عبد المجيد راشد
الحوار المتمدن-العدد: 1840 - 2007 / 2 / 28 - 12:12
المحور:
الصحافة والاعلام
هل رأى أحدكم عقلا عابرا من المغلق الى المفتوح ، من اللحظة الى الأبد ،من الضيق الى الواسع ، من المنفرالى المبشر ، من العسير الى اليسير ، من زنزانه الذات الى حضن الجموع ؟
هل رأى أحدكم قلما يستخلص اليومى ليضعه فى مكانه من التاريخى ؟
هل رأى أحدكم عقلا يكثف التفاصيل ليضعها فى مكانها من المجرد ؟
يستنطق من الخاص ما يضعه فى موقعه من العام
هل رأى أحدكم فكرا يتجاوز العقائدى الضيق الى الجماهيرى الواسع ؟
من لم ير فعليه أن يذهب الى أى مكتبة ليمتلك تلك الثروة القادرة على جعله يخطو أولى خطوات الرؤية و مبتدأ التأسيس لطريقة أخرى فى التفكير و التدبر و التأمل و التحليل و الإستنطاق و الاستنتاج و الوصول الى حيث المحل المختار لليقين فى سويداء القلب و للإدراك البصير المبصر فى بؤرة من بؤر الذهن .
فقط يسأل صاحب المكتبة :
هل لديك ما أنتجته قريحة و دم ووجدان و ذهن كاتب اسمه جوزيف سماحه ؟
و كن على ثقة فسوف يجيبك :
و هل توجد مكتبة معتبرة فى أمتنا من محيطها الثائر إلى خليجها الهادر ، و من جبال طرطوس إلى كردفان لا تزين أرففها صفحات من عصارة أفكار تحمل توقيع جوزيف سماحه ؟
مؤكد أنك بعد قراءة بعضها ستبحث عن أحد ما لتجده يجيبك :
جوزيف سماحه .. يا الله ..
سأروى لك بعضا مما يقرب الصورة و ينفذ بك الى الجوهر .. فى الثلث الثانى من تسعينات القرن الماضى ، كانت الأمة تعيش تحت سماء ملبدة بغيوم مفاوضات السلام و التى ولدت جنينا مشوها مختلطافى نسبه إسمه
" اتفاق غزة - أريحا أولا " ، و تحت ضغط زلزال انهيار الاتحاد السوفيتى و انفراد أمريكا بالهيمنة على العالم كما تصورت و خططت و دبرت ، و خاصة بعد تدمير العراق فى حرب الخليج الثانية .. و سادت ثقافة ما يسمى بالسلام .. و امتلأت صحافة العرب و اذاعاتهم بالمحللين الذين يحللون لأمريكا ما ترغب فى نشره و تعميمه .. و ينشئون جماعات لما أسموه السلام مع العدو الصهيونى و الاندماج معه فى مشروع شيمون بيريز للشرق الأوسط الجديد تلعب فيه ( إسرائيل ) دور القاطرة و القيادة ، و تلعب دول النفط الأسود فى الخليج الذى ينبغى أن يعود عربيا دور الممول ، أما الأيدى العاملة فهى ( زى الرز ) فى مصر ..
و إذا بجوزيف سماحه يدفع الى المطابع بكلمات و سطور تتلقفها أعين و عقول ووجدان نخب الأمة من كل قواها الحية .. حملت السطور عنوان " سلام عابر ".
انطلق فيه من الهزيمة الى العناد .
من أقواله فى الكتاب :
" الدعوة الى التمسك بالبديهيات و الأساسيات هى نوع من مخاطبة النفس ، يحادث المرء نفسه فى الليل ليتأكد أنه ليس ووحيدا "
و إقرأ معى :
" النقد الذاتى بعد كل هزيمة ضرورى ، الأمة مهزومة ، تختتم قرنا من المقاومة مستسلمة لأعدائها ، فيما لا يبدو أن المشهد العام يتيح مكانا لمن يريد التأسيس على وعى الأسباب العميقة للإندحار من أجل إستئناف المواجهة .
سيجرىتقديم النقد ، هذه المرة ، بصفته عودة للوعى .لن يطاول لماذا حصل ما حصل ، بل الأسباب التى دفعت العرب الى " الوجود " أصلا فى موقع الصراع "
و سنقرأ أيضا :
" المفاوض الجيد لا يكلّ عن المطالبة و لا يشبع من الأخذ و يستميت حتى لا يعطى شيئا . انه ، فى آن معا ، التجسيد المطلق لحق قومه و الناطق بإسم إضطرارهم المأساوى إلى " التفريط ".
المفاوض الجيد هو من تراوده فكرة الإنتحار بعد التسوية مهما كانت عادلة ، لأن التسوية ، تعريفا ، تخضع لضوابط الممكن و المتاح .
إنه حال نزاع دائم بين وجدان دينى و عقل تجارى
و سنقرأ أيضا :
" يتوجب على العرب ، فى زمن المفاوضات ، التمسك قدر الإمكان بتعريف للصهيونية لا يكون خاضعا للمساومة .
إنها حركة عدوان على العرب .
تطال الفلسطينيين منهم فى وجودهم فوق أرضهم ثم فى سائر حقوقهم الأخرى فتبددهم و تحرمهم من التعبير الوطنى المستقل عن هويتهم و تطاردهم و تسعى الى محو شخصيتهم و ثقافتهم . و تطال العرب الأخرين فى تطلعهم الى بناء مصيرهم و مستقبلهم بحرية . هذه هى الحركة الصهيونية تكوينيا . كوت الفلسطينيين عرضا من أجل إمتلاك موقع لإيذاء العرب جميعا "
و ستقرأ من سطوره ما يلى :
إن التناقض بين الأمة العربية و اسرائيل هو تناقض غير قابل للحسم إلا بإنتصار أحد الطرفين . سيمتد الصراع و تتغير أشكاله و تتحول و تتكيف . يمكن لهدنات أن تحصل و لوقف إطلاق نار أن ينفذ و ل " سلام " أن يعيش بعض الوقت .لكن هذه محطات لا تغير من الأمر شيئا . لا مجال للتعايش بين تصورين للمنطقة "
وتقرأ أيضا :
" إسرائيل كيان ودور . قد يكون التعايش مع الكيان صعبا بعض الشيىء إلا أنه ممكن . أما التعايش مع الدور فهو مستحيل لأنه بالضبط ، دور عدوانى ، لا يهدف إلى التوسع الجغرافى فحسب ، بل أساسا ، إلى تجيير المحيط العربى لصالح قوى أجنبية و تركه مستباحا أمامها .
و ان شئت الوضوح الأكثر فستتأمل كلماته التى يقول فيها :
- إن القضية الأولى و المركزية للعرب هى التدرج نحو الوحدة العربية ، هذا هو ردهم الكبير على المشروع المضاد لهم و الذى تتقاطع عنده قضاياهم : التنمية ، التحديث ، الإستقلال الفعلى ، الإلغاء العقلانى و الطوعى للحدود المفتعلة الفاصلة بينهم ، دخولهم العصر.... الخ
و تأسيسا على ذلك ، يمكن القول أن القضية الفعلية التى تواجههم ليست القضية الفلسطينية بل " القضية الاسرائيلية . و ذلك لأن الوجود الصهيونى فى فلسطين يختلف ، جذريا ، عما تقدم . إنه يتذرع بإيجاد " وطن قومى "يهودى من أجل أن يلعب دورا محوريا فى إعاقة التقدم العربى و منعه بالقوة و ربط المنطقة و مصالحها بعجلة المشاريع الإستعمارية و مطامعها .
و إن شئت التصوير الذهنى لمشهد الأمة كما يراد لها فستصطدم بكلماته تلك :
- حان وقت الحصاد . العرب مدعوّون إلى توليف خساراتهم الماضية كلها فى هزيمة تاريخية عظمى . الإسم الفنى هو : النظام الإقليمى الجديد . تهندس الولايات المتحدة الأمريكية البناء . حجر الزاوية فيه التفوق الإسرائيلى النوعى . العرب مادته . يتشكلون كما يراد لهم التشكل . جسم مائع . سائل بالأحرى ، يأخذ شكل الوعاء الذى يحتويه . وظيفة هذا النظام التأسيس لحقبة مقبلة و إفراز المؤسسات و الأطر و العلاقات الداخلية التى تحمى موازين القوى الناشئة .
و لو كنت ممن ينفذون الى ماينبغى فسوف تقرأ كلماته و هو يقول :
- " ليست الأولوية ، فى المرحلة الجديدة ، للنقد . الأولوية هى للعناد . لمنع سيل الهزيمة الجارف من أن يطيح كل شيىء .. الأولوية هى ، أيضا ، للمؤاساة و الاستنهاض . لقد كنا ، إجمالا ، على حق و ما يجرى لنا محطة فى مسيرة طويلة ."
- " وعى الهزيمة شيىء آخر تماما . إنه مزيج من تشاؤم عقلانى و تفاؤل إرادوى . الحاضر أسود ، الأفق أبيض لا لشيىء إلا لأنه أفقنا . ولأن هذه طبيعة الأمور . السواد الحالى سواد نفق . الخروج منه حتمى شرط أن نحاول . لن تمر الهزيمة فوقنا وتذهب . علينا أن نعبرها ، أى أن نبنى موازيين القوى التى تلغيها . التمسك بالأهداف البعيدة شرط الإستمرار . أما تكييف أساليب العمل و الإرتضاء بما هو مرحلى ( حتى لو كان مجرد تحديد للخسارة ) فمن الأمور البديهية . ألف باء الخيانة هى التخلى عن طموحات الحد الأقصى ، و الحماقة هى رفض التعاطى مع الوضع الراهن ، و السياسة ، بالمعنى النبيل للكلمة ، هى الزواج السعيد بين الإفراط فى التشاؤم و الإفراط فى التفاؤل "
هذه بعض من علامات جوزيف سماحة على طريق الفهم و الوعى و الإدراك و العمق .
تقرأه لتقرأ دفتر الحياة من باب الحكمة و الجوهر و الدهشه لقدرة العقل على استنطاق المغزى من المعنى و العميق من السطحى و الباطن من الظاهر و الحق من الحقائق .
وهذا هو بالتحديد جوزيف سماحه
من أراد أن يعرفه حقا فليقرأ ما تيسر من ثروة إستأمنها عقول و قلوب المهمومين من طلائع الأمة .
رحم الله جوزيف سماحه
و نفعنا بما تركه لنا
#عبد_المجيد_راشد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟