أهل الأقلام وأهل الأموال

صلاح الدين محسن
كاتب مصري - كندي
(Salah El Din Mohssein‏)

الحوار المتمدن-العدد: 1877 - 2007 / 4 / 6 - 11:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

أوناسيس الملياردير اليوناني الذي رحل منذ سنوات قليلة لن تخلده ملياراته مثل هوميروس الشاعر اليوناني الذي خلدته أشعاره - رحل قبل أكثر من ألفي عام - ، ولا يزال اسمه وشعره حيا خالدا .. أو ارسطو أو افلاطون أو سقراط .. الذين رحلوا قبل الميلاد بمئات السنين ! بقيت وستبقس اسماؤهم وسيذهب اسم ومال أوناسيس .ويروحان في طي النسيان ..
ولو لاحظ معارف أوناسيس أنه يحتفظ عنده بشعر هوميروس في مكان لائق ومحترم فان ذلك سوف يزيد من احترامهم له .. وربما احترمه البعض لهذا السبب وحده ..
وهناك مشاهير حققوا نجومية منقطعة النظير في مجال غير مجال القلم الا أنهم كانوا يحرصوا علي اقتناء ابداع أهل القلم من أدب وشعر وفكر – ويضعوها في مكتبة أنيقة ، حتي وان لم تكن القراءة من هواياتهم !- .. ليزدادوا شرفا واحتراما في أعين الناس لمجرد اقتناء ابداع أهل القلم - ومن هؤلاء : عبد الحليم حافظ ...
وهناك باشوات وبكوات ووزراء كانوا شعراء أو أدباء فذابت رتبهم التي كانت تقوم علي مال يملكونه وراح كل بريق الرتب وبريق مالهم أمام كونهم من أهل الأقلام .. لا من أهل الأموال ..
فيكفي أن تقول الشاعر عزيز أباظة .. دون لقب باشا .. فالشاعر أرفع من الباشا ، ويكفي أن تقول شعر أو ديوان البارودي ، بدون لقب باشا ..! – وهو : محمود سامي البارودي باشا ، الذي كان وزيرا للحربية – أو ناظرا للحربية ، بتعبير عصره -.. وما وراء لقب الباشا من مال .. ولكن يبهت اللقب والمال ويصغران بجانب لقب صاحب القلم " الشاعر .." .
وهناك أمراء يرصدون الجوائز الثمينة للمبدعين من أهل القلم – أدباء ومفكرين وشعراء – ليغنموا مجدا أرفع من مجد كونهم أمراء .. وهم عندما يسلمون جوائزهم لأهل القلم كل عام يجب أن يحترموا ويوقروا أهل القلم ويتعاملوا معهم بلياقة فلا يقولوا لهم نحن الذين نظمنا لأجلكم الجوائز !!!! – فهذا عيب ..-
ولا يقولوا للمبدعين نحن الذين نتكلف أعباء كبيرة للجوائز !!!! – فهذا عيب ..
هذا اسمه " من وأذي " يبخس قيمة الجوائز ويبخس قيمة من رصدوها – ... ...
ويجب ألا يبدون أنفسهم أولياء نعمة وفضل علي أهل القلم ، بل يشعروا أهل القلم المبدعين بأنهم هم أصحاب الفضل والنعمة لأنهم هم المبدعون وهم الذين شرفوا الممولين للجوائز ، أو المهرجانات الثقافية ، أو المؤتمرات السياسية أو غيرها من الانشطة - ، و أكرموهم بقبول جوائزهم أو دعواتهم ، وهم الذين يبهجوا الحياة بابداعهم ..
وتبقي جوائز أصحاب الأموال أو دعواتهم لمهرجانات يعقدونها محترمة ويبقوا محترمين في أعين الكل بقدر ما يحترمون أهل الابداع بالقلم ..، وبقدر ما يحافظو ا علي مشاعرهم ،و بقدر تجنبهم للميل الي ممارسة طغيان رأس المال بالاساءة للناس أو اذلال المبدعين ، بأموالهم الزائلة هي وأصحابها .

لو قيل – في أوائل التسعينيات حسبما أتذكر- أن ملكة مصر السابقة فريدة – والتي رحلت مؤخرا ، فلها الرحمة – موجودة بفنق " المريلاند " لمن يريد رؤيتها من الجمهور .. لما ذهبت لهذا الغرض ، ولكنني ذهبت عندما قيل أنها تعرض لوحاتها الفنية – كفنانة – فذهبت لأشاهد فنا ، - وشاهدتها بجملة المشوار - .. لأن الفن أقيم من الملك و الملوك والسلاطين .
ولكن وقتها ، ربما ظنت جلالة الملكة السابقة أنني وغيري من محبي الفنون انما ذهبنا لمشاهدة طلعة جلالتها ..(!) كلا .. بل ذهبنا لمشاهدة طلعة : جلالة الفن .. لا جلالة ملكة سابقة أو ملكة حالية ..

يوجد مفكرون مشهورون يرأسون مؤسسات مالية ضخمة وشهيرة ، ولكن شهرتهم الأبقي والأرقي و التي يعتزون بها والتي يعزهم الناس لأجلها : كونهم أصحاب أقلام .. لا مدراء ثروات ضخمة من الأموال والاعمال ..
وتوجد أميرة كويتية .. يكفي أن يقال سعاد الصباح .. حيث لا يلزم لقب الأميرة ، ليعرف الجميع أنها الشاعرة الأميرة سعاد الصباح . ولو كانت أميرة فقط لربما لم نحفظ اسمها فهناك أميرات كويتيات أخريات لا نحفظ أسماءهن ولا يعنينا ذلك بشيء .. .
وسعاد الصباح ترصد منذ سنوات جائزة للمبدعين من أهل القلم مما يزيدها شرفا اضافة لكونها من أهل القلم " شاعرة " .
وقد سمعت سعاد الصباح ذات مرة في حديث اذاعي مع اذاعة لندن يسألونها عما يتردد كثيرا من أن شعرها يشبه تماما شعر نزار قباني .. ( بما يعني أنها – علي الاقل - واقعة تحت تأثير مدرسة نزار قباني الشعرية .. – فكان ردها وقبل أن تحكي كيف أنها تربت في بيت شعر حيث كان والدها شاعرا .. أن قالت في البداية " يشرفني أن يكون شعري يشبه شعر نزار قباني " ...!
بينما هي الأميرة ذات الجاه والمال والسلطان . وكان قولها هذا مدعاة لأن تزداد في عيني جاها من النوع الأبقي من جاه المال والسلطان . فسلطان وجاه كل امارات وسلطنات ومملكات الخليج والسعودية قد لا يعيش 200 عام وربما 20 عاما أخري .. أما شعر واسم " نزار قباني " فمن الممكن أن يبقي 2000 عام قادم ..!

وقديما قال الشاعر : بالعلم والمال .. يبني الناس ملكهم
أي قدم العلم علي المال ..
فالمال ينفق أو يسرق أو ينفذ أو يبدد .. أما العلم والفن والابداع فهو وأهله الأعلي والأبقي من المال ومن أصحاب المال .. .. ..

#صلاح_الدين_محسن (هاشتاغ)       Salah_El_Din_Mohssein‏#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل