أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علي جرادات - الأمن بين السياسة والجغرافيا















المزيد.....

الأمن بين السياسة والجغرافيا


علي جرادات

الحوار المتمدن-العدد: 1881 - 2007 / 4 / 10 - 11:18
المحور: القضية الفلسطينية
    


إن متابعة متبصرة لخطاب القيادة الإسرائيلية السياسي، ستلحظ فيه ما هو أبعد مِن قصة رفض إشتراطات "المبادرة العربية للسلام"، أو قصة إستراتيجية تفاوضية ترفع السقف بهدف التوصل إلى حلول وسط لاحقا؛ فمطالبة القيادة الإسرائيلية للدول العربية بالتطبيع المجاني، والتخلي المسبق عن مطالب حق العودة والإنسحاب إلى حدود الرابع مِن حزيران عام 1967، تنطوي على موقف أيدولوجي تجاه موضوع الأرض واللاجئين منشأ القضية الفلسطينية، وجوهر الصراع، والمدخل الوحيد لتسويته.
وهذا الخطاب لا يعكس موقف الائتلاف الحكومي القائم بين "كاديما" و"العمل" فقط، بل وموقف أحزاب المعارضة مِن "الليكود" و"تجر يمينا" أيضا. وللتذكير، فقد كان شارون كثف هذا الموقف في شعار "الاستقلال مقابل السلام" كبديل لشعار "الأرض مقابل السلام"، وأطلقه في مؤتمر صحافي مع بيرس على أبواب ميلاد حزب "كاديما". ولكن ما فات أصحاب هذا الموقف، هو إدراك أن قوة الحراب، ومهما بلغت عظمتها في مرحلة تاريخية معطاة، لا يمكنها حماية هذا الموقف إلى ما لا نهاية، وأن الإصرار على الطابع الأيدولوجي الفظ والسياسي العنجهي لهذا الموقف، ينطوي على خلق نقيضه، وبالنتيجة دفن خيار "التسوية" للصراع، وفتح الباب واسعاً أمام استمرار الحروب، والعودة إلى خيارات بداية الصراع. وفي هذا الموقف، ولو على المدى البعيد خسارة للإسرائيليين أكثر مِن غيرهم، لأنه سيبقي باب الصراع مفتوحا على مصراعيه حول ما يحاولون الهرب مِن معالجته بخيار "التسوية"، أي موضوع الأرض واللاجئين، أما لماذا؟؟ فلأن:
هزائم الدول في الأمم الحية، وإن كانت كاشفا لشيخوخة سائد نظامها، فإنها تستنفر كامن طاقتها، وتوقظ الحي النابض فيها. وهذا ما يفسر الثنائية المتناقضة لآثار الهزائم على الشعوب. فالهزائم بقدر ما تُخلِّف مِن دمار وإحباط ومرارة وأوجاع، فإنها أيضا، وبذات الوقت، وربما بذات المقدار، تلد بدائل ما كشفت الهزائم عن عجزه. فالهزائم كهزّةٍ لجذوع شجرة تودي بشائخها، وتكشف عن صلبها في آن.
وفي ملموس تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ما يزكي هذه المقاربة. وللتدليل:
أولاً: لم يكن محض صدفة أن تتلو النكبة عام 1948، جملة مِن التغييرات داخل بنية النظام الرسمي العربي، لعل أبرزها وأكثرها وضوحا وجدية والتصاقا بالقضية الفلسطينية، ما وقع في مصر مِن ثورة عام 1952 بقيادة الخالد عبد الناصر.
ثانيا: لم تكن صدفة على الإطلاق ولادة الثورة الفلسطينية المعاصرة مِن رحم هزيمة عام 1967، التي عجَّلَت، وأعطت مشروعية أعلى، ومبررا إضافيا لتصعيد ما كان يختمر في أوساط الشعب الفلسطيني وجنباته مِن إرهاصات مقاومة وطنية، وخاصة في مخيمات اللجوء التي عانى أبناؤها أكثر مِن سواهم، أبشع صنوف الإذلال والمعاناة والحط مِن الكرامة الوطنية والقومية والإنسانية، مع كل ما خلقه ذلك مِن مشاعر غضب وقهر وخذلان.
ثالثا: أكيدة العلاقة بين تخاذل النظام الرسمي العربي، وعدم نصرته الجادة للمقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية في تصديها للإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وبين نمو ساعد المقاومة اللبنانية، وانفجار إنتفاضة الشعب الفلسطيني المجيدة عام 1987، وبصورة فاجأت، بل أذهلت القيادة الإسرائيلية التي راهنت على أن تقود حرب عام 1982 إلى خفوت المقاومة الفلسطينية واللبنانية لسنوات طويلة على الأقل، لتجد نفسها في مواجهة ما هو جديد، وغير مسبوق، وأكثر فعالية مِن أطوار المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
المقاربة آنفة الذكر، أي الثنائية المتناقضة لآثار الهزائم على مسار حياة الشعوب لا يتعلم منها، أو لنقل لا يتعلم منها بالقدر الكافي غزاة الشعوب، ومستبيحوا كرامتها ومقدراتها وحقوقها. فنشوة إنتصاراتهم الحربية بفعل عجز نظام معين عن مواجهتهم، تجعلهم يستمرؤون ممارسة لعبة القوة، ويبالغون فيها، الأمر الذي يوصلهم مِن حيث يدرون أو لا يدرون إلى قناعات خيالية، وأحيانا خرافية تتنافى مع حقيقة: إن لقدرة القوة مهما بلغت حدود، وأن غلو ممارستها يزيد بالضرورة كمَّ نقيضها ونوعه، أي يغفل هؤلاء الغزاة طبيعة الأشياء وحقيقة: إن كل شيء يحتوي نقيضه وينطوي عليه.
ويبدو أن الإسرائيليين مِن المحتلين الأكثر رفضا للإقرار بهذه الحقيقة، وذلك رغم أنهم أكثر مَن جرَّب دروسها، وما فشل جيشهم العسكري الأخير في لبنان إلا برهانا واحداً وقع شبيهه في الماضي وقابل للتكرار مستقبلاً.
إن التناقض بين آنف حقائق الصراع، وما تعكسه منطقيا مِن مصلحة للإسرائيليين في التسوية السياسية، وبين إصرار قياداتهم على رفض تلبية الحد الأدنى مِن شروطها، يثير علامات استفهام حول مدى مسؤولية هذه القيادات عن شعبها قبل غيره، ويؤكد أنها للمجهول والمهول مِن الويلات تقوده وعموم شعوب المنطقة معه، وفي المقدمة شعبنا الفلسطيني الذي نعي أن القيادات الإسرائيلية تتمنى لو تصحو يوما لتجده غير قائم، ولكن أنى لها ذلك مع ثبات نصفه على أرضه ومقاومته وحقيقة أنه جزء مِن أمة واسعة وعريقة بصرف النظر عن راهن نظامها القائم الذي لا نعتقد أنه دائم؟!!! الأمر الذي يفرض على القيادة الإسرائيلية استيعاب أن ما كان لسكان أمريكا الأصليين ("الهنود الحمر") غير وارد في واقع الشعب الفلسطيني، لكن يبدو أن هذه الحقيقة، وبدل أن تقود القيادة الإسرائيلية إلى طريق ضرورة التسوية السياسية للصراع، فإنها تدفعها أكثر لامتلاك المزيد مِن عوامل القوة وممارستها بعنف أكثر، إنما بدون ادراك لحدود قدرتها أيضا، وفي ذات الوقت.
ربما يشجع دعم واشنطن الكامل للقيادة الإسرائيلية على مواصلة غلوائها، وإفتتانها بعوامل قوتها. ولكن مَن قال للقيادة الإسرائيلية، أن قوة واشنطن نفسها مثل راهن سيطرتها على العالم، وخلافا لمن سبقها مِن الإمبراطوريات البائدة، محصنة ضد التآكل على الأقل، وذلك بصرف النظر عن سؤال متى يكون ذلك، ونشاهد شيئا منه في العراق مثلاً؟!!! ولكن، يبدو أن القيادة الإسرائيلية تدرك هذه الحقيقة، وتعي قوانين نشوء الإمبراطوريات وأفولها، غير أنها لا تأخذ منها سوى درس ضرورة الإستفادة مِن جبروت راهن سيطرة الولايات المتحدة إلى أقصى درجة ممكنة، الأمر الذي يعزز عدم إستعجالها على دفع فاتورة شروط التسوية السياسية للصراع.
ذكرني موقف القيادة الإسرائيلية الجديد القديم تجاه موضوع الارض واللاجئين، بما كان قاله لي ضابط لامع وصاحب رتبة عالية مِن ضباط مخابرات التحقيق الإسرائيليين، وكان ذلك أثناء واحدة مِن جولات تحقيق قاسٍ بداية عام 1992. يومها أجلسني موثوق اليدين للخلف، وأمطرني ب"خطبة" ذمِّ للقيادة الفلسطينية. كتمت غيظي حتى أنهى "خطبته". وقلت: تستطيع قول ما تشاء، ولكن قيادتكم غبية ولا تتصرف بمسؤولية حتى تجاه مواطينها. هدأ، و"بحلق" عينيه وسأل بإهتمام لماذا؟!!! قلت: لأنها لم تعِ الدلالة الكبيرة لقول بوش (الأب) بأن تساقط الصواريخ العراقية على مدنكم يؤكد "أن الأمن في السياسة وليس في الجغرافيا". تنهد وقال: ربما هي المرة الأولى التي تسمع فيها أنت وأمثالك بهذا الرأي الأمريكي، بينما نسمعه منذ زمن طويل. قلت: لا يهم، المهم أن قيادتكم على اختلاف طيفها الحزبي لم تتعظ مِن هذا القول الحكيم بمعزل عن قائله. قال: هذه النظرية في علاقة الأمن بالجغرافيا والسياسة تصلح لأمريكا كدولة عظمى بإمكانيات هائلة، ولا تقدم على حرب إلا بعد توفير مستلزماتها حسب "الكاتالوج"، وما تنص عليه الكتب. ولكن هذه النظرية لا تناسبنا. فضمن واقعنا وإمكانياتنا ومحدودية عمقنا، فإن شن الحرب علينا مِن خلف نهر الأردن، أفضل بكثير لنا مِن أن تشن علينا مِن قلقيلية وتبدأ بضرب "كفار سابا" المجاورة لها. قلت: يعني أنتم في ورطة كبيرة ومأزق مستعصٍ، وموقفكم الأيدولوجي الصهيوني الخرافي، وعنجهية قيادتكم السياسية تجاه موضوع الأرض واللاجئين هما السبب خلف هذا المأزق الذي وضعتم أنفسكم، ووضعتمونا معكم فيه. إنفعل، وهاج، و.....ألخ.



#علي_جرادات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- واشنطن تعلم ما لا نعلم!!!
- التفعيل بالتعديل
- أزمة فكر ونظام
- مكر التاريخ أشد مِن مكر رايس
- لا تَدَعوا الجرح يبرأ على صديد!!!
- التجويف آلية للإجهاض
- أقمة نوم أم يقظة؟
- يتربصون بغزة
- التجويف كآلية للإجهاض
- ويبقى سؤال ما العمل قائما
- إسرائيل حبلى بحرب!!!
- هامش استقلال ضمن الرؤية
- بن غوريون يخاطب القمة العربية!!!
- مظهر الأزمة الفلسطينية وجوهرها
- أمريكا ترسل ولا تستقبل
- قنينة الماء
- بيع السراب وحرث البحر
- الضربة الرئيسية
- حجران روسيان في المياه الراكدة والدافئة!!!!
- هم السجان ونحن السجين


المزيد.....




- أعاصير قوية تجتاح مناطق بالولايات المتحدة وتسفر عن مقتل خمسة ...
- الحرس الثوري يكشف عن مسيرة جديدة
- انفجارات في مقاطعة كييف ومدينة سومي في أوكرانيا
- عشرات القتلى والجرحى جراء قصف الطيران الإسرائيلي لمدينة رفح ...
- القوات الأوكرانية تقصف جمهورية دونيتسك بـ 43 مقذوفا خلال 24 ...
- مشاهد تفطر القلوب.. فلسطيني يؤدي الصلاة بما تبقى له من قدرة ...
- عمدة كييف: الحكومة الأوكرانية لا تحارب الفساد بما فيه الكفاي ...
- عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية متواصلة على رفح
- الجامعات الأميركية تنحاز لفلسطين.. بين الاحتجاج والتمرد والن ...
- بايدن يؤكد لنتنياهو -موقفه الواضح- بشأن اجتياح رفح المحتمل


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علي جرادات - الأمن بين السياسة والجغرافيا