أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد المجيد راشد - عن حرب أكتوبر و الاصلاح الاقتصادى و نظام العولمة















المزيد.....


عن حرب أكتوبر و الاصلاح الاقتصادى و نظام العولمة


عبد المجيد راشد

الحوار المتمدن-العدد: 1751 - 2006 / 12 / 1 - 11:09
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


لا جدال أن التحول الإقتصادى الليبرالى في مصر لم يبدأ بتوقيع إتفاقية المساندة بين الحكومة المصرية صندوق النقد الدولي في عام 1991 وإعلان سياسة "الإصلاح الإقتصادى" نهجاً للحكومة المصرية، إذ رغم تدرج وجزئية وتعير التحولات الإقتصادية الليبرالية حتى بداية التسعينات، فقد أعلنت هذه التحولات "سياسة رسمية" منذ أوائل السبعينيات.

ففى عام 1974، جاءت "ورقة أكتوبر" كمحاولة من جانب القيادة السياسية لأن ترسم إطاراً نظرياً لسياسة "الإنفتاح الإقتصادى" وقد ركزت هذه الورقة، في المجال الإقتصادى منها، على مقولتين أساسيتين:

الأولى: هي ضرورة تنقية التجربة المصرية من السلبيات التي أعاقت حركتها.

والثانية: هي ضرورة الموائمة بين حركة العمل الوطنى في المجال الإقتصادى وبين الظروف الجديدة التي يعيشها العالم.

ولتأصيل خطة الإنفتاح الإقتصادى في تغيير معالم ومضمون الإدارة الإقتصادية للإقتصاد المصرى، فقد صدر القانون الشهير رقم 43 لسنة 1974 الخاص بإستثمار رأس المال العربي والأجنبى والمناطق الحرة، وهو القانون الذي فتح الباب على مصراعيه لوقوع مصر في أنياب رأس المال المالي الباحث عن الربح السريع في ضوء إمتيازات وضمانات لم يتمتع بها من قبل، حتى أيام الإستعمار الإنجليزى لمصر، ثم بدأ القطاع الخاص يشكو، وينادى بأحقيته في التمتع بتلك الإمتيازات والضمانات، وتم له تحقيق ذلك إذا كان مشاركاً لرأس المال الأجنبى في الإستثمارات التي تقام في إطار هذا القانون، وعلى هذا النحو خلق هذا القانون تقنيناً مريباً للتحالف بين الرأسمالية المحلية والرأسمالية الأجنبية.

ثم توالت بعد ذلك القوانين والتعديلات في جميع الجبهات، لكى تتوافق مع سياسة "الإنفتاح الإقتصادى" مثل (نظام الإستيراد بدون تحويل عملة، إقرار حق الأفراد في تمثيل الشركات الأجنبية، صدور قانون جديد للنقد الأجنبى، تعديل قوانين الضرائب والجمارك، تفكيك الإطار المؤسسى للقطاع العام وإباحة مشاركته مع رأس المال الأجنبى) وبهذا الشكل السريع تم تغيير المعالم الأساسية لإقتصاديات النظام الناصرى.

ولم تكن صدفة أن يحدث الإنفتاح وتستأنف الرأسمالية المحلية والأجنبية نشاطها في مصر، وأن يتم في الوقت نفسه الإرتماء في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية والتهافت على المعسكر الرأسمالي، ليس فقط في المجال الإقتصادى، وإنما في المجال العسكرى (بدعوى تنويع مصادر السلاح) والمجال السياسي أيضاً، ولم تكن صدفة أن ترتفع منزلة الولايات المتحدة، وأن تستبدل بموقع العدو الأول الصديق الأول، وأن يصبح لها دور الشريك الكامل في كل أمورنا، فكان عليها أن تساعدنا على إنتشال اقتصادناً "من تحت الصفر" كما كان يحلو للرئيس السادات أن يقول، وكان عليها أن تعاوننا على الخلاص من الإحتلال الإسرائيلى، وتطهير قناة السويس وإعادة تعمير مدنها، وفى المقابل (فلا شيءلا ثمن)، فكان علينا أن نساعد الولايات المتحدة على التصدى "للخطر السوفيتى"، ونعاونها في تطويق "نفوذ السوفيت" وقمع محاولات التحرر ليس فقط في المشرق العربي، بل وفي آسيا وإفريقيا أيضاً.

لقد مثل نصر أكتوبر 1973 نقطة تحول حاسمة فى تاريخ العلاقات الدولية، بل مثل أعظم درس تاريخى على إمتداد القرن الماضى، فلقد أثبتت معركة النفط وإستخدامه كسلاح إستراتيجى في 73 / 1974، أن النظام الدولي ليس نتاجاً "لحوار بين مجموعة من الحكماء" وإنما يعكس في الواقع موازين القوى الحقيقية، فقد أعتبر رفع أسعار النفط في عام 73/ 1974، بمثابة إنتصار جماعى للعالم الثالث، فلأول مرة منذ أربعة قرون يتخذ قرار يتعلق بالعالم أجمع ككل خارج إطار سيطرة المركز الرأسمالي، لقد أثبتت هذه الخطوة إمكانية هذا، وأثبتت أن ما يدعى "قوانين السوق" التي يستند إليها لتفسير إستحالة تغيير الأسعار المجحفة لمنتجات العالم الثالث، ليست سوى مقولة "أيديولوجية" وضعت لإخفاء حقيقة موازين القوى الدولية.

لقد كانت مصر في أوائل الدول التي ناضلت من أجل إقامة نظام إقتصادى دولى جديد ويعتبر المؤتمر الأول لدول عدم الإنحياز المنعقد في بلغراد في سنة 1961 أول خطوة في طريق الدعوة إلى إنشاء نظام إقتصادى دولى جديد، وقد جاء في خطاب الرئيس عبد الناصر آنذاك "أن فرصة ما يجب أن تتاح للدول التي لم تستكمل بعد نموها الإقتصادى والإجتماعي، وأن التفاوت في مستويات معيشة الدول هو مبعث لعدم الإستقرار في العالم" وقد أوصى المؤتمر بعقد ملتقى خاص بقضايا التنمية، وقد إنعقد هذا المؤتمر بالفعل في القاهرة في تموز (يوليو) 1962 وإشتركت فيه إحدى وثلاثون دولة أصدرت وثيقة تعرف بـ "إعلان القاهرة."

دعا إعلان القاهرة إلى العمل على عقد "مؤتمر إقتصادى دولى في إطار الأمم المتحدة" وقد تم ذلك بالفعل في جينيف فى سنة 1964 برئاسة الدكتور عبد المنعم القسيونى وزير مالية مصرآنذاك، ومن نتائج المؤتمر الرئيسية أن شكلت الدول النامية في حينه مجموعة دول عدم الإنحياز المؤلفة من سبعة وسبعين دولة عرفت منذ ذلك التاريخ بمجموعة السبعة والسبعين، رغم أن عددها الآن يزيد على المائة والعشرين، أما النتيجة الثانية فهى عبارة عن إنشاء الأونكتاد أي "مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والإنماء" والذي أصبح المنبر الدولي الرئيسى لمطالب الدول النامية وهو يعتبر بالنسبة لدول العالم الثالث التنظيم المشابه "للإتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة "الجـات" بالنسبة للدول الصناعية.

وحصلت الدعوة الأولى الواضحة لإنشاء نظام إقتصادى دولى جديد في مؤتمر القمة الرابع لدول عدم الإنحياز المنعقد في الجزائر في أيلول (سبتمبر) 1973 لبحث شئون المواد الخام والعلاقات الإقتصادية الدولية، وقد صدر عن المؤتمر قرار يدعو إلى إعادة النظر في النظام الإقتصادى الدولى، وإنعقدت الجمعية العامة في جلستها الخاصة السادسة في إبريل ومايو عام 1974 حيث تم إعلان بيان بشأن إقامة نظام إقتصادى دولى جديد وبيان آخر شرحت فيه الخطوات العملية لتحقيق ذلك الغرض ويدعى "برنامج العمل من أجل إقامة نظام إقتصادى دولى جديد" ، وتلى ذلك من السنة ذاتها إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة "ميثاق حقوق وواجبات الدول الإقتصادية" وتمت الموافقة عليه ب 120 صوتاً مقابل 6 أصوات ضد وإمتناع عشر دول عن التصويت تمثل الدول الصناعية الكبرى، وبصدور الوثائق هذه تم إرساء القواعد الأساسية لإقامة نظام إقتصادى دولى جديد، غير أن الإعلان عن مشروع والإلتزام بتحقيقه شيئان مختلفان، فالجمعية العامة يمكنها الإقتراح والإعلان ولا تتمتع بصلاحية فرض قراراتها على الدول الأعضاء.

وفى أغسطس 1976، إنعقد في كولومبو المؤتمرالخامس لرؤساء وحكومات دول عدم الإنحياز، وقد أصدر المؤتمر إعلاناً إقتصادياً وبرنامج عمل للتعاون الإقتصادى وركز الإعلان على التغيير الهيكلى الجذرى للنظام الإقتصادى الدولي مؤكداً أنه "لا شيئ أقل من إعادة الهيكلة الكاملة للعلاقات الإقتصادية الدولية الراهنة يمكن أن يوفر حلاً دائماً للمشكلات الإقتصادية العالمية وبالذات مشكلات الدول النامية."

وطالب المؤتمر بخلق نظام إقتصادى دولى جديد قوامه أبعاد أساسية منها:-

أ‌- إعادة هيكلة نظام التجارة الدولية بأسره، بربط أسعار صادرات الدول النامية بأسعار صادرات الدول المتقدمة، وتحسين معدلات التبادل الدولى، وضمان أسعار حقيقية عادلة للمواد الأولية.

ب ـإعادة هيكلة نظام الإنتاج العالمي على أساس تقسيم جديد للعمل الدولي من خلال تمكين الدول النامية من تسويق منتجاتها الصناعية في أسواق الدول المتقدمة، نقل التكنولوجيا الملائمة بشروط أفضل، التنسيق بين إنتاج المواد الأولية في الدول النامية وصناعات المواد الصناعية في الدول المتقدمة، وضغط أنشطة الشركات متعددة الجنسيات لكى تتلاءم مع مصالح الدول النامية.

جـ -التغيير الجذرى للنظام النقدى العالمي بما يلغى الدور المسيطر للعملات الدولية في تكوين الإحتياجات الدولية ويضمن المساواة في إتخاذ القرار بين الدول النامية والدول المتقدمة.

د ـ ضمان نقل الموارد والتكنولوجيا إلى الدول النامية على أساس مستمر ومحدود وكاف.

لقد لعبت مصر دوراً محورياً لإنضاج هذا التصـور للنظام الإقتصادى العالمي الجديد، وقد إستمر هذا التحول في توسيع مضمون عدم الإنحياز ليشمل البعد الإقتصادى، على مستوى أكثر وضوحاً في فكر الرئيس السادات، كما إتضح في خطابه أمام مؤتمر دول عدم الإنحياز المنعقد في الجزائر 1973وأمام مؤتمر دول عدم الإنحياز المنعقد في كولومبو سنة 1976، ففى مؤتمر الجزائر أكد السادات أنه "يجب أن يزداد نشاط دول عدم الإنحياز فيما بينها في المجالات الإقتصادية والمالية" وطالب بإحداث تغيير جذرى في النظام النقدى الدولى، ونظام التجارة الدولية والتخفيض من عبء الديون، والتعاون الإقتصادى بين الدول النامية، وفي خطابه أمام المؤتمر الخامس في 16 أغسطس 1976 حدد السادات مهمة عدم الإنحياز بأنها إقامة نظام إقتصادى عالمي جديد على أساس من العدالة والمساواة في السيادة وتكافؤ الفرص، بما في ذلك التوزيع العادل لمنافع التجارة الدولية وثمار التقدم التكنولوجى، كذلك طالب السادات بضرورة التغيير الجوهرى لأسس النظام الإقتصادى العالمي.

لقد كان نصر أكتوبر وإستخدام سلاح النفط وإتخاذ قرار جماعى للعالم الثالث برفع أسعار النفط في عام 73/ 1974 وهو أول قرار للدول النامية منذ أربعة قرون يتعلق بالعالم ككل وغير صادر عن سيطرة المركز الرأسمالي، كان ذلك دعماً لمصداقية برنامج العمل من أجل إقامة نظام اقتصادى دولى جديد وإمكانية إستخدام مصادر القوة المتاحة للدول النامية للحصول على أسعار مختلفة للمواد الخام وإستخدام الموارد المالية المتراكمة عن هذا الطريق للإسراع بعملية التصنيع وبهذا المعنى يمكن القول أن أكتوبر 1973 مثل بحق نقطة تحول في تاريخ العلاقات الدولية، إذ عند هذه النقطة أصبحت بلدان العالم الثالث واعية ليس بحقوقها فقط، وإنما بمدى قوتها بالأساس.

إلا أن خيار النظام المصري كان مختلفاً وفضل التحالف الإستراتيجى مع الولايات المتحدة الأمريكية والإندماج في الإقتصاد الرأسمالي والسوق العالمية.وأصبحت مقــولة السادات الشهيرة بأن " 99% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا " ، مقولة دالة و موجزة على هذا الإختيار.

ومن الملاحظ في هذا الصدد أن رأس المال المالي الدولى راح يستغل التسهيلات الإنفتاحية والسخاء غير المتوقع في معاملته من جانب قادة الإقتصاد القومى آنذاك، وبدأ ينسج خيوطه العنكبوتية، بشكل متأنى حول الإقتصاد المصري من خلال قناتين أساسيتين:ـ

الأولى: مثلت في التوغل غير العادى لفروع البنوك الأجنبية الدولية النشاط داخل الإقتصاد المصرى، والدلالة الهامة لهذا التوغل الإنتشارى لهذه البنوك هي فقدان الدولة، ممثلة في بنكها المركزى الرقابة والتحكم في نشاط هذه البنوك وحرمان الإقتصاد القومى من الإفادة من جانب كبير من العملات الأجنبية التي أصبحت تنساب من وإلى خارج هذه البنوك، فضلاً عن الد ور الذي تلعبه تلك البنوك في دعم النشاط الطفيلى للقطاع الخاص ومنحه الفرصة لإستعادة دوره وفتح الجسور معه للتعامل بحرية مع الإقتصاد الرأسمالي العالمي.

الثانية: والتي تمكن بها رأس المال المالي من الإلتفاف بشكل محكم حول الإقتصاد المصرى، فقد تمثلت في ذلك السخاء الإفتراضى الذي مارسته البنوك الدولية النشاط من خلال إغراق مصر في بحر عميق من الديون الخارجية القصيرة الأجل (التسهيلات المصرفية وتسهيلات الموردين) ، فمع إضعاف سلطة الدولة في مجال التحكم في قطاع التجارة الخارجية، وفى ضوء التسهيلات غير العادية التي حدثت في مجال الإستيراد وحيازة النقد الأجنبى، وإشاعة جو محموم من الدعاية للإستهلاك الترفى، وفى ضوء الجمود الشديد الذي شهدته الصادرات المصرية، إنفجر العجز في الميزان التجارى إنفجاراً هائلاً خلال الفترة من 1973– 1977، ولم يستطع إنسياب الموارد الخارجية التي إستمرت مصر في الحصول عليها آنذاك من خلال الدعم العربي والقروض والمساعدات العربية وغير العربية أن يسد هذا العجز الهائل ورغم ذلك، فقد فضلت الحكومة أن تواجه هذا الموقف من خلال السير على طريق الإقتراض الخارجى قصير الأجل وبمعدلات سريعة للغاية ، مما أدى إلى وضع مصر في أزمات حادة من السيولة النقدية في عامى 1976 و1977، الأمر الذي أجبر المسئولين بمصر على اللجوء إلى صندوق النقد الدولي والإذعان لشروطه ولشروط المجموعة الإستشارية التي تكونت للإقتصاد المصري، وتم وضع برنامج للإصلاح الإقتصادى وهو أول برنامج بالإتفاق مع صندوق النقد الدولي يستهدف إستكمال معالم النمط الرأسمالي الليبرالى الذي بدأته سياسة "الإنفتاح الإقتصادى" على النحو الذي يتوافق تماماً مع دمج مصر في السوق الرأسمالي العالمي وتحقيق مصالح الدائنين والمستثمرين الأجانب ويشجع من نمو الرأسمالية المحلية المرتبطة برأس المال الأجنبى.

وعلى الرغم من أن هذا البرنامج قد فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق الأهداف الشكلية التي زعم الصندوق أنه يسعى إليها، مثل تقليل العجز بميزان المدفوعات، ومكافحة التضخم، وتقليل العجز بالموازنة العامة للدولة، وإعادة توزيع الموارد على نحو أفضل، إلا أنه نجح تماماً في أن يحقق أهدافه الحقيقية، فقد أصبح للصندوق كلمة تراعى، أو على الأقل تؤخذ بجدية وبعين الإعتبار عندما تقوم الحكومة بصياغة وتنفيذ القرارات الإقتصادية الهامة، وبذلك غلت يد صانع القرار الإقتصادى بمصر في وضع ما يراه مناسباً من سياسات وتوجهات بما يتفق مع ظروف مصر وأحوال شعبها، كما أن تنفيذ البرنامج وما جاء في ثناياه من تغيرات قد نجح في زيادة دمج مصر في الإقتصاد الرأسمالي العالمي وجعلها أكثر تبعية.

وفى نفس السياق فقد بدأت الحقبة التي تلت "الساداتية" والتي أعقبت عقد المؤتمر الإقتصادى القومى الذي رأسه الرئيس حسنى مبارك في فبراير 1982 وضم رموز معظم التيارات الفكرية والمدارس الإقتصادية المصرية بصياغة الخطة الخمسية الثانية في تاريخ مصر الحديث والأولى في عهد الرئيس مبارك والتي شملت الفترة عن (81/ 1982- 86/ 1987) ولم تكن سوى محاولة منظمة من جانب الدولة لوقف حالة الإنهيار التي بلغها الإقتصاد المصري أي بمعنى آخر أنها كانت "خطة تثبيت" للوضع بالتعبير العسكرى دون أن تطمح فيما هو أكثر من ذلك أي إخراج الإقتصاد المصري من أزماته وعثراته.

وجاءت هذه الخطة مخيبة للأمال بل جاءت على الضد تماماً مما كان عليه إجماع المؤتمر فقد تزايد الإعتماد على القروض الخارجية وتراجع دور التخطيط وتخلت الدولة عن قيادة التنمية وأضعفت القطاع العام تمهيداً لبيعه وألغت الدعم وأطلقت حرية تكوين الأسعار ولم تهتم بمشكلة العمالة وزيادة البطالة وتزايد التفاوت في توزيع الدخل والثروة.

كما جاءت الخطة الخمسية الثانية في عهد مبارك (87/ 1988 -91/ 1992) بنفس النتائج، بل وأكثر، مما أدى لإنتهاج سياسة "الإصلاح الإقتصادى" وفقاً للإتفاق مع الصندوق في 1991، وهو ما كان محلاً للدراسة من "1991 إلى 2001."

وهنا بالتحديد تكمن العلاقة بين سياسة "الإصلاح الإقتصادى" وبين نظام العولمة، فعملية التطور الرأسمالي الجارية في مصر طبقاً لهذه السياسة لم تكن معزولة عن عملية العولمة الجديدة الجارية في العالم الرأسمالي، بل إقترنت وإرتبطت بها وكانت جزءاً منها.

فقد كانت المؤسسات المالية والدولية (وعلى رأسها صندوق النقد والبنك الدوليين) وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية وبقية الدول الصناعية الكبرى (G8) والتي وظفت مبالغ غير قليلة في إقتصاديات البلدان النامية وفى بورصاتها المالية تراقب تطور هذه البلدان، كما أن صندوق النقد الدولي كان يلح بإستمرار ويضغط على حكوات تلك البلدان لانتهاج سياسة الإصلاح الإقتصادى "التثبيت والتكيف الهيكلى" في إقتصاديات تلك البلدان بما يتجاوب مع واقع تقسيم العمل الدولي القائم ومع مصالح إقتصاديات بلدان المراكز الرأسمالية المتقدمة مما يجعلها خاضعة كلية لقرارات تلك المؤسسات والدول الصناعية المتقدمة ويلغى عملياً القرار الوطنى الخاص والتركيز الشديد على التعجيل بالخصخصة "نزع الملكية العامة" والتخلص من دور الدولة في النشاط الإقتصادى فضلاً عن تعويم العملات الوطنية وتخفيض سعر صرفها لصالح الدولار الأمريكى بالأساس ثم محاولة تأمين الإستقرار على أساس تلك الأسعار المنخفصة.

إن خطط "التثبيت الماكرو- إقتصادى" وبرامج التصحيح الهيكلى المصممة من قبل صندوق النقد الدولي تشكل وسيلة شديدة الفاعلية لإعادة تنميط حياة مئات الملايين من البشر، كما أن عملية "الجراحة الإقتصادية" التي تتم بحسب وصفة صندوق النقد الدولى، تؤدى إلى ضغط المداخيل الفعلية وتدعيم منظومة التصدير المرتكزة على يد عاملة رخيصة، كما أن تطبيق برنامج التصحيح الهيكلى في عدد كبير من الدول النامية يسهم في عولمة السياسات الإقتصادية الكلية الموضوعة تحت الرقابة المباشرة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذان يعملان بإسم مصالح كبرى (نادى باريس ونادى لندن) فضلاً عن إعتماد منظمة التجارة العالمية وبصورة نهائية وغير قابلة للتغيير على بنود عديدة من "برامج التصحيح الهيكلى" وبخاصة ما يتعلق بالإستثمار الأجنبى والتنوع الحيوى وحقوق الملكية الفكرية" فالتفويض الممنوح للمنظمة قوامه وضع قواعد التجارة العالمية في صالح البنوك والشركات متعددة الجنسيات، وكذلك "مراقبة" تنفيذ السياسات الحكومية الوطنية بالتعاون الوثيق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولى.

لقد رأى النور "تقسيم ثلاثى جديد للسلطة" عماده التعاون الوثيق بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية من أجل "مراقبة" السياسات الإقتصادية للبلدان النامية، وبموجب هذا النظام الجديد للتجارة فإن علاقة مؤسسات واشنطن بالحكومات القومية قد أعيد تحديدها، كما أن تطبيق تعليمات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لم تعد تعتمد فقط على إتفاقات الإقراض المعقودة مع كل بلد، وهى وثائق ليس لها قوة إلزامية قانونياً، بل أصبحت شروط "برنامج التصحيح الهيكلى" وتحرير التجارة وتحرير نظام الإستثمارات الأجنبية، تشكل جزءاً عضوياً من شرعة منظمة التجارة العالمية ذاتها، هذه البنود أصبحت تشكل الأساسيات في القانون الدولي لـ "مراقبة" الدول وبصورة غير مباشرة لتطبيق شروط الإقراض.

ومنذ الوقت الذي يستوعب فيه هذا النظام منطقة / أمة ويطويها تحت جناحيه كلية فإنها تضطر -مع بعض الحرية في التصرف في الأوضاع الوطنية المتعلقة بمستوى التنمية ودرجة الإستقلال السياسي- إلى موائمة إنتاجها وقوتها العاملة وما تقدمه من مكافآت ومفهومها في الفاعلية ودرجة التخصص فيها وإستثماراتها وأولويات مواردها للاقتصاد الرأسمالي العالمي.

خلاصة القول في هذا الإطار أن سياسية "الإصلاح الإقتصادى" في مصر والتي ترتكز على أيديولوجيا الليبرالية الجديدة لم تكن معزولة عن عملية العولمة الجارية في العالم الرأسمالي، بل إقترنت وإرتبطت بها وكانت جزءاً منها وبنظامها المستند إلى "تقسيم ثلاثى جديد للسلطة" عماده التعاون الوثيق بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.



#عبد_المجيد_راشد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سياسة - الإنفتاح الإقتصادى - و نتائجه
- الفريضة الغائبة .. رسالة إلى مطلوبين للحضور العام
- آليات نظام العولمة
- تحليل مضمون نظام العولمة
- إبتلاع الدول : سياسة الاصلاح الاقتصادى و فخ العولمة المتوحشة
- الحصاد المر لسياسات مبارك و حزبه
- الوجوه العشرة في بناء حزب الكرامه
- حزب الكرامة بعض النقاط على بعض الحروف
- المفاهيم الخادعة - الاصلاح الاقتصادى نموذجا -
- مشاهد عن - أمل - يشبهنا و نشبهه
- الخصخصة إختراق للأمن القومى و سيطرة للأجانب على الاقتصاد
- ثورة 23 يوليو و النهضة الثانية لمصر فى العصر الحديث
- خلفاء محمد على - الجزء الثانى-
- خلفاء محمد على - الجزء الأول -
- تجربة محمد على فى بناء الاقتصاد المصرى
- .. العولمة : تاريخ المصطلح و مفهومه
- النهب المنظم لمصر - نموذج الخصخصة -
- علاقة سياسة الاصلاح الاقتصادى بنظام العولمة ..
- كارثة البطالة هدية مبارك و نظامه لشعب مصر
- وقائع إغتيال الجنيه المصرى


المزيد.....




- -بأول خطاب متلفز منذ 6 أسابيع-.. هذا ما قاله -أبو عبيدة- عن ...
- قرار تنظيم دخول وإقامة الأجانب في ليبيا يقلق مخالفي قوانين ا ...
- سوناك يعلن عزم بريطانيا نشر مقاتلاتها في بولندا عام 2025
- بعد حديثه عن -لقاءات بين الحين والآخر- مع الولايات المتحدة.. ...
- قمة تونس والجزائر وليبيا.. تعاون جديد يواجه الهجرة غير الشر ...
- مواجهة حزب البديل قانونيا.. مهام وصلاحيات مكتب حماية الدستور ...
- ستولتنبرغ: ليس لدى -الناتو- أي خطط لنشر أسلحة نووية إضافية ف ...
- رويترز: أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة مليار دولار لأو ...
- سوناك: لا يمكننا أن نغفل عن الوضع في أوكرانيا بسبب ما يجري ف ...
- -بلومبرغ-: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات على 10 شركات تت ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد المجيد راشد - عن حرب أكتوبر و الاصلاح الاقتصادى و نظام العولمة