أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بعلي جمال - هل الشعر نخبوي؟














المزيد.....

هل الشعر نخبوي؟


بعلي جمال

الحوار المتمدن-العدد: 8563 - 2025 / 12 / 21 - 16:21
المحور: الادب والفن
    


( أنا لا أدين ولا أتهم )

إن الشعر، إذا لم يعبر حقيقة عن تطلعات الشعوب، ولم يكن صوتها وقائدها في مواجهة الظلم والقهر، فهو مجرد انغلاق داخل قوقعة القصيدة. منذ البدايات كان الشعر، ولا يزال، أغنية الإنسان الخالدة وترنيمة التحدي، توثيقاً للحياة وإصراراً من الإنسان على قوة الفعل للسيطرة على الطبيعة، بل ولتغيير مجرى التاريخ نفسه. فالشعر ليس ترفاً فكرياً، بل سلاحاً روحياً يحرر الضمير الجماعي ويبني الوعي المشترك.
هل الشعر نخبوي؟
هذا في الحقيقة ليس سؤالاً بريئاً، بل هو مجرد تضخيم لأنا الشاعر الذي يعتقد أنه ذلك القديس الذي لا تلوث يداه بعالم الغوغاء. ما الفرق بين أن ينتقص سياسي من وعي الجماهير، مدعياً أنها غير قادرة على فهم "التعقيدات"، وبين زعم الشاعر أن الشعر "نخبوي" يتطلب ذكاءً استثنائياً لا يمتلكه العامة؟ كلا الادعاءين ينبعان من النزعة الطبقية نفسها التي تفصل بين "النخبة المتنورة" و"الجماهير الجاهلة". وقبل ذلك، دعنا نتعرف على المفردة «نخبوي» في دلالتها الخطيرة؛ فهي تعبر عن طبقية ممقوتة بتشكيل سياسي قبيح، يذكرنا بكيف استخدمت النخب الثقافية عبر التاريخ لتبرير السلطة والامتيازات.
المعنى السياسي أو الاجتماعي (غالباً سلبياً): يشير إلى النخبوية، أي الاعتقاد بأن مجموعة صغيرة من الناس (النخبة) أفضل من الآخرين بسبب ثروتها أو سلطتها أو ثقافتها أو مهاراتها، وأنها تستحق امتيازات أكبر، مع نظرة تفوق أو تكبر تجاه عامة الناس. يُستخدم أحياناً للقدح في أفكار أو سياسات تبدو «منفصلة عن الشعب» أو موجهة فقط للطبقة العليا (مثل «فكر نخبوي» مقابل «فكر شعبوي»). وفي عصرنا الحالي، نرى هذا الادعاء يتجلى في بعض الدوائر الأدبية التي ترفض الشعر الشعبي أو المنشور على وسائل التواصل، معتبرة إياه "رخيصاً"، بينما تمجد النصوص المعقدة التي لا يفهمها إلا القلة.
وأعتقد أن هناك أيضاً معنى مخادعاً يتورط فيه الشاعر بتعالٍ أقل ما يقال عنه إنه حالة من النرجسية تسقط دور الفرد في «التغيير». الشعر لا يمنحك تميزاً بقدر ما تمنحه المعاني والأفكار التي تلتزم بها في خدمة الإنسان وقضاياه. فالشاعر الحقيقي ليس نبياً منعزلاً، بل مشاركاً في معاناة شعبه، يحول آلامهم إلى كلمات تلهب الثورات وتبني الأمل.
وهذا ما يجعل الشعر أقرب إلى أذن الإنسان وقلبه، فهو يعبر عما يعجز الفرد عن الإفصاح عنه، ويمنح الصوت للصامتين. تذكر كيف كان شعر المقاومة في فلسطين (مثل محمود درويش) أو في أمريكا اللاتينية (مثل بابلو نيرودا) يتحدث بلسان الملايين، لا باسم نخبة مثقفة منفصلة.
وفي طرح رسالية الشعر، نقف على سر من أسرار الشاعرية التي تميز بين الشعراء ونصوصهم (يختلف أحمد شوقي أيام خدمته للأمراء عن شعره في المرحلة بعد المنفى). ألم يكن شوقي شاعراً نخبوياً في بداياته؟ في الحقيقة كان شاعر البلاط، يمدح السلطة مقابل الامتيازات، فحرره المنفى من صندوق المدح الأميري، والدارسون لشعره من النقاد يقفون على اختلاف جذري بين شوقي أثناء خدمته لدى الأمير وبين عودته شاعر الشعب، خاصة بتأثره بثورة 1919 التي جعلته يغني للكادحين والثوار. ومثل شوقي، نجد نزار قباني الذي تحول من شاعر الحب الرومانسي النخبوي إلى صوت الغضب الشعبي ضد الاستبداد بعد هزيمة 1967، أو أدونيس الذي يُتهم أحياناً بالنخبوية لتعقيد نصوصه، لكنه في جوهره يسعى لتجديد اللغة لخدمة الإنسان العربي المعاصر.
الشعر في الأصل ليس نخبوياً (جوهرياً)، وبعض الفرق التي تراها فنا لغوية فقط، إذ يتطلب فخامة وآليات صناعة بما يشبه تأصيلاً للفقه. وهذا أحد أوجه التجني على «التطور والتغيير في الشعر شكلاً ومضموناً». الذين يقدسون العمود والقصيدة العربية الكلاسيكية يرون الشعر فناً لغوياً باذخاً، والخروج عليه ردة ثقافية أو مؤامرة على الهوية اللغوية. لكن التاريخ يثبت العكس: الشعر الحر والنثري (مثل عند بدر شاكر السياب أو نازك الملائكة) لم يقتل الشعر، بل أحياه وجعله أقرب إلى نبض العصر، يتحدث بلغة الشارع دون أن يفقد عمقه. إن رفض التجديد تحت شعار "النخبوية" هو في الحقيقة خوف من فقدان الامتيازات الثقافية، لا دفاعاً عن الجمال.
في السياق نفسه، ما إذا كان الشعر نخبوياً أم يجب أن يكون صوت الشعب وقائده، يبرز أحمد فؤاد نجم (1929-2013) كنموذج حي ومثالي للشاعر الملتزم الذي رفض تماماً فكرة النخبوية، وجعل شعره سلاحاً في يد الجماهير، يعبر عن آلامهم وغضبهم وأحلامهم. لقب بـ"الفاجومي" (نسبة إلى "فاجوم"، تعبير عن التمرد والفجور في مواجهة الظلم)، وأصبح رمزاً للشعر الشعبي الثوري في العالم العربي.
لقد رفض أحمد فؤاد نجم أن يكون الشعر ترفاً نخبوياً، والنماذج كثيرة في شعرنا العربي.
في النهاية، الشعر الحقيقي هو الذي ينزل إلى الشعب، لا الذي يطلب من الشعب أن يصعد إليه. هو جسر بين القلوب، لا حاجز يفصل بين النخبة والعامة.


بعلي جمال _الجزائر_



#بعلي_جمال (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوهام آخر النشوة
- خروج الريح بين جمرتين
- وجه من بصاق الحلزون
- برقع عاهرة
- هركليس يقتل ضفدعة
- على هامش قبح الواقع وقبح النقل
- عباءة عثمان
- شعر غواية الممكن
- أين نحن من صناعة الفكرة ؟
- أحلام تافهة -في إنتظار من لا يأتي-
- سقوط صنم
- ملحمة الكلمات
- حوار مع الشاعرة رتيبة لطرش/ عاشقة النوارس/
- إلى أسير فلسطيني
- تقاسيم وجه باهت
- رسالة من العالم الآخر
- فتحة في جدار عازل
- إمتداد
- سواعد النار
- لعيونك وطني


المزيد.....




- بعد 7 سنوات من اللجوء.. قبائل تتقاسم الأرض واللغة في شمال ال ...
- 4 نكهات للضحك.. أفضل الأفلام الكوميدية لعام 2025
- فيلم -القصص- المصري يفوز بالجائزة الذهبية لأيام قرطاج السينم ...
- مصطفى محمد غريب: هواجس معبأة بالأسى
- -أعيدوا النظر في تلك المقبرة-.. رحلة شعرية بين سراديب الموت ...
- 7 تشرين الثاني عيداً للمقام العراقي.. حسين الأعظمي: تراث بغد ...
- غزة التي لا تعرفونها.. مدينة الحضارة والثقافة وقصور المماليك ...
- رغم الحرب والدمار.. رسائل أمل في ختام مهرجان غزة السينمائي ل ...
- سمية الألفي: من -رحلة المليون- إلى ذاكرة الشاشة، وفاة الفنان ...
- جنازة الفنانة المصرية سمية الألفي.. حضور فني وإعلامي ورسائل ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بعلي جمال - هل الشعر نخبوي؟