آذار يركض في اللاذقية_ثرثرة

حسين عجيب

الحوار المتمدن-العدد: 1868 - 2007 / 3 / 28 - 11:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

في آذار يتفتّح الجسد وتتّسع البيوت,أيضا يتساقط زهر اللوز,ويتلاشى في لعبة الزمن.
علاقتي مع الجسد مضطربة دوما.أحبه وأهيم به في حالات نادرة,الجسد الأنثوي بالطبع, وكل علاقاتي معه نشأت في آذار أو أيلول حصرا,أتماهى به في اللذة والجحيم, وابتعد إلى حالة اللاوزن...تلك النشوة التي ألاحقها مع الكحول والأحلام بلا نهاية. معظم الأحيان أكره جسدي وسواه, دودة الموت تبدأ من الرحم, أراها تجول بين خلايا البشرة والشعر والعظام, تتقدم وتكبر وفي لحظة, تحوّل هذا الكيان بطلعته وهيئته, إلى مزق كريهة وترهق الخيال.
آذار جسد الطفولة وأيلول ذروة النزاع, بين شهوة حارقة تدرك مأزقها وعدم مخيّم شامل.
في الشهرين يتساوى الليل والنهار وتتعادل قوى الموت مع شغف اللقاء.
اليوم انتبهت أن آذار يكاد ينتهي...يومان أو ثلاثة ويحلّ أقسى الشهور,تنتفض الأجساد دفعة واحدة,الأجساد الصبية الفتية حاملة الوعد,تصدم الحواس في كل شارع وكل منعطف, على الشرفات وفي الأماكن العامة, تتقدم النهود العامرة, وتحمّل يا حسين يا ابن عليا!
مأزقي الآن, أعبر طور الكهولة واعيا ومدركا حجم الخسارة,لا أقوى على قبول قسوة الزمن, ولا أستطيع حيالها شيئا, سوى بناء عوالم لا تشيخ ولا تموت, في الوهم والخيال...أجل.

الآن أرفع ستائر غرفتي, وأفتحها للضوء والشمس, عسى حبّا يمر ويأخذني معه.
*

اليوم تسكّعت طويلا في شوارع اللاذقية,نصف حالم ونصف نائم,وصلت إلى مقهى الحكيم, كانت الشلّة النهارية في انتظاري, أل مسيو بابلو والأستاذ علي ومسيو بركات( الذي لا يرى في الحوار سوى ضعف وضعة لا تتفقان مع جموحه نحو القوة والجبروت, وتحيا سورية), وأسامة الحالم الأبدي بكتابة سيناريو مسلسل, يشتريه التلفزيون السوري, والدكتور الذي نست اسمه. سأكون من يفشل مشروع السكرة النهارية, و ليس السبب أنني لم أصحو من سكرة الأمس, بل لعدم توفر النقود, هذه شلّة تعتير, متقاعدون عن العمل والحياة فعلا لا قولا.
نادرا ما كان لي أصدقاء من جيلي, إما أكبر أو أصغر, أظنها إشارة إلى هوس السيطرة واحتكار الاهتمام, وتستحق اعترافا أوسع.
في الطريق إلى دوار الزراعة, التقيت بثورة النهود العارمة. صحيح لا أعرف صبايا وجميلات البلاد الأخرى, لكن استحالة أن يوجد أجمل من النهود والصدور في اللاذقية.
في الخمسين أو الستين ساعة المتبقية لآذار, لا مندوحة عن العرق والكثير من العرق يا أبا سعيد, ماذا أفعل يا أخي؟ الشبوبية متوافرة والرغبة جامحة, ولا جميلة تشاركني الكأس في هذه المدينة اللعينة!

أفكّر بالعزلة التي نفرضها حول أنفسنا وعلى الآخرين, الذين ربما يرغبون بالشراكة والمشاركة, بلحظة أنس, إشارة اهتمام, أعرف أن عددهم مئات الألوف في اللاذقية وحدها.
*
دورات الفصول أكثر ما يمتعني, ويثير كآبتي في العمق.
الربيع للاحتفال والعشق, مهد البدايات,فيه تستيقظ الأعضاء الحميمة,وتقود الكيان إلى ملاقاة الآخر...الشبيه أو الخصم أو الشريك_لا فرق, الربيع يكسر العزلات بمهارة وفن.
في الصيف يحلّ الكسل, نعاس دائم ورغبة في الانزواء, إلا مع البحر, حتى الكأس بلا طعم.
الخريف باب البداية الآخر, بعد قليل تصل العاصفة, انظر ما أنت فاعل, النبيذ والسهرات الناعمة, مع رجال أو نساء مع مثقفين أو متشردين لا يهم, خذ نصيبك من مئونة الحياة.
الشتاء فاصلة قصيرة بين لحظتين:
أنت التقيت بما يموت
وأنا التقيت بما يولد.
هل الزمن دائري بالفعل؟ من بمقدوره التسامح!
آذار شهر الصراع والفتوحات ومعرفة النفس أكثر, يا له من شهر فظيع. مجزرة الأزهار كيفما اتجهت وأينما حللت, هجوم الحيوان على الطبيعة وتحت إمرة الجنس الأغبى, وما لم تتكفّل بهلاكه الشمس الحارقة, سنأتي عليه نحن وأشقائنا في الرعي والافتراس.
كثيرا ما رأيت في الجسد البشري آلة هلاك لما عداها. تحوّل هذا الوجود إلى براز وبول.
نحن بحاجة في كل لحظة إلى خدع جديدة للسيطرة على هذا الوحش, آلهة, أعراف, قوانين, نصوص وكلمات وأصوات, كلها لتهدئة الوحش الداخلي, ولو مؤقتا.

#حسين_عجيب (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل