أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - أحمد رشيد مسَلّم - آيفون 17 في خيمة غارقة: هندسة -الرفاهية المسمومة- في غزة














المزيد.....

آيفون 17 في خيمة غارقة: هندسة -الرفاهية المسمومة- في غزة


أحمد رشيد مسَلّم

الحوار المتمدن-العدد: 8573 - 2025 / 12 / 31 - 16:41
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


بقلم: أحمد رشيد مسَلّم
في خيمة غارقة بالوحل، يرتجف طفل فلسطيني يحاول عبثاً تدفئة أطرافه المتجمدة، بينما تمر في الخلفية نشرة أخبار تتحدث عن وصول شحنة "إلكترونيات حديثة" إلى القطاع؛ هذا المشهد ليس مجرد صدفة عابرة، بل هو تجسيدٌ حيٌّ لتناقضٍ مفتعل يختصر جوهر خديعة كبرى، فالمطر في غزة لم يعد ظاهرة طبيعية، بل تحول إلى كاشفٍ صادم لعجز تواطؤ النظام الدولي، وأداة قتل صامتة تُوظف ضمن حرب شاملة لا تبقي ولا تذر. إن هذا التناقض يقودنا مباشرة إلى ما يمكن تسميته "هندسة الحرمان"، حيث يقف المنع الممنهج لمعدات الإنقاذ والبناء كأحد أخطر أسلحة هذه الحرب؛ فبينما تُحظر البلدوزرات والرافعات لإبقاء الجثامين تحت الأنقاض، وتُمنع الكرفانات والخيام المعزولة لإبقاء الناجين في مواجهة مباشرة مع الموت برداً، يُسمح في المقابل بتدفق السلع الاستهلاكية والهواتف الذكية في سياسة مدروسة بعناية فائقة.
إن السماح المتعمد بهذه السلع له وجهان خبيثان؛ محلياً، يهدف إلى تغذية الفوارق الطبقية وزرع بذور الاحتقان الداخلي في مجتمع ممزق يعاني ويلات الإبادة، وعالمياً، يصنع مادة دسمة لآلة التضليل الإعلامي الصهيوني ولوبيات التأييد، لتقديم صورة مغلوطة تتساءل بخبث: "كيف يعانون وهم يقتنون أحدث الهواتف؟!". إنه استبدالٌ متعمد للحقائق المأساوية بجدال سطحي، وإخفاءٌ لجريمة التجويع والقتل بالبرد خلف وهم الرفاه الزائف. ويتجلى هذا التواطؤ في أقسى صوره عبر خنق المسار الإنساني الأردني ورفض السماح بدخول قوافل المساعدات التي تُعد شريان حياة للغزيين في ذروة الشتاء، فهذا الإغلاق المتعمد للمعابر ليس "أثراً جانبياً" للحرب، بل هو سياسة ممنهجة للضغط والتجويع، أو "مفاوضات بالوكالة" تهدف لدفع المواطن الفلسطيني إلى حافة الهاوية، حيث يصبح التهجير أو الاستسلام في نظره الطريق الوحيد نحو الدفء والرغيف.
إن الغاية النهائية من هذه الممارسات هي تحويل قطاع غزة إلى نموذج مأساوي لـ "سجن ذكي" غير قابل للحياة؛ مساحة جغرافية تملؤها الأنقاض والسلع الاستهلاكية، بينما تفتقر تماماً لأدنى مقومات البناء والعيش الكريم، فلا إعمار حقيقي، ولا مستشفيات مجهزة، ولا سكن لائق،هذه السياسة تسعى لتحويل محتمع كامل من مجتمع يطالب بحقوقه السياسية والوطنية، إلى مجتمع يصرخ من أجل "خيمة" أو "علبة حليب"، وهو جوهر سياسة المحو التي تستبدل القضية بالحاجة، والكرامة بالبقاء المجرد. وتاريخياً، نجد أن هذا السلوك هو تطور لـ "سياسة السعرات الحرارية" التي طبقها الاحتلال سابقاً، لكنها اليوم أكثر دهاءً وقسوة؛ فبينما تتدفق الشاحنات المحملة بالإلكترونيات لتجميل المشهد، تُحجب الأدوية والخيام ووقود التدفئة، في وقت تشير فيه التقارير الطبية إلى ارتقاء عشرات الأطفال نتيجة البرودة الشديدة، وهي أرقام تفضح أن الأولوية لدى المحتل هي صناعة "الصورة" لا حماية "الحياة".
وفي نهاية المطاف، يتحول بقاء الفلسطيني في خيمته المبللة، ورفضه التخلي عن أرضه رغم كل محاولات التهجير بالتجويع والتجميد، إلى فعل مقاومة سياسي عظيم يمثل الفشل الذريع لمشروع الاحتلال وشركائه. لذا، فإن كشف هذه الخديعة الكبرى —خديعة مقايضة السلع الاستهلاكية بالثوابت الوطنية— هو جزء جوهري من المعركة. إن مواجهة الرواية المضللة وإظهار الحقيقة القائلة بأن شعب غزة يموت برداً وجوعاً بسبب "هندسة إجرامية" محسوبة، هو واجب إنساني ووطني؛ فالصمود هنا ليس مجرد انتظار، بل هو رفضٌ قاطع لأن تُقايَض إنسانية الإنسان وحقه الأصيل في الوجود، بأحدث إصدارات الهواتف الذكية.



#أحمد_رشيد_مسَلّم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيادة بلا أنياب: حين يتحول الأسير إلى -حالة اجتماعية- والأرض ...
- التجفيف: هندسة النزوح لإفراغ الأرض في الضفة الغربية
- فخ القطيع والأرض المغلقة-: من سرقة الأرض إلى هندسة المجاعة.. ...
- الاستيطان الرعوي في الضفة الغربية: الوجه الأخطر للاحتلال وسي ...


المزيد.....




- بيان المكتب الوطني للقطاع النسائي بحزب النهج الديمقراطي العم ...
- في ذكرى إنطلاقة الثورة المعاصرة: نحو مواصلة النضال من أجل ال ...
- أم كلثوم؛ مسكن الأوجاع لا يشفي من مرض !
- دونالد ترامب ليس بابا نويل!
- إيران: احتجاجات ضد غلاء المعيشة وإسرائيل تؤكد دعمها المتظاهر ...
- الاستثناء الفلسطيني.. كيف يلتقي الاستبداد العربي مع الليبرال ...
- ??ژنام?ي ??وت ژمار? 39
- في الذكرى السبعين للاستقلال والذكرى السابعة لثورة ديسمبر الم ...
- الصحفيون يواجهون البرد والمرض بدل الأجور: «كرامتنا ليست محل ...
- ه??بژاردني پ?رل?ماني ع?راق، ه??و?ستي چين? ک?م??اي?تيي?کان و ...


المزيد.....

- ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا ... / بن حلمي حاليم
- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - أحمد رشيد مسَلّم - آيفون 17 في خيمة غارقة: هندسة -الرفاهية المسمومة- في غزة