أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صباح قدوري - إلى أين يتجه المسار السياسي للاتحاد الأوربي في النظام الدولي؟














المزيد.....

إلى أين يتجه المسار السياسي للاتحاد الأوربي في النظام الدولي؟


صباح قدوري

الحوار المتمدن-العدد: 8572 - 2025 / 12 / 30 - 18:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أولاً:
لم يعد من المبالغة القول إن الاتحاد الأوروبي يمرّ بمرحلة إعادة تموضع تاريخية تتسم بتراجع ملموس في استقلاليته السياسية، وتآكل قدرته على الفعل الدولي المستقبل. فبعد عقود من تقديم نفسه ك "قوة معيارية" تدافع عن السلم، حقوق الانسان والتعددية الدولية، بات حضوره في المحافل الدولية أكثر التصاقاٍ بالسياسات الأمريكية، وأقل قدرة على صياغة أجندة استراتيجية ذاتية في عالم يتجه بسرعة نحو التعددية القطبية.

سياسياً، شهدت السنوات الأخيرة صعوداً متسارعّا لتيارات اليمين واليمين المتطرف في عدد متزايد من دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما انعكس بوضوح في السياسات الداخلية والخارجية على حد سواء. داخلياً تصاعد الخطاب الأمني – الهويات على حساب الخطاب الاجتماعي وجر تشديد سياسات الهجرة واللجوء، بما في ذلك تقويض بعض المكتسبات القانونية والإنسانية التي شكّلت جزءاً من الهوية السياسية الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية. أما خارجيّا، فقد أدى هذا التحول الى تضييق هامش المناورة السياسية، وإضعاف قدرة الاتحاد على لعب دور الوسيط أو الفاعل المتوازن في النزعات الدولية.

يتجلى هذا القيد السياسي بوضوح في موقف الاتحاد الأوروبي من الحرب في أوكرانيا، حيث جرى تبنّي خيار الدعم العسكري والمالي غير المشروط تقريباً، مع غياب مبادرات أوروبية مستقلة وجدية للدفع نحو تسوية سياسية. وقد ساهم هذا النهج في إطالة أمد الحرب، وتحويل أوروبا الى ساحة ارتدادات اقتصادية وأمنية للصراع، بدل أن تكون قوة دافعة نحو إنهائه.

ثانياً:
اقتصادياً، يتزامن هذا التحول السياسي مع تراجع تدريجي لنموذج دولة الرفاه الأوروبية، نتيجة هيمنة "النيو ليبرالية" وسياسات التقشف وتسارع التحول نحو ما يمكن وصفه ب-” اقتصاد الحرب" فقد أدت زيادة الانفاق العسكري، وارتفاع أسعار الطاقة بعد فك الارتباط مع الغاز الروسي، والاعتماد المتزايد على الغاز الأمريكي الأعلى كلفة، إلى إضعاف القدرة التنافسية للصناعة الأوروبية، خصوصاً في القطاعات الثقيلة كثيفة الاستهلاك للطاقة .كم انعكس ذلك في ارتفاع معدلات التضخم، وتآكل القوة الشرائية، وتراجع جودة الخدمات العامة، ما زاد
من الضغوط الاجتماعية والطبقية داخل المجتمعات الأوروبية.

من خلال متابعتي في هذا السياق، تمثل الدانمارك نموذجاً دالاٍ على هذا التحول البنيوي. فعلى الرغم من احتفاظها بسمات دولة الرفاه الاسكندنافية، شهدت السنوات الأخيرة إعادة توجيه ملحوظة في أوليات الانفاق العام، مع زيادة كبيرة في الموازنات الدفاعية، إلى أكثر
من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025 – 2026، وهو مستوى غير مسبوق في أكثر من 50 سنة. 3%
زيادة الميزانية تشمل صندوق تسريع بقيمة 50 مليار كرونة دانماركية لشراء معدات عسكرية بسرعة وتقليل الفجوات في القدرات الدفاعية
الفعلية، وتشديد السياسات تجاه الهجرة وتوسيع الخطاب الأمني. هذا التحول يعكس توتراً متزايداً بين متطلبات السوق، الالتزامات الأطلسية، والحفاظ على النموذج الاجتماعي.

ثالثاً:
أما على الصعيد الدفاعي، فقد دخل الاتحاد الأوربي عملياً في سباق تسلح غير مسبوق منذ نهاية الحرب الباردة، سواء عبر الناتو أو من خلال تعزيز القدرات العسكرية الوطنية. وقد جرى تبير هذا المسار بذريعة "الدفاع عن النفس" وردع التهديدات الروسية، إلا أن نتائجه تتجاوز البعد الأمني لتطال البنية الاقتصادية والاجتماعية. إذ تؤدي عسكرة الاقتصاد الى تعزيز نفوذ المجمع الصناعي – العسكري، وتوجيه الموارد العامة نحو التسليح، على حساب الاستثمار في: الصحة، والتعليم، والبحث العلمي، والتكنلوجيا.

وتبرز أزمة غزة كاختيار كاشف لانهيار الخطاب القيمي الأوروبي. فالتباين الصارخ بين الخطاب الرسمي حول حقوق الانسان والممارسات السياسية الفعلية، ولا سيما الدعم غير المشروط لإسرائيل، أضعف مصداقية الاتحاد الأوروبي عالمياً خاصة في نظر دول الجنوب العالمي. وقد ساهم هذا الموقف في تقويض صورة أوروبا كفاعل أخلاقي، وكشف حدود "القوة المعيارية" عندما تتعارض القيم المعلنة مع المصالح الجيوسياسية.

في المقابل، يتجه النظام الدولي نحو إعادة تشكل عميقة، مع صعود قوى جديدة في آسيا، وأمريكا اللاتينية، وأفريقيا، وتزايد الدعوات الى نظام عالمي أكثر توازناً واحتراماً للسيادة الوطنية. في هذا السياق، تبدو أوروبا متأخرة عن استيعاب هذا التحول ومقيدة بإرث الحرب الباردة ومنطق التحالفات الصلبة.

خاتمة:
يقف الاتحاد الأوروبي اليوم أمام مفترق طرق تاريخي: فإما الاستمرار في مسار التعبية السياسية والاقتصادية والعسكرية في دور التابع داخل منظومة أطلسية تقودها واشنطن، مع ما يحمله ذلك من تآكل السيادة وتراجع المكانة الدولية، أو الشروع في مراجعة نقدية شاملة تعيد تعريف المصالح الأوروبية بعيداً عن منطق الاستقطاب والحروب بالوكالة، وتفعيل دوره في عالم متعدد الأقطاب. إن استعادة الفعل الأوروبي المستقل تتطلب إعادة التوازن بين الأمن والتنمية، وبين الالتزامات الأطلسية والمصالح الاجتماعية، والانتقال من منطق عسكرة السياسة إلى منطق الأمن الإنساني والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة. دون ذلك، سيبقى الاتحاد الأوروبي فاعلاً ثانوياً في نظام دولي يتغير من حوله بوتيرة متسارعة.



#صباح_قدوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ٍقراءة في كتاب، تعيين المديرين العامين لشركات التأمين الحكوم ...
- الحاجة إلى دوافع ومؤسسية تنموية تخطيطية فعّالة في العراق: نم ...
- توسع الاستثمار في الأصول غير الملموسة مقابل الملموسة وتأثيره ...
- الثقافة فعل مقاومة: في ذكرى استشهاد كامل شياع
- دور المحاسبة والمراجعة في الحد من ظاهرة الفساد الإداري والما ...
- تراجع الدور الأوروبي في النظام الدولي: أزمة رؤية وتحوّل اقتص ...
- إقليم كردستان أمام لحظة الحقيقة: هل آن أوان انتفاضة جماهيرية ...
- على هامش أزمة الرواتب والنفط بين بغداد وأربيل
- الديون الداخلية والفساد في الميزانيات العامة للدولة
- دعوة وزير الهجرة والاندماج لمناقشة ظاهرة معاداة السامية في ا ...
- رفع الاصفار عن الدينار العراقي
- تأخير مصادقة الموازنة العامة لعام 2024 من قبل البرلمان العرا ...
- مراجعة كتاب: نقاشات حول دمج شركات التأمين العراقية
- لنجعل من ذكرى اليوبيلية السبعينية لمجلة (الثقافة الجديدة) مه ...
- نحو انتخابات ديمقراطية ونزيهة لمجالس المحافظات
- على هامش تشريع الموازنة العامة الاتحادية للعراق لعام 2023*
- تعليق على المقال المترجم لمايكل روبرتس: بنك فيرست ريبابليك: ...
- الدانمارك: من مجتمع الرفاهية الى الانكماش الاقتصادي والتوجه ...
- مصباح كمال والبحث عن دور اليهود العراقيين في النشاط التأميني
- هوامش سريعة على بيان وزارة المالية حول إنجازاتها في تطبيق بن ...


المزيد.....




- فيديو لغارة أمريكية على قارب بشرق المحيط الهادئ يثير تساؤلات ...
- السعودية: المملكة لن تتردد في مواجهة أي مساس أو تهديد لأمنها ...
- تصاعد موجة الاحتجاجات في إيران بسبب ارتفاع الأسعار بشكل حاد ...
- مقصية أيوب الكعبي الجديدة تقود المغرب إلى دور 16 بكأس أمم أف ...
- كيف علق أحمد الشرع وسوريون على العملة الجديدة؟
- ماذا يجري في اليمن بين السعودية والإمارات؟
- سوريا: حظر تجوّل ليلي في اللاذقية وسط اضطرابات طائفية دامية ...
- مصر تُعلن تلقيها عروضًا مالية ضخمة لتهجير الفلسطينيين قوبلت ...
- وسط تصعيد وضربة سعودية.. الإمارات تعلن سحب قواتها في اليمن
- ما الذي يحدث في اليمن وما دور السعودية والإمارات في النزاع ا ...


المزيد.....

- صفحاتٌ لا تُطوى: أفكار حُرة في السياسة والحياة / محمد حسين النجفي
- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صباح قدوري - إلى أين يتجه المسار السياسي للاتحاد الأوربي في النظام الدولي؟