أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - الاحتلال الأميركي والفساد والميليشيات تفتت العراق















المزيد.....



الاحتلال الأميركي والفساد والميليشيات تفتت العراق


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 1929 - 2007 / 5 / 28 - 11:02
المحور: مقابلات و حوارات
    


المفكر العربي د. عبدالحسين شعبان لـ البيان :
حوار أجراه موسى أبو عيد
الاحتلال الأميركي والفساد والميليشيات تفتت العراق - 1ـ 2
أكد الدكتور عبدالحسين شعبان المفكر الاستراتيجي العربي أن العراق بعد الاحتلال الأميركي يواجه تحديات كثيرة يمثل بقاء القوات الأجنبية على أرضه وعدم تحديد موعد لانسحابها (وهو) التحدي الأخطر والأهم، بالإضافة الى تحديات الطائفية ووجود الميليشيات المسلحة والفساد المالي والسياسي.
وشدد د. شعبان في حواره مع «البيان» على أن الهوية الوطنية العراقية بخاصيتها العربية المرتبطة بالمحيط الإسلامي، هي التي تحمي العراق وتوّحده. وقال الدكتور شعبان إن النصيحة الإسرائيلية لأميركا بتفكيك الدولة العراقية أودت بالبلد وحطمت آمال الشعب في الإتيان بنظام ديمقراطي جديد وإزاحة النظام السابق. وفيما يلي نص الحوار الذي ننشره في جزئين:

* ما هي رؤيتكم لما يجري في العراق هذه الأيام بعد أكثر من أربع سنوات على الغزو الأميركي للعراق واحتلال البلد من الناحية السياسية والعسكرية على ضوء مستجدات مؤتمر شرم الشيخ وما السبيل للخروج من الواقع المظلم؟

- ما يجري في العراق هو حرب أهلية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وهي ليست حرباً نمطية أو تقليدية أي بين السنة والشيعة أو بين العرب والكرد أو بين العرب والتركمان، فهي حرب الجميع ضد الجميع، وهي حرب أمراء الطوائف المستفيدين من تشظي الوضع في البلد والطامعين بلعب أدوار تستمر فيما بعد الاحتلال، ولعل هناك نوايا طيبة لمن يقولون إن الأمور بخير والحمد لله، وهي سائرة بعيداً عن الحرب الأهلية أو أنها لم تحصل بعد، مستندين لرغبات خيّرة وأمان طيبة، لكن الواقع الحقيقي يؤشر بشيء آخر، هو إننا في إتون الحرب الأهلية وليس اليوم فحسب بل منذ ما سمي بنقل السيادة في يونيو (حزيران) 2004، وحتى الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان ظل يتحدث عن المصاعب والتوترات لكنه عشية مغادرته لمنصبه اعترف بأن ما يحدث في العراق هو أسوأ من الحرب الأهلية. لكن الولايات المتحدة تصف ما يجري في العراق بأنه عنف طائفي وجماعات تكفيرية وإرهابية، كما لا تقول الحكومة العراقية إن ما يجري في البلد يعدّ حربا أهلية، فيما بعض القوى المعارضة للحكومة لا تقول إن العراق تعيش الحرب الأهلية، لكن الواقع المر ان العراق يمر بحرب أهلية طاحنة، وإلاّ فماذا يمكن أن نسمي مقتل 200 شخص يومياً أو الجثث المقطعة الرؤوس، وهجرة نحو مليوني عراقي للخارج ونزوح مليونين آخرين إلى أماكن عراقية أخرى في الداخل؟ أو ماذا نسمي التطهير المذهبي الطائفي والإثني، وما يقوم به أمراء الطوائف والميليشيات غير الحرب الأهلية؟
عشرة تحديات خطيرة
نعيش عدداً من التحديات الصعبة والتي بحاجة لحلول جذرية وأهمها:
- الاحتلال: ولعل هذا أهمها، فمن دون تحديد جدول زمني لخروج القوات المحتلة ستبقى الكارثة مستمرة ومتواصلة، فرغم وجود نحو 180 ألف جندي أميركي الاّ أن الامر لا يمكن السيطرة على العراق حتى لو انتشر 180 الفاً آخرون.
ولا يمكن إلاّ تنامي مشاعر الغضب ضد المحتل وتنمية عناصر المقاومة ومشاعر الممانعة والاحتجاج ضد هذا الوجود العسكري في العراق. وهذه الحقيقة بدأت بتململات أولية في بعض المناطق وتواصلت إلى أن تحولت لرفض شامل للاحتلال حتى من أطراف يشارك جزء منها في العملية السياسية.
- الطائفية: ولا تقل في الشأن عن تحدي الاحتلال، لأنه زائل لا محالة لكن خطر الطائفية وتمزيق النسيج الاجتماعي سيبقى يفعل فعله السلبي والسيئ في الموزاييك والفسيفساء العراقية، خصوصا بعد سلسلة من أعمال القتل المذهبي والطائفي التي جاءت مع الاحتلال بصيغة بول بريمر السحرية عندما قسم مجلس الحكم الانتقالي إلى شيعة وسنة وأكراد وفيما بعد تركمان وكلدانيين وآشوريين وهكذا... مما أسس لإنقسام عمودي في المجتمع العراقي من الوزير إلى الخفير. وهؤلاء الذين يشتغلون وفق المنهج الطائفي يوظفونها لأغراض سياسية وأنانية ضيقة وهؤلاء الذين يغزلون في هذا النسيج الطائفي بإسم الدين أحياناً والتكوينات الطائفية أحياناً أخرى والواقع في أحيان ثالثة، إنما هم حسب تعبير عالم الاجتماع العراقي الكبير علي الوردي «هم طائفيون بلا دين» لأن المسلم الحقيقي والمتديّن الصادق لا يمكن أن يكون طائفيا.
- وجود الميليشيات: ومعنى ذلك ان هناك دويلات داخل الدولة، فالدولة العراقية التي جرى تفتيتها وتمزيقها وإضعاف هويتها بعد الاحتلال بحل المؤسسة العسكرية والأمنية ما دفع البلاد للانتماء والانضواء تحت عباءات مذهبية وطائفية وإثنية وتحت هويات عشائرية وجهوية وفئوية ومناطقية أسميّها(هويات مجهرية)، لأنها مصغرة وتنشطر انشطارات اميبية فترى هذا المتنفذ الشيعي في الدولة ينشق إلى مجموعة لتصبح مجاميع وهكذا، والفريق السني الآخر ينشق أيضاً. ولا يمكن لدولة أن تصبح دولة حقيقية دون أن تحتكر استخدام السلاح من جانبها فقط.
- الفساد المالي والسياسي: فبول بريمر لوحده بدد نحو 9 مليارات دولار دون وصولات رسمية، فيما بددت حكومتا علاوي والجعفري ما يزيد على 20 مليار دولار أخرى، كما اتهمت وزارة الدفاع لوحدها بتبديد أكثر من مليار دولار، في حين قالت وزارة النفط عبر مفتشيها ان البلد خسر 24 مليار دولار من ثروته النفطية وان هناك من 400 ـ 800 مليون دولار تخسرها الدولة من خلال عمليات التهريب الداخلي للنفط وإن هناك مبلغاً مماثلاً كان خسارة التهريب الخارجي، علما أن معظم المهربين لديهم صلات أو ضلع بالحكومة أو الميليشيات أو أطراف متنفذة في الدولة.
أما الفساد السياسي الذي جاء عبر تعاون بعض القوى مع المحتلين ومع جهات وأجهزة أجنبية وخارجية مثل المخابرات المركزية الأميركية وغيرها فقد دكت المسمار في نعش الدولة العراقية عبر محاولة تنحيتها وليس الإطاحة بالنظام فحسب.
- تدهور الخدمات: فهناك أزمة في كل مرافق الحياة من بنزين وكهرباء بالإضافة لوجود البطالة التي تصل إلى أكثر من 50% رسميا فضلا عن البطالة المقنعة من حرس المسؤولين والحماية وشركات الحماية الخاصة ومعظمها أميركية وتشمل كل الجنسيات الأخرى بما في ذلك الإسرائيليون الذين دخلوا بوسائل وعبر شركات مختلفة يقومون باتصالات مختلفة، وقسم منهم لديه صلات مع بعض القوى العراقية المتنفذة السابقة أو بعض أطرافها بما يسيء للمعارضة العربية.

المصالح الإيرانية

- التداخلات الإقليمية: فهناك نوع من التداخل الإقليمي بأشكال مختلفة، وموضوعيا يمكن القول إن إيران تريد إنهاء الاحتلال الأميركي للعراق، بمعنى أنها تريد فشل المشروع الأميركي وهذا المعلن على اقل تقدير، ولهذا الغرض فهي تسخر كل الإمكانيات لمنع إنتقال الحرب إلى أراضيها. إذن لابد أن تبقى الحرب في الأراضي العراقية وهناك نوع من التداخلات اللوجستية والأمنية والعسكرية والسياسية والعقائدية والمذهبية بما فيها وجود علاقات مع الجهات الحاكمة وتشمل من صّنع وأنشئ في إيران، مثل لواء بدر وغيره ومنها ما له علاقات مصلحية بما فيها مؤسسات المجتمع المدني، بالإضافة للارتباطات المالية لكثير من الجماعات التي هي قريبة نوعا ما من الحكومة.
من ناحية أخرى هناك نفوذ تركي مع التركمان فهي لا تريد هضم حقوقهم أو تهميشها كما لا تريد نجاح مشروع الدولة الكردية أو دعمهم على حساب التركمان، كذلك هناك تداخلات عربية فالسعودية مثلا لا تريد ان تمتد الحرب إليها خصوصا في أجواء الاحتقان المذهبي والطائفي، والأمر أيضاً بالنسبة للأردن وسوريا، التي أعلنت منذ اللحظة الأولى أنها ضد المشروع الخارجي وضد الاحتلال وتريده أن يفشل لأنها وإيران موضوعتان في قائمة «محور الشر» حسب التقسيم والاستراتيجية الأميركية للدول، بمعنى إمكانية انتقال الحرب إليهما إذا ما انتصر المشروع الأميركي في العراق.
- الإرهاب: ليس هناك أخطر من الإرهاب المنفلت من عقاله، والإرهاب لا وطن ولا دين له أو جنسية أو جنس وقيم كما لا اعتبار له، فالولايات المتحدة قالت إنها تريد أن تقضي على الإرهاب في العراق أو كمدخل للقضاء على الإرهاب الدولي فانه لابد من الإطاحة بالنظام السابق لاتهامه بالإرهاب وامتلاكه أسلحة الدمار الشامل، وقد ثبت بطلان كلا التبريرين أو الحجتين وأنهما خدعة كبيرة فلم تجد القوات الأميركية أي أسلحة دمار شامل واعترفت أن لا علاقة للنظام السابق بالإرهاب.

* وماذا عن وعود الديمقراطية المزعومة والحرية؟
- بناء الديمقراطية ووعود الحرية حجة وأكذوبة، حيث ادعت أميركا أنها ستعمّ ليس العراق فحسب وإنما بلدان المنطقة العربية الأخرى عبر مشروع الشرق الأوسط الكبير ثم الشرق الأوسط الجديد، الذي طرحته وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس خلال العدوان «الإسرائيلي» على لبنان في الصيف الماضي، وقد أثبتت الوقائع ان الأمر تحوّل إلى كوابيس ونوعاً من أفلام الرعب، وان هذه الأحلام تبخرت وانقلبت مؤكدة انه لا يمكن بناء ديمقراطية مع وجود محتل والذي له أهدافه بإخضاع العراق والمنطقة تحت يافطة مكافحة الإرهاب التي رفعتها أميركا بعد أحداث 11 سبتمبر(أيلول).
وهنا أقول إن هناك نصيحة إسرائيلية للولايات المتحدة قامت بتمريرها مباشرة وعبر بعض الجماعات العراقية المعارضة السابقة بأنه لابد من تفكيك الدولة العراقية، وهذه النصيحة أودت بالعراق وحطمت آمال العراقيين في الإتيان بنظام جديد بطرق ديمقراطية تختلف عن أسس الديكتاتورية، التي سار عليها النظام السابق وإذا بنا أمام ديكتاتوريات مصغرة ومنفلتة من عقالها ذات رائحة طائفية كريهة ونزعة مذهبية قبيحة.
ولم ينتهِ الإرهاب في العراق بل جاء مع الاحتلال الأميركي ولم يستطع القضاء على الإرهاب بل قالت أميركا إن عملية القضاء على الإرهاب ستطول لعشر سنوات قادمة في أكثر من أربعين بلدا وستشمل نحو ستين حركة وتيارا سياسيا. وقد استشرى الإرهاب وانتقل من العراق إلى مناطق أخرى خصوصاً بعد عجز أميركا من القضاء عليه ومع الإرهاب من جهة أخرى برزت حركة المقاومة.
تيارات المقاومة وحملة السلاح وهذا يقودنا للتعرف على طبيعة وهوية المقاومة العراقية وكل حملة السلاح هناك.
من يقومون بحمل السلاح في العراق هم خمسة أطراف رئيسية تضم:
- مجموعة من النظام السابق أو من المتضررين بسبب زوال النظام ومنهم: عسكريون وضباط ورجال مخابرات وأجهزة الدولة المتضررون من قانون اجتثاث البعث السيئ الصيت.
- مجموعات دينية نأت بنفسها عن التعاون مع النظام السابق، ولكنها استفادت من الحملة الإيمانية التي أطلقها النظام، فتوجهت إلى الدين وإنما بطريقة انغلاقية عندما وجدت أميركا تتفسح في الفلوجة والنجف توجهت لمقاومتها.
- مجموعة البعثيين وبسبب قانون الاجتثاث، أعادوا تنظيم بنائهم ولم يكن لهم من خيار إلاّ مقاومة المحتل لإعتبارات مصلحية أو إعادة حلم الرجوع للنظام السابق أو لدوافع وطنية.
- مجموعة الوطنيين من متدينين وغير متدينين ويساريين وقوميين عرب وناصريين وشيوعيين وماركسيين، والقسم الأكبر منهم إتجّه للمقاومة السلمية وقسم آخر كلما سنحت له الفرصة اشترك في المقاومة العسكرية أو سهل مهمتها ودعمها.
- الجماعات الإرهابية والتكفيرية واقصد بذلك تنظيم القاعدة وبن لادن وأبو مصعب الزرقاوي وغير ذلك.
ولإيران علاقة بكل هذه المجموعات الخمس الحاملة للسلاح بشكل مختلف أو بطرق مباشرة وغير مباشرة وتدعم كل هذه الجماعات عسكريا ولوجستيا وسياسة إيران تقوم على عدد من البدائل فلديها علاقات مع الدولة وأطرافها الرئيسية وقوى معارضة للدولة وهي تريد أن تدخل في فسيفساء الدولة العراقية ولديها علاقة مع الحركة الكردية أيضاً والتركمان وهكذا.

الهوية والدستور
- الهوية: فأي دستور نريد؟ وهل سيكون سالكاً أم سنضعه على الرف ونشتغل بدلا عنه بالتوافق، لأن الدستور غير سالك وعليه تحفظات كثيرة وهو بحاجة ل55 قانوناً ليصبح نافذاً، لأن هناك 55 مادة فيه تنتهي بإحالة كل مادة فيه لقانون يصدر لاحقا، كما أن التعديلات الدستورية ستصل إلى طريق مسدود، وخاصة فيما يتعلق بهوية العراق. فبعض الأطراف تريد الهوية العربية للعراق وأخرى متنفذة لها اعتراضات على الهوية الغالبة للعراق، وهناك إشكالات حول موضوع الفيدرالية، وإخضاع القوات المسلحة لسلطة الأقاليم وليس السلطة المركزية، وكذلك الأمر بالنسبة للميزانية والعملة والثروات الطبيعية وأمور الدبلوماسية والسفارات. وأهم شيء أن الدستور ينص على انه إذا تعارض القانون الاتحادي مع قوانين الأقاليم فالغلبة لقوانين الأقاليم.المسألة الأخرى هي إذا رفضت ثلاث محافظات بأغلبية الثلثين فإنه لا يمكن تمرير التعديلات المقترحة في الدستور ويبقى على مرجل يغلي ولن يبقى الدستور سالكاً حتى ولو تم إمراره أو إقراره.

تحدي كركوك
* نريد معرفة ما الذي يجري في كركوك بالضبط؟
- كركوك مدينة لها نكهة خاصة للتعايش القومي والديني يعيش فيها المسلمون والمسيحيون والشيعة والسنة والعرب والتركمان والأكراد والأشوريون، وقد حصل فيها نوع من التغيير الديموغرافي في تركيبتها خصوصاً في سنوات السبعينات حيث صدرت عدد من الإجراءات والقرارات بتسهيل ترحيل سكان عرب إليها بهدف تغيير تركيبتها السكانية، وآخر قانون صدر كان في السادس من سبتمبر (ايلول)2001 وينص على حق المواطن الذي يعيش في المنطقة أن يغير قوميته إلى العربية إذا حصل خلل، ما فيما لا يعطى هذا الحق لمن يغير قوميته إلى التركمانية أو الكردية. وما يحصل الآن أن الحركة الكردية تعتبر كركوك " قدس الأقداس" وتريد إعادة جميع الذين رحلوا منها وإعادة الذين جاءوا وسكنوها منذ أكثر من 35 عاما وهذا سيحدث إشكالية كبرى.
وبالنسبة لي كمعني بحقوق الإنسان فأقول إنه ليس المهم أين تكون كركوك في الإقليم الكردي أو ضمن أقاليم أخرى أو إقليماً مستقلاً، فالمهم ان تحمى حقوق الإنسان فيها، وان لا يرحل شخص واحد لا من الذين جاءوا إليها سابقاً ولا من الذين يراد إسكانهم حاليا، فالذي يريد ان يرحل بقناعته تقدم له التسهيلات، وكذلك الأمر بالنسبة لمن يريدون العودة إلى مناطق سكناهم وتعويضهم عما لحق بهم من غبن وأضرار.
- ضعف المواطنة: فلقد عانى العراق وما زال يعاني من هذه القضية خاصة عبر تقسيمة بول بريمر في مجلس الحكم الانتقالي وفق " الأغلبية الشيعية " ولها 13 مقعداً و" أقلية" سنية لها خمسة مقاعد وخمسة مقاعد للأكراد ومقعد واحد للتركمان وآخر للكلدو- آشوريين. وهذا خلق نوعا من الانشقاق الرأسي العمودي من الوزير إلى الخفير.واشتغل الاحتلال عليه بوعي وبسابق إصرار.
وصحيح انه كان هناك نوع من التمايزات في العهد السابق بسبب قانون الجنسية السيئ لعام 1924 وتكرس هذا القانون عام 1963 بما فيه من تمييز بالإضافة للقرار الذي صدر في مايو 1980 عشية الحرب العراقية- الإيرانية، وتم بموجبه تهجير نحو نصف مليون عراقي بحجة التبعية الإيرانية المزعومة، ولكن رغم ذلك لم يكن هناك أي نوع من الطائفية السياسية في النظام السياسي والمجتمعي. أما الذي حصل اليوم فهو شق للمجتمع العراقي بالقوة عبر أمراء الطوائف المستفيدين من هذا الانقسام. كما أن حل الدولة العراقية وحل المؤسسة العسكرية دفع الناس إلى هويات مصغرة طائفية وعشائرية ومذهبية وجهوية وفئوية ومناطقية وعائلية على حساب الهوية الوطنية الجامعة المانعة.

الخاصية العربية الإسلامية

- تحد آخر يتمثل في محاولة فصل العراق عن خاصيته العربية وعن محيطه العربي الإسلامي بزعم ان العراق ليس عربيا وانه لا صفة غالبة له وانه يتألف من سنة وشيعة وأكراد. وأقوام أخرى، وهذا التقسيم النمطي الذي حاول أن يقدمه لنا في إناء من ذهب بول بريمر وقوات الاحتلال الأميركي، كان قد اشتغل عليه الإعلام الغربي منذ أكثر من عقدين من الزمان أيام الحرب العراقية- الإيرانية، وإذا ما أردنا أن نقسم المجتمع العراقي فهو يتألف من عرب يمثلون أكثر من 80% من سكانه وفيه أقوام أخرى مثل الأكراد والتركمان وغيرهم. وأما إذا أردنا تقسيم العراق على أساس ديني فإن 95% من سكانه يدينون بالإسلام. وان الهوية المانعة للعراق هي الهوية الوطنية والتي ساهمت في إذكاء روح التحدي والتصدي خلال ثورة العشرين وما بعدها.
أما محاولة فصل العراق عن خاصته العربية فهي تستهدف إبعاد العراق عن دعم القضية الفلسطينية وهي القضية المركزية التي ستبقى في الحال والمستقبل ما لم يحصل الشعب العربي الفلسطيني على حقوقه كاملة وغير منقوصة، والتي تتجلى بحق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وحق العودة الذي لا ينبغي التنازل عنه باعتباره حقاً ثابتاً، بالإضافة الى مشكلة القدس والمستوطنات والحدود واللاجئين والاعتراف بالمقاومة كحق مشروع يقره القانون الدولي والإنساني.

د. عبد الحسين شعبان ل" البيان "

عناصر المشروع النهضوي العربي يجب ان تقوم على الحداثة والديموقراطية والاستقلال السياسي والاقتصادي 2-2
حوار : موسى ابو عيد
وحدة الدراسات

شدد الدكتور عبد الحسين شعبان المفكر الاستراتيجي العربي المعروف على ضرورة تخلص المشهد العربي الحاضر من مظاهر التبعية والتخلف والديكتاتوية التي يمر بها حاليا واوضح ان عناصر المشروع الحضاري العربي النهضوي والحداثي يجب ان ترتكز على الحداثة والتجديد الحضاري واعلاء قيم الديموقراطية والمساواة والحرية والمواطنة للخروج من الازمة التي يعشها الشعب العربي والامة الاسلامية مع التشديد على ضرورة الاستقلال السياسي والاقتصادي واحداث التنمية المستدامة باعتبارها الطريق المثلى للخلاص من الكبوة واللحوق بركب الامم المتقدمة والمتحضرة تماما كما كانت في عصور زاهية كثيرة .
وفيما يلي استكمال حوارنا في جزئه الاخير مع الدكتور شعبان والذي عقدته وحدة الدراسات في البيان :

البيان : نعيش نحن العرب اليوم كامة ما يمكن تسميته أزمة داخلية أو أزمة هوية أو فلتان أمن في اقطار كثيرة و وانعدام وزن بين الامم والتعاسة والسوداوية منتشرة بين قطاعات كثيرة في المجتمع العربي وخاصة الفئة المثقفة وصراعات ومعارك داخلية سياسية ومسلحة احيانا بين السلطة الحاكمة وتحالفات التيار الديني مع العسكر ثم الارتداد والانشقاق ومسائل اخرى كثيرة .
فكيف يمكن توصيف المشهد العربي الراهن والخروج منه ؟

* د. عبد الحسين شعبان :يعاني المشهد العربي من العديد من التحديات والاشكاليات ولتفصيل هذه التحديات دعنا نذكرها وهي :
* الحداثة :ولعل هذا التحدي هو أهمها فكيف يمكن الحديث عن أركان المشروع النهضوي العربي دون التطرق للحداثة ؟ ومسألة الحداثة تكون باعادة قراءة التاريخ العربي والاسلامي المعاصر بما فيها افكار المصلحين العرب في القرن التاسع عشر من رفاعة الطهطاوي وخاصة في كتابه الشهير " تلخيص الابريز في تخليص باريز" وعبد الرحمن الكواكبي في كتابه " طبائع الاستبداد " ومحمد عبده وجمال الدين الافغاني والتونسي وفرح انطوان وشبلي شميل وغيرهم . حيث بدات معهم بوادر النهضة الفكرية الاجتماعية الاصلاحية للمجتمعات العربية والاسلامية من اواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين .
وما حصل في البلدان العربية خاصة بعد مرحلة الاستقلال حدث فيها عملية إنكفاء، والتي تعود اسبابها لقيام عدد من الانقلابات العسكرية حيث جرت عسكرة المجتمع بالاضافة للسبب الموضوعي وهو قيام " اسرائيل " عام 1948، حيث كان الاتجاه السائد نحو التسلح على حساب التنمية والديموقراطية وتمت عملية مقايضة بين الحكام العرب أحيانا للتنمية والديموقراطية بحجة ان العدو " الاسرائيلي " يدق على الابواب , ولكن بعد ستين عاما من المراجعة لهذه الحقبة لم نستطع تحرير الارض ولا تحرير الانسان , لذلك فان التحدي الثاني بعد الحداثة هو الديموقراطية .

* الديموقراطية : وهي ركن أساسي في المشروع النهضوي الجديد لا يمكن المرور للاصلاح والتنمية والوحدة والاستقلال الاقتصادي دون المرور بها فهي الخيط الرابط بين هذه المحاور المختلفة .
* التنمية : فلا يمكن الحديث اليوم عن تطور ما بعد الحداثة وما بعد الديموقراطية بدون التنمية بمفهومها الشامل والتي تسمى التنمية المستدامة، والتي تشمل التنمية البشرية الشاملة ذات الابعاد الانسانية والاقتصادية والتربوية والتعليمية والسياسية وباختصار بكل ما تعنيه كلمة التنمية .
* الاستقلال الاقتصادي والسياسي : وهو أحد اركان المشروع النهضوي الحداثي الجديد وهذا الركن لا يمكن أن يمر الاّ عبر الديموقراطية , لاننا جرّبنا ووصلت التجربة الى طريق مسدود وليس فقط في البلدان العربية وانما في بلدان الاصل وبلدان الفرع وأقصد بالاصل البلدان الاشتراكية والفرع بلدان التحرر الوطني.
وكل هذه المشاريع اخفقت اخفاقا كبيرا , فالمشروع القومي العربي التقليدي اخفق اخفاقا كبيرا لعدم احترامه الديموقراطية واخذه بعين الاعتبار التعددية والتناوبية والتداولية واحترام ارادة السكان عبر اجراء انتخابات دورية واحترام حقوق الانسان .
والمشروع الماركسي التقليدي فشل فشلاً ذريعاً أيضاً ووصلت التجارب الأم والفرع لاحقا الى طريق مسود، وبالتالي بعد مرور سبعين سنة من التجربة في الاتحاد السوفياتي حصلت انقلابات دراماتيكية هائلة هناك وفي بلدان شرقية اخرى بسبب غياب الديموقراطية .
اما المشروع الاسلامي او الاسلاموي .

* البيان : قبل الحديث عن هذا المشروع نرجو التفريق بينها
* د. شعبان :الاسلامي هو الذي يدعو لنشر تعاليم الاسلام بصورة تقترب من هذه المفاهيم والاركان التي تحدثنا عنها في البداية، اما " الاسلاموي"، فهو الذي يستخدم الاسلامولوجيا أي يحوّل الاسلام وتعاليمه الى نوع من الايدولوجيا السرمدية الثابتة غير القابلة للتغيير، بمعنى استخدام هذه التعاليم ضد الاسلام أحيانا، وهو ما أطلق عليها اسلامولوجيا، واطلق على الناشطين في هذا المجال "الاسلامويون".(لتمييزهم عن الاسلاميين وبالطبع عن المسلمين).
وبالقدر الذي توجد هناك نوع من الاسلامولوجيا لدى البعض من الحركات السياسية، هناك نوع من الاسلامافوبيا وجدت عند الغرب بعد احداث 11 سبتمبر الارهابية الاجرامية . ومقابل الاسلامافوبيا نشات لدينا في بلداننا نوع من الوسيتفوفيا او الغربفوبيا تلك التي تاخذ الغرب ككل واحد مثلما تحاول الدعاية الغربية ان تاخذ العرب والمسلمين كل ككل واحد، فكل العرب والمسلمين بالنسبة لهم بن لادن وتنظيم القاعدة وابو مصعب الزرقاوي واناس يركبون على البعير حتى هذه اللحظة، ودينهم يحث على الارهاب.
ويأخذ بعضنا على الغرب انه كله شر مطلق وهيمنة واستبداد دون ان يعووا ان هناك غرباً ثقافياً وقف الى جانبنا ويقف الى جانب قضايا حقوق الانسان والقضية الفلسطينية وهو غرب تعلّمنا ودرسنا فيه واستفدنا منه وأنتج قيماً حضارية وفضلا عن ذلك ان الغرب هو مستودع كبير للعلم والتكنولوجيا علينا الاستفادة منه .
اما الحديث عن ان الاسلام هو الحل، فهذا محض هراء وهو دعوة الى تاثيم وتحريم وتجريم الآخر بمعنى فرض حلول فوقية، فلم تثبت حتى الآن وجود تجربة اسلامية ناجزة ناجحة لنستطيع القول ان هذا هو الذي يتصورونه، وليس هذا هو الاسلام بل هو الذي يدعونه حلاً بإسم الاسلام ويريدون العودة 1400 سنة الى الوراء بحجة الاصولية، ولا يعرفون ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان متطوراً وكان ابن عصره وينبغي ان يُقرأ في سياقه.
وكذلك كان الامام علي كرم الله وجهه يقول " لا تعلموا اولادكم عاداتكم لانهم خلقوا لزمان غير زمانكم ". والفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو القائل قبل اكثر من 1400 سنة " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرارا" وهذه الفقرة هي نفسها التي صدرت عن الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948 . فهذا هو الاسلام بصورته السمحاء وهو اسلام حلف الفضول الذي اجتمع فقهاء مكة في دار عبد الله بن جدعان واتفقوا على ان لا يدعوا شخصا من سكان مكة (مواطناً) كان ام من دخلها (أجنبيا) الاّ ونصروه على ظالمه.

* البيان : لكن حلف الفضول كان قبل الاسلام بقليل .
* د. شعبان : نعم لكنه الحلف الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم لو سئلت عنه في الاسلام لأجبت وهو من الأحلاف القليلة التي أبقى عليها نبينا عليه السلام . وهذا أعتبره شخصيا اول رابطة لحقوق الانسان في العالم وهو شكل من اشكال رفع الظلم بهذه الصيغة البسيطة والمختصرة لكنه تعبير عن فكر يقف خلفه.

* البيان : وكذلك وثيقة المدينة.
* د. شعبان : بالاضافة لدستور المدينة هناك الموقف من الاسرى وما أعلنه الرسول عليه السلام أثناء فتح مكة مخاطباً قريش " اذهبوا فأنتم الطلقاء " ووثيقة صلح الحديبية والعهدة العمرية عند فتح القدس ووثيقة القسطنطينية ايضاً.

التجدد الحضاري والديموقراطية

*البيان : نرجو استكمال عناصر المشروع النهضوي العربي .
*د. شعبان : نعم دعنا نكمل عناصر المشروع الحضاري والتي من أهمها كذلك:
* الانبعاث الحضاري :ويمكن ان نطلق عليه أيضاً التجديد الحضاري او مواكبة التطور الحضاري، وهذا عنصر رئيسي من عناصر مشروعنا النهضوي العربي فلا بد من الدخول في حلبة العولمة بوجهها الآخر وليس الوجه المتوحش، وانما من موضوع عولمة حقوق الانسان وعولمة الثقافة والعلم والتكنولوجيا وهذا بحاجة لاعادة قراءة لتاريخ الامة وحاضرها لوضع الاسس واللبنات للمشروع الحداثي النهضوي العربي، فحتى فكرة الوحدة (العربية) وهي ركن اساسي للمشروع العربي، فهي لا تمرّ الاّ عبر الديموقراطية بحيث تكون "ديموقراطية الاسلوب واجتماعية المضمون" وليست وحدة قسرية أو فوقية أو الحاقية، وانما وحدة تدرجية طويلة الأمد ذات تقارب في المناهج والتعليم والصحة والبيئة والعمالة وانتقال البشر والسكان والحدود والجوازات والهويات والاقتصاد والسوق العربية المشتركة..

وأريد القول عند الحديث عن الاصلاح انه يجري حديث عن اصلاح طوعي وآخر قسري بمعنى إصلاح بالقوة وآخر باللين واصلاح من الداخل واصلاح من الخارج واصلاح ناعم وآخر صلب، وهذه المعادلة متداخلة ومرتبط بعضها بعضا، فأي إصلاح لا بد ان يكون لمصلحة الشعب والامة من أي مكان أتى، فاذا كان كذلك فاهلاً وسهلاً به بالاضافة لاختيار الوسائل التدرجية السلمية طويلة الاجل، أي ان يكون هناك نوعا من التراكم، كما ان هذا الاصلاح هو جزء من صيرورة بمعنى انه مسار شامل وكوني ومتواصل ولا يمكن اخذه كوصفة من الصيدلية لنشفي اوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو عملية مستمرة ومتراكمة طويلة الأمد لأنها تحدث تغييراً نوعياً مطلوباً لاحقا ولكن وفق مسارات واطر.

الارهاب والمقاومة
* البيان : تداخلت المفاهيم والمصطلحات مثل موضوع الارهاب والمقاومة , نرجو تحديد الفرق بينهما ؟
*د. شعبان :هناك ارهاب (حسب البعض) مذموم وآخر محمود، وارهاب أخيار وارهاب أشرار وارهاب فقراء وآخر للاغنياء وإرهاب ضعفاء وأقوياء، لكن الارهاب هو ارهاب، طالما إستهدف السكان المدنيين الابرياء العزل، ولكن دعني أقول ان هناك فرقاً كبيراً بين الارهاب والمقاومة، فالمقاومة حق مشروع تقرّه جميع الشرائع السماوية والوضعية، وتقرّه قواعد القانون الدولي الانساني واتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقها لعام 1977، خصوصا بروتوكول جنيف الخاص بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، ولا يمكن تحت أي حجة من الحجج إنكار حق المقاومة خصوصا البلدان التي تعاني شعوبها من الاحتلال ومن التبعية ومحاولات الضم او الالحاق او الاجتياح، وهذا الحق يكفله القانون الدولي، وحاولت الولايات المتحدة الاميركية ان توظف موضوع مكافحة الارهاب بعد احداث 11 سبتمبر الارهابية الاجرامية بالتاثير على الامم المتحدة باصدار ثلاث قرارات خطيرة هي :
1- القرار 1368 ( في 11 ايلول /سبتمبر) 2001.
2- القرار 1373 وهو اخطر قرار تصدره الامم المتحدة على الاطلاق وقد صدر يوم 28 سبتمبر 2001 وقد اعطى الحق ليس فقط لاميركا وانما لغيرها (من الدول المتنفذة طبعاً ) ايضا بحق بشن حرب استباقية، والحرب الاستباقية أصلا لا اساس لها في القانون الدولي المعاصر او ميثاق الامم المتحدة، وصدور هذا القرار يتعارض مع ميثاق الامم المتحدة نفسها، والذي يقر حق الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 فيما اذا تعرضت دولة للاحتلال او العدوان او حق هذه الدولة في التحرر الوطني او اذا كانت من دول المحور- والتي انتهت في وقتها – الى حين يتخذ مجلس الامن التدابير المناسبة.
والعدوان حصل على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر وانتهى ولا وجود لدولة ولا وجود لحق الدفاع عن النفس، فكيف ستشن الولايات المتحدة حرباً قالت انها ستصل الى أربعين بلداً وتستمر لمدة 10 سنوات وتشمل 60 حركة وتياراً سياسياً؟ وذلك لمجرد وجود أمواس الحلاقة وبعض السكاكين كانت قد أثرت على خطف طائرات وبالتالي نسف برجي التجارة في نيويورك ومحاولة نسف البنتاغون في واشنطن وغيرها، ومثل هذه الحرب لا وجود لها في القانون الدولي.
والمصيبة ان القرار لا يتحدث فقط عن الحرب الاستباقية، وانما اذا اعتقدت الدولة المعنية إن خطراً ما وشيك الوقوع فيمكنها شن الحرب. فمن سيتاكد من كل ذلك، خصوصا لعدم وجود جهة تحاربها الولايات المتحدة .
3- القرار 1390 والذي صدر في 16 كانون الثاني( يناير) 2002. فخلال أربعة اشهر صدرت أخطر قوانين دولية لمكافحة الارهاب . وراينا كيف جرى التطبيق العملي لمكافحة الارهاب والذي تضمن احتلال افغانستان ثم احتلال العراق خارج اطار الشرعية الدولية ودون تفويض حتى من جانب الامم المتحدة التي حاولت اميركا توظيفها بالشكل الذي تريد .

تدجين المثقفين

* شاكر المنذري:هل تسمحوا لي بان أوجّه سؤالاً عن تاثير هذه التداخلات على طريقة تفكير الرجل البسيط والعادي .
* البيان : بشكل اوسع هل يمكن ان تحدثنا عن دور المثقف وعلاقته بالسلطة ؟
* د. شعبان :لان المثقف شديد الحساسية خصوصا من يشتغل بالحرف والكلمة والقصيدة واللوحة، فهو شديد التاثر وحساس وحساسيته اكثر من غيره من الانسان العادي ولذلك انتبهت قوتان رئيسيتان هما الحكومات من جهة و القوى المتنفذة والمتسيدة في العلاقات الدولية لإستدراج المثقف وتطويعه وترويضه وجرّه لتطويع وسيلته الابداعية ضد القيم النبيلة الضميرية التي يدعو لها المثقفون. وتدجين المثقف وترويضه سواءً عبر مقص الرقيب أو كاتم الصوت أو السجن أو المنفى، وهذه تعتبر ظاهرة عربية ربما بامتياز وترى المثقفين العرب ينتشرون في مختلف مناحي الدنيا بسبب سلطات القمع والاستبداد والهيمنة، واعتقد ان سيّان لدى كثير من الحكومات في بلدان اليُسر والعُسر وربما بلدان اليسر او (المحافظة) أكثر رحمة من غيرها.
وحاولت هذه البلدان تطويع المثقف بوسيلتين : القمع البوليسي من جهة وبالقمع الايديولوجي من جهة اخرى، وأرادت للمثقف أن يحرق البخور للسلطة وان يزيّن مشروعها السياسي، ويدافع عنها ويؤدلج لها ما تقوم به من اعمال بالضد من قيم المثقف وقيم الثقافة نفسها في كثير من الاحيان، او يضطر للعزل او المنفى او التهميش.
من جهة اخرى فان المثقف يعاني ومعاناته مزدوجة فهو لا يعاني فقط من انعدام الحريات والنقص الفادح في فسح الحرية، وانما يعاني أيضا من ضائقة اقتصادية، ومن الحصول على لقمة الخبز والعيش الشريفة ولا يمكن للكرامة ان تمر بلقمة خبز غير شريفة، فمع الكرامة فإن المثقف بحاجة للقمة خبز شريفة كما هو بحاجة مع لقمة الخبز الشريفة للكرامة.
لذلك حتى بعض المشاريع الخارجية استهدفت المثقفين، ويؤسفني أن أقول ان هناك عشرات المثقفين ممن وقعّوا على عقود مع البنتاغون عشية العدوان على العراق، مثلما هناك عشرات من المثقفين طوّعوا وسائلهم الابداعية للدفاع عن الديكتاتورية والاستبداد، وهذه ظاهرة محزنة في كلا الامرين، لاننا نكون قد خسرنا هؤلاء وخسرنا ما يمثلونه من عمران وجمال وفن وأدب وقيم، وبالتالي إنعكس هذا سلباً على المثقفين وعلى الجمهور، لأن الجمهور يحصي علي وعلى غيري من المثقفين أخطاءهم وعيوبهم، لأنهم مكشوفين نظرا لتأثيرهم القوي في الناس، فهم يبقون يتذكرون ما يقولون!!
وحتى في التجارب الثورية عانى المثقفون معاناة شديدة وان تماهوا مع هذه الانظمة الثورية أحياناً، ونذكر هنا معاناة المثقفين الروس زمن ستالين ونتذكر معاناة آراجون وبريخت ولوكاش وتولياتي. وفي بلدنا العربية هناك العشرات من نصر حامد ابو زيد الذي لوحق بالحسبة ومنهم من تعرض للاغتيال مثل حسين مروة الى ملاحقة غيرهما ممن عاشوا في المنافي مثل الجواهري وابو كاطع وبلند الحيدري وعبد الوهاب البياتي وسعدي يوسف ومظفر النواب .
والمشهد الثقافي محزن، فلدينا إحباط ونكوص، ولكن لدينا في الوقت نفسه نماذج ايجابية من المثقفين والتي ظلت متمسكة بالقيم ولم تتراجع وتشبثت بمعايير الفن والجمال والعمران وظلت محتفظة بالمثل التي آمنت بها وان كان بعضها بحاجة للنقد والمراجعة، فالمثقف بحاجة للنقد الذاتي وعليه مصارحة الناس أين اخطأ ايضا خاصة بعد ان وصلت التجربة الى طريق مسدود!؟
لقد كان المثقف بين مطرقة الانظمة (الداخل) وسندان الخارج، فالغرب حاول إستدراجه، والموازنة كانت عنصراً صعباً دائماً، وأحيانا يعاني المثقفون المستقلون من طرفين هما أنصار المشروع " الغربي"، الذين يتهمونهم بالدفاع عن الوطن والوطنية وكأنها نوعاً من الدفاع عن الاستبداد والديكتاتوريات، وأنصار الديكتاتوريات والحكام يعتبرون دفاعهم عن مثل الحرية والثقافة وكل هذه القيم وكأنها دفاع عن الغرب وعن المشروع الخارجي، لذلك فان الاستقامة والنزاهة والخلقية والمعيارية الضميرية والوجدانية، ينبغي ان تبقى متقدّة وان تشتعل جذوتها باستمرار لأنها هي التي تؤشر لاستمرار المثقف ودوره التاريخي .

اضاءة
اسس المشروع النهضوي الحداثي العربي يمر عبر ثلاثة اركان اساسية هي: المواطنة الكاملة حيث لا وجود لدرجتين من المواطنة، المساواة التامة واحترام حقوق الانسان، وبالطبع تقود حقوق الانسان فيما تقود اليه مداولة السلطة وفصل السلطات وهذا مبدأ اساسي واستقلال القضاء . ولا يمكن الحديث عن الدولة العصرية دون هذه الاركان ودون المساءلة والشفافية والرقابة من المواطن ودون تغيير المحكومين للحكام اذا اقتنعوا انهم لم يؤدوا دورهم الحقيقي الذي طرحوه خلال برامجهم الانتخابية، وهذا يقع ضمن مساهمتنا العربية الحضارية ضمن المشروع الكوني وضمن الكوكبة اللامعة على هذا الصعيد.

عناوين فرعية

* المثقف بحاجة للقمة خبز شريفة كما هو بحاجة للكرامة تماما
* المقاومة حق مشروع تقره جميع الشرائع السماوية والوضعية.
* المشروع القومي العربي التقليدي أخفق اخفاقاً كبيرا لعدم احترامه الديموقراطية
* المثقف بحاجة للنقد الذاتي و مصارحة الناس أين اخطأ ايضاً؟
* الاسلام بصورته السمحاء هو اسلام حلف الفضول.
* أي اصلاح لا بد ان يكون لمصلحة الشعب والامة من أي مكان أتى .
كلام صور : تدمير العراق بحجة الارهاب ونشر الديموقراطية
تصوير : غلام كاركر

د . شعبان في سطور
- ولد في مدينة النجف الأشرف (العراق) في 21 مارس 1945 لأسرة عربية كبيرة، يعود أصلها إلى اليمن.
- درس وتعلّم في النجف وبغداد وتخرج من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة بغداد واستكمل دراسته العليا في براغ حين نال درجتي الماجستير والدكتوراه (مرشح علوم) في القانون (دكتوراه فلسفة في العلوم القانونية).
- من مؤسسي اللجنة العربية لمناهضة الصهيونية والعنصرية (لجنة دعم قرار الأمم المتحدة 3379) وأمينها العام.
- منح وسام اتحاد الحقوقيين العرب في يونيو(حزيران) 2005 في احتفالية خاصة في عمان.
صدر للباحث في القانون والسياسة الدولية
- النزاع العراقي ـ الإيراني، منشورات الطريق الجديد، بيروت 1981.
- العراق: الدستور والدولة، من الاحتلال إلى الاحتلال، دار المحروسة، القاهرة، 2004.
- الانتفاضة الفلسطينية وحقوق الإنسان، دار حطين، دمشق، 1991.
- المدينة المفتوحة ـ مقاربات حقوقية حول القدس والعنصرية، دار الأهالي، دمشق، 2001.
- الإسلام والإرهاب الدولي ـ ثلاثية الثلاثاء الدامي، الدين ـ القانون ـ السياسة، دار الحكمة، لندن، سبتمبر 2002.
- فقه التسامح في الفكر العربي الإسلامي ـ الثقافة والدولة ( مقدمة المطران جورج خضر) دار النهار، بيروت، 2005.
- الجواهري ـ جدل الشعر والحياة، دار الكنوز الأدبية، بيروت، 1997.
- أبو كاطع ـ على ضفاف السخرية الحزينة، دار الكتاب العربي، لندن، 1998.
صدر عنه (كتاب تكريمي)
- عبدالحسين شعبان: صورة قلمية ـ الحرف والحق والإنسان، دار المحروسة، القاهرة، جمع وإعداد البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان، القاهرة، 2004.
إعداد وكتب مشتركة
- حرية التعبير وحق المشاركة السياسية في الوطن العربي (إعداد وتقديم) دار الكنوز الأدبية، بيروت، 1994.
- ثقافة حقوق الإنسان (تحرير وتقديم)، وقائع خمسة ملتقيات فكرية للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في لندن إصدار البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان والمنظمة العربية لحقوق الإنسان ـ لندن، القاهرة، 2001.
- الوجود الامبريالي في الشرق الأوسط: مظاهره ومخاطره، منشورات الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين، دمشق، 1986.
- برنامج لمستقبل العراق بعد إنهاء الاحتلال، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005.
ترجمات
- مذكرات صهيوني، دار الصمود العربي، بيروت، 1986.

مقابلة أجراها موسى ابو عيد ونشرت في جريدة " البيان" الظبيانية في عدديها الصادرين بتاريخ 20 و21/5/2007

2007-05-20 UAE



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة الماركسية هل هي واقع أم مجرد دعاية سوداء!!؟
- ما يحدث في العراق ارهاب منفلت من عقاله (الجزء الاول والثاني ...
- بن لادن مجرم وعار على العرب والاسلام
- الاحتفال التكريمي الخاص ب الشخصية العربية البحرينية الكبيرة ...
- ما يحدث في العراق ارهاب منفلت من عقاله
- الارهاب الدولي وحقوق الانسان : رؤية عربية
- الفلسطينيون في العراق: الحماية المفقودة
- من دفتر الذكريات - على هامش حركة حسن السريع
- السيستاني أو ولاية الفقيه غير المعلنة!
- الحديقة السوداء في محطّات شوكت خزندار - الشيوعية - !
- الحكم الصالح والتنمية المستدامة
- الحكم الصالح (الراشد) والتنمية المستدامة
- حكومة المالكي عاجزة عن حل الميليشيات ومهددة بالانهيار
- احتمالات الحرب الاهلية في العراق
- خيارات الرئيس بوش في العراق
- الائتلاف والاختلاف في ستراتيجيات وتاكتيكات المقاومة العربية! ...
- الازمات والنزاعات الاقليمية وأثرها على عملية التغيير والاصلا ...
- عام بريمر العراقي في الميزان
- المحكمة الجنائية الدولية
- هل سيتمكن المالكي من حل المليشيات ؟


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - الاحتلال الأميركي والفساد والميليشيات تفتت العراق