أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ثامر كلاز - قراءة في ديوان (أشتري نعاساً) للشاعرة عالية محمد علي















المزيد.....

قراءة في ديوان (أشتري نعاساً) للشاعرة عالية محمد علي


ثامر كلاز

الحوار المتمدن-العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 18:22
المحور: الادب والفن
    


عندما قرأتُ قصائد ديوان (أشتري نعاساً) للشاعرة عالية محمد علي، أعجبتُ بها إعجاباً شديداً. ولكن حين وصلني كتاب (حرائق الروح على أرض الغياب) للدكتور ظاهر شوكت، وهو دراسة نقدية لديوان الشاعرة، وضعتني تلك الدراسة التحليلية الفيّاضة في حيرة من أمري؛ إذ استطاع الناقد الدخول إلى عالم الشاعرة من الباب الواسع، في حين ولجتُ أنا من الباب الضيق.
عند قراءة كتابه النقدي (حرائق الروح على أرض الغياب) أجبرتني على إعادة قراءة الديوان من جديد، وخيرٌ ما فعلت؛ لأن الناقد الدكتور ظاهر شوكت استطاع أن يلتقط الجوهرة تلو الأخرى، ويصفّفها بحرفية عالية كحبات الرمان، مشكِّلاً بناءها الجمالي الذي ليس له نظير.
لقد ارتقى الدكتور بأسلوبه النقدي الجميل إلى مصاف اللغة الشعرية، بنثرٍ مبهر، ولا سيما حين يزاوج بين الشطر الشعري للشاعرة وبين ما يسطره ناقدنا اللبيب؛ وهناك نرى سرداً أدبياً راقياً، يحرك النفوس ويداعب الوجدان.
أما الشاعرة عالية، فبكتابتها لهذا الديوان تحرّك متعمدةً ذلك الشجن الساكن بداخلها منذ عقود، والقابع في ذلك القلب الحزين، وهي تقول:
ما ظننتُ أنني سأوغلُ إلى هذا الحد
في تحطيم قفصي لصدري
محرِّرةً قلبي ليتبعك
أيها الساقي سنواتِ قحطّي
يا طائري الغريد الحائر بين عناوين الأغصان
ورمادُ الوقت يناثر حوله مواقدي المطفأة
ليس عدلاً أن تتعادل كفتا الميزان
بين القلم الرحيم والمحماة الظالمة
ديوان (أشتري نعاساً)صيدٌ ثمين لمن يهوى الشعر؛ جاء سلساً بعيداً عن الغموض. وقد أشفقتُ على الشاعرة التي حاولت جاهدةً أن ترمم نوعاً من الفرح لكنها أخفقت، إذ ظل خيط الحزن الشفيف لا يفارقها، منبثقاً كمدامع حرّى مسكوبة على جُمَل أوجاع، وليس وجعاً واحداً. شعرٌ يتّقد مثل المواقد، كلما خبت ناره قليلاً جاء من يحرّكها ويقلبها، فتعود جمراته الحمراء كعيون التنانين.
كم نادت وصرخت، فلم يكن هناك سوى الصدى. تمنّيت أحلاماً، لكنها ظلت بعيدة المنال؛ أحلامٌ تخثرت مثل الدماء، تظل طافية على الأرض، رافضة ابتلاع ذلك السائل القاني، ليبقى حتى التيبّس، ويتلاشى مع لونه البنفسجي. هكذا تبقى أحلام الخيبة ناصبةً خيامها على أرضٍ جرداء، لا نبات ولا مطر، ولا طائر يحلق فوقها ولا حتى عابر سبيل سلك ذلك الطريق خطا وهي القائلة:
ظننتُ أن الزمان الكسيح سيخطو يوماً
وها هو يتعكر أمامي على ذكرياتك
التي تحبو كقطيعٍ أهوج من النمل الأحمر
كم تحاول الشاعرة أن تُظهر قوتها وعزمها، لكن دون جدوى؛ تظهر أنها هُزمت في كل المعارك، حتى مع الأحبة والمخلصين، وكانت تحارب بسيفٍ خشبي مكسور، وهي تقول:
يا لشجاعتي… لحظة وقفتُ بعزم محارب
على أرض الذاكرة
بساقٍ واحدة ولن أترنح
طارت سرب فراشاتك الليلية
ذات حلمٍ مجنون
كتبتُ موعيدي معك
على كفّي كي لا أغفل أو أنسى
وتظل هذه الهواجس المنفلتة لا تكف عن الحركة، وقد تركت ثقوباً كثيرة في ثوب الحياة، لا تفارق تلك المخيلة التي لا تنسى، كأنها كُتبت بمدادٍ صيني لا يُمحى أبداً، قائلة:
أكشف أمام المرآة عن خاطرة الروح
فأجد وشماً مزرقاً بإبهامك الغائب
تعالَ لنغرق علينا غرقَ المرساة في البحر
لقد أظهر الناقد الدكتور ظاهر شوكت تفاصيل ذكية، موضحاً ما أقدمت عليه الشاعرة باستخدام المجاز والتشبيه والبيان والاستعارة والكناية والتورية. أما أدوات النداء التي أكثرت منها الشاعرة، حتى بح صوتها وتمادت فيما تقول، مستنجدةً، فلم تحصد سوى الصدى:
أيها الطائر الغريب
ليتك أسقطتَ لي ريشة الأمل
كي أبقى باحثةً عن جناحيك
ما تبقى من عمري
وفي قصيدة أخرى تقول:
انتظرتك طويلاً في محطات غيابك
حين أخذتَ حقيبة نبضي معك
إن أبحار الشاعرة في عالم الحزن لم تأتِ من فراغ، بل من ذكرياتٍ لا تُنسى، من طعناتٍ جاءت عن قرب؛ لذلك ظلت هذه الجروح تعيد نزفها بين حينٍ وآخر. إنها جروح مستديمة، وقفت الشاعرة أمامها لتتعايش معها وتتقبلها، وهي تقول بيأسٍ وألم:
حين تأتيك زوارق اللهفة
مخرومةً من أسفلها
يسيل منها حلمك المالح العنيد
ممزوجاً بطعم اللاه
في أكثر من قصيدة جاءت إيحاءات رمزية عالية، لكنها غير غامضة، بل كاشفة عن نفسها، كالدمى التي تتحرك عبر الأسلاك ويمكن التلاعب بها. فضلاً عن ذلك، أعطت كل شيء حقه: الحب، الفرح، الجمال، القبح، الإذلال، القدسية؛ لكن كان للحزن القدح المعلّى، حاضراً بقوة في قصائدها.
تصف جمال الحب عند كيوبيد، إله الحب الروماني، ذلك الطفل الجميل بجناحيه وقوسه وسهامه، وعند ميدوزا ذات العيون النافذة، التي تقلب التائه إلى حجر، ولوعـة ابن الملوح مع ليلاه، وبثينة جميل، وعزّة كثير… كلها محطات اندحار وخسارات، وهي تقول:
تمرّ حافيةً على رمالٍ داسها العشاق
وتركوا عليها ذبالة أمانيهم الممنوعة
يا لذلك الممنوع الذي رصف الشوارع العريضة للعشاق
وأجبرهم على أزقة مطفأة القناديل
وفي قصيدة أخرى تقول:
والميزان يبكي كفّيه الفارغتين
وتبتهج القيود وهي تأكل معاصمهن
كانت القصائد أشبه برسائل تنبعث منها صرخات تظلّم، مما أضفى على شعرها جمالاً مضافاً؛ إذ تشعر أن القصيدة فتحت لك قلبها وأظهرت كل ما فيه، وكشفت ما خفي خلف جدار الإيماءات والإشارات التي قد تتصورها مبهمة بل تعرفها بكل سهولة من تلك الذاكرة المتعبة والمثخنة بجراح الحزن,.
لقد استطاع الناقد الدكتور ظاهر شوكت، بفكره الثاقب، أن يقف على هذه الرموز جميعها ويحللها بدقة متناهية. ولولا كتابه، وأنا أجزم، لفاتني الكثير؛ ولهذا كان لزاماً عليّ أن أضع ديوان الشاعرة على يميني وكتاب الناقد على يساري، وأتنقل بين دفّتي الكتابين، وكان التزاوج بينهما شرعياً، أثمر مولوداً بالغ الجمال والكمال في تحليل القصيدة ونقدها.
تقول في وصف من تحب:
أيها العصفور، صف لي شجنه الليلي وأرقه
وهو يحملني كما تحمل النملُ يرقاته الثمينة ليلاً
حين يهاجر
صف لي سحاب عينيه المقتولة برعد فراقنا
صف لي التجاعيد الصغيرة لعينيه
صف لي قطرات مطرٍ توكاتٍ على رمشيه
صف لي، كما يليق الوصف بما لا يوصف
عند الشاعرة نوع من الصمت؛ قصيدة تُقرأ كأنها صامتة، أشبه بالصمت البوذي النبيل الذي يوحي بالتأمل، ويبلغ أعلى مراتب الصبر، ويتقبل قتل الفرح والسرور، منفصلاً عن العالم الخارجي ليزيد تواصله مع عالمه الداخلي، عالم الأنفس والأرواح، كما جاء في أكثر من قصيدة.
في ديوان الشاعرة عالية محمد علي (أشتري نعاساً) قصيدة قصر الثلج، الفائزة بمسابقة أدب المرأة للاتحاد الدولي للأدباء – المركز العام الأميركي 2018، وكذلك قصيدة لعبة الحزن الفائزة بمهرجان همسة الدولي – مصر 2017.
هناك إحساس لا يفارق الشاعرة، كأنها تُساق إلى محاكم غير عادلة، فتقبلت المظالم، خاصة بعد فشل كل دفاعاتها، وآثرت الصمت في كثير من مرافعاتها، وهي القائلة:
قروح بحيران الملح في فمي
وتقول أيضاً:
الثلج قاضٍ جائر
وقلبي متهم بالدف
هكذا تضع السلاح جانباً، وتجلس على دكة الانتظار، لعل العدل يزورها يوماً. تناشد قلبها الجريح حين تذوي الورود، وتركع الأشجار، وتنحني أعشاشها، وتفقس عن أفراخٍ جبانةٍ خرساء، تألف ذل الأقفاص ولا تفهم معنى الحرية.
تقول إلى طائر المنفى، مناديةً بأعلى صوتها:
تيقّن بأننا من الممكن، وببساطة الرغيف
أن نقتسم الموت
وتسترسل بالقول أيضاً:
لم يكن يدري أن تلك المتفجرة شغفاً
مزكومةٌ فيه… ويسيل أنفها
أخيراً، أقول للشاعرة:
النعاس لم ولن يأتي، وأنتِ تحت مطارق الحياة الست القائلة:
النعاس لا يحل ضيفاً
على عيونٍ تتكحّل بالدمع



#ثامر_كلاز (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في رواية رائحة الوقت المؤلف/ هاشم مطر
- ابعاد فكرية
- اين انت
- من هنا وهناك
- الاخوات برونتي (آن ، اميلي ، شارلون)
- الكاتب الاوكراني (نيقولا غوغل)
- الكاتبة الامريكية هارييت ستاو


المزيد.....




- بعد التوبة.. حاكم ولاية تينيسي يصدر عفوًا عن نجم موسيقى الري ...
- أفغانستان تودع ثالث سينما تاريخية بعد إزالتها من قبل طالبان. ...
- الممثلة الأممية: عدم الثقة بين مجلسي النواب والأعلى للدولة ي ...
- نقطةُ ضوءٍ من التماعات بدر شاكر السيَّاب
- ماذا قال تركي آل الشيخ عن فيلم -الست-؟
- مدينة مالمو تستضيف الفنان السوداني محمد برجاس كـَ ”فنان مُحت ...
- مسابقة -يوروفيجن- تواجه الانهيار بسبب مشاركة إسرائيل
- في يومها العالمي: اللغة العربية بين التطوير وخطر التراجع
- الموسيقى تقلل توتر حديثي الولادة وذويهم في غرف الرعاية المرك ...
- من الجبر إلى التعرفة الجمركية.. تعرف على كلمات عربية استوطنت ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ثامر كلاز - قراءة في ديوان (أشتري نعاساً) للشاعرة عالية محمد علي