أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - ثامر كلاز - قراءة في رواية رائحة الوقت المؤلف/ هاشم مطر















المزيد.....


قراءة في رواية رائحة الوقت المؤلف/ هاشم مطر


ثامر كلاز

الحوار المتمدن-العدد: 7522 - 2023 / 2 / 14 - 22:12
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


اسم الرواية/ رائحة الوقت
المؤلف/ هاشم مطر
كاتب وناقد ومغترب يعيش في كوبنهاكن عراقي الجنسية
الناشر/ دار العالي
الطبعة الاولى 2022
تقع الرواية في 489 صفحة
رواية رائحة الوقت التي جالت سطورها على مساحة جغرافية كبيرة بدأت من العراق لتسافر الى ايران ثم سوريا وبعدها غرب اوربا وشمالها من فرنسا الى الدول الاسكندنافية هذه المساحة بكل طبيعتها الجغرافية والتضارسية والمناخية وطبائع سكانها استطاع الكاتب ان يمسكها من العنق ليقدم لنا عمل كبير يتلائم من هذه الالوان من البشر والجغرافية... بالمقابل لا يمكن من خلال هذه السطور ان احيط القارئ بكل تفاصيل الرواية التي زخرت بالأحداث الكبار والشخصيات التي تتحرك على كثير من خطوط الطول والعرض للكرة الارضية ولا عن افكارهم وامانيهم ومعاناتهم وافراحهم واتراحهم، استطيع ان اقول كل الشخصيات التي جاءت في الرواية كانت نابضة بالحركة ولها موطئ قدم في الاحداث... وايضا استطيع ان اقول ان الرواية هي من النوع (الاسر) من البداية تقع في شباكها وتضع الاصفاد على ذهنك وتظل تعيش معاها حتى لو اغلقت واطبقت على الرواية، هكذا عشت معها انها رواية بعيدة عن الحشو الزائد والمقحم قسرا وليس فيها تكرار وانما هناك دائما مستجدات تجعل القارئ يلهث خلفها كل هذا يسجل للكاتب الذي تعامل مع الاحداث المتلاحقة بابتكارات لفظية وجمل رصينة سطرت بأنسيابية موحدة وعالية من اول الرواية الى نهايتها ولم يتعثر قلم الكاتب ابدا ولم يعجز امام كل المواقف التي وصفها وانما على العكس كان قلما بارعا في وصف الاحداث في زمانها ومكانها مما يعطي صورة جدا واضحة ويزرع في مخيلة وعقلية القارئ ان كل ما جاء فيها زمناً ومكاناً مرسوماً بدقة وبحرفية وسطر بنسيج ادبي بدون تكلف لم المسه الا عند فطاحل الكّتاب...
يمكن ان يطلق على الرواية انها عمل ملحمي لما فيها من اسفار وتشابك في الاحداث ولقاءات الابطال وافتراقهم وترى فيها من نماذج من الخلق الرفيع والتضحية حد الموت والى جانبه ادنى مراتب الخسة والنذالة والدناءة وباقي الاحداث تسبح بين هذين القطبين....
اما الازمنة عند الابطال لا تسير حسب التواريخ التدريجية وانما هناك التقديم والتأخير مما يجعل القارئ مثل قطعة الشطرنج ينقلها الكاتب حيث اراد وفي اي وقت مما يزيد المتلقي متعة في هذه القفزات المكانية والزمانية رغم ذلك استطاع الكاتب ان يمسك بكل رؤوس الخيوط ويحركها كيف يشاء... ومن جماليات الرواية ان المساحة النسوية في الاحداث هي اكبر بكثير من المساحة الرجالية وخاصة بطلة الروية (مريم كريم) المهجرة من العراق هي وعائلتها الى ايران كونها تبعية ايرانية وهي بطلة العبور باجتياز جبال زاكروس بين العراق وايران ذلك العبور الاسطوري في خريف ذلك العام البارد من خلال الممرات والوديان والسفوح والمضايق الجبلية تحفها الانزلاقات الثلجية والحافات الحادة والسفوح ذات الانحدار الرئيسي والدوامات الهوائية الشديدة والضحايا الذين ذهبوا في تلك المسالك المجهولة كانت (مريم) هي البطلة وهي الباسلة في تلك المسيرة التي صورها الكاتب بسيناريو شبيهة بأساطين كتاب السيناريو في استديوهات (هوليود العالمية) مريم التي قادت هذه الجموع مع ثلة من الشجعان انقذت هذا الجمع العائلي من نساء وكبار سن واطفال لتحل بعدها في ارض فارس (ايران) وتعيش حالة المخيمات المزرية وبعدها اكملت المسيرة والوصول الى سوريا مكثت هناك وقادتها الصدفة للتعرف واللقاء مع ابطال جدد وحقيقيون على امل الالتحاق بالزوج المقيم في الدنمارك هذا الزوج الكاذب والمخادع لكنها جازفت بجوار سفر مزور وتمّ لها ما ارادت ووصلت الى الدنمارك وهناك بدأ سفرٍ ثانٍ مع الحياة الجديدة... كل هذه الاحداث خلقت منها امرأة صلية وقوية ولم تهزم لقد اشتد عودها من شبابها عندما كلفها خالها السياسي اليساري بمهة الى جنوب العراق وانجزت المهمة برغم مخاطرها مع امرأة فقدت ابنها اسمها (خضرة) وتعد خضرة ايضا من بطلات هذا العمل الروائي وكذلك الحال مع المرأة الاسكندنافية (كيتا) صاحبة البعد الانساني مع اللاجئين السياسيين والانسانين والتي ربطتها علاقة غير شرعية مع زوج مريم المقيم في (كوبنهاغن) (كامل انور) وانجبت (كيتا) منه بنت ولا يمكن ان ننسى ام مريم التي فقدت ولديها اثناء بدايات الحرب بين العراق وايران وبعدها تحملت مسيرة الهجرة وقادت العائلة بعد هجرة ابنتها مريم وظلت تعمل بكد مع ابنتها العانس سهيلة وابنها الوحيد (حامد) وكذلك الصبي (سعد) التي اخذت برعايته بعد ان فقد عائلته واصبح بمثابة الاخ الى حامد وكذلك الزوج البائس الذي توفيّ في المهجر رغم ضربات الدهر الموجعة من فقدان الولدين في الحرب وهجرت مريم الى اوربا ووفاة الزوج ظهر الواعظ الايراني الذي اثر بولدها حامد الذي شب في ايران بعد ان انغلق فكريا واستطاع في النهاية ان يجند حامد في الجيش الايراني ليحارب ابناء بلده العراق وبعدها بدأ بالإجهاز والتخطيط على ابنتها (سهيلة) تحت ذريعة (زواج المتعة) كل هذه المعاناة ورحلة المآسي اضطرها اخيراً ان تزوج ابنتها سهيلة العانس من صديق ابيها الرجل الطيب المسن (سالم عواد) الذي سافر تحت اسم مستعار هاربا من الموت بمساعدة صديقه ضابط الشرطة تحت اسم رحيم محمد علي شاه ولم يكتفي الواعظ بهذه الهزيمة وانما بدأ بمضايقة العائلة فما كان من حامد الذي هرب من الجيش الايراني بعد ان طلب منه قتل بعض الاسرى العراقيين العزل لقد ابت نفسه وتصورهم مثل اخويه اللذان فقدا بالحرب مع ايران فما كان منه الا ان فك وثاق البعض وارتدى بزت احد الضباط القتلى الايرانيين وعاد الى عائلته وقبل ان تبدا مسيرة الترحال الكبرى بعد وفاة الام انتقم من الواعظ الايراني الذي هو سبب كل هذه المعاناة فكان نصيب الواعظ رفسة ظافرة من رجل الشاب حامد بين فخذية ادت الى تورم خصيتيه وتعطيل ذكره نهائيا وبدا رتل من خمسة اشخاص رحلة الموت تحت رقابة ومطاردة الجندرمة الايرانية وهم يلاحقون الشاب حامد المنتحل شخصية ضابط ايراني وسعد الذي يعتبر اخيه سهيلة التي عانت النزيف الدموي الدافئ وزوجها سالم عواد ابو جمال وسلمان البلوشي الايراني الذي ابدى مساعده تصل حد التضحية بالنفس من شدة نقمته على نظام الملالي...
من الملاحظ على الرواية ايضا ان كل الابطال لم يستقروا على ارض ثابته كانوا يدورون مع دوران الارض ولهذا اطلقوا على اي مكان يحطون فيه عصا الترحال (الوطن الام) اي جغرافية تحتضنهم هي الوطن الام الكل هارب مطاردة ومهاجر من مكان لآخر من عائلة مريم الى سمية عزام وزوجها السابق عدنان والمناضل امير مسلم الذي يتم اغتياله في باريس الى سلمان البلوشي وام نغم وابنتها نغم وولدها عادل المصاب بالتوحد وكنتها وطفلها وهناك في المهجر سوزان وام سوزان العائلة المسيحية وهي خالة سامر الجندي البطل والشريف... كل هذا جعل الرواية تحمل من القتامة الكثير جعلت منها بمثابة الحصالة التي لملمت مآسي...
بشرية متنوعة حتى (الحب) اكثر نهاياته مفجعة عدنان وسمية انفصلا مما دفع سمية ان تنزلق وتضعف في بعض الاوقات وكذلك تعرضها لاعتداء جنسي وحشي من قبل وكيل الوزير لكن ظلت مؤمنة بمبادئها وظل حب عدنان متقد في داخلها وكذلك الحال بين امير مسلم وطليقته ندى، ومريم بطلة الرواية تركت حبها الاول مع (علي) في العراق وانتهى الحال باستشهاده في الحرب ودفنة تحت احد نخيل العراق وسامر المسيحي الذي قتل شر قتلة على يد رجال الاستخبارات العسكرية بسبب موقفه الانساني من المهجرين والذي حمل مريم بالخفاء رسالة الى حبيبته (سمر) ولتقبى جثته في البراري طعماً للظواري الكاسرة وكذلك الحال بين الحبيبين وليد ونور ولا تعرف ايضا مصير ظافر ذلك العاشق لاحلام صديقه مريم الذي اختفى مع خال مريم (خضير) وهم يلتحقون مع جبهة الثوار في شمال العراق ومأساة (شيرين) التي خدعها ونكل بها الضباط الايراني في مخيم اللاجئين ووعدها بالزواج بعد ان خرق عفافها وكان مصيرها قبر في البرية هكذا كانت نهايات الكثير من قصص الحب لهؤلاء الابطال كل هذه (الادراما)
انسابت من قلم الروائي بلغة راقية وقريبة من الشعرية وبأسلوب أخاذ لقد وصف كل انواع الحب حب الاساتذة الكبار والحب العابر اثناء الغربة والحب المتقد واللاهب بعد الفراق وكذلك وصف المعاشرة عن طريق الاقناع والاعجاب وعن طريق الاغتصاب مع ذكر بعض الشواذ الذين يميلون للجنس المشابه والتغرير بالصبية عن طريق الخداع والتهديد .. كما جاء وصف التعذيب والاعتقال على يد رجال الامن بابشع صورها تعذيب نفسي بدني تحرش واغتصاب ..... ومن اللافت لم تكن اي شخصية في الرواية هي طارئة على الاحداث أو هامشية وإنما هي تشكل جزء وركنا مهماً من سيرت الرواية بدليل القارئ يمتصها ويتقبلها وتدخل مسارات ومنعطفات الرواية، لتقدم في النهاية حصيلة وافرة لهذا السفر الكبير .. كان وصف الأنظمة الدكتاتورية واجهزتها البوليسية اخد قسطاً وافراً بإظهار الأساليب الذكية التي يتم فيها قتل الإنسان من الداخل والطرق المبتكرة في أساليب التعذيب مما يدفع الفرد في النهاية إلى السقوط او الاختفاء أو الهروب الى المجهول وترك كل ما يحب وهذه الاساليب الرخيصة التي تندرج في نظرهم تحت يافطة المحافظة على سلامة النظام والوطن من المخربين والعابثين، لقد قدمها الكاتب بشكل غير مباشر من خلال المعاناة والضياع الذي تعاني منه المجتمعات الشرقية ... ورغم ذلك كان هناك بعض الومضات الإنسانية عند بعضهم مثل ضابط الشرطة الذي تعاطف مع صاحب الفندق ( سالم عواد) الذي يتستر على بعض الاجتماعات للشباب الشيوعين الذين يجتمعون في فندقه بالرغم من انه ليس شيوعياً وانما يمتلك فكره عن هؤلاء الشبان انهم اصحاب فكر نظيف و اهداف شريفة وبعد ما انكشف امره نتيجة المداهمات للفندق كان مصيره الاختفاء والا الموت المؤكد لكن ضابط الشرطة الذي كان يحمل الود لصاحب الفندق وتجمعهم صفه واحدة هي (حبهم للنساء) اعطاه اوراق مزورة باسم جديد لواحد متوفي ولكنه لم يسجل ومن اصول ايرانية وزجه في السيارة التي تحمل قوافل المهجرين الإيرانيين لقد انقذه من حبل المشنقة لكنه رماه الى عالم المنافي وباسم شخص آخر... هكذا جاءت الرواية لتارخ فترة زمنية محصورة بين العقدين الأخيرين للقرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين المليئة بالأحداث الكبرى حروب طاحنة تهجير قسري حالة غير مستقرة في اهوار العراق الجنوبية وعصيان على ذرى جبال العراق الشمالية واعتقالات عشوائية وقائية واعدامات متسرعة لكل من يتقاطع مع النظام ولو بجزئية بسيطة هكذا كانت الارشفة صورة ناطقة نقلها الروائي بصورة صادقة وكل الذين عاشوا هذه الحقبة يعرفون مدى صدق ما کتب، جاءت الرواية خالية من الرمزية الأ في بعض المواطن مثلاً اسم الرواية ( رائحة الوقت) هو عنوان يحمل الكثير من التورية وكذلك تكرار الرقم ((12)) ودورة في الاحداث وهل يمكن ايضا اعتبار اسم البطلة للرواية ( مريم) جاء عن قصد كونه اسم متداول في العالم ويحمل الحيادية والقدسية عند المسيحين والسلمين وهل البطلة (مريم كريم) يمكن اعتبار سفر حياتها تمثل حياة الشرق القاسية بكل تفاصيلها وذلك بزواجها بالمغترب في (كوبنهاغن) (كامل انور) والذي تم بشكل سريع و بدون حب و مقدمات على امل ان ينجز اورقها لتلتحق به في المهجر كان زواج شبه اغتصاب بالرغم من انه يحمل ورقة شرعية وكيف حالها عندما عبرت الحدود الجبلية بين العراق وإيران وما رافقها من اهوال واذا بها في المخيمات الخاصة بالمهجرين الذين فقدوا الهوية في العراق يطلقون عليهم ايرانيون والايرانيون يطلقون عليهم المهجرون العراقيون وبعدها وصولها الى سوریا نقطة الشروع للسفر الى (كوبنهاغن) فأنها الشاهد على حياة المخيمات والعلاقة مع الابطال اليسارين والانسانيين في سوريا وبعد وصولها إلى الدنمارك وعيشها في (كامب اللاجئين) وحصولها على الطلاق من الزوج الكاذب والمخادع وفقدانها حبيبها الأول (علي) وهي الآن بأنتظار حبيبها البطل (سهیل) بعد عبوره البادية الغربية وعلاقتها بالرجل الاسطورة (محسن الشيخ) وبالمرأة الطبية (كيتا ) الدنماركية والمهمة التي انجزتها وهي شابة في العراق بعد ان كلفها خاليا (خضير) مع المرأة (خضرة) وعلاقتها أثناء الرحلة الجوية مع ام نغم ونغم واخيها عادل و والكنه وطفلها وبعدها اللقاء مع سوزان وامها كل هذا السفر هل يصل إلى الرمزية ان تمثل هذه الشابة حال الشرق ماله وماعلية انها رمزية كبرى تجسد واقع صعب وجائر ومرير وبائس رغم ذلك يقدم لنا الروائي صورة افقية بعيدة وتنذر بأن هناك من سينهض وبدفع ويزيح هذا الركام لتعود الحياة من جديد بنفسها الطبيعي وتبقى (مريم کریم) هي السارد للأحداث وهي المحافظة على الأسرار أنها بمثابة صندوق الأمانات لأبطال الرواية بحلوها ومرها بدأت رحلة العذابات وانتهت وهي ترجع بذاكرتها الطرية عندما جلست بذلك الباص الازرق وهي مغمضة العينين جنب الشباك بزجاجة النصف مفتوح تاركة الهواء الجاف يلفع وجهها ويعبث بشعرها الكستنائي الطويل المسبل على کتفین نحيلين انبثقت من مخيلتها حكايات واحداث تعتقت ودفنتها الايام لكنها ظلت تتنفس تحت ذلك الحمل الثقيل من صروف الدهر والايام وانبعثت من جديد... السؤال هل مريم كريم تمثل سيرت حياة الشعوب في الشرق ... لقد جاءت الرواية بأسلوب محكم وافصحت عن روائي لا يتلاعب بالألفاظ بهدف التزويق كان قلمه طيعاً لم يخذله ابدأ في وصف الفكرة وصف المكان والابعاد الزمنية والنتيجة ان هذه الرواية قد طرحت لنا كاتب يمتلك ثقافة موسوعية رصينة افصحتها التفسيرات للأفكار والآراء سواء كانت فلسفية (دينية، سياسية، تاريخية، جغرافية) فضلاً عن العبارات المجازية الجميلة التي تأتي هنا وهناك على سبيل المثال ((جعل كل منها تتقيء قيحها بداخلها )) و (( انفجرت بهم طاقة غريبة تدفعهم نحو الوميض المرتعش كأنه أبر تثقب عباءة الظلام )) و(( ان قلباً واحداً لا يكفي للشجون )) و (( قطرة واحدة من الشجاعة قد تخلق المستحيل )) .... اما الذكريات فقد ظلت من اللاعبين الاساسين، في بناء الرواية وتظهر شاخصة في كل مفاصل الرواية خاصة عندما، تنأى الاحداث بالأبطال وتطوح بهم بعيداً عن مراتع طفولتهم وصباهم وكهولتهم هناك الاصدقاء والجيران وزملاء الدراسة عالم لا يمكن نسيانه مهما بعدت الشقة، أما الموت لقد صورته الرواية يبدأ صغيراً ثم يتسع شيئاً فشيئاً من بدايات التهجير اخذ الموت يبتلع الافراد ثم اتسع إلى الجماعات وجاءت الحرب لتحصد الآلاف... رغم كل الواقعية في الرواية التي كتبت عن الافذاذ والبواسل وعن الحقراء والانذال وذهبت بواقعيتها ان ذكرت بعض الاسماء لاناس حقيقيون عاشوا وعايشناهم في مدينة بعقوبة التي انبثقت منها الشرارة الأولى للرواية منهم فاضل ابو الكنية ، شلال بائع الباقلاء، ابو حسين بائع الشلغم، شهيد بائع اللبلبي، ابو عدنان الفلسطيني بائع الاقمشة هذه الشخصيات جعل من الرواية اكثر التصاقاً بالواقع.
عند قراءة الرواية والتمعن بإحداثها ومدى المساحة الواسعة التي شغلتها وابطالها الكثيرون والذين كتبت على جلودهم قصصهم المؤلمة والترابط بينهم يوصلك إلى حقيقة ان العمل بهذا الحجم ليس بتلك التلقائية التي قد يتصورها البعض على العكس انه عمل متقن وقد أعد له سيناريو مسبق ومحكم وخاصة انه عمل نابع من المواقع ونصيب الخيال فيه النزر اليسير الذي قد يقارن بين الابطال الرواية وبين رحلات السندباد أو عودة اديسيوس في الالياذة، هناك رحلات في الرواية قريبة من الخيال منها رحلة مريم مع جموع المهاجرين عبر جبال زاكروس ورجلة ظافر مع الخال خضير ومجازفات سهيل عبر البادية وسمية وامير مسلم بأوراق مزورة الى اوربا.. وقد جاءت في الرواية التماثل بالمشاهد بالرغم من اختلاف الاماكن وهي طقوس الحج التي ادت مناسکها ام نغم في كوبنهاغن تماثلها طقوس ام مريم في مدينة مشهد عند الامام الرضا(ع) وتلك الادعية والطقوس التي تصل بك الى جو روحاني فريد وكذلك مشهد قتل سامر هذا الجندي الشريف على يد الاستخبارات العسكرية، تقارنه ام مريم بفقدان ولديها اللذان فقدا في بداية الحرب عندما قذف بهما من الطائرات السمتية خلف خطوط العدو وغيرها من المشاهد المروعة هكذا قدم لنا الكاتب رواية مسبوكة البناء وليس عملاً مرقعاً حتى انه ابقى النهايات شبه مفتوحة رغم الانكسارات والمآسي الا ان الرواية تقول مادمت مقاوماً فأنك لست مهزوماً ختم الكاتب الرواية يسرد المطاردة لرحلة الخوف والرعب من ايران عبر الحدود تلاحقهم الجندرمة الإيرانية لسهيلة اخت مريم مع نزيفها الدموي الحار وهي على ابواب الولادة وحامد المصاب بالكتف من جراء المصادمات مما استفحل الجرح ليصاب (بالكنكرينا) وابو جمال زوج سهيلة الكبير المسن والمتفائل الذي تقول سننجح وتلد سهيلة وسلمان البلوشي المصاب يطلق ناري سعد الذي يعتبر اخو حامد في المسيرة الشاقة ورغم المصاعب. وبرودة الجو الا ان رسائل الاطمئنان المشفرة اتتهم من البطل محسن الشيخ. ودلتهم على المكان الأمن المتفق علية والذي سيذهب اليهم عابراً الحدود وقاطعاً الفيافي والوهاد والوديان وقمم الجبال والمتسلل ليلا ليفلت من رقابة الدوريات. والربايا العسكرية ومحاذر من الظواري المفترسة كذلك الحال هروب سمية عزام مع امير مسلم بأوراق مزورة ولحقهم عدنان اخذوا دورهم بالعمل وفضح الانظمة القمعية وتدويل اغتيال امير مسلم المناضل اليساري وايضا دور سهيل الذي سيكمل مسيرة العبور ويحمل كثير من المستندات والوثائق التي تدين المجرمين والقتلة اما مريم كريم البطلة التي حزمت امرها ولبست عدت العمل وعلقت حقيبتها على كتفها بعد ان دست بها عدت اوراق وذهبت بشکل مكشوف إلى ساحات الى النضال وتداعب فكرها ذكريات لا يمكن ان يحميها بالزمن وهي تردد اغنية فيروز ..

بأسنين اللي رحتي أرجعيلي
ارجعيلي شي مرّه ارجعيلي
وانسيني ع باب الطفولي
تا اركض بشمس الطرقات
على هذا الشكل المفتوح ينهي الروائي هذا العمل الملحمي والذي لا بالغ اذا قلت كم تمنيت ان لا تنتهي هذه الرواية لأظل استمتع واعيش مع ابطالها برحلاتهم وافكارهم ومجازفاتهم ومع ذلك الأسلوب الخلاب الذي يتفاعل مع الوجدان...
ان رؤية رائحة الوقت تستحق ان توضع في مصاف الروايات الإنسانية العالية.

سطور من وجهة نظر قارئ
وليس من وجهة نظر ناقد
ثامر گلاز



#ثامر_كلاز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابعاد فكرية
- اين انت
- من هنا وهناك
- الاخوات برونتي (آن ، اميلي ، شارلون)
- الكاتب الاوكراني (نيقولا غوغل)
- الكاتبة الامريكية هارييت ستاو


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - ثامر كلاز - قراءة في رواية رائحة الوقت المؤلف/ هاشم مطر