أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد عاطف - نسختها في يافا














المزيد.....

نسختها في يافا


ماجد عاطف

الحوار المتمدن-العدد: 8569 - 2025 / 12 / 27 - 18:20
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة/ ماجد عاطف

حين كنا في الروضة، أنا وميسون، كنا نتشاجر كثيراً حول المقصود بكلام المِس، معلمة الفنون، ونحن نصغي ونشتغل على الديسك.
هي تفهمها بطريقة وأنا أفهمها بطريقة أخرى. هي تدقق في الحرفية والشكل، وكنت أرى الغاية والقصد. فإذا أعطتنا المِس اوريت، العانس الأوكرانية القادمة حديثا، عجينة الملتينة لنصنع منها مجسّم بقرة، كانت ميسون تحرص على تفاصيل الأذنين والذيل والأطراف فتبرزهما بدقة مليئة بمزاجها الخاص في النسبة والتناسب فلا يخلو الأمر من تشويه كان طريفاً يدفعني للضحك منها، بينما كنت اهتم بالقوة والإنجاب وتناسب الحجم مع الشكل.
ذات مرّة عجنت ميسون أطرافاً لحمار وحشي كانت رفيعة أكثر مما يحتمل البدن، فاعوجت السيقان أسفل البطن، وطبعا لا الذيل ولا الأذن ثبتا مكانهما.
بينما كانت تلكزني باستمرار أنني دفش يهمني الحجم والبشاعة المتعمّدة، نظرا لاعتقادي حول الوظيفة، فعندي "الزرافة عبارة عن رافعة خشبية مع عنق نعامة ورأس ديك"، ثم تخرج لسانها وتلوي بوزها، وتذهب لتتهامس مع صاحباتها في مخزن الفنون، عليّ!
كبرنا وكبر خلافنا معنا إلى أن وصلنا كلية الفنون الجميلة. اهتممت أنا بالفسيفساء والزخرفة والخط، واهتمت هي بالتشكيل والأداء ثلاثي الأبعاد، في عالم الـ 3D.
آخر العهد بزمالتنا الطويلة أن تشاجرنا شجاراً فظيعا شهدت عليه الجامعة، عربا وعجما، واستمرت تتلو تفاصيله لأسابيع وأشهر، مما جعلها وجعلني في حالة عداء مستمرة تجاوزت، في المجمل، عشرين عاما.

منذها، كل ما يؤذيني منها أزخرفه وانحو به في "ألحان" الخط أو قطع الفسيفساء، وتظل مكانها في أماكنها الفعلية عند أصحابها، بعد أن التقط لها صوراً وأعرضها على موقعي.
لم أكن أؤذيها فعلا، إنما أردت أن أنهى العداء هذا لأتمكن من مواصلة حياتي، وبحثت عن مناسبة لنتصافى.
لهذا فكانت زخرفاتي إطراء لها مع الملاحظة، فكانت تستفز أكثر لما يصلها هذا من زميل أو زميلة من معارفها، ما يدفعها لمجسمات كاريكاتيرية مضادة تتناول دائما شخصي وشكلي. ويعود الزميل أو الزميلة بوجه خائب يحسب نفسه بذل إصلاحا (لم اطلبه منه)، فإذا به متحامل عليّ منحاز لها، يحسب أنني اقترفت شنيعة بحقها.
وكيلا أتورّط أنا، فقد بقيت صامتا لا انبس بحرف أنشغل بنفسي واهتمامي فقط لا أتطرق إليها ولا أكلم أحدا عنها، غير عالم إذا ما كنت تعبأ بزخرفاتي أصلا أم لا، وهذا الأمر الأول الذي كان يهمني.
وبدأت مجسّماتها تنضج وتتطور وبدأت أحسّ بوجود رموز فيها، تتخلل السرعة في العرض والألوان وتعدد الزوايا.
آخر مجسمين كانا على الشكل التالي:
الأول: يشبهني وأنا أرصف أو أرمم أرضية مسجد، لكن الوجه أكثر يناعة وفتوة بعقدٍ منّي ويلوّن أرضية حانة، إلى جانبه أنثى صاحبة شقراء الشعر.
سرعان ما بريت براعتي ورددت عليها بفسيفساء معلّقة تبرعت بها لمجلس البلدية أصوّرها بخطوطها الدقيقة وأحدهم -بخطوط أخرى- يملي على ظلها ماذا يفعل، وما أكثرهم! (عرضت صورة فوتوغرافية على موقعي).
الحمدلله أنني انزويت جانبا، فلقد نبت لها معارف -من كل اللغات- يروّجون مجسّماتها بتقارير تتكرر كثيرا في الأخبار والقليل منها فيه إتقان، ويثرثرون بكلام لا تخصص فيه. كيف لا وهي أنثى بلبل في العبرية والانجليزية!!
مجسمها لم يصمد، فلقد قرأت في نشرة المجلة المختصة أنها تراجعت عن عرضه وطلبته من مدير معرض لتتلفه. ومن ناحيتي حشرت نفسي بين من اطمئن لهم في الزخرفة والخط وتباديل الأشكال الهندسية، ولو بقلّة في العرض والإصدار، كيلا نتواجه في مكان أو تخصص مشترك.
الثاني: يشبهني كثيراً من حيث الملامح إنما بصورة مضادة. مثل الأول، لكن مع مساحات لقاعات متاحف مفترضة وميادين موسيقية عامة، ووجوه كثيرة كخلفية مشاهدين. يا الهي كم تفتنها الشهرة وتشغلها، ولو كانت صناعية كاذبة!
لم يكن في استطاعتي البوح لأحد ولا حتى لنفسي، أنها تبادلني اهتمامي بقوة ليست أقل. فقط اختارت نسختها الخاصة منّي.
كلانا من قرى عكا، ولكن...
فقررت عدم الرد، ما دمت عرفت الجواب الأهم للسؤال الثاني الذي شغلني منذ الروضة: هل أؤثر فيها أم لا؟
على أني نسيت الأولوية: هل كان يحق لي أن أؤثر في أحد، أنثى تحديدا، ما دمت لا انتوي نية الرجل الشرعية نحو المرأة؟
مضت ثلاثون سنة وقليل، والثلاثون عاما المتبقية، بحسب حديث متوسط العمر، الأجدر أن تكون نزيهة ومرتاحة البال خاصة في عكا المشغولة المرهقة جداً، بعكس يافا المبتلعة، حيث صارت تقيم هي، وباسمها الفنّي مايس.



#ماجد_عاطف (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نسر أحمر
- الضاحك معلم البلاط
- روحية
- ارث في المحكمة
- شرطة الصلاة
- قصة قصيرة
- الأفعى


المزيد.....




- مصر تودع فيلسوف السينما وأحد أبرز مبدعيها المخرج داود عبد ال ...
- -الكوميديا تهمة تحريض-.. الاحتلال يفرج عن الفنان عامر زاهر ب ...
- قضية صور ريهام عبد الغفور.. نقابة المهن التمثيلية تتدخل وتتخ ...
- إعلان بيع وطن
- أفلام من توقيع مخرجات عربيات في سباق الأوسكار
- «محكمة جنح قصر النيل تنظر دعوى السيناريست عماد النشار ضد رئي ...
- منتدى الدوحة 2025: قادة العالم يحثون على ضرورة ترجمة الحوار ...
- بدا كأنه فيلم -وحيد في المنزل-.. شاهد كيف تمكن طفل من الإيقا ...
- -رؤى جديدة-.. فن فلسطيني يُلهم روح النضال والصمود
- رسائل فيلم ردع العدوان


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد عاطف - نسختها في يافا