رحمة يوسف يونس
الحوار المتمدن-العدد: 8562 - 2025 / 12 / 20 - 00:18
المحور:
الادب والفن
تلفتني الأقداحُ الورقية
تلك التي نسكب فيها الشاي والقهوة
وحتى السوائل الباردة
ولكن
لا يمكنني أن أنسكب أنا في قدح ورقي
ليس لأنني غير سائلة فحسب
بل أنا لا أصلح للانسكاب
في داخلي مدينة حية
فيها جانبٌ قديم، وجانبٌ آخر حديث
وهذا الجانب الحديث مرهق للغاية
فهو يأمرني أن أذرع مئات الدرجات في السلالم
كي أصل إلى طابق علوي في بناية فخمة
أو أن أقف في صندوق حديدي
يصعد بي إلى الأعلى نيابة عن قدميّ
صندوق يشبه التابوت
هذا الحديث يخيّرني
بين أن أُتعِب قدميّ
أو أنسجن في تابوت
أنا التي ما زلت حية
أو عليّ أن أنسحب
وأنظر إليّ كأنني قزم
أمام البنايات العملاقة
ذات الواجهات الأنيقة
والزجاج المظلل اللامع
الذي يريني صورتي المرهقة
فأحرص على أن أبتسم
حتى لو كانت ابتسامتي مزيفة
الجانب القديم يشبهني
حيث أستعمل قدميّ بلا تكلف
حين أرى جزءًا متهالكًا من بناية
يشبه حزني
حين أرى دكانًا فوضويًا
يشبهني عندما أتكاسل عن الترتيب
وتذكرني اللوحات رديئة الإملاء
بالكلمات التي تلعثمت في لفظها وأنا طفلة
والألفاظ التافهة من صِبية
يضيعون مراهقتهم في الطرقات
لفظتها يومًا فحرمتها على لساني أمي
تذكرني بتفاهتي
وضجيج المارة وزحامهم
وضحكهم وصياحهم
وانشغال البائع وعجلة المشتري
ذلك كله يشبه جنوني
وأعود إلى هدوئي
حين أرى كبيرًا في السن
متكئًا على عكازه
يجلس على مقعد خشبي
أمامه قدح ورقي
لا يمكنني أن أنسكب كلي أنا فيه
#رحمة_يوسف_يونس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟