أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبد الحسين شعبان - الحديقة السوداء في محطّات شوكت خزندار - الشيوعية - !















المزيد.....



الحديقة السوداء في محطّات شوكت خزندار - الشيوعية - !


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 1841 - 2007 / 3 / 1 - 12:14
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


الآن هو الآن
أمس قد كان
ليس هناك شك
* بابلو نيرودا

* قبل بضعة أسابيع كنتُ في زيارة عمل إلى سانتياغو " تشيلي ". أول ما خطر على بالي وأنا أستقـّل سيارة الأجرة من المطار إلى الفندق ، هو البحث عمّا شغل بابلو نيرودا ، الذي عاش حياة حافلة ومثيرة وغنيّة في الآن . سألت السائق : هل تعرف كيف نستدّل على بيت نيرودا ؟ أجابني باستغراب ومن يكن نيرودا وماذا يعمل؟
قلتُ كمن يداري حرجه وصدمته معاً : انه شاعركم الكبير … هزّ رأسه بالنفي وسألني اذا كان عنوانه معي ليوصلني إليه . أجبته ان بيت الشاعر أصبح متحفاً ، مثلما هو بيته الساحلي المطـّل على البحر . وأضفتُ حدث ذلك قبل سنوات ليست بالقليلة، وحسب علمي فإن الناس يزورونه من شتى بقاع الأرض . مطّ السائق شفتيه مرّة أخرى إشارة بالنفي.
تملكـّتني حيرة وانقباض وشعور بالمرارة بل إحساس بالفجيعة: أيموت الشاعر والمثقف المبدع ويسدل الستار عليه ، لدرجة إن ابن البلد لم يتعرّف عليه أو يتذكرّه، فالسائق ليس يافعاً، ولعله قد قارب الخمسين عاماً!!؟
عدتُ الى الدردشة مرّة أخرى ولكن بفضول أكبر، قلتُ له ان نيرودا توفي بعد أيام من الانقلاب العسكري الذي قاده بينوشيه(Pinochet) في ايلول (سبتمبر) 1973. وهنا ابتسم وهزّ رأسه دليل معرفته !
كان مونولوغي الداخلي يردد أيختفي اسم الشاعر ويبقى إسم " الجلاد"؟ خصوصاً وان اسم بينوشيت هو الذي استذكره السائق ، فهل كان ذلك هاجس نيرودا عندما أعّد مذكراته ، لكأنه يريد أن يقول لتتبدد دائرة النسيان ، حين أطلق عليها العنوان المثير : " أعترف بأنني قد عشت (1)"، وهو العنوان الذي استوقف الجواهري الكبير، في الحوارات التي نشرت جزءاً منها فيما بعد في كتابي " الجواهري- جدل الشعر والحياة"(2) 1997، عندما كان يردد : ليسوا كلهّم كالمتنبي أو البحتري!! وعندما استحضرت عنوان مذكرات نيرودا قفز الى الذهن كتاب ـ مذكرات الروائي ماركيز " عشتُ لأروي(3) ".
* * *
استذكرت مع نفسي تلك العناوين والمحاورات، وأنا أقرأ كتاب شوكت خزندار الكادر الشيوعي القيادي ، المتمّرس في العمل السّري ، وعضو جهاز أمن الحزب الشيوعي كما يقول (ص 48) وأول من رفع الزعيم عبدالكريم قاسم من سيارته وهو مضّرج بدمائه عند تعرّضه للاغتيال في شارع الرشيد عام 1959 ( ص 41)، وهو الذي احتجز عزيز الحاج قائد الانشقاق الشهير في الحزب الشيوعي عام 1967 (القيادة المركزية) ص ـ 167. وهو المسؤول عن عدد من الأوكار الحزبية القيادية والاجهزة الطباعية المركزية حيث ولد له ثلاث أبناء فيها هم : بشرى وسوران وبسّام ( ص 436). وهو الذي تخاصم مع أمين عام الحزب الشيوعي عزيزمحمد منذ مطلع الثمانينات كما يقول، حيث جرى التنكيل به والتحريض عليه. وهو الذي عاد الى بغداد في العام 1992 للعمل في صفوف مجموعة وطنية بقيادة الدكتور وميض جمال عمر نظمي ، ثم " عملنا كمجموعة من الماركسيين " كما قال كأفراد وليس كتنظيم.
ــــــــــ
(1) بابلو نيرودا- مذكرات بابلو نيرودا: أعترف بانني قد عشت، ترجمة وشروح محمود صبح، ط2، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر،1987).
(2) عبد الحسين شعبان- الجواهري، جدل الشعر والحياة (بيروت: دار الكنوز الادبية، 1997)
(3) غابرييل غارسيا ماركيز- عشت لأروي، ترجمة صالح علماني(بيروت: دار المدى للطباعة والنشر والتوزيع،2005)

ويقول انه إلتقى بأعداد كبيبرة من الشيوعيين في المحافظات الجنوبية وخلال زياراته المتكررة الى كردستان (ص15).

ولا أدري ان كانت الحكومة تسمح في حينها لممارسة مثل هذا النشاط ؟ وقد يكون الأمر قد حصل باتفاق معها على " العودة " ويقول خزندار : انه اضطر الى مغادرة العراق مرّة اخرى تاركاً بيته عام 1998 متوجهاً الى الدنمارك ، بعد صدور كتاب بهاء الدين نوري، أمين عام أسبق للحزب الشيوعي، والذي ادى الى تشديد الخناق عليه، فقد ورد في مذكرات بهاءالدين نوري بخصوص انشقاق القيادة المركزية: " نحن استخدمنا شوكت خزندار وكنـّا من خلاله على علم بتحركات عزيز الحاج". ويعتقد خزندار ان النظام اعتقد انه مرسلًُ من عزيزمحمد (رغم ما حصل بينهما). ويقول " ولم استغرب من تصوّرات أجهزة النظام خاصة (وإن) الكتاب صادر من قائد شيوعي معروف … وهو السبب الأول والأخير لخروجي من العراق مجدداً (ص 140 ). هذه رواية خزندار!!

وقد لا يعلم خزندار بأن مذكرات بهاء الدين نوري كانت قد صدرت لأول مرّة في كردستان عام 1992 (اي عام عودته) وليس عام 1998 (اي عام خروجه مجدداً من العراق) وأعيد طبعها لاحقاً ( وقد تكون هي الطبعة التي يتحدث عنها).
* * *
كتاب شوكت خزندار " سفر ومحطات ( الحزب الشيوعي العراقي : رؤية من الداخل) " حفزّ شيئاً من الذاكرة ، واستعدت مع نفسي الكثير من الاحداث التي يرويها الكتاب ، سواء تلك التي عشتها أو سمعتها أو قرأتها أو تابعتها. كما استذكرت عشرات الأسماء الواردة فيه أو التي لم ترد. وتساءلت مرّة اخرى من وحي حواري مع السائق التشيلي، الذي لم يكن يعنيه إن عرف نيرودا أو لم يعرفه..
ماذا ستفيد الكثيرين، تلك الأسماء والحكايات التي تعتقـّت واستنفذت أغراضها وأزمانها!؟
أيريد خزندار إزاحة النقاب بعد انتهاء مبررات العمل السّري خصوصاً بسرد وقائع وأقاويل وقصص وخصومات ؟ أم ان هاجساً ظل يلاحقه بعد كل هذه السنوات العجاف للبوح وكشف المستور وتبيان الادوار والمسؤوليات ؟
ثم تساءلت أيضاً: بماذا ستنفع الناس مثل تلك الصور المشوشة ، الملتبسة ، المثيرة للشكوك والتي كما يعرضها تشكل المشهد الداخلي للحزب وبخاصة قيادته !؟

تبدو لي حديقة شوكت خزندار التي رغم كل شيئ يعود ليمجدّها أشبه بالمقبرة، فهي مليئة بالازهار الميّتة وفيها ينعب البوم ويعمّ الظلام أركانها وزواياها. هكذا تبدو تلك الصورة كلما اقتربت منها من خلال كتاب خزندار، الذي يظهر تلك العيوب والمثالب باعتبارها سلسلة متصلة من الاخطاء وربما الخطايا المتراكمة والمؤامرات والدسائس والشكوك والمشبوهين والمندسين.
ومع ذلك فإن خزندار يريد العودة الى تراثه الاصيل بقيادة " فهد " زعيمه التاريخي الذي أعدم عام 1949 كما يقول، وما عدى ذلك ليس سوى تخبط على صعيد الفكر والممارسة، خصوصاً منذ نحو خمسة عقود من الزمان، ناهيكم عن الأوصاف التي يطلقها على قياداته بغالبية أعضائها الاساسيين .
ولعل خزندار يعرف ان فهد تعرّض هو الآخر لانتقادات شديدة من جانب قياديين بسبب نهج عبادة الفرد والتسلط وازدراء المثقفين . وكنت آمل من الدكتور كاظم حبيب والدكتور زهدي الداوودي معالجة هذا الموضوع في كتابهما القيمّ الذي صدر بعنوان " فهد والحركة الوطنية العراقية" (4)، إذ لم تعد النظرة القدسية والتمجيدية
ــــــــــ
(4) كاظم حبيب وزهدي الداوودي، فهد والحركة الوطنية في العراق،(بيروت، دار الكنوز الادبية،2003)
تكفي لحجب السلبيات والاخطاء مهما كان دور الفرد الايجابي ومساهماته الكبيرة ، بما فيها التضحية بحياته !
ولعل سؤالاً يطرح نفسه : أكان خزندار سيكتب هذه السيرة بهذه المرارة والحنق وربما الى حدود الكراهية أحياناً، لو لم يتعرّض الى التنكيل والاذلال والشعور بالخيبة، لدرجة في بعض الاحيان تراه دون أن يشعر يخفف من مسؤولية الخصم وخصوصاً نهج انعدام الحريات وسياسات القمع البوليسي والآيديولوجي، وظروف العمل السري والمنافي وبيئة الانصار القاسية التي تساعد على التآكل، ليركزّ على القمع (الحزبي) الداخلي اليومي والتعامل الأوامري البيروقراطي وأجواء التآمر خصوصاً في أوضاع الاسترخاء وهو ما حصل خلال فترة العمل العلني أو في الخارج. لعل شعوره بـ " ظلم ذوي القربى " الذي هو " أشد مضاضة " هو الذي يدفعه أحياناً الى التهويل واصدار الاتهامات دون أدلـّة أو أسانيد ، وكجزء من رودود الأفعال !

* * *
كتاب شوكت خزندار لا يترك شاردة ولا واردة إلاّ ويعلـّق عليها. انه محاولة لتقديم قراءة ارتجاعية للماضي ، قراءة انتقادية حادة ومتشددة بل جارحة لتاريخ الحزب الشيوعي. وفي الوقت نفسه فإنه بغض النظر عن تناول الاشخاص والتعريض بهم، فهو كتاب ممتع وشيق وان كان صاحبه غير محترف الكتابة ، لكنه كتاب حيوي لا يخلو من حبكة درامية مثلما احتوى على طرائف ودعابات وخفة دم أحياناً .
كتاب خزندار يروي أدق التفاصيل وأصغر المعلومات ويجادل في صحتها مثلما يراهن على ذاكرته الخصبة ، لكنه يسقط ارادته أحياناً على الوقائع والاحداث فكثيراً ما يردد " أكيد فلان أبلغ فلان … " و100% ان الموضوع حصل بالشكل الآتي .. (ص 371) وهكذا تتكرر في الكتاب مثل هذه اليقينيات التي هي أقرب الى الرغبات والارادات منها الى الوقائع والأحداث ، خصوصاً وانه يقـّدم استنتاجاته مسبقاً على حجم وأهمية المعلومات التي يرويها .
غالباً ما تعتمد الثقافة الشفاهية على اليقينيات والسماع وتعدد الروايات والنقل على حساب الوثيقة والخبر المكتوب أو التحريري ، فتختلط المواقف بالوقائع بالرغبات ، اذ تميل المعلومة الشعبية ( الشفاهية ) الى التضخيم والتهويل أو التصغير والتقليل . ولعل عامل الزمن يفعل فعله أيضاً .
ومن موقع الباحث والناقد أحاول اضاءة الفكرة التي يمكن ادراجها في باب التناقل والسماع والشفاهة ووهن الذاكرة احياناً . ولأسباب موضوعية واخرى ذاتية هناك بعض الصفات التي يمتاز بها الكادر السري ، الذي ينبغي ان يكون سريع الحركة والمبادرة ، يقظاً ، يستطيع التصرف باللحظات الحرجة ، وهذا الامر يتطلب منه عدم الاختلاط كثيراً وعدم التردد على الدوائر الرسمية وشبه الرسمية أو الاتصال بالشخصيات العلنية وبمؤسسات الاعلام والثقافة والقوى الاخرى . وان حصل الامر فلفترة محدودة ، وفي الغالب فهي علاقات " محجوبة " بفعل الحذر والخوف من الاندساس، ومع طول الزمن فهناك نمط معـّين من التعامل يحصل بين الكادر السري ومحيطه الخارجي، يجعله كثير الشك والارتياب والضنـّية وربما سريع الاحكام أحياناً خصوصاً في ظروف وثقافة الحرب الباردة ومحاولات الخصم تحطيم الحزب من خلال أوكاره السرية .
* * *

وإذا إستثنينا بعض القضايا والتفاصيل التي تتناول سيرة بعض الاشخاص على نحو تجريحي وإصدار أحكام تكاد تكون جاهزة ، فان مادة الكتاب خصوصاً ما له علاقة بتاريخ الحزب الشيوعي وتاريخ العراق خلال خمسة عقود من الزمان تقدم شهادة ربما من المطبخ الداخلي لصناعة الحدث أو رد فعل له أو تبدي رأياً فيه . من هنا تكتسب أهمية شهادة بعض الشخصيات ، لتساهم في تقديم صورة لكتابة التاريخ عبر روايات متنوعة .
قبل نحو عشر سنوات تحدثت مع آرا خاجادور(Ara Khajador)القيادي الشيوعي والعمالي ، حول مذكراته التي يعـّدها . وطلبت منه اضاءة عدد من النقاط التي قد تعني جمهور القراء والرأي العام وهي :
* علاقة الحزب الشيوعي العراقي أو بعض قياداته وكوادره بجهاز الـ KGB ( المخابرات السوفيتية ) وبالاجهزة الامنية " الاشتراكية " . كيف كانت تتم العلاقة ومع من وهل هي بتكليف أو بعلم قيادة الحزب ؟ وماذا لو اكتشفت القيادة وجود علاقة دون علمها ، فهل تستطيع أو تتجرأ اتخاذ اجراء بحق العضو القيادي أو الكادر ، أم انها أو بعض اعضائها على الاقل سيتجهون لمداراة صاحب العلاقة طالما اختاره " الباب العالي "؟ بتقديري هذه مسألة مهمة بحاجة الى إضاءة خصوصاً وانها ظلـّت غير معروفة وغامضة وكذلك غير مفهومة !
* القضية الثانية التي بحاجة الى إيضاح هي العلاقة الخاصة بحزب البعث والسلطة في العراق ، هل كانت هناك اتفاقات سرّية عشية توقيع الجبهة الوطنية عام 1973 ؟ وماذا عمّا أشيع من استثناء أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الشيوعي من الملاحقة وحماية حياتهم والحفاظ عليها خلال فترة استمرار الجبهة .
وباستثناء عايدة ياسين عضو اللجنة المركزية التي عادت الى العراق لبناء التنظيم بعد تعرّضه الى ضربات موجعة ومؤثرة بعد خروج اعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية والكادر القيادي والوسطي ( كان آخر من غادر العراق من القيادة باقر ابراهيم ) وباستثناء من وضعت السلطة يدها عليهم، فانه لم يقتل أحد من أعضاء القيادة حتى بعد انفراط عقد الجبهة، بل انه لم يبق أحد منهم في السجن أو يحكم عليه، حصل الامر مع الدكتور كاظم حبيب وعادل حبه وفخري كريم وماجد عبدالرضا وعبد السلام الناصري وعبد الامير عباس وآخرين ، كما احتفظت السلطة بالدكتور مكرّم الطالباني وكلفته بمهمات لاحقة وظل حتى بعد سنوات عضواً في الحزب الشيوعي ، فكيف تفسّر ذلك ؟
وفي حينها قيل ان عايدة ياسين التي قتلت تحت التعذيب حين ألقي القبض عليها في تموز (يوليو) 1980 ، أخلـّت " بالاتفاق " حين عادت، وكانت اشارة صدام حسين في آخر اجتماعات الجبهة العتيدة الى كاسترو واضحة، والتي تعني ان من لا يرغب ولا يعجبه نظامنا فيمكنه مغادرة البلد. وتم تسّهيل مهمة بعض القياديين الذين غادروا من مطار بغداد. حصلت اختراقات أخرى قيل ان لها علاقة بالحدث الأول فقد اختفى أثر محمد جواد طعمة ( مرشح لعضوية اللجنة المركزية وهو من البصرة ) الذي اعتقل اكثر من مّرة ، كذلك لم يظهر أي اثر لمحمد حسن مبارك ( مرشح لعضوية اللجنة المركزية وهو من النجف وعضو قيادة الفرات الاوسط ) ولم يكشف مصيرها حتى هذه اللحظة كما هو مصير الكادران القياديان الدكتور صفاء الحافظ والدكتورصباح الدرّة، اللذان اعتقلا اكثر من مرة في اواخر السبعينات واختفى اثرهما منذ شباط (فبراير) 1980.

* القضية الثالثة التي تحتاج الى ايضاح واضاءة لما له علاقة بالاحداث لاحقاً ، هي ما الذي جرى عشية المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي وبعده 1985 ؟ ولماذا قال السكرتير تمهيداً لذلك: اجتمعنا ليلغي نصفنا النصف الآخر ؟ ولماذا حُسِمَ الصراع الداخلي بتلك الطريقة الاقصائية … ؟ أيعود السبب الى : الضغوط التي تعرضت لها القيادة من جانب الحركة الكردية ومن ثم بحكم تأثير جهات عربية وخارجية ، خصوصاً في موضوع الحرب العراقية ـ الايرانية ، الذي انتقد كثيراً. وقد كان بعض أعضاء القيادة قد صرّحوا علناً ان 10% من أعضاء الحزب تكفي اذا كانوا منضبطين و " مطيعين " !
* والقضية الاخيرة ما يتعلق بـ جهاز أمن الحزب وما الذي عمله طيلة عقود من الزمان وما هي انجازاته ؟ ووعد آرا خاجادور بالحديث التفصيلي بكل هذه الامور في مذكراته وقدّم عرضاً اولياً فيما يتعلق بالنقطة الاولى والثانية والرابعة.
وسألت عزيز محمد الامين العام السابق في أربيل عام 2000 لماذا يا رفيق لا تشرع بتدوين مذكراتك أو تسجيلها بشريط كاسيت أو فيديو، لتقوم بتحريرها وقد يساعدك آخرون. أجابني بتواضعه المعهود ودهائه السياسي : لست زعيماً لكي أكتب مذكراتي، فلا أنا كامل الجادرجي ولا ملاّ مصطفى البارزاني ولا محمد مهدي كبّة ولا الجواهري، لكي يهتم الناس بهذه المذكرات، ثم انني لست مثلكم من أصحاب القلم ممن يحترفون الكتابة ويعتنون بالحرف ويسهرون على المباني والمعاني .
ولكنني اردفته بالقول : ولكنك أمين عام اكبر وربما أهم حزب شيوعي عربي وفي الشرق الاوسط لنحو 30 عاماً شهدت احداثاً جساماً منها : استعادة الحزب بعض ادواره خصوصاً بعد انتكاسة عام 1963 وتصفية غالبية قيادته ، ثم مساهماته في الحركة الكردية وما قيل عن دور الشيوعيين في معركة هندرين عام 1966 ، ونجاح الحزب في انتخابات الطلاب عام 1967 ، ومن ثم وقوع عدوان عام 1967 وانشقاق القيادة المركزية وبعدها انقلاب عام 1968 في 17 تموز ( يوليو ) والمفاوضات المارثونية مع حزب البعث حتى قيام الجبهة الوطنية عام 1973 ومن ثم انفراطها عام 78- 1979، ومشاركة الحزب للقوات الحكومية في قمع الحركة الكردية 74 - 1975 والرحيل الجماعي الى المنافي وسياسات الكفاح المسّلح والمؤتمر الرابع وموقف الحزب الملتبس من الحرب العراقية ـ الايرانية وما بعدها العلاقة مع القوى السياسية وتحالفاته في " جوقد " و "جود" 1980 و" ميثاق طرابلس " 1983 و " لجنة العمل المشترك " 1990 والمؤتمر الوطني العراقي 1992 في صلاح الدين . ثم المؤتمر الخامس للحزب وكيف وقع الاختيار على الرفيق حميد مجيد موسى ( البياتي ) …!؟

أليست هذه التطورات والاحداث ومن ثم الخفايا والاسرار عن علاقتكم بالرئيسين صدام حسين وأحمد حسن البكر والعلاقة مع السوفيت كافية لأن تقدّم شهادة للتاريخ ؟ كرر عزيزمحمد قوله : لست زعيماً ولست كاتباً ولن أضيف شيئاً لأروي للتاريخ . قلت له ان ما رويته لمجلة الوسط ولغسان شربل رئيس تحريرها انذاك ، وما كتبه جورج حاوي أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني الاسبق وقياديين مثل بهاءالدين نوري وزكي خيري وآخرين أثارت التباسات اكبر حول دوركم . قال باختصار كنت مسؤولاً عن الحزب الشيوعي من عام 1964 الى عام 1993 ويشاركني عدد من الرفاق والقادة وهم يتحملون مسؤولية مثلي عن بعض الاخطاء والتقديرات القاصرة، ولا يمكنهم الآن التنصل ، فهل كنت وحدي من يقرر أو ينفذ ؟ كان بعضهم يزاود ويتطرف سواء بالعلاقة مع البعث أو في السياسات اللاحقة . الآن يريد بعضهم أن يلقي المسؤولية على غيره ويتنصل عن الاخطاء ويعلـّقها على شماعة الآخرين .
وقال عزيز محمد انني تحملت المسؤولية وقلت اراء ووجهات نظر بعضها زكـّتها الحياة وبعضها أعدنا تقييمه وانتقدنا سياساتنا ، فما الذي تريد أن أقوله أكثر من هذا الذي قيل خصوصاً وان مراجعاتنا مكتوبة ومطبوعة ومتوفرة . كان ذلك واحدة من جولات حوارية مع الامين العام السابق للحزب الشيوعي وعدد من القياديين على مدى سنوات ، سأحاول انجازها في وقت لاحق ! ولعل هذا هو هو مدخلي لعرض وتقييم مذكرات شوكت خزندار التي لا مست بعض هذه القضايا !
* * *
سلـّطت مذكرات شوكت خزندار الضوء بجرأة على عدد من القضايا المهمة والمثيرة معاً خصوصاً وان قسماً منها غير معروف أو غير متداول فضلاً عنه أنه يثير الكثير من الالتباسات . فهل كانت قيادة الحزب الشيوعي تتقاضى راتباً شهرياً من قيادة حزب البعث أيام الجبهة ؟ ولماذا تم استثناء بيوت أعضاء المكتب السياسي من التفتيش ؟ ثم ما هي العلاقة ( بالـ ) KGB وماهي قصة جهاز أمن الحزب ومن هو المسؤول عنه ؟ وهل هناك طائفية في الحزب الشيوعي أيضاً ؟ وهل حقاً ان قيادة الحزب الشيوعي تحفظت على قرار تأميم النفط عام 1972 ولماذا ؟ وحقيقة الموقف من القضية الفلسطينية والقضايا العربية ، وأخيراً ما هو الدورالصهيوني في إقصاء عاصم فلـّيح أول أمين عام للحزب الشيوعي !؟


اولاً- قصة المساعدة المالية للحزب الشيوعي
يقول شوكت خزندار ان قيادة الحزب الشيوعي كانت تتلقى مساعدات مالية شهرية تحت باب الدعم الاعلامي ، وان هذه المساعدات كانت تأتي بشيك مصـّدق يجلبه عامر عبدالله ( وزير الدولة ) شهرياً ويسلـّمه الى عزيزمحمد الذي يقوم بدوره بتسليمه الى مسؤول المالية أسعد خضر ( أبو نجاح ) والشيك الشهري كان بمبلغ 150.000(مئة وخمسون ألف دينارعراقي).
ويشرد خيال مؤلف الكتاب ليحتسب سعر الصرف انذاك بالدولار ويضرب المبلغ بخمس سنوات ( هي عمر الجبهة بين الحزبين ) ليصل الى نحو ( 31 ) مليون دولار ( ص 334 ــ 335 ) .

ولعل معلومة من هذا النوع بحاجة الى تدقيق والى اجلاء أي غموض أو التباس قد يكتنفها أو اشكال قد يشوبها لانها ذات قيمة ومعنى . ومع ان خزندار يؤكد ذلك بحكم اطلاعه كما يقول ، الا ّ أن باقر ابراهيم عضو المكتب السياسي السابق ينفي علمه. ويذكر استلام الحزب لشيك واحد بمبلغ 150.000 (مئة وخمسون ألف دينار عراقي) لبناء مقر لقيادة الحزب الشيوعي مساعدة من حزب البعث أو الحكومة، ولكن الحاج خيرالله طلفاح (خال الرئيس السابق صدام حسين والملقـّب والي بغداد) وضع يده على الأرض المخصصة، أوقف صرف الشيك أو الاستفادة منه، لذلك تمت اعادته كما يؤكد ابراهيم . لكن خزندار يصّر على استلام قيادة الحزب شيكاً شهرياً ، بل يزيد على ذلك حين يؤكد أيضاً ان أمين عام الحزب عزيز محمد كان هو الآخر يستلم شيكاً بمبلغ عشرة آلاف دينار عراقي شهرياً اضافة الى الشيك الأول، أي بما يزيد عن 000 ر31 ( واحد وثلاثين ألف دولار شهرياً كمصرف جيب ونثريات ) وهذا ما يزيد من انتقاد خزندار لعزيز محمد اذ يعتبر ذلك بمثابة شراء ذمة لقاء المال!
ورغم ان هذه المعلومة هي الاخرى بحاجة الى فحص وتدقيق وتوكيد من آخرين الاّ ان خزندار وفي سياق الاستغراق في التفاصيل يقول ان عزيزمحمد لا يتصرف بالشيك ، أي لا يستخدمه شخصياً وانما يرسله الى ميزانية أو مالية الحزب ، بما يعفيه من أي خدش بالذمة المالية، خصوصاً اذا كان مثل هذا التعامل يتم على أساس سياسي وليس شخصي .
ثانياً- الاتفاقات السّرية مع حزب البعث
تردد عشية وخلال انعقاد الجبهة الوطنية عام 1973 بأن هناك اتفاقات سرّية بين قيادة الحزب الشيوعي وقيادة حزب البعث والسلطة ، تتعدى حـّل التنظيم العسكري والتعهد بعدم العمل والنشاط في الجيش والشرطة وأجهزة الامن . والاتفاقات التي لم يعلن عنها في حينها تتعلق بضمان حياة أعضاء اللجنة المركزية وتقديم تسسهيلات خاصة لهم . ورغم نفي القيادة الشيوعية رسمياً وجود مثل هذه الاتفاقات ، الاّ ان عامر عبدالله ، أفصح في حديث للباحث ، ان هذه الاتفاقات تقضي بعدم تعّرض أعضاء اللجنة المركزية للتفتيش أو الاعتقال خصوصاً الذين كانوا يديرون حوارات ولقاءات مع القيادة البعثية . جاء ذلك في اعقاب اغتيال عضوي اللجنة المركزية ستار خضير ( عام 1969 ) وشاكر محمود (عام 1972) . وعضوي قيادة منطقة بغداد عبد الأمير سعيد ( 1969 ) ومحمد الخضري ( عام 1970).
وقال عامر عبدالله عند إبرام اتفاق الجبهة عام 1973 أصبح مثل هذا الأمر تحصيل حاصل وهو جزء مهم لضمان حركة القيادة وتسهيلاً لاداء مهماتها .
اما القاعدة الحزبية حسب رأيه فانها تتعرض الى مضايقات واحتكاكات وهذا أمر طبيعي. وقد سألت آرا خاجادور فقال انه لا يتذكر، وعندما نقلت اليه رأي عامر عبدالله أبدى ميلاً له. أما باقر ابراهيم فقد استبعد وجود أية اتفاقات سّرية حسب علمه.
الجديد في سفر ومحطات خزندار انه يأتي بوثيقة ويقول ان باقر ابراهيم سلّمه اياّها وهذه سبقت عقد الجبهة ، وذلك عشية ما سمّي بقصة " أبو طبر ". والقصة واحدة من اختراعات تلك الفترة العسيرة مثل حكاية المصارع عدنان القيسي الذي ظل تلفزيون بغداد ينقل مسابقاته لدرجة أصبحت حديث القاصي والداني وكذلك مسألة الحنطة المسمومة التي شاعت وقبلها اعدام الجواسيس وتعليقهم في ساحة التحرير .
وبعد أن انشغل العراقيون بقصة أبو طبر وقامت السلطات الأمنية بتفتيش بيوت بغداد، بيتاً بيتاً ، طارت اشاعة مفادها ان القضية مصنوعة مثل القضايا الاخرى يراد لها إلهاء المواطنين من جهة وترويعهم من جهة اخرى واعطاء مبررات اكثر للسلطات الحاكمة لاستخدام العنف ضد خصومها السياسيين مثلما حصل في قمع تظاهرة سلمية قام بها القوميون والناصريون، عند وفاة جمال عبدالناصر وقبلها تفريق تظاهرة سلمية في ساحة السباع قام بها الشيوعيون، راح ضحيتها ثلاث شيوعيين وجرح اثنا عشر شيوعياً واعتقل 42، وحصل الامر على نحو أشد مع تنظيمات القيادة المركزية حيث قتل تحت التعذيب نحو 20 مناضلاً في فترات مختلفة. ورغم الصخب الاعلامي فقد طويت قصة أبو طبر وكأن شيئاً لم يكن وتوجهت الحكومة لضرب الحركة الكردية ابتدأت بمحاولة اغتيال البارزاني وانتهت بشن حملة عسكرية بعد رفضها قانون الحكم الذاتي عام 1974، الذي لم يكن بمعزل من التداخل الخارجي .
شوكت خزندار يأتي بدليل أول للاتفاقات السرية ، حين استثنى ناظم كزار مدير الامن العام قبل اعدامه في 30 حزيران ( يونيو ) 1973 عشية توقيع ميثاق الجبهة في 17 تموز ( يوليو 1973، سبعة شيوعيين من اعضاء المكتب السياسي من عملية التفتيش العامة وهم :1- عزيزمحمد ( الامين العام ) 2- زكي خيري 3- باقر ابراهيم الموسوي 4- عمرعلي الشيخ 5- كريم أحمد الداوود 6- بهاءالدين نوري 7- شوكت خزندار ( الإسمان الاخيران ليسا في المكتب السياسي ).

ثالثا- العلاقة مع المخابرات السوفيتية الـ KGB (كي.جي.بي)
في ثنايا كتاب خزندار يتردد كثيراً اشارات واضحة وصريحة الى العلاقة مع الـKGB خصوصاً ما يتعلق حسب رايه بجهاز أمن الحزب. ( ص 396 ) ولكنني لم أعثر على عنوان يشير الى تلك العلاقة . ويقول خزندار ان قائد جهاز أمن الحزب يجب عليه الذهاب الى الاتحاد السوفيتي ليتلقى دراسة مكثفة في العمل المخابراتي وتحديداً لدى الـ KGB ( ص 48 ) وعبدالرزاق الصافي حسب رايه درس في صوفيا ولكن لمعهد تابع لـ KGB في بلغاريا وتحتاج هذه المسألة بتقديري الى معالجة نظرية أولاً ومعلوماتية عملية ثانية ، ما هو البعد الأيديولوجي لها ، ومتى بدأت في الثلاثينيات أوالاربعينيات أو بعدها ومع من ؟
ويُنسب الى احد الشيوعيين المخضرمين قوله: عندما لم تكن لنا علاقة حزبية مع السوفييت أو انها انقطعت ذهبنا قبل قطع العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي ، لنرمي رسالة من وراء السياج نطلب فيها تنظيم الصلة بموسكو! ولكن الرفيق آرا خاجادور يسخر من هذه الرواية ويطلق اسم " الرسالة الصاروخ" عليها!!
ولا أدري أين يمكن ادراج قول عامر عبدالله لزكي خيري في اواسط الستينات وبعد إلغاء عقوبته : تهانينا لقد وافق الرفاق السوفيات على عضويتك في المكتب السياسي (ص48) وفي معرض حديث خزندار عن جهاز المخابرات السوفيتية ينقل عن أحد أعضاء المكتب السياسي (فخري كريم) الذي كان مسؤولاً عن جهاز أمن الحزب عام 1982 قوله : نعم أنا أعمل في المخابرات ولكن في المخابرات السوفيتية، ثم يضيف : لأنه يعلم جيداً ان العمل المخابراتي مع السوفيت مباح .. ولكن خزندار لا يوثق هذه المعلومة وأين قيلت وأمام من وما هي المناسبة ؟ ثم يضيف اتهامات اخرى حين يقول: " الرفيق " نفسه " كان متعدد الجنسيات في العمل المخابراتي، بداياته مع الدوائر الأمنية العراقية ثم مع السورية والبريطانية والأمريكية.. ( ص 178- 179 ) ولعل من هذه الاقوال ترتب مسؤوليات قانونية ، ناهيكم عن مسؤوليات أدبية وسياسية خصوصاً اذا كانت بهذه العمومية وربما السذاجة أحياناً .
وفيما يتعلق بالحجج التي يسوقها هي أن عضو المكتب السياسي المذكور استقبل القنصل البريطاني في مكتب الحزب بدمشق في اوائل الثمانينات، والثانية زيارته للولايات المتحدة مع وفد من المعارضة وتصريحاته التي أثارت جدلاً كثيراً حول موقف الحزب الشيوعي ابان إحتلال الكويت وترجيحه الخيار العسكري، وقبل ذلك زيارته الى المملكة العربية السعودية.

ويبني خزندار احكامه على بعض المواقف السياسية ولكن هذه المواقف أو العلاقات السياسية شيء والعمل مع جهات أجنبية ومخابراتية شيئ آخر، اذ لا يمكن لمجرد الاختلاف حتى وان كان جوهرياً بين منهجين واسلوبين للتعامل اصدار اتهامات وربما أحكام دون اسانيد ووثائق قانونية.
ولذلك لم أجد الحديث موّفقاً عن الاسباب التي جعلت منه " قائداً حزبياً في ظل قيادة عزيزمحمد المشبوهة".
ولعل خزندار ينسى الاستقطابات والاصطفافات والاغراءات والتصفيات التي صاحبت تلك الفترة للانفراد بقرار الحزب وتوجيهه الوجهة السياسية التي ارادتها القوى المتنفذة، سواء لمصلحة قوى خارجية او بالتعاون معها لاغراضها الخاصة!

رابعاً- جهاز أمن الحزب
لعل كتاب خزندار هو الأول الذي يتحدث بشيئ من التفصيل عن جهاز أمن الحزب. ويقول ان الذي قاد الجهاز في أواسط الستينات 1965 ـ 1966 أيام ما سمّي بخطة العمل الحاسم " الخطة الانقلابية الشيوعية " التي وئدت وهي في طور التفكير أو التحضير ، هو آرا خاجادور، لكنه حسب قوله فشل في قيادته وانطلت عليه الكثير من الامور بما فيها مخططات عزيزمحمد بسبب طيبته . ثم جاء بعده ثابت حبيب العاني ، الذي فشل هو الآخر ولم يكن جديراً بالمسؤولية لا فيما يتعلق بقيادة الخط العسكري ولا بجهاز أمن الحزب ، ثم توّلاها أيام الجبهة عبدالرزاق الصافي الذي مارس عمله معكوساً بصورة تامة وتستر على المندسين والعملاء داخل الحزب ونفـّذ كل ما يطلبه ( الامين العام ).
ويعود من خلال هذه القضية ليغمز عزيزمحمد ويتساءل هل كان هذا الدور مرسوماً له من الاساس ؟ منذ أن تلقى دروسه على يد ابراهيم شاؤول في الخمسينات (المقصود داخل السجن). وهكذا يرجع كل شيئ الى مؤامرة تاريخية مخابراتية خارجية ، ويقول ان الجهاز خلال فترة الجبهة كان سّرياً على أعضاء الحزب (وربما على قيادته ) ومكشوفاً لدى صدام حسين ( ص 325 ) .
ثم يقول ان فخري كريم قاد الجهاز من بيروت حيث شكـّل فراكسيون (المقصود مجموعة) داخل القيادة ومارس أعمالاً قمعية مثل سحب جوازات سفر الرفاق الذين يخالفون سياسة الحزب تحت باب " قص الحواشي الرخوة " كما يذكر .
ان نقد خزندار للجهاز ينصب على أنه استخدم اداة لفرض سياسة القيادة وأتباعها على الحزب وليس الحفاظ على أمن الحزب، أي انه جهاز لأمن القيادة لترويض الحزب وتطويعه.
كنت آمل أن أتعرف الى ما قام به الجهاز من انجاز بعض المهمات لسلامة أمن الحزب، غير الاختراقات والخطوط المائلة لدى القوى الاخرى.
وكما يتردد منذ اواسط الثمانينات، فإن الجهاز عاد تحت قيادة آرا خاجادور بعد المؤتمر الرابع باتفاق مع قيادة عزيزمحمد - فخري كريم - حميد البياتي، وقام بإرسال عدد من المتدربين الى موسكو والدول الاشتراكية للتدريب على اعمال بسيطة مثل تفكيك الشيفرة والمراسلات بحبر وادوات خاصة واستخدام اللاسلكي وامكانية الزوغان من ايدي العدو والاحتراس من اندساس القوى الامنية وغيرها. ولكن في تلك الفترة ذاتها اصدرت مديرية الامن العامة كتاباً بعنوان " دور المعلومات والخبرة الامنية في متابعة الحزب الشيوعي العراقي"، بقلم النقيب عبد العزيز عبد الصمد عبد الغفور (نيسان /ابريل) 1987 وقدّم له عبد الرحمن الدوري (مدير الامن العام) تضمن معلومات حول: الكتابة السرية والبريد الحزبي والشيفرة والرموز الحزبية اضافة الى صور ومعلومات عن القيادات الشيوعية، وكأنه رد على جهاز امن الحزب.

خامساً- الطائفية في الحزب الشيوعي
وهي من القضايا الجديدة التي لم تطرح سابقاً، بل لعله من غير المألوف طرحها . ويصّر خزندار على انها موجودة في قمة القيادة ( ص 290 ) وازدادت هذه النعرة أيام الجبهة في اللجنة المركزية والسكرتارية وما زالت قائمة الى اليوم بأبشع صورها كما يقول . ورغم عدم سماع شكاوي بهذا الخصوص مثلما قيل عن هيمنة الرفاق الكرد وإبعاد العناصر العربية ( في الثمانينات ) الا ّ ان خزندار يشير الى انحياز الرفاق الشيعة الى تقديمات رفاق الفرات الاوسط والمنطقة الجنوبية حيث كان باقر ابراهيم وماجد عبدالرضا وجاسم الحلوائي ( من لجنة التنظيم المركزي ) يمنحون دعمهم الى الرفاق " الشيعة " بمن فيهم من أصحاب المواقف الضعيفة كما يقول . اما باقر ابراهيم فيرد على ذلك بشّدة ويعتبره طمساً للجانب الايجابي في تاريخ الحزب .
يقول شوكت خزندار في معرض حديثه عن التركيب التنظيمي : وكان الصراع اللامبدأي حاداً في قيادة الحزب .. ومشتداً بين العرب والاكراد والسنـّة والشيعة للاسف الشديد ( ص 294 ) .
وبالعودة لخطة العمل الحاسم وما له علاقة بالطائفية : يقول إن عامر عبدالله انبرى بالقول " ماذا دهاكم أيها الرفاق … ألا تعرفون إن من شخصتموه ( المقصود لرئاسة الجمهورية في الخطة الشيوعية الانقلابية ) هو من الطائفة الشيعية ، وهناك فيتو دولي لا يحق للشيعي ان يكون رئيساً للجمهورية " علماً بأن الشخص المقصود هو الشاعر الكبير الجواهري، حيث اختير بدلاً عنه نقيب المحامين عبدالوهاب محمود ، في حين كان آرا خاجادور منشغلاً بالوزارات السيادية كالدفاع والداخلية والخارجية . ( ص 87 ) .

سادساً- قصة تأميم النفط
ينقل خزندار الحوارات التي دارت داخل المكتب السياسي بخصوص تأميم النفط، والتي لم يُفصح عنها ولكن بعض الاصداء ترددت في حينها حول مخاوف الحزب من فشل خطوة التأميم وخصوصاً باستعادة قرار حكومة الدكتور مصّدق وما ترتب عليها عام 1953 ودور الاحتكارات في الاطاحة به. ويقول ان الحزب شكـّل لجنة من رفيقين لتقديم تقرير حول الموضوع وهما رحيم عجينة وكاظم حبيب ( الذي يستخف باختصاصه التعاونيات الزراعية فيقول : خيار وطماطم - دون أي مبرر اذ من حقه انتقاد موقفه السياسي أما الاستهانة بهذه الطريقة فهو أمر غير مقبول خصوصاً اذا توخيّنا الحديث عن التاريخ من خلال توقير الصراع وترزين الخلاف ) وبعده يعلـّق على عزيزمحمد ويعتبره لا يفرّق بين زراعة الخضروات وبين استخراج النفط " كل من لحيته حمرة فهو عباس آغا " واخيراً يعتبر عجينة ليس مختصاً ومعلوماته لا تتعدى قراءة بعض الكتب .
يقول خزندار : ان التقرير الذي أقرّه المكتب السياسي أوصى برفض الاقدام على التأميم والاكتفاء بمطالبة الشركات الاحتكارية بزيادة حصة العراق . ويشير الى أن صدام حسين ولأكثر من مرّه قال : الثوريون نصحونا بعدم الاقدام على تأميم النفط في اشارة الى قرار عزيزمحمد والمكتب السياسي ، ولكن باقر ابراهيم يعتبر ان زكي خيري هو الذي انفرد بهذا الموقف في اجتماعات الجبهة على ما يبدو وحمّله نقد صدام حسين للحزب ( ص 224 - 225 ) .
ويصرّ خزندار على رأيه من ان موقف قيادة الحزب من خطوة التأميم كان متخاذلاً وهو يمحمّل الامين العام وكامل أعضاء اللجنة المركزية المسؤولية ( ص 226 ) .

سابعاً- القضية القومية العربية والمسألة الوطنية
يزيح خزندار الستار عن صراعات خفية ومعلنة حول موقف الحزب من القضية الفلسطينية ويقول ان المكتب السياسي عند وقوع العدوان عام 1967 لم يقرر الخروج بتظاهرة رغم ان الشيوعيين كانوا في الشوارع مع بقية الجماهير . وينتقد موقف زكي خيري " المتبجح " بعد 17 عاماً ( ص 129).
وهذه ليست المرّة الأولى التي يستبدل فيها زكي خيري المواقف ، فهو أول من أيد قيام دولة اسرائيل " وحق " اليهود في الهجرة معتبرها دولة ديمقراطية تقدمية مقارنة بالانظمة العربية ، لكنه يعود ويقول في مذكراته انه أول من صاغ مبدأ حق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني وهذه المرّة ليست الذاكرة هي التي تتحدث ، بل الوثائق خصوصاً مناظرته الشهيرة مع عزيز شريف عام 1948 ( من داخل السجن) ويصر عامر عبدالله على انه أول من حاول ان يقنع الحركة الشيوعية العالمية لتبنيّ هذا الشعار عام 1969 في موسكو ( مقابلة مع الباحث ).
لكننا لابدّ من الاقرار ان زكي خيري مجتهد على خلاف الكثيرين من الشيوعيين المسلكيين، ومواقفه الاجتهادية المتميّزة سلباً أو ايجاباً خلقت نقاشاً وجدلاً سواء الموقف من القضية الفلسطينية أو من التأميم أو من قيام الجبهة الذي كان من المتحفظين عليها في البداية الى أشدّ المتحمسين لها ، مثلما هي مواقفه من الحرب العراقية - الايرانية . حين دعا الى التحالف مع القوات المسلحة العراقية لمواجهة الاحتلال والغزو الايراني الى موقفه الرافض للحصار الدولي والعدوان على العراق .
الشيء الذي يدفعني لاضاءة هذه القضية هو ما ورد على لسان باقر ابراهيم في المقدمة وذلك لإثبات صحة اطروحات وسياسات اتخذتها الحركة الشيوعية العربية في ظروف ملتبسة ومعقدة وتأثراً بالمواقف الخاطئة التي اتخذها " المركز الاممي " سواءَ بخصوص قرار التقسيم السيئ الصيت عام 1947 أو ما له علاقة بالحرب العربية ـ الاسرائيلية الاولى بعد قيام اسرائيل عام 1948 وفي الموقف الماركسي من المسألة اليهودية . ولا ينسى باقر ابراهيم ان يندد بمواقف القيادة المركزية ومرض الطفولة اليساري والانعزالية، وهو أمر أتفهمه ولكن لماذا مواقفها من القضية الفلسطينية بالذات وفي موضوع الاستقلالية في الحركة الشيوعية ، وكباحث ومثقف ومن خلال قراءة إستعادية للماضي أجد ان مواقف القيادة المركزية كانت أكثر "استقلالية " وأقرب الى نبض الجماهير وكذلك الى الحقيقة والعدالة من مواقف الأخرين، التي كانت مواقف سياسية أقرب الى مصالح الدولة العظمى والمركز الأممي .
واتفهم أيضاً دفاع باقر ابراهيم عن خط آب 1964 ومحاولة دحض الاتجاهات الاخرى " اليسارية " التي عارضته ، ولكنني وجدت اشاراته الى " الحركة الصدرية " في غير محلـّها وفيها اقحام سياسي خصوصاً وان الحركة في بداياتها ولم تشكل بعد تياراً واضح المعالم لكي ندرجها ضمن الحديث عن التيارات السياسية العقلانية ( ص 7 ) ولعلي أتفق معه من أن بعض القادة الشيوعيين الذين بالغوا بالأمس بتعليق الآمال على الجبهة الوطنية يبالغون اليوم بإبتذالها ( ص 8 ) ولكن أين حصيلة التجربة التاريخية للحاضر والمستقبل ، فالبعض يتنكر للماضي ويريد التنصل منه، والبعض الآخر يريد بل ويتشبث باستعادته وكأن المآسي وألآلام على مدى ربع قرن لا تعني شيئاً.
أعتقد ان هناك انفصالاً على الواقع , فلا المتنكرون الذين يتنصلون عن الماضي ولا المتشبثون به وكأنه مستقبل , قد استفادوا من الدروس والعبر الواقعية بحيث يمكن استلهامها لاستشراف علاقة صحيحة وسليمة وشفافة وانتقادية تسهم في التحدي للاحتلال ورسم صورة للعراق المستقبلي .
ولن يتم ذلك دون نقد الحقيقي ومساءلة وتحديد المسؤولية ليس المهم اذن التبجح أو التنديد .
واذا اردنا الحديث عن خطة التجديد في الحزب ، فقد كانت ارهاصاتها الاولى ، عام 1956 في ظل قيادة سلام عادل عندما تبنـّى الحزب في الكونفرنس الحزبي خطاً عروبياً واضح المعالم . لكن خطة التجديد تلك سرعان ما اجهضت وقد كان لعامر عبدالله دوراً بارزاً في تبني وبلورة الخط السياسي آنذاك ، رغم ان شوكت خزندار يشدد على دوره السلبي بل المشبوه ( كذا ) في بعض الاحيان من خلال علاقته القديمة مع مصطفى القلمجي ( ص 299 ) وفيما بعد مرحلته اللندنية خصوصاً بعض آرائه المنشورة بصدد الحصار ودور العامل الخارجي وتسويغ التعاون مع القوى الاجنبية . ويعتبر ذلك من أخطاء سلام عادل( الكبرى) حين قام بتقديم عامر عبدالله " الغريب " الى القيادة .
الخط التجديدي اتسم بالانفتاح على القوى الوطنية وابرام جبهة الاتحاد الوطني عام 1957، لكنه بدأ بالتقّلب بين اليمين واليسار بانتصار الثورة عام 1958 ومحاولة الاستئثار على الشارع من جهة والانحناء لقاسم من جهة ثانية .

ثامناً - قصة عاصم فلـّيح
لأول مرّة يتم تسليط الضوء على قصة أول أمين عام للحزب الشيوعي " لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار " عام 1934 . والقصة لها دلالة مهمة،

اذ أنها تأتي بعد معايشة لمدة تزيد على عشرة أشهر ويتحدث خزندار عن سجايا ومرارات عاصم فلـّيح الخياط الذي انتخب أول أمين عام للحزب الشيوعي . ورغم انه ترك السياسة، الآ ان شوكت خزندار يتحدث عن هواجسه وعن التشويه الذي تعرّض له من أنه "فضـّل مصلحته الشخصية على الحزب ويريد توسيع محله الخياطة وكسب المال " ص ( 25 ) .
يقول خزندار بعد أن أوحيت له بالانتماء الى الحزب الشيوعي وهروبي من مدينتي السليمانية عام 1954 تشجعت وسألته لماذا تخـّليت عن الحزب ؟ ضحك وقال لست أول من يسأل هذا السؤال ! ثم دعاني الى مطعم " نادر " في شارع الرشيد وخاطبني : واصل نشاطك الحزبي .. ( ولكن ) أرجو أن لا تمارس هذا النشاط والمواعيد في محلـّي .. ثم استرسل عاصم فليح : كنت خلفة ( اسطه ) واليهود (يومذاك) أفضل (الاسطات) وعملت في محل صاحبه يهودي ، وعن طريقهم تعرفت على الماركسية ، ثم تجمعت الحلقات الماركسية في بغداد وأصبحت سكرتيراً ( اميناً عاماّ ) للحزب .

وبعدها ُطلب مني الذهاب الى مدرسة كادحي الشرق في موسكو ( لا يقول من طلب منه ولا يوّضح شوكت خزندار ذلك)، وكان لي رأي آخر وهو استكمال مقومات الحزب ونظامه الداخلي وبرنامجه وعقد مؤتمر تأسيسي وانتخاب قيادة ثم الذهاب الى الدراسة وبناء علاقات أممية .
يقول عاصم فليح كنت أريد حزباً كامل البناء وليس تابعاً ، لكنني وجدت بعض الرفاق اليهود ضدي ، في حين ان الاغلبية معي ، فدخلت في صراع مرير معهم حول توجههم ذا الصبغة اليهودية ، فوشى بي أحدهم (وخانوني) فاعتقلت ، وهذا هو السبب في ابتعادي عن العمل السياسي. ويلوم شوكت خزندار سلام عادل وبهاءالدين نوري اللذان رغم لقاءاتهما به بعد ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 لم يحاولا معرفة الاسباب الحقيقية، كما ان مذكرات نوري لا تتطرق الى ذلك وكذلك كتاب ثمينة عادل " سيرة مناضل ". ويعتقد خزندار وهذا من حديث فليح واستنتاجاَ : ان رفض التبعية لموسكو والوشاية اليهودية كانت هي السبب في ان يكون أول أمين عام حزب شيوعي ضحية الصهيونية ( ص 29 ) .
وقبل أن أختتم نقدي وتعليقي لسفر ومحطات خزندار وحديقته السوداء أود الاشارة الى أن الكتاب يركز كثيراً على دور بعض الافراد ، ولعلّ القارئ يتعب من كثرة الاتهامات والارتيابات والشكوك واساءة الظن وبخاصة بحق الامين العام السابق للحزب عزيز محمد والامين العام الحالي حميد البياتي وفخري كريم عضو المكتب السياسي السابق ود. مهدي الحافظ عضو اللجنة المركزية وعضو لجنة الجبهة الوطنية مع نعيم حداد، معتبراً هؤلاء جميعاً وآخرين وكلٌ يغمزه من زاوية يعملون لحساب أجهزة أمنية خارجية. وإحدى ادلته على ذلك مواقفهم الحالية المتعاونة مع الاحتلال !
ولا ينكر أن الاجهزة الامنية الداخلية والخارجية ظلت تتربص بالحزب الشيوعي وتحاول اختراقه او اضعاف مواقف بعض قياداته للتأثير عليها او شراء ذممها بوسائل شتى، ولعلها نجحت الى حدود، ولكن ذلك شيء واطلاق الاتهامات وتوزيع الشكوك بدون ادلة او وثائق او قرائن شيء آخر. ولعل ذلك إحدى أمراض العمل السري المزمنة، التي استثمرتها الاجهزة الامنية هي الاخرى متنبهة الى مضائها فأخذت تُكثر من الاشاعات وتكيل التهم وتدق الاسافين لاضعاف وزعزعة الثقة بالحزب وقياداته.
وبغض النظر عن مواقف البعض وخياراته فإن قسما من هذه الاتهامات والاحكام يعود الى ثقافة الحرب الباردة والصراع الأيديولوجي بين المعسكرين، ولعل الاجواء الكافكوية الكابوسية ظلـّت مهيمنة على الكثير من التفاصيل الى حدود غير قليلة، ناهيكم عن شعور خزندار بالمرارة والالم والتنكيل الذي تعرض له كما يُظهر الكتاب، لكنه رغم هذه الملاحظات والانتقادات فإنه يطرح أسئلة مهمة يمكن وضعها في سياقها التاريخي من خلال مسيرة حافلة ومثيرة ! اذ لا يمكن الحديث عن التاريخ العراقي المعاصر دون الحديث عن تاريخ الحزب الشيوعي، بغض النظر من اخطائه وممارساته السلبية وهشاشة وضعف قياداته ومواقفها غير السليمة من قضية الديمقراطية على الصعيد السياسي أو على صعيد قيادة الحزب الداخلية، لكنه ظلّ مَعْلَماً من معالم الحركة الوطنية العراقية.

* * *
إن إشكالية خزندار الأساسية هي هذه العلاقة الملتبسة بينه وبين الحزب ، الذي يحلم في أن يستعيد عافيته وتراث فهد ، دون أن يحسب ان الكثير من الظروف والمعطيات قد تغيرّت ودون أن يحسب انه وجيله أصبح من تراث الماضي ، والجيل الجديد قد لا يكون مشغولاً بالهموم ذاتها والاساليب ذاتها التي شغلته ، بل ان الكثير من المسلمات واليقينيات، لم يعد كذلك . العلاقة المتناقضة بين الحب والكراهية ، بين الامل والألم ظلـّت تحكم حيثيات الكتاب وتسيطر عليه .
ذكرتني معاناة خزندار بما كان يعانيه الكثير من الحزبيين وبخاصة في أوساط المثقفين، فقد كانت علاقة آراغون الشاعر الفرنسي ملتبسة هي الاخرى بالحزب . وذات مرّة خاطبه بالقول : أغادره كل يوم في المساء لأعود اليه في الصباح !
اما المسرحي الالماني بريخت فقد كان يتساءل ولكن من هو الحزب ؟
فيقول مخاطباً ايـّاه :
لا تذهب بدوننا في الطريق الصحيحة
قد تكون مصيباً
ونكون مخطئين
ولذلك لا تبتعد عنّا !

ولكنني وجدت ان التوصيف الاقرب الى مسارات خزندار وهذا الخراب الداخلي والألم الشخصي والمعاناة المستمرة هو قصيدة الشاعر سعدي يوسف ، التي ربما تعكس معاناة أكثر شمولاً وعمقاً فقد قال :

بخرابه أرضى
فكم كان التناسق مرهقاً
بين الشُجيرة والرياح
ويدي التي درّبتها طالت
لتمسك بي،
أصابعها الطويلة فوق حنجرتي
ويدي تشثبت بالرتاج
وحين ألوذ بكبرياء القائد الأعمى
وحين ألوذ لكي يكون الصمت تاجي
آه كم كان يرهقني احتجاجي!!

شوكت خزندار
سفر ومحطات:
(الحزب الشيوعي العراقي...رؤية من الداخل)
(بيروت، دار الكنوز الادبية،2005) 480 ص





#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحكم الصالح والتنمية المستدامة
- الحكم الصالح (الراشد) والتنمية المستدامة
- حكومة المالكي عاجزة عن حل الميليشيات ومهددة بالانهيار
- احتمالات الحرب الاهلية في العراق
- خيارات الرئيس بوش في العراق
- الائتلاف والاختلاف في ستراتيجيات وتاكتيكات المقاومة العربية! ...
- الازمات والنزاعات الاقليمية وأثرها على عملية التغيير والاصلا ...
- عام بريمر العراقي في الميزان
- المحكمة الجنائية الدولية
- هل سيتمكن المالكي من حل المليشيات ؟
- ما بعد العدوان الاسرائيلي
- العراق وتحديات المستقبل
- الطبعة السيستانية لولاية الفقيه
- الائتلاف والاختلاف في ستراتيجيات وتاكتيكات المقاومة العربية
- الدكتورعبدالحسين شعبان دعم امريكا لاسرائيل لايشجع على الثقة ...
- التسامح والاسلام
- حرية التعبير
- بول بريمر العراقي في الميزان
- العاشق الذي يلاحقه الشعر ويبكيه العراق
- العالم العربي ما بعد العدوان الاسرائيلي على لبنان


المزيد.....




- مصر.. صورة دبابة ميركافا إسرائيلية بزيارة السيسي الكلية العس ...
- ماذا سيناقش بلينكن في السعودية خلال زيارته الاثنين؟.. الخارج ...
- الدفاعات الروسية تسقط 17 مسيرة أوكرانية جنوب غربي روسيا
- مسؤولون في الخارجية الأمريكية يقولون إن إسرائيل قد تكون انته ...
- صحيفة هندية تلقي الضوء على انسحاب -أبرامز- الأمريكية من أمام ...
- غارات إسرائيلية ليلا على بلدتي الزوايدة والمغراقة وسط قطاع غ ...
- قتلى وجرحى جراء إعصار عنيف اجتاح جنوب الصين وتساقط حبات برد ...
- نصيحة من ذهب: إغلاق -البلوتوث- و-الواي فاي- أحيانا يجنبك الو ...
- 2024.. عام مزدحم بالانتخابات في أفريقيا
- الأردن.. عيد ميلاد الأميرة رجوة وكم بلغت من العمر يثير تفاعل ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبد الحسين شعبان - الحديقة السوداء في محطّات شوكت خزندار - الشيوعية - !