أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بعلي جمال - لماذا أكتب؟














المزيد.....

لماذا أكتب؟


بعلي جمال

الحوار المتمدن-العدد: 8566 - 2025 / 12 / 24 - 23:09
المحور: الادب والفن
    


قد تختلف الآراء والأفكار، وقد تتصارع في جدلية الكتابة.
إن التعبير عن قضايا الإنسان والانتصاف لها، من خلال نقل همومه وطموحاته من المشافهة إلى التدوين والتأليف، فعلٌ نبيل يؤسس لوعي الإنسان والتاريخ. تظل الكتابة نظامًا من الرموز المرئية (الحروف، العلامات، الرسوم) التي تمثل اللغة المنطوقة أو الأفكار، وتُستخدم لتدوينها ونقلها عبر الزمان والمكان. وفي تعريفاتها الجذرية اللغوية، تتضمن معاني الجمع والحفظ.
في حقيقة الكتابة، ومع تنوع أغراضها وأدواتها، تقف الكتابة الإبداعية كلون من ألوان التعبير الفني عن الفكر والوجود. المبدع يؤثث لفنه معتمدًا على آليات تختلف عن الكتابة العلمية أو الوظيفية، فهو مرتبط بطبيعة موضوع فنه الإبداعي. (الكتابة التي تُنتج من أجل التعبير عن الذات، إثارة المشاعر، خلق تجارب جمالية أو فكرية جديدة، وليس من أجل نقل معلومات عملية أو تحقيق غرض وظيفي مباشر.) مع ذلك، فهي ليست ترفًا فكريًا، بل هي لون من التفكير والتبصر العميق الذي يدرك رسالته، بأدوات غير التي تعتمدها العلوم الأخرى.
أنا شاعر، والشعر فن من الفنون الجميلة، يصنع من اللغة عالمًا ممكنًا. هل اختياري الشعر لونًا تعبيريًا مجرد تسلية أحقق من خلالها متعة؟ أم التزام بقضية الإنسان في تشظياته اليومية؟ أنا أعبر من خلال الشعر، وقصيدة النثر تحديدًا، عن بعدي الكوني في محاولة تحقيق استخلاف ملتزم بقيم السلام والعدل.
قصيدة النثر هي تمردي، فوضاي القلقة، عصبيتي داخل رأسي... تحررني القصيدة من ثقل جسدي وبعدي المادي في زمنية العهر والقهر التي تشكل الديستوبيا.
في مسيرتي نحو هذا الشكل، وجدتُ في أنسي الحاج صوت التمرد الأول: الإيجاز الذي يشبه الوميض، والتوهج الذي لا يقبل بالتكرار. وفي محمد الماغوط وجدتُ الغضب الذي يحفر باللغة في لحم الواقع، فهو الذي جعل من قصيدة النثر سكينًا سياسيةً ووجدانيةً في آن. أما أدونيس فقد علمني أن الشعر تحول دائم، لا يسكن صناديق الذكريات ولا يقبل بالثبات. هؤلاء لم يكونوا مجرد تأثيرات، بل كانوا شهودًا على قدرة اللغة في مواجهة الديستوبيا، في زمن يحاول فيه القهر أن يصمت كل صوت حر.
الشعر رفض، يبدأ من الصدام داخل الشكل الفني نفسه، لغته، موسيقاه. نعم، أنا لا أصادر على العقول ولا أعلب الفنون داخل صندوق الذكريات، الشعر تحول...
كان الشعر دائمًا أكبر من مجرد كونه فنًا جماليًا، بل كان أداة حضارية أساسية للحفظ، التوثيق، التربية، الدعاية، التعبير الديني، وبناء الهوية الجماعية.
كان في الثورة الجزائرية هو المحرض على المقاومة، وشارك مشاركة فعالة في الحفاظ على الهوية واللغة والانتماء. وحسب الكثير من الدارسين، أن معظم النصوص الدينية القديمة كانت شعرية: الترانيم، الصلوات، الأناشيد (المزامير في العهد القديم، الگاثات في الزرادشتية، أناشيد الڤيدا).
وفي الثورة الجزائرية تحديدًا، لم يكن الشعر مجرد محرض عابر، بل كان سلاحًا وجدانيًا يحفظ الهوية واللغة وسط النار والدم. من شعر مفدي زكريا الذي غنى للأوراس وألف النشيد الوطني «قسما»، إلى قصائد بدر شاكر السياب ونزار قباني التي امتدت إلينا من العراق وسوريا، كان الشعر صوت الشعوب العربية مجتمعةً. حتى في أشكاله الحديثة، ظل يحمل نبض المقاومة، وإن تغيرت أدواته من العمودي إلى النثر الحر، فالرسالة واحدة: رفض الاستلاب والقهر.
أنا أكتب رؤيتي من خلال تذوقي الجمالي وفلسفتي في الحياة.
أكتب لأفكر، الشعر عندي تفكير، من خلاله أقدم الآخر الذي يعجز تحت أي ضغط أن يقول. والشعر كما كان في كل الحضارات هو نبضها ووجه من وجوه تمدنها.
أنا أكتب لأعبر عن تجربة روحية أيضًا، في بعض النصوص الصوفية التي ترتقي إلى حالة التطهر بالمحبة.
في زمننا الرقمي اليوم، حيث تُقرأ القصيدة في ثوانٍ على شاشات الهواتف، وتنتشر كومضات سريعة في فضاءات التواصل، تواجه قصيدة النثر تحديًا جديدًا: كيف تحافظ على عمقها وكثافتها دون أن تتحول إلى شعار براق فارغ، أو جملة قصيرة تُستهلك وتُنسى؟
أكتب لأقاوم هذا الانهيار، لأجعل من الكلمات القليلة عالمًا كاملاً يرفض الاختزال، ويبقى شاهدًا على إمكانية الإنسان في خلق الجمال من الرماد. فالشعر، في نهاية المطاف، ليس ملكي وحدي، بل هو شهادة على أننا – رغم كل القهر – لا نزال قادرين على التطهر بالمحبة والعدل والسلام.


بعلي جمال _الجزائر_



#بعلي_جمال (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الشعر نخبوي؟
- أوهام آخر النشوة
- خروج الريح بين جمرتين
- وجه من بصاق الحلزون
- برقع عاهرة
- هركليس يقتل ضفدعة
- على هامش قبح الواقع وقبح النقل
- عباءة عثمان
- شعر غواية الممكن
- أين نحن من صناعة الفكرة ؟
- أحلام تافهة -في إنتظار من لا يأتي-
- سقوط صنم
- ملحمة الكلمات
- حوار مع الشاعرة رتيبة لطرش/ عاشقة النوارس/
- إلى أسير فلسطيني
- تقاسيم وجه باهت
- رسالة من العالم الآخر
- فتحة في جدار عازل
- إمتداد
- سواعد النار


المزيد.....




- عرض فيلم وثائقي يكشف تفاصيل 11 يوما من معركة تحرير سوريا
- وفاة الممثل والمخرج الفلسطيني محمد بكري عن عمر يناهز 72 عاما ...
- رحيل محمد بكري.. سينمائي حمل فلسطين إلى الشاشة وواجه الملاحق ...
- اللغة البرتغالية.. أداة لتنظيم الأداء الكروي في كأس أمم أفري ...
- بعد توقف قلبه أكثر من مرة.. وفاة الفنان المصري طارق الأمير ع ...
- نجوم يدعمون الممثل الأميركي تايلور تشيس بعد انتشار مقاطع فيد ...
- إقبال متزايد على تعلم اللغة التركية بموريتانيا يعكس متانة ال ...
- غزة غراد للجزيرة الوثائقية يفوز بجائزة أفضل فيلم حقوقي
- ترميم أقدم مركب في تاريخ البشرية أمام جمهور المتحف المصري ال ...
- بمشاركة 57 دولة.. بغداد تحتضن مؤتمر وزراء الثقافة في العالم ...


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بعلي جمال - لماذا أكتب؟