أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سوزان خواتمي - (وعي الحكاية: قراءة في مجموعة (وأدرك شهرزاد الملل















المزيد.....

(وعي الحكاية: قراءة في مجموعة (وأدرك شهرزاد الملل


سوزان خواتمي

الحوار المتمدن-العدد: 1847 - 2007 / 3 / 7 - 12:52
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


لا يمكن للفن أن ينفصل مهما ادعينا عن نسق الحياة، بكل تفاصيلها ونمنماتها، حيث يكمن الاختلاف في الوسيلة التي يرتئيها المبدع والتي تعكس وجهة نظره ورؤيته للواقع.
يقول لوكاتش " إن المقولة الرئيسية والمعيار للأدب الواقعي هو النمط ذلك المركب الغريب الذي يربط بين الخاص والعام بطريقة عضوية في الشخصيات والمواقف "
أما درجة الوعي والشكل الذين يحتويان الفكرة فهما نقطتا الاختلاف بين كاتب وآخر.

تقدم لنا القاصة نسرين طرابلسي مجموعتها التي تحمل عنوان " وأدرك شهرزاد الملل "
وهي تجربتها الثانية في عالم القصة القصيرة بعد " في انتظار اسطورة "
من خلال 23 قصة يتخللها 12 نصاً بصياغة بوحّية أُدرجتها تحت عنوان " مونولوج "
يمكنني التطرق لهذه المجموعة من عدة نواحي :
الشخصيات – المواضيع – الأسلوب
الشخصيات :
تختار نسرين شخوص قصصها غالباً من شرائح اجتماعية متوسطة وعادية ونسائية غالباً كما في حارتنا ضيقة - أوبرا القطط - قطة شيرازية - الحليب المر - ..
هي خليط مابين الحلم والواقع .. المستحيل والممكن .. الشر والخير دون أن يطغى عنصر على آخر.
ترصد الكاتبة حركتهم ضمن ظروفهم النفسية والاجتماعية..وتترك لنا مهمة البحث عن الدوافع السيكولوجية لتصرفات تلك الشخصيات..
فنجد مثلاً الشخصية المهمشة التي تعاني البؤس والوحدة كما في حال بطل قصة/غرغرينا/ الذي نعرف كل شيء عن مرضه ووحدته وتفاصيل يومه كشخص منبوذ يدمن مشاهدة أفلام بروسلي كأنه يستعيض بها وبقطة تزوره عن انهياره الجسدي وضعفه.
وتتركز الحبكة على تصوير الصراع الذي تعانيه هذه الشخوص في نضالها مع الحياة كمعنى.
وهكذا تنقسم المجموعة لنوعين من القصص القصة الفكرة والقصة الشخصية..
والكاتبة هنا لا تهمل الرابط النفسي الذي يجمع ويفسر متناقضات الذات البشرية المعقدة والتي يصعب أحياناً فهم دوافعها بسهولة بالرغم من محاولة الكاتبة على توضيح البنية الدرامية للشخصية في بنائيها الوصفي الخارجي والنفسي الداخلي ..
والنماذج متنوعة فهناك الشخصية المقعدة والمعوقة والمريضة والمتوحدة ، وأيضاً العانس والغيور والانتهازية والطموحة، والمصابة بالصدفية، و مع توتر المعاناة يتصاعد الحدث دون أي تدخل مباشر من الكاتبة لفرض قانون أخلاقي ما رفضاً أو قبولاً.. ولو أن انفعالات الرواي انعكست دون ادعاء في المفردات المستخدمة.
المواضيع :
أغلب القصص استمدت مواضيعها من أرض الواقع فيما عدا – وأدرك شهرزاد الملل – التي حوت شيئاً من الفانتازيا فقد انفصل الصوت السارد / الكاتب عن صوت الشخصية/ شهرزاد التي خرجت من غلاف الكتاب لتقص حكايتها معلنة علاقتها بمسرور السياف بعد أن تساوت أسباب وجودهما معاً في قصر شهريار الذي دأب على النوم بعد انتهاء الحكاية..
بطبيعة الحال لا يمكننا فصل المادة الإبداعية عن كاتبها لأنها تعبر بطريقة ما عن وجهة نظره وتأملاته للحياة، ومن هذا المنطلق نستطيع حصر بعض المناحي التي تلح على الكاتبة فتعبر عنها منها على سبيل المثال لا الحصر:
- البيئة الدمشقية:مكاناً وعادات متبعة وإرثاً اجتماعياً ولهجة لتثبت ولع الكاتبة وارتباطها بالمدينة
الذي انعكس في النسيج الحكائي لأكثر من قصة والتي اعتمدت اللهجة الشامية المخففة والمحببة إضافة إلى الأمثال الشعبية وأسماء شوارع وأوصاف تتطابق مع حال تلك المدينة ورابط الحنين بين ثنائية الوطن والغربة.
- نموذج الأم : الذي يحضر في أكثر من قصة كشخصية صلبة وذات سطوة تعرف ما تريده وتحققه، وهي شخصية بعيدة عن النموذج الكلاسيكي الذي اعتدناه من حيث اللين والضعف والمسايرة ربما لأن مفردات الحياة تغيرت بذاتها، فقد أصبحت الأم نموذجاً ايجابياً يصنع توزناً لهذا العالم .
ففي قصة /الحليب المر/ كمثال تأخذ الأم الموظفة إذن ساعة كي ترضع ابنتها ورغم أن تلك الساعة من حقها إلا أن مديرها لايبدي تفهماً وتعاطفاً مع حالها، ولا تنتهي القصة عند إلقام ثديها للطفلة الجائعة وتفريغ قسط الحنان وما يعقبه من راحة ونسيان لكل معاناتها، بل يتجاوزها إلى توصيف مرير ولاذع لحرقة تلك الأم كامرأة لا تجد وقتاً لنفسها.

- وبشكل مختلف تطرقت (طرابلسي) للمواضيع الجريئة أو تلك التي يتجنب بعضنا مناقشتها بشكل مباشر وقد استخدمت نسرين لغة التلميح بدل التصريح متجنبة التعبير الفج والمباشر معتمدة على حنكة القارئ ووعيه..
ففي قصة " قطة شيرازية " والتي تصف مرحلة البلوغ عند الفتيات من خلال تداعيات سردية لمفيدة خانم السيدة التي تحن إلى زمن الارستقراطية الباذخ والذي لم يبق منه سوى أشغال الكانفا تتوارث بروتوكولياً ومعنوياً إلى الأبد.. ومابين نضوج ثمرة الفريز وتأويلها إلى نضوج تلك الطفلة وارتباكات تلك الفترة تتحدث و تعود بنا إلى طفولتها حين كانت فتاة بعمر الزهور تحمل اسم الدلع " فيدو"
أما قصة " طالما أحدٌ لن يموت " فهي تنقلنا إلى عوالم المعرفة الحسية المرتبطة بألعاب الطفولة حيث يمل الولد الذي يبدو أكبر مما هو من لعبتي الغميضة وشد الحبل ويهدد الطفلة التي تقترح عليه أن يلعبا عسكر وحرامية ليصر هو على لعبة عروس وعريس، يتدخل صوت الراوي العالم بكل شيء ليوضح بأن اللعبتين متشابهتان تماماً .
" اغرسني في الأرض أفرغ صاعقتي " تقوم بنية هذه القصة حول إدراك البطلة لحالة الصرع التي تجتاحها وأن عليها أن لا تخبر أحداً بمرضها مما يؤدي بها إلى مرض آخر هو الانفصام، فتراجع طبيباً نفسياً تتمدد أمامه لتحدثه عن حياتها وعن مشاكلهم العائلية والكتمان الدائم المطلوب منها كي " لا تفوح الفضائح أمام الجيران " سوى أن الطبيب ذاك لم يكن على مستوى قدسية مهنته فيتحرش بها وحين ترفض يصرخ بها :" لن يصدقك أحد "
وتتعرض تلك المسكينة لصدمة أكبر حين يفضح الطبيب من خلال برنامج تلفزيوني حالتها ليزداد بركان الأسرار، حتى يتفتق الحب عن لحظات البوح الصادق والمكاشفة المريحة لتتلقى بطلة القصة الضربة القاضية حين يقول لها من توسمت به التفهم : لا أعتقد أنه يمكنني أن أتزوجك فالصرع مرض يمكن أن يورث .. وهكذا تتداعى كل مقاومتها للمرض فتعض لسانها حتى تقطعه، أما الأخرى التي هي ذاتها في حالة الانفصام فتنهار منهكة القوى.
قصة أخرى بعنوان " سأصمت الى القبر " تأتي عبر ذاكرة الاسترجاع لطفلة يسوقها فضولها إلى أن تكتشف علاقة أخيها بابن الجيران وترتبك بهذا السر الذي يجعلها تخاف من أحلامها لتبتلع بالكتمان كل ما تعرفه ليذهب معها إلى القبر.
الأسلوب :

أهم ما يمكن استخلاصه في وصف أسلوب المجموعة هو التلقائية والمدى الحر الذي تمنحه الكاتبة لشخوصها في التعبير عن أنفسهم ورسم بياناتهم المجهولة بالنسبة للقارئ
وقد ظهر هذا واضحاً في انسيابية الجملة رغم طولها النسبي في بعض الأحيان، ليكون هدف القص الوصول إلى الوجدان ومحاكاة النفس والروح..
ونسرين تعتني بالوصف والتفاصيل الحميمة.. لذلك فقد اعتمدت التلوين السردي، من خلال ذاكرة الاسترجاع و تقنية الحلم وأيضاً تمثل الشخصية واستعمال ضمير المتكلم.
اللغة أداة للتعبير عن الذات وأداة توصيل للآخر الذي نكتبه..
ومن الملاحظ أن التجسيد الفني عندها لا يختص بالتفاصيل الجمالية بل يتعداه إلى إعادة تجسيد العالم الخارجي ولو من خلال الصور المؤلمة والبشعة، هذا ما ظهر بوضوح في الوصف المقزز لحالة مريض الغرغرينا في إحدى القصص مثلاً.
وقد استخدمت الكاتبة لغة شفافة داخل نسيج لغوي احتوى الرمز والمقولة والحوار.

في الخلاصة عزفت نسرين مجموعتها بتنوع وبراعة وحذق، لننتهي بأن شهرزاد الحكاية لم تصبنا بالملل، وبالتالي بالعقم القرائي، بل هي وضعتنا عند مفاصل أساسية تضيء بعض مواقفها تجاه هذه الحياة ودرجة وعيها، ذاك الذي أشرت إليه في مقدمة هذه القراءة..



#سوزان_خواتمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أتهجى الحب ولا أبكي
- حادثة قيدت ضد مجهول
- طرق الدهشة
- بنات الرياض : لعبة الضجيج وغياب الرواية
- من ذاتية الألم إلى إبداع النص
- تنويعات القص الرشيق عند دلع المفتي
- الملفوف الساخن
- الحب لايفرح
- السين اسمي
- البحرين كلاكيت أول مرة
- افكر بكتابة زاوية وليس لدي فكرة محددة
- كسارة البندق
- لماذا تبكي النساء
- عصفور الغفلة
- قبلة أنيقة لموتٍ محتمل
- تعال كثيراً مادمت أورطك بجنوني
- كتابة بالأحمر الرديء
- عشر خيبات لمولود
- طين يبتكر ضلوعه
- كفن من ضجر


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سوزان خواتمي - (وعي الحكاية: قراءة في مجموعة (وأدرك شهرزاد الملل