أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - أحمد رشيد مسَلّم - سيادة بلا أنياب: حين يتحول الأسير إلى -حالة اجتماعية- والأرض إلى -لقية أثرية-














المزيد.....

سيادة بلا أنياب: حين يتحول الأسير إلى -حالة اجتماعية- والأرض إلى -لقية أثرية-


أحمد رشيد مسَلّم

الحوار المتمدن-العدد: 8566 - 2025 / 12 / 24 - 15:08
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


تُختزل معاناة شعب بكاملِه أحياناً في مشهدين متلازمين: جرّافة تحتجز حجارة رومانية في سبسطية لتُزيحها نحو متاحف تُعيد كتابة التاريخ، ومقصلة بيروقراطية تحتجز حق أسير مُحرَّر لتُحوّله إلى "قسيمة إعانة" تُعيد تعريف الكرامة.

يبدو المشهدان منفصلَين؛ أحدهما في حقل الآثار والآخر في دهاليز المؤسسات المصرفية، لكن الخيط الخفي الذي يربطهما هو ذاته: آلة استعمارية تعمل على "نزع شرعية" مزدوجة الوجه: شرعية الأرض وشرعية الإنسان. إنها عملية منهجية لا تكتفي بجغرافيا المكان، بل تمتد إلى هندسة السردية الفلسطينية برمتها.

---

في نهاية عام 2025، لم يعد تغيير المسميات مجرد لعبة إدارية، بل تحول إلى أداة للتدجين السياسي. عندما تتحول مؤسسة "تمكين" - تحت ضغط إملاءات دولية واشتراطات مالية مشروطة - من جهة كانت تحمل دلالة التكريم الوطني للأسرى إلى قناة لـ"المعونة المشروطة"، فإننا لا نواجه مجرد إعادة هيكلة مالية، بل نواجه "إفراغاً وجودياً".

لقد أخضع النظام الجديد أكثر من 7000 عائلة أسير ومحرر لمعايير "المسح الاجتماعي" و"كشوف الاحتياج"، محولاً المخصص النضالي إلى "منحة إنسانية". الأسير الفلسطيني، في المخيال الوطني، ليس مجرد فرد غائب، بل هو رمز للتضحية وجزء أصيل من السيادة. تحويل استحقاقه إلى "مساعدة" هو محاولة لنزع الصفة الكفاحية عنه، وتحويل قضية سياسية عادلة إلى "مشكلة اجتماعية" تحتاج إلى "إدارة" بدلاً من "حل".

إنها محاولة لإجبار المناضل على مقايضة هويته بلقمة عيش توصف كإغاثة، وهو ما يماهى تماماً مع الرؤية التي تريد تحويل الشعب الفلسطيني من صاحب حق إلى "متلقٍ للمساعدات" يمكن التحكم في سلوكه عبر خوارزميات المنع والمنح.

---

وكما تُسرق رواية الإنسان، تُسرق رواية الأرض عبر تحريدها من طبقات هويتها التاريخية. الإعلان الأخير عن مصادرة 63 موقعاً أثرياً في الضفة الغربية، وعلى رأسها سبسطية وبيتير، ليس مجرد نزاع على ملكية أراضٍ، بل هو ممارسة ل استعمار الذاكرة بامتياز، مدعومة بميزانيات استيطانية ضخمة تجاوزت 150 مليون شيكل خلال العام الحالي.

الاحتلال لا ينقب عن الحجر ليفهم التاريخ، بل ليزرع "تاريخاً بديلاً" يخدم مشروعه التوسعي. عندما يُرفع الحجر الكنعاني أو الروماني من مكانه، تُنتزع معه شهادة الميلاد الحقيقية للأرض. هذه العملية توازي تماماً منطق "تمكين"؛ فالأرض بلا تاريخها الموثق تُصبح "مشاعاً" للاستيطان، والشعب بلا كرامة أسراه المادية والمعنوية يُصبح "كياناً عائماً" بلا جذور نضالية.

السرقتان مكملتان: سرقة الحجر لصنع رواية استعمارية، وسرقة صفة "المناضل" لصنع رواية عن "مجتمع معوز" يبحث عن البقاء لا عن التحرير.

---

إن المعركة اليوم ليست مجرد "أزمة رواتب" ننتظر حلها بضغطة زر مصرفي، ولا هي "سرقة حجارة" نوثقها في تقارير المنظمات الدولية. المعركة هي معركة سيادة على التعريف: من نحن؟ وماذا نملك؟

حماية رواتب الأسرى بصفتها النضالية ليست عملاً خيرياً، بل هي خط الدفاع الأول عن شرعية المقاومة الفلسطينية ككل. والتهاون في تعريف الأسير كمناضل هو ذاته الضوء الأخضر الذي يسمح للاحتلال بتعريف سبسطية كإرث توراتي. السيادة لا تتجزأ؛ تبدأ من صون كرامة الإنسان وتنتهي بقدسية الأثر.

في النهاية، الصمود في وجه سرقة الحجر هو ذاته الصمود في وجه "قوننة" تجويع الأسرى. كلاهما دفاع عن الكينونة الفلسطينية في مواجهة آلة الإنكار. ففي معركة البقاء هذه، يكون الدفاع عن الحجر والإنسان معاً هو التجسيد العملي للصمود، وصوناً للرواية التي تسبق وجود الاحتلال وستبقى بعده.



#أحمد_رشيد_مسَلّم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التجفيف: هندسة النزوح لإفراغ الأرض في الضفة الغربية
- فخ القطيع والأرض المغلقة-: من سرقة الأرض إلى هندسة المجاعة.. ...
- الاستيطان الرعوي في الضفة الغربية: الوجه الأخطر للاحتلال وسي ...


المزيد.....




- الجبهة الديمقراطية تندد بتصريحات وزير الحرب الإسرائيلي بشأن ...
- كفى عبثا .. يجب إنقاذ الاتحاد العام التونسي للشغل
- م.م.ن.ص// منجم عوام بمريرت.. نضال واعتصام تحت الأرض
- “النساجون الشرقيون” تفصل 70 عاملًا تعسفيًا بعد التجسس على حس ...
- شهداء لقمة العيش.. مقتل 12 عاملاً بينهم أطفال في حوادث سير
- A Christmas Story: The Courage Jesus Learned as a Refugee
- Who’s the Real Outlaw at Sea? Trump’s Tanker Grab Vs. the Ho ...
- What Christmas Once Meant—and What It Could Mean Again For a ...
- Life on Earth (Past, Present, and Future)
- Americans Aren’t Traumatized Enough by Gun Violence


المزيد.....

- ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا ... / بن حلمي حاليم
- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - أحمد رشيد مسَلّم - سيادة بلا أنياب: حين يتحول الأسير إلى -حالة اجتماعية- والأرض إلى -لقية أثرية-