أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جاسم المطير - ثقافة الديمقراطية .. ثقافة الطائفية .. ومحاولة استعادة العافية للوطن















المزيد.....


ثقافة الديمقراطية .. ثقافة الطائفية .. ومحاولة استعادة العافية للوطن


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 1923 - 2007 / 5 / 22 - 11:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


( نص محاضرة القيت امام المؤتمر الثقافي – عمان – الاردن 18-5 )
تتعارض فكرة الديمقراطية مع فكرة الطائفية تناقضا رئيسيا ، لأن فكرة الطائفية تحدد الدولة والسلطة والمجتمع بأفكار ثابتة مقدسة غير قابلة لتطوير المجتمع وتغييره ، الطائفية كما أوضحها كوستي بندلي هي "كيان عنصري ومظهر من مظاهر صنمية الإنسان" (كوستي بندلي: موقف إيماني من الطائفية ــ 1983 منشورات النور) بينما يقوم تأسيس تجارب الديمقراطية في كثير من بلدان العالم ، هولندا سويسرا بريطانيا / مثلا ، على التمييز بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني كإحدى منطلقات التطوير وتنمية المجتمع وتغييره .
كيف نميز بين مصالح المجتمع السياسي الصغير في حجمه مهما كبر ( الحكومة + البرلمان + الأحزاب + الناشطون المستقلون ) وبين المجتمع المدني ومصالحه وهو الشعب بكامله . بعض إحصائيات عام 2005 تقول ان المجتمع السياسي في هولندا لا يشكل سوى 2% وفي ألمانيا 8و1% وفي السويد وبريطانيا وأمريكا أرقام مقاربة .
بعضهم يعرّف الديمقراطية بكونها العنوان الرئيسي للسيادة الشعبية .
بعض آخر يرى أنها حرية النقاش السياسي .
قد يكون التعريف الأول هو مضمون الديمقراطية .
والتعريف الثاني هو شكلها .
بمعنى أن حرية التعبير والاجتماع والانتخابات وتداول الآراء واتخاذ القرارات ونقاش البرلمان تبقى كلها ناقصة أو مضروبة بالصميم إن لم تستكمل بقواعد اشتغال مؤسسات المجتمع المدني من اجل مصالح المجتمع ككل . هذا الاشتغال هو المعني بثقافة الديمقراطية .
نرى أن هناك من يختزل السياسة إلى مجرد مصالح فئوية أو طبقية أي انه يختزل المصالح إلى بعدها الطائفي مؤسسا لها إيديولوجيا طائفية منغلقة لا يرضى بتقهقرها أمام مصالح المجتمع المدني ، أي أمام مصالح الشعب كله .
نحن هنا في هذا اللقاء ( المؤتمر ) ليس من مهامنا البحث في جبهة " المؤسسات السياسية الديمقراطية " بل علينا أن نبحث في جبهة " الثقافة الديمقراطية " .
فالثقافة الديمقراطية لا تقتصر على بث الأفكار الحرة أو على مجموعة من البرامج التعليمية أو التلفزيونية أو على صحف وكتب توزع على عامة الناس بل أن الديمقراطية هي وثقافتها تجسدان صورة الكائن البشري الذي يبدي مقاومة ضد كل محاولات التسلط المطلق على مصلحته أو على مصالح الشعب أي على مصالح المجتمع المدني حتى ولو كان هذا التسلط وليد انتخابات حرة . تجارب كثيرة في العراق وغيره أثبتت انه لا توجد تسلطية إطلاقية أكثر من التسلطية الطائفية التي تمارس مباشرة أو بصورة غير مباشرة بثقافتها الخاصة أشكالا من تطويع الشعب وتطهيره عرقيا لصالح عرق واحد أو فئة واحدة أو طبقة واحدة مبتعدة بصورة باتة عن خط الاعتراف بــ" الأخر " وهذا ما أثبته تاريخ الإنسانية في كل عصور تطورها .

هنا في العراق شاعت أقوال وأفكار أخرى قائمة على التعبوية الطائفية ( باسم التعبئة ضد الإرهاب الانتحاري الذي يقوم به في الغالب شبان تكفيريون او من طائفة إسلامية معينة ) لتحويل الدولة كلها إلى دولة تعبوية تسلطية ومعروف للجميع أن " الدولة التعبوية " هي اكبر خصم للديمقراطية وقد أكدت جميع تجارب بناء الديمقراطية في الدول التي سبقتنا بان لا ديمقراطية من دون حرية المجتمع كله وحرية قواه الفاعلة كلها .
إن الفكر الديمقراطي بأبسط أشكاله هو الدفاع عن حرية اختيار المحكومين لحكامهم بينما الفكر الطائفي يلغي حرية الاختيار الحقيقية معوضا عنها بحرية الاختيار المحدودة بالرسم الطائفي . ضمن هذا التعريف لا يكون المواطن العراقي إلا صوتا انتخابيا طائفيا أيضا وعندها لا يصبح المجتمع السياسي معنيا بالديمقراطية ولا باستقلاليته ولا بدوره كوسيط بين الدولة والمجتمع المدني .
وقد نتج عن الصراع بين الديمقراطية والطائفية نوع من المواجهة المباشرة بين الدولة العراقية الجديدة وبين متطلبات بناء المجتمع المدني المفترض تشييده بديلا عن مجتمع مهشم قام على أركانه نظام قمعي متسلط طيلة 35 عاما ممتدة من زمن حكم الحزب الواحد 1968 – 2003 غير أن المصطلحات السياسية التي جرى تداولها بعد 9 نيسان 2003 في الحياة العراقية العامة خلقت التباسات كثيرة في مجمل الحياة السياسية والاجتماعية حتى ظهر في الصحافة وعند العديد من الوزراء وبعض برلمانيين أيضا تأويلا ثقافيا للديمقراطية ليس بمعناها المعروف أي " سلطة الشعب " بل بمعنى " سلطة الطائفة " الفائزة بأكثرية مقاعد البرلمان . كما نشأت سلطات طائفية أخرى عدوانية وإرهابية ومسلحة ، متعددة الأشكال والأسماء مدعمة بوسائل متعددة من الخارج ، تركزت في محافظات بعقوبة والانبار والموصل وغيرها و قامت على تداخل ٍ وتدافع ٍ واختلاط ٍ غير واع ٍ ولا مخلص بين مقولتين ، أي بين مقاومة الاحتلال وممارسة الإعمال الإرهابية الوحشية ضد المجتمع المدني عبر نماذج من العدوان الطائفي المتبادل أو العشوائي .
قبل تكوين العقل الأمني والقدرة الوطنية المسلحة على تنمية الطاقة اللازمة لتحقيق هدف الاستقلال الوطني الناجز بانسحاب القوات الأجنبية في الوقت المناسب يصبح كل تعليل لمقاومة القوات المتعددة الجنسية موقفا معاكسا مضادا للقضية الوطنية وفي صالح القوى والمنظمات الإرهابية ، الداخلية والخارجية وفي صالح الطائفية أيضا .
هذه " الثقافة " بل " الثقافات " تبرر كل إجراء سلطوي قمعي وقد انساقت قوى الديمقراطية خطأ وبنوايا طيبة وراء إرادة القوى الطائفية باسم الرغبة في التحالف الوطني مما أدى إلى اختلاط المفاهيم الديمقراطية مع مفاهيم الطائفية السياسية فظهر منها مزيج من عدة عناصر مبهمة أقامت نوعا من الإرادة المشتركة تحت عنوان " المحاصة " التي حالت دون قيام الديمقراطية في الدولة وفي المجتمع .
المحاصة أنتجت مجلسا رئاسيا للدولة متكونا من رئيس كردي ونائبين سني وشيعي تحت حجة بلورة التنوع لكن هذه المحاصة أفقدت حق الشعب العراقي بالاقتراع العام الحر والديمقراطي .
كما أدى الاختلاط الملتبس بين الديمقراطية والطائفية السياسية على نطاق تشكيل الحكومة ( الوزارة ) إلى ضياع تام في النظام العام للدولة وهو النظام الذي يفترض أن يقوم على الوحدة المركزية في السلطة التنفيذية لكن ظهرت خلال السنوات الأربع الماضية عدة سلطات تنفيذية في الوزارة الواحدة او في المحافظة الواحدة قامت على فوضى الإدارة .. وليس للفوضى أية صلة بنظام اللامركزية الديمقراطي .. كل سلطة ظهرت تبعا لطائفية الوزير او المسئول في هذه الوزارة أو تلك وتبعا لمصالح الحزب السياسي الذي أوكلت الوزارة إليه لإدارتها وهنا ظهرت بالتطبيق قيم ثقافية تنازعية في السلطة التنفيذية أو السلطات التنفيذية المتعددة في مركز الدولة الجديدة وفي غالبية المحافظات ويضطر الواقع نفسه إلى حدوث صراع بين الأحزاب الإسلامية وتنازعها ( البصرة / كنموذج) لظهور " سلطة الأحزاب " فيها وليس " سلطة الدولة " حين أحبطت أو فشلت صياغة تسويات آو تحالفات طائفية بين جماعات ذات مصالح اقتصادية أو حزبية مختلفة أدت في أكثر من مرة إلى تحول صراع الجدل إلى صراعات مسلحة بين أحزاب طائفة واحدة حيث برهنت على صواب صرخة جبران خليل جبران في كتابه (حديقة النبي) : يا أصدقائي ويا رفاق طريقي ويل لأمة تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين .
كذلك القول حول اختلاط الديمقراطية بالطائفية في التشكيلة الرئاسية لمجلس النواب ( البرلمان) كان متجاوبا تجاوبا مباشرا مع روح المذهبية الطائفية وليس مع روح المبادئ الديمقراطية مما جعل البرلمان قبة للتنازع الطائفي حول المكاسب والمناصب التي تعزز سلطة هذه الطائفة أو تلك أكثر مما هو مؤسسة مختصة بالتشريع القانوني لتشييد مؤسسات المجتمع المدني إذ لا يؤدي التنازع الطائفي إلى تعزيز سلطة الشعب أو ممثليه تجاه الدولة كما هو الحال في التجربتين البريطانية والهولندية اللتين حققتا فعليا استقلالية المجتمع المدني وهو التعبير الحق عن الشرط الأول من شروط الديمقراطية .
هذه الأشكال في التكوينات الرئاسية والتنفيذية والتشريعية وربما حتى في تكوينات السلطة القضائية التي لم تسلم من الضغوط السياسية أيضا توفر إمكانية تدخل القانون الحالي والدولة الحالية لصالح الطائفية وعلاقاتها المتبادلة في لعبة العملية السياسية حيث النزاعات بينها تشهد دائما ما يسمى بتصريحات التهديد بالانسحاب منها كشكل من أشكال الضغوط الطائفية وثقافتها . هذه الأشكال من العلاقات لا تؤمن فصلا تاما بين الذاتية الطائفية والحياة العامة في البلاد . وقد أكد المفكر الليبرالي رالف دراندورف ( أن المهم في الديمقراطية هو ضبط الجماعات الحاكمة والتوازن معها واستبدالها من حين لآخر ) ويبدو أن مثل هذه الثقافة لم يتردد صداها ، بعد ، في العراق الجديد .
إن المثقفين العراقيين ورجال الأحزاب السياسية الوطنية بما فيها أحزاب إسلامية كانوا معادين على وجه العموم لفاشية صدام حسين وانفراده بالسلطة وغالبا ما دعوا قبل سقوطه في لقاءات لندن وصلاح الدين وفيينا وغيرها إلى بناء الديمقراطية في العراق بديلا لنظام صدام حسين بعد إسقاطه وتحكيم القوانين والمؤسسات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني بأساليب الديمقراطية الفاعلة لتحقيق إعادة أعمار العراق وتحقيق التقدم المادي والاقتصادي عند بدء التاريخ الجديد . لكن ما جرى في السنوات الأربع الماضية يصنف ضمن اللامعقول السياسي إذ وجد الإنسان العراقي وسط الإرهاب المتعدد الأنواع والقتل والاختطاف نمطا سياسيا واحدا لا يقترب من ثقافة الديمقراطية بل يقترب من أصول ثقافة الأنظمة الفاشية الغربية والأنظمة الإسلامية السياسية المنغلقة ( إيران - مثلا ) أو أنها تقترب من ثقافة الأنظمة السلطوية المضادة للديمقراطية التي أوجدها فرانكو وسالا زار والكولونيلات الانقلابيون في اليونان وبينوشيه وصدام حسين ونظراؤهم في البرازيل والأرجنتين وغيرها من الدول الإفريقية . وربما كان لتدخلات الحاكم الأمريكي بول بريمر ومندوب الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي دور تعسفي بعد سقوط صدام حسين في قلب وامتزاج القيم الديمقراطية في العراق وتحويلها إلى صيغة مقلوبة منحرفة مهدت السبيل لانتعاش القوى الطائفية عندما قاما بصياغة قيم ليست ديمقراطية ولا صلة لها بوعي النخب العراقية السياسية والثقافية عند تشكيل مجلس الحكم ومن ثم تشكيل الوزارة العراقية الأولى بضوابط طائفية محددة .
الطائفية السياسية بأبسط أشكالها تـُلغي الشراكة والتعاون والتنسيق والتآخي ، ومهما ادعت في مقالات وتصريحات وأحاديث زعمائها فأنها في الجوهر العملي تتطلع إلى انفرادية وأنانية قاتلة تلحق بقضايا الشعب أفدح الأضرار. فخوف طائفة معينة من طائفة أخرى مبرّرٌا بخوف الأولى من الثانية أو الثانية من الأولى من محاولة هيمنتها المطلقة على دور قيادي انفرادي في العملية السياسية يخلق صراعات كثيرة لا تؤدي لغير الفوضى . معروف أن الخوف لا ينتج منه غير العداوة الخفية أو المعلنة بين الخائفين من بعضهم البعض . وتستمد الطائفية والطائفية السياسية من الدين صوراً ورموزاً تبعث الخوف في نفوس جميع المواطنين من المستقبل البعيد والمصير البشري . حتى أنها تسعى إلى إزاحة " الآخر " وإلغائه في سبيل حماية استمرارية وجود ثقافتها بقصد حماية وجودها .
تعتبر الطائفية حالة ً من التعصبية العنصرية السلبية التي يعاني منها المجتمع العراقي. وأخطر ما في الطائفية أنها في غالب الأحيان تكون باطنية ً وغير معلنة. إلا ّ أن سلوكيات أفرادها هي التي تشير إلى وجودها وفِعلها. وللطائفية كما للتعصبية جذور في مجتمعنا الذي يتصف بتعدد الطوائف والإثنيات، وتنمو فيها في ظل ظروف اجتماعية ودينية ونفسية مساعدة خاصة بعد سقوط الدكتاتورية . كان من ابرز نتائجها الثقافية ما يلي :
1- ظهرت ممارسات الطائفية بشكل حاد وازداد نفوذها في الشارع العراقي بسبب توفر عوامل موضوعية أهمها التخلف الثقافي والاجتماعي بين غالبية الفلاحين والعمال . ففي ظل انعدام وجود الدولة ومؤسساتها القانونية والأمنية أصبح المواطن الفرد يشعر انه يتقوى بانتمائه العائلي ، ويتقوى أكثر بانتمائه العشائري ويصبح أكثر قوة بانتمائه الطائفي .. من هنا بالذات نمت ونشطت العشائرية السياسية والطائفية السياسية . وقد صاحب توفر هذه العوامل وجود اختلاف وتباين بين الجماعات والأحزاب الديمقراطية التي لم تلعب دورا ثقافيا أو سياسيا منظما أو موحدا خلال السنوات الأربع الماضية .
2- تركز المتبدلات الاجتماعية والطبقية السريعة في المجتمع العراقي المتحول بسرعة نحو تنامي رؤوس الأموال بعد سقوط النظام عملت على توليد نوع من ثقافة إرهابية سيكولوجية هي الخوف العام من المنافسة الرأسمالية بين الطوائف مما عزز التكتل الطائفي النفعي .
3- ازداد نفوذ وثقافة الطائفية بازدياد حجم ما يسمى بالأكثرية الانتخابية ( السنة والشيعة ) ونقصان حجم الأقلية ( الصابئة والمسيحيين على سبيل المثال ) وصارت الهجرة العامة إلى خارج الوطن وسيلة للخلاص من خطر الموت أو الاختطاف .
4- سيادة الأفكار النمطية الجامدة أو الأفكار المقولبة عن " الآخر " وهي تفتقر إلى الحقيقة الكاملة عنه. وهي غالباً ما تؤدي إلى النظرة الطائفية التمييزية للآخر.
6- انحراف أجهزة الثقافة والإعلام بأكثريتها الرسمية وببعض وسائلها في القطاع الخاص عن دورها الثقافي الايجابي ولا ننسى أنّ لوسائل الإعلام أيضا دوراً في تغذية الطائفية لدى الناس خاصة القنوات الفضائية مثل الجزيرة والعربية والعالم والعراقية والزهراء والفرات والزوراء .
لا بد لي أن أؤكد إن الحق في الاختلاف معترف به ثقافيا لكن يجب ألا ّ يؤدي إلى انعزال طائفي والى تعطـّل التواصل الاجتماعي واللامبالاة بالآخر أو المطالبة بالمزيد من الحقوق لهذه الطائفة على حساب حقوق غيرها . إن قبول الآخر يعني المساواة والمنافسة الشريفة غير القاتلة أو المدمرة له.
اليوم تحكم العراق اكبر مجموعة انتخابية فائزة ( الائتلاف الموحد ) مع قوى متعددة أخرى معتمدين على حماية الوجود الأجنبي وقوى الاحتلال المتعددة الجنسية وبعض قرارات الأمم المتحدة . وقد جمعهم الدستور في مجلس واحد ( البرلمان ) على شكل مجموعات متكتلة تعمل كل واحدة وفقا لأجندتها السياسية وكل حسب مستوى ثقافته وحسب ثقافة فئتها الموروثة من الماضي تحت قيادة قوى طائفية متناقضة ومتنافرة لكنها تعمل على أجندة واحدة تهدف إلى إعادة الماضي الإسلامي وموروثه أو ما شاكله إلى الثقافة العصرية قسرا ، ولأن الطائفيين جميعا جزء من فلسفة ذلك الماضي وثقافته لذلك فهم يرون بأن السلطة يجب أن تكون ، تاريخياً ، من حقوقهم مع هوامش ثانوية للآخرين أي أنها تتبنى إستراتيجية الإقصاء تعمدا .
ماذا نتج عن هذا الواقع :
1- احتكار أغلب النشاط السياسي في الدولة وأجهزة الإعلام وفي كثير من القنوات الفضائية العراقية من قبل القوى الطائفية السياسية .
2- تغذية ثقافة الطائفية عن طريق الأناشيد والأدعية الدينية والأفلام السينمائية والمسرحيات الطائفية وحتى في مآذن الجوامع وفي برامج الثقافة الدينية التلفزيونية لتصبح تدريجيا أيديولوجيا الدولة العراقية الجديدة التي قد تتحول إلى دولة توليتارية متكاملة رغم انشقاقات بعض أجهزتها أو اعتمادها على نظام الفيدرالية .
3- تنازلت الدولة نفسها عن بعض احتكارها لوسائط الدولة في القوة وامتلاك السلاح ودورها في فرض القانون لصالح الميليشيات الطائفية من كل نوع .
4- النشاطات الاقتصادية لا تدخل إلى جسد الدولة ولا تخرج منها إلا إذا خضعت لحقيقة واحدة هي الرشاوى والفساد المالي والإداري .
5- سيادة قوة الميلشيا الطائفية المسلحة التي تجابه الدولة وأجهزتها وتجابه المواطنين المسالمين بذات الوقت لممارسة أبشع أنواع الجرائم الفردية والجماعية بتشجيع متعمد أو غير متعمد من قبل قياديين في القوات المسلحة أو غيرها من أجهزة الدولة .
6- انتشار ثقافة السادية في ممارسة بعض الشعائر الطائفية " الدينية " ويجري تربية الأطفال عليها في مدارس عدد غير قليل من المحافظات الوسطى والجنوبية وفي بعض القنوات الفضائية ( الزهراء – مثلا ) حفظا لوجود واستمرار الطائفية وانتقالها إلى أجيال قادمة .
7- اتسم تاريخ العراق خلال السنوات الأربع الماضية باضطراب ثقافي كبير إذ استعرت رؤى مطلقة ومتعصبة وعدوانية تحت واجهة الدين ضد السينما ،عرضا وإنتاجا ، وضد النشاط المسرحي والغنائي والموسيقي و أغلق شارع أبو نواس أكثر شوارع العراق شعبية وأكثرها رمزية وسمعة في المجال السياحي العربي والعالمي ، كما وأحرقت محال ونواد وحانات وقتل بعض أصحابها ، كما أغلقت صالونات الحلاقة للرجال والنساء واغتيل بعض أصحابها و أحرقت وهدمت محال بيع كاسيتات الأشرطة والفيديو وكل منتجات ثورة الكومبيوتر الحضارية .
8- توقفت إلى حد كبير أهم العناصر الايجابية في تطوير الصحافة الوطنية المحترفة المقروءة والمرئية والمسموعة نتيجة اغتيال ما يقرب من مائة صحفي وحرق مطابع ومكاتب تلفزيونية وإذاعية آخرها حرق مكاتب راديو دجلة.
9- اتساع الفجوة الخطيرة بين نساء النخبة والنساء التقليديات ليس بسبب تدهور الوضع الأمني حسب بل بسبب تراجع التعليم النسوي في كل مراحل الدراسة وانكفاء المرأة في البيوت بعد زيادة الضغط عليها في كل جوانب حياتها وإجبارها على ارتداء نوع من الحجاب و الملابس الكئيبة وانحسر التوجه النسوي نحو العلوم الجامعية إلى حد كبير وتوقف كل شكل من أشكال تشجيع الفتيات ودعمهن لمتابعة تعليمهن وقد حرمت الفتاة العراقية من ابسط أنواع الحرية حتى حرية الحب تجابه بالرجم والقتل الوحشي المريع كما حدث في مدينة بعشيقة للفتاة ذات الربيع السابع عشر في الأسبوع الماضي .
10- تدهور إلى حد كبير مستوى التعليم الجامعي بسبب الجو المشحون بالسلاح الطائفي داخل الحرم الجامعي واغتيال واختطاف ما يقرب من 200 أستاذا جامعيا وهجرة مئات آخرين إلى خارج الوطن بحثا عن السلامة المجردة .
11- ظهور انتفاخ مؤسسات اجتماعية طائفية بأسماء وصور رجال دين وتعظيم دورها الاجتماعي . كان من شأنه أن يحوّل هذه المؤسسات إلى ظاهرة اجتماعية استهلاكية أو استثمارية غايتها الربح المادي باسم الدين الإسلامي و تغلب عليها فكرة تعظيم الطائفة على فكرة خدمة الناس.
فماذا على هذا المؤتمر أن يفعل .. ماذا على المثقفين العراقيين في الداخل والخارج أن يفعلوا ..؟
1- علينا إن نطرح علانية وبقوة وبسعة وبتواصل ٍ غاياتنا في نشر الثقافة الديمقراطية بعيدة المدى باعتبارها الوسيلة الوحيدة القادرة على بناء عراق جديد وقوي من جميع الجوانب.
2- الدعوة الصريحة إلى ضرورة فصل السلطة الزمنية عن السلطة الروحية أي فصل الدين عن الدولة فلا يمكن تحديث المجتمع العراقي بغير العلمنة والتفريق بين مختلف فروع النظام الاجتماعي من دين وسياسة وقضاء وتعليم وعائلة و التأكيد على حقوق المرأة في الحرية والعدالة والمساواة .
3- ليست هناك ديمقراطية من دون صراع مع السلطة القائمة حتى ولو كانت " ديمقراطية " وفي هذا الصدد ينتمي المثقفون للمجتمع السياسي لكن بمهمة مواصلة تنوير المواطنين بضرورة تداول الآراء حول تحكم الدولة والسماح من دون قمع لكل فرد عراقي أو حزب أو مجموعة إنسانية أن تحول الإرادات الفردية الاجتماعية إلى قوة فاعلة لمراقبة الأداء الحكومي ونقد معوقاته بحرية تعبير غير محدودة فالديمقراطية ليست مجموعة من الإجراءات والتدابير حسب بل هي قبل كل شيء ثقافة نقدية للسلطات القائمة وأمل بالتحرر الفردي والجماعي .
4- علينا أن نقف دائما في أعمالنا الإبداعية اعتمادا على مبادئ ثقافية حديثة إلى جانب العمل المؤسساتي الحر في الدولة والمجتمع خلال مسيرة الصراع الثقافي بين العقلنة العلمانية الديمقراطية وبين الذاتية الطائفية .
5- علينا أن نعترف بالتعددية الثقافية فكل مجتمع يخلو من التعددية هو مجتمع مضاد للديمقراطية . أن المجتمع العراقي الجديد هو في طور التكوين وينبغي أن نعمل جميعا على نشر مبادئ حرية التنوع الاجتماعي والثقافي دون إقصاء أو تهميش احد من دعاة الحداثة والإبداع والحوار الحميم الذي يقيمه الإنسان المثقف مع ذاته في أعماله الإبداعية .
6- علينا مضاعفة الجهود لنشر ثقافة السلم الاجتماعي ومبادئه وإدانة ومكافحة كل نمط من أنماط الإرهاب والعنف ضد المواطنين الذي يعتبر اختلالا في الوظيفة العقلية الإنسانية المتحضرة واعتباره سلوكا مشدودا إلى مرض من أمراض الحيوانية .
إن قدرة الجماعات الإرهابية على تجهيز المزيد من الانتحاريين يعني بالتأكيد إن هذه الجماعات تريد مواصلة نهج ثقافة الرعب العام عن طريق القتل اليومي للناس المدنيين عن طريق تحدي قيم الحياة بإحداث الصدمات النفسية والأخلاقية للشعب العراقي كله مما يتطلب من المثقفين العراقيين أن يعملوا جميعا في شبكات واسعة من النشاط المتساند داخل الوطن في المدن والأرياف من اجل أن يستعيد الشعب العراقي ثقته الضخمة بنفسه وبمستقبله ولا شك أن التوازن الناجح في العلاقة بين المثقفين وأبناء الشعب يؤدي إلى انسجام والى مصالحة والى استمرارية اجتماعية آمنة تتسم بالثقة لتخليص الوطن العراقي من الجريمة والحرب ومن ثالوث الاحتلال والطائفية والعنف .
في ختام كلامي أقول ينبغي أن لا يكون مؤتمرنا هذا مكانا آمنا لثلاثة أيام فقط من الحوار و التفاعل الثقافي وبعدها تتفتت قراراته أو توصياته أو نتائج أعماله على الورق حسب ، مما يضعف مصداقية شخصيته العملية أمام الجماعات والمنظمات الثقافية الديمقراطية العراقية داخل الوطن وخارجه .
كما ينبغي أن نضع في الحسبان بأن لا يكون المجلس العراقي للثقافة رقما يضاف إلى أرقام العديد من المنظمات المدمنة على العطالة بعد استكمال عناصر ولادتها .
علينا أن نعي دورنا وان نمتلكه خلال محاولتنا في هذا المؤتمر ومن خلال انبثاق المجلس العراقي للثقافة الديمقراطية والوطنية وترجمته عمليا إلى نمط كلي متساند في الداخل والخارج يجعل المثقفين العراقيين قادرين على التفاعل مع ظروف تلبية الحاجة الثقافية بوصفها اعتمادا متبادلا مع بيئة الإنسان العراقي الذي يصبو إلى الخلاص من العنف واستعادة عافية مجتمعنا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصرة لاهاي في 8 – 5 - 2007




#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحية إلى شاكر النابلسي من دون عتاب ..‍‍ !!
- 1314الديمقراطية العراقية هي نظرية الأقلية في سرقة الأكثرية . ...
- (17) رسائل حب خليجية
- 1313مسامير جاسم المطير
- 1312إلى الشاعرة وئام ملا سلمان .. رسالة رقم (7) ..مسامير
- 1311مسامير جاسم المطير
- 1310مسامير جاسم المطير
- في الذكرى الثالثة و السبعين ... فهد وتنويعات الحزب الشيوعي ف ...
- 1309رسالة إلى الشاعرة وئام ملا سلمان .. رقم (5) ..!مسامير
- 1308مسامير جاسم المطير
- 1306جاسم المطير
- (7) رسائل حب خليجية
- 1303مسامير جاسم المطير
- ( 8) رسائل حب خليجية
- 1305 رسالة إلى الشاعرة وئام ملا سلمان .. جواب رقم (3) ..!!مس ...
- مسامير جاسم المطير 1304
- ( 5) رسائل حب خليجية
- (6) رسائل حب خليجية
- (4) رسائل حب خليجية
- ( 2 ) رواية-رسائل حب خليجية


المزيد.....




- منهم آل الشيخ والفوزان.. بيان موقّع حول حكم أداء الحج لمن لم ...
- عربيا.. من أي الدول تقدّم أكثر طالبي الهجرة إلى أمريكا بـ202 ...
- كيف قلبت الحراكات الطلابية موازين سياسات الدول عبر التاريخ؟ ...
- رفح ... لماذا ينزعج الجميع من تقارير اجتياح المدينة الحدودية ...
- تضرر ناقلة نفط إثر هجوم شنّه الحوثيون عليها في البحر الأحمر ...
- -حزب الله- اللبناني يعلن مقتل أحد عناصره
- معمر أمريكي يبوح بأسرار العمر الطويل
- مقتل مدني بقصف إسرائيلي على بلدة جنوبي لبنان (فيديو+صور)
- صحيفة ألمانية تكشف سبب فشل مفاوضات السلام بين روسيا وأوكراني ...
- ما عجز عنه البشر فعله الذكاء الاصطناعي.. العثور على قبر أفلا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جاسم المطير - ثقافة الديمقراطية .. ثقافة الطائفية .. ومحاولة استعادة العافية للوطن