أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - -حياة ساكنة- لقتيبة الجنابي














المزيد.....

-حياة ساكنة- لقتيبة الجنابي


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 1927 - 2007 / 5 / 26 - 02:23
المحور: الادب والفن
    


في فيلم "حياة ساكنة"* لقتيبة الجنابي لسنا أمام طبيعة ساكنة محض كما في بعض لوحات سيزان وغيره، بل في خضم حركة موّارة مفرطة في إنسانيتها، أو بالأحرى في لوعتها الإنسانية، تجري تحت سطح يبدو، للوهلة الأولى، ساكناً.. سطح متشظ، ومؤتلف في الوقت نفسه، هو عبارة عن مجموعة لوحات يستحوذ غالباً على بؤرتها غير المقيدة بمركز هندسي شخص واحد، عراقي كما سنفهم من شعار النسر على جواز سفره.. لوحات تتجدد وتتكرر..كل لوحة منها صامتة ومتشحة بالكآبة، غير أنها في مجموعها تنطوي على خيط سردي.. بنسق، أجازف إنْ قلت أنه دائري، لكنه يمنحك الحكاية كلها مختصرة ومشذبة ومقنعة، وبزخم دلالي ضاغط وواسع.. رجل في أواسط العمر، لن نعرف اسمه، ولا من أين جاء ( من أية مدينة عراقية )، ولا إلى أين يريد أن يمضي، على وجه الدقة ــ نستطيع أن نخمن كما نشاء ــ متشرد، هارب من بلده ويتنقل من منفى لا يرغب بالعودة إليه، إلى منفى آخر لم يتحدد بعد.. إنه في محطة ما على طريق طويل ومعذب، أو بين محطات تتشابه، يعيش الحرمان والفاقة، هكذا تقول لنا دراهمه القليلة التي يضعها على الطاولة، ويعاني الوحدة والعزلة والقلق والخوف.. النافذة التي يطل منها بين الحين والحين مضببة، أو مشوشة بماء المطر، وخلفها، في الأسفل، من يراقبه، يرفع رأسه ويطيل النظر إلى نافذته.. رجل بقبعة يذكِّر بشرلوك هولمز، أو بأي مخبر غربي طبعت صورته في أذهاننا قصص وأشرطة سينمائية لا تعد ولا تحصى. ورجلنا دوماً في غرفة عارية الجدران، فيها سرير ومنضدة ومصباح منضدة وكرسي، والكاميرا تتنقل بينها برتابة تعكس رتابة حياة رجلنا المتشرد/ المنفي، والضوء شحيح، فيما الموسيقى المرافقة للمشاهد المصورة أشبه ما تكون بأنين خافت وهادئ كأنه ينبعث من أعماق روح تتألم. وهو يحاول أن يقرأ، أو يتعلم لغة غريبة، أو ربما ليكتب رسالة ما، لمن؟.
في لقطة مبكرة يستيقظ على صوت قطرات مياه تتساقط من الصنبور، يهرع ليزيل الحبر الذي يلوث يده.. ماذا كان قد كتب؟. أو تراه زوّر وثيقة ما؟. لا جدوى، فالقطرات الشحيحة لن تنفعه بشيء.. نراه مرات وهو نائم وحذائه في قدميه.. أنسي أن يخلعه؟. أو لأنه، ببساطة، ليس مكترثاً؟. أو لكي يبقى على استعداد للهرب، أو ربما من أجل أن لا يفقد هذا الحذاء الذي لن تدعه الشرطة يرتديه إذا ما اقتحمت غرفته واقتادته إلى السجن.
يظهر، وكأنه في مكان غير مأهول، مدينة أشباح، فنحن "المشاهدين" لن نبصر أحداً غيره باستثناء المخبر ( الافتراضي ) تحت النافذة الذي قد يكون من بنات خياله المضطرب، ولن نسمع سوى لغط لا ندري شيئاً عن مصدره، كما لو أنه في حلم، أو كابوس، حيث يتكرر المشهد عينه، المشهد المغلق، وهو محاصر، وجائع ــ لن نشاهده يأكل أو يشرب ــ يجتر ذكريات أو يرسم أحلاماً يمكننا تخيلها.
قتيبة الجنابي، في أقل من عشر دقائق، يمنح المتلقي فرصة أن يملأ الفجوات، وأن يرمم المشاهد في ذهنه، وان يمضي بالحكاية إلى نهاية ما، فقط بقدرة التخيل واستناداً إلى قوانين الاحتمالات. فقتيبة في هذا الفيلم سارد ومخرج وفنان تشكيلي ومصور فوتوغرافي من الطراز الأول.
هذه انطباعات سريعة عن مشاهدة واحدة لفيلم "حياة ساكنة" الذي يستحق، لا شك، تقريضاً أفضل وجهداً نقدياً تحليلياً أعمق.
تحية لقتيبة الجنابي...
* "حياة ساكنة" فيلم قصير للمخرج قتيبة الجنابي عُرض خلال الشهر الحالي وضمن فعاليات أسبوع المدى الثقافي في أربيل.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الروح الوطنية العراقية
- إمبراطورية العقل الأميركي: قراءة أولى
- في الاستثمار الثقافي
- نحو حوار ثقافي عراقي
- بمناسبة بلوغه الثمانين: ماركيز بين روايتين
- حين يُصادر كافكا وبوشكين؛ الإيديولوجيا والإنتاج الثقافي
- فيروسات بشرية
- جحا وابنه والحمار
- الأفضل هو الأسرع
- الإعلام العربي: سلطة الإيديولوجيا ومقتضيات العصر
- سنة موت ريكاردو ريس: المخيلة تنتهك التاريخ
- السياسة والكذب
- النخب العراقية ومعضلة تأصيل الهوية الوطنية
- عن الربيع والموسيقى والقراءة
- السياسة التي خربت نصف أعمارنا!!
- ( بورخس: مساء عادي في بوينس آيرس )
- كوميديا عراقية سوداء
- مغامرة الكتابة الروائية
- الحلم العراقي
- لماذا علينا نقد المثقف؟


المزيد.....




- كيف تُغيّرنا الكلمات؟ علم اللغة البيئي ورحلة البحث عن لغة تن ...
- ما مصير السجادة الحمراء بعد انتهاء مهرجان كان السينمائي؟
- وفاة الممثلة الإيطالية ليا ماساري عن 91 عاما
- البروفيسور عبد الغفور الهدوي: الاستشراق ينساب في صمت عبر الخ ...
- الموت يغيب الفنان المصري عماد محرم
- -محاذاة الغريم-... كتاب جديد في أدب الرحلات لعبد الرحمن الما ...
- -أصيلة 46- في دورة صيفية مخصصة للجداريات والورشات التكوينية ...
- -نَفَسُ الله-.. هشاشة الذات بين غواية النسيان واحتراق الذاكر ...
- جبل كورك في كردستان العراق.. من خطر الألغام إلى رفاهية المنت ...
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - -حياة ساكنة- لقتيبة الجنابي