغة أو شك، فإن التفكير الطفولي لبعض القيادات النافذة هو السبب الأساسي خلف هذه المفارقة.
في السياق، وكما يشير الكاتب عبد الفتاح القلقيلي في مقالة له في صحيفة الحياة الفلسطينية تحت عنوان "الطفولة اليمينية" كأداة للتحليل السياسي لم أسمع بها مِن قبل، فإن: "من ملامح التفكير الطفولي في القيادة، أنه يفتقر للمنطق، ويتوهم ان الربح يكون بمجرد الرغبة فيه؛ ويتوهم "الطفوليون" أن لإرادتهم سلطانا مطلقا، مثلهم مثل الجاهل الذي يظن أن للتعويذة قدرة هائلة على تغيير الواقع، ومثلهم ايضاً المقامر الذي يبقى في حالة أمل دائم، وأن المكسب سيأتيه بأي شكل وبأي طريقة. ويعتقد "الطفوليون" والمقامرون وقليلوا البصيرة والحنكة السياسية أن القدرَ مُدانٌ لهم؛ ولذلك يدمّرهم الواقع حينما يصطدمون به، ويكتشفون ان القدرَ لا يفي بديونه، فيلومون القدرَ الذي لم يعطهم حقهم ولم يسمح للحظ ان يحالفهم، ويحقدون على المجتمع بكل مكوناته، فيسلكون سبيل المغالاة الذي قد يصل الى درجة الادمان". والسؤال: أليس الأمر كذلك بالنسبة لكل فئوي لا يرى أن الوطن أوسع مِن حزبه، وأن تاريخ الشعب وتجربته أغنى مِن تاريخ حزبه وتجربته، وأن طاقة الشعب أعلى بكثير مِن طاقة حزبه، وأن شعبا بهذه التجربة مِن السعة والعمق لا يمكن حشره على مقاس تجربة حزب بعينه مهما بلغت مِن العمق؟!!! بلى إن الأمر كذلك، وما على الفئويين و"الطفوليين" إلا أخذ العبرة قبل فوات الأوان كي لا يكون العامل الوطني الداخلي عاملاً مِن عوامل الأزمة الفلسطينية التي تتحول بالتدريج إلى مأزق مستعصٍ.



#علي_جرادات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يستباح الدم الفلسطيني؟!!!
- دعوة لإستعادة الوعي
- الحكم أم الوطن؟
- رهان النسيان والذاكرة الجمعية
- الطغيان الأمريكي....مصاعب وإنتكاسات
- أين فينوغراد العرب؟!!!
- إتجاه الإنفجار المرتقب
- القصف العسكري والسياسي الإسرائيلي عن بُعد
- تقتحم القلعة من داخلها
- حتى لو لم أكن فلسطينيا
- الاتفعيل بالتعديل
- رأفة بالأسرى وعائلاتهم
- الموقف الإسرائيلي بين المظهر والجوهر
- ما أضيق السجن لولا فسحة الأمل
- الأمن بين السياسة والجغرافيا
- واشنطن تعلم ما لا نعلم!!!
- التفعيل بالتعديل
- أزمة فكر ونظام
- مكر التاريخ أشد مِن مكر رايس
- لا تَدَعوا الجرح يبرأ على صديد!!!


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علي جرادات - تجاوز لكل الخطوط