أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عامر هشام الصفّار - البيت بوصفه ذاكرة: قراءة في فيلم “قيم عاطفية” (Sentimental Values)














المزيد.....

البيت بوصفه ذاكرة: قراءة في فيلم “قيم عاطفية” (Sentimental Values)


عامر هشام الصفّار

الحوار المتمدن-العدد: 8571 - 2025 / 12 / 29 - 16:16
المحور: الادب والفن
    


يُعّد فيلم “قيم عاطفية” من أبرز الأعمال السينمائية النرويجية الحديثة، إذ يقدّم صورة مركّبة لفنان ومخرج سينمائي مسنّ، لا يزال مندفعًا ومتحمسًا لإنجاز عمله الأخير، في مواجهة مباشرة مع أبنتيه البالغتين. الفيلم من إخراج السينمائي النرويجي يواكيم ترير، الذي سبق أن قدّم لمهرجان كان الفيلم الرومانسي الدرامي اللافت «أسوأ شخص في العالم» عام 2021، من بطولة رينات رينسف الحائزة على عدة جوائز، والتي تعود هنا لتؤدي دور البطولة مجددًا.
يتحرّك الفيلم عبر طيف واسع من الحالات المزاجية والأفكار، قبل أن يصل تدريجيًا إلى شيء من الشحنة العاطفية التي يوحي بها عنوانه. فهو فيلم يتناول إشكاليات الأبوة، والذاكرة، والعائلة، ويقدّم مغامرة سينمائية تستدعي في نبرتها وأسلوبها أعمال فيديريكو فيلليني وإنغمار بيرغمان، دون أن تقع في فخ التقليد المباشر.
يؤدي ستيلان سكارسغارد دور الكاتب والمخرج غوستاف بورغ، الذي يستعرض مسيرته المهنية وحياته الشخصية بتداخل ملتبس. فمنذ سنوات طويلة، ترك زوجته سيسيل، وهي أخصائية علاج نفسي، وأبنتيه الصغيرتين، متخليًا عن منزل العائلة — المنزل نفسه الذي نشأ فيه. وبعد وفاة والدته، تعود إلى الواجهة أبنته نورا (رينات رينسف)، وهي ممثلة مسرحية موهوبة، تعاني من نوبات قلق حادة تسبق صعودها إلى خشبة المسرح ومواجهة الجمهور.
أما شقيقتها أغنيس (إنغا إبسدوتر ليلياس)، فتبدو أكثر هدوءًا واستقرارًا؛ إذ تعيش حياة عائلية مستقرة مع زوجها وأبنها الصغير، غير أن هذا الأستقرار يخفي شعورًا دفينًا بالمرارة، يعود إلى طفولتها حين شاركت بدور طفلة ممثلة في أحد أفلام والدها، قبل أن تشعر بالإهمال والهجر فور انتهاء التصوير.
تشرع الأبنتان في فرز محتويات المنزل بحثًا عن أشياء ذات قيمة عاطفية قد ترغبان في الأحتفاظ بها قبل بيعه، لتُفاجآ بأن والدهما غوستاف — على الرغم من صعوبة التعامل معه — لا يزال يمتلك حقوقًا قانونية في المنزل، ويرغب في أستخدامه موقعًا لتصوير فيلم سيرة ذاتية عن والدته، التي أنتحرت هناك متأثرة بصدمة تعذيبها على يد النازيين خلال الحرب.
يحاول غوستاف إقناع نورا بتولي دور البطولة في الفيلم المقترح، مجسّدة شخصية جدتها، معتمدًا على شهرتها المسرحية لإعادة إحياء مسيرته الفنية المتعثرة. كما يطلب من أبنته أغنيس السماح له بأستخدام حفيده كممثل طفل، تمامًا كما فعل معها في الماضي. لكن بعد رفض نورا الغاضب، يُسند الدور إلى نجمة هوليوود راشيل كيمب (إيل فانينغ)، التي تقع تحت تأثير سحر غوستاف خلال مهرجان سينمائي، وتجلب معها تمويلًا استثماريًا ضخمًا، ما يعيد إشعال مشاعر الغيرة والضيق لدى نورا.
لغة بصرية واعية
يتميّز فيلم «قيم عاطفية» بلغة بصرية واعية، تقوم منذ لقطاته الأولى على بناء علاقة عضوية بين المكان والذاكرة. يفتتح الفيلم بلقطة مفتوحة للمدينة، واسعة وهادئة، لا تهدف إلى التعريف الجغرافي بقدر ما تعمل كتمهيد نفسي؛ مدينة تبدو محايدة وشبه صامتة، قبل أن ينكمش الكادر تدريجيًا ليقودنا نحو البيت القديم الذي عاش فيه بطل الفيلم. هذا الأنتقال البصري من العام إلى الخاص ليس عفويًا، بل يؤسس منذ البداية لفكرة محورية: الحكاية ليست عن مدينة أو تاريخ عام، بل عن منزل بوصفه مستودعًا للذاكرة ومسرحًا للألم العائلي المؤجل.
البيت في الفيلم لا يُقدَّم كمجرد موقع للأحداث، بل يتحول إلى شخصية قائمة بذاتها. تكرار العودة إليه عبر لقطات ثابتة أو بطيئة الحركة يمنحه ثقلًا دراميًا واضحًا، ويجعله نقطة التقاء بين الماضي والحاضر، وبين ما تم كتمانه وما يعود ليطفو على السطح. اختيار اللقطات المفتوحة نسبيًا، وما تحمله من مساحات فراغ داخل الكادر، يعكس حالة العزلة والقطيعة العاطفية بين الشخصيات، ويمنح المشاهد مساحة للتأمل بدل فرض المشاعر عليه.
في المقابل، يعتمد يواكيم ترير على اقتصاد صارم في حركة الكاميرا داخل المشاهد الحوارية. فالكاميرا غالبًا ما تبقى ثابتة، أو تتحرك ببطء شديد، وكأنها تراقب الشخصيات من مسافة أخلاقية، دون أن تنزلق إلى تعاطف سهل أو مباشر. هذا الأسلوب يتيح للمشاهد التقاط التفاصيل الدقيقة في الأداء: التردد، الصمت، والنظرات غير المكتملة، وهي عناصر تصنع التوتر الداخلي للفيلم أكثر مما تصنعه الأحداث نفسها.
يأتي الأداء التمثيلي متماسكًا ومقنعًا على نحو لافت. يقدّم ستيلان سكارسغارد شخصية غوستاف بورغ بتوازن دقيق بين النرجسية والهشاشة؛ فهو مخرج أناني في قراراته، لكنه في الوقت ذاته رجل مأزوم، عاجز عن مواجهة فشله الإنساني إلا عبر الفن. أما رينات رينسف فتقدّم أداءً داخليًا مكثفًا في دور نورا، يعتمد على التعبير الصامت أكثر من الأنفعالات الظاهرة، مجسّدة فنانة موهوبة، محاصرة بقلق مزمن وإحساس عميق بالهجر. ويأتي أداء إنغا إبسدوتر ليلياس في دور أغنيس أكثر هدوءًا، لكنه لا يقل أهمية، إذ يمثل الوجه الآخر للأذى العائلي: القبول الظاهري الذي يخفي خيبة قديمة لم تُعالَج.
موسيقاه التصويرية
الموسيقى التصويرية تؤدي دورًا داعمًا غير متسلط؛ فهي موسيقى هادئة ومقتصدة، تُستخدم في لحظات مدروسة بعناية، وغالبًا ما تفسح المجال للصمت ليقوم بدوره الدرامي الكامل. هذا الخيار يعزّز الطابع التأملي للفيلم، ويجنّبه الانزلاق إلى الميلودراما، محافظًا على نبرة إنسانية متزنة.
وعليه، لا يسعى فيلم «قيم عاطفية» إلى إثارة عاطفية مباشرة، بل يبني تأثيره تدريجيًا عبر الصورة، والإيقاع البطيء، والتوترات النفسية غير المحسومة. إنه فيلم عن الفن بوصفه محاولة متأخرة للفهم، وعن مشاكل العائلة بأعتبارها جرحًا مفتوحًا لا تلتئم آثاره بسهولة، حتى حين تُروى القصة أخيراً على الشاشة.
الفيلم يعرض هذه الأيام في دور عرض بريطانية وأوربية خاصة، كما كان قد عرض في مهرجان كان السينمائي بدورته لهذا العام.



#عامر_هشام_الصفّار (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جائزة فن العمارة لهذا العام لمبنى في لندن يعالج الشعور بالوح ...
- حول مهرجان لندن السينمائي ٢٠٢٥
- الدكتور محمود عبد الهادي البحراني في ذمة الخلود
- جائزة نوبل في الأقتصاد 2025 تمنح لعلماء ثلاثة عملوا على النم ...
- كتاب -رؤى في الحياة والثقافة- يكشف عن سر التوازن بين المتعة ...
- جات جي بي تي مجرد البداية.. !
- رحلة التعلم – العراق تستذكر: عالم الآثار العراقي الراحل الدك ...
- الروائي الهنغاري لازلو كراسناهوركاي يفوز بجائزة نوبل للآداب ...
- جائزة نوبل في الفيزياء 2025 تمنح لثلاثة علماء أميركان ساهموا ...
- مجلة المجمع العلمي العراقي في عيدها الماسي
- الأجسام المضادة التنظيمية المناعية المفيدة في علاج السرطان ت ...
- منتدى ثقافي عربي في لندن يكشف عن إرث نازك الملائكة ورسائلها ...
- قراءة في كتاب -الموروث الشعبي بين حقيقة التراث والبحث فيه: أ ...
- الروائي المصري الكبير صنع الله ابراهيم..في ذمة الخلود
- من هو الطبيب القدوة؟
- المجلة الطبية البريطانية تكتب عن المجاعة في غزة
- رائدات الطب في العراق
- الكتاب والمكتبة في تراثنا العلمي
- ثقافة السؤال وأهميتها في بناء وعي متجدد
- الإدمان على العنف والحروب: تهديد للحضارة


المزيد.....




- أحدثت بجمالها ثورة جنسية في عالم السينما.. وفاة بريجيت باردو ...
- عودة هيفاء وهبي للغناء في مصر بحكم قضائي.. والفنانة اللبناني ...
- الأمثال الشعبية بميزان العصر: لماذا تَخلُد -حكمة الأجداد- وت ...
- بريجيت باردو .. فرنسا تفقد أيقونة سينمائية متفردة رغم الجدل ...
- وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو، فماذا نعرف عنها؟ ...
- الجزيرة 360 تفوز بجائزة أفضل فيلم وثائقي قصير بمهرجان في الس ...
- التعليم فوق الجميع.. خط الدفاع في مواجهة النزاعات وأزمة التم ...
- -ناشئة الشوق- للشاعر فتح الله.. كلاسيكية الإيقاع وحداثة التع ...
- وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاما
- وفاة أيقونة السينما الفرنسية.. بريجيت باردو


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عامر هشام الصفّار - البيت بوصفه ذاكرة: قراءة في فيلم “قيم عاطفية” (Sentimental Values)