أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - نور جواد الدليمي - الكهرباء في العراق: لماذا خرجت بعض المناطق من الظلام وبقيت أخرى أسيرة المولدات؟















المزيد.....

الكهرباء في العراق: لماذا خرجت بعض المناطق من الظلام وبقيت أخرى أسيرة المولدات؟


نور جواد الدليمي

الحوار المتمدن-العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 16:38
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


منذ عام 2003 وحتى اليوم، لم يشهد العراقيون يوماً واحداً من التجهيز الكهربائي المستمر، رغم الأموال الضخمة التي صُرفت، ورغم الوعود المتكررة، ورغم أن المشكلة باتت واضحة للجميع. المفارقة المؤلمة أن المواطن العراقي يدفع اليوم للكهرباء أكثر مما يدفعه مواطن في دول مستقرة، لكنه يدفعها بشكل غير مباشر، مجزأ، ومهين، عبر المولدات الأهلية التي صارت جزءاً من حياته اليومية، لا لأنها الأفضل، بل لأنها البديل الوحيد.
المشكلة لم تعد سؤال إنتاج فقط، فالعراق ينفق تريليونات الدنانير سنوياً، إذ بلغت كلفة إنتاج الكهرباء لغاية أيلول 2025 أكثر من 5 تريليونات و6 مليارات دينار، وهو رقم هائل لو قورن بحجم الخدمة المتحققة فعلياً. السؤال الحقيقي هو: لماذا لا تصل هذه الكهرباء إلى الناس بشكل مستمر؟ ولماذا نجحت التجربة في أماكن محددة، وفشلت في باقي البلاد؟

حين تتغير الإدارة… تتغير النتيجة
في مناطق مثل زيونة والمأمون في بغداد، وفي مجمعات سكنية كبرى مثل بسماية، يعيش الناس تجربة مختلفة تماماً. تجهيز كهربائي مستمر، غياب شبه كامل للمولدات، وكلفة شهرية أقل بكثير مما يدفعه المواطن العادي لصاحب المولد. هذه المناطق لم تُمنح معجزة، بل طُبّق فيها نموذج بسيط وواضح: خدمة مقابل أجر، إدارة واحدة مسؤولة، وعدادات دقيقة، مع منع التجاوزات منذ البداية.
هذه التجارب المحلية تنسف الحجة المتكررة التي تقول إن "العراق لا يمكن تجهيزه بالكهرباء 24 ساعة". الحقيقة أن العراق قادر، لكنه لا يفعل ذلك في كل مكان لأنه ما زال يعتمد نموذجاً فاشلاً في الإدارة والتوزيع، لا في الإنتاج فقط.

الدفع مقابل الخدمة ليس عبئاً… بل إنقاذ
كثيرون يرفضون فكرة دفع أجور حقيقية للكهرباء، لكنهم في الواقع يدفعون أصلاً، وبمبالغ أكبر. المواطن اليوم يدفع فاتورة دولة لا تعطيه كهرباء كافية، ويدفع بعدها لصاحب المولد مبالغ تتضاعف في الصيف، بلا عدادات دقيقة، وبلا ضمان، وبلا حق شكوى.
اقتصادياً واجتماعياً، دفع أجور معقولة مقابل خدمة مستقرة أفضل للجميع:
الدولة تخفف نزيف الإنفاق، المواطن يحصل على كهرباء يمكن الاعتماد عليها، والاستهلاك يصبح منطقياً بدل الهدر المفتوح. التجارب أثبتت أن الناس ليست ضد الدفع، بل ضد الدفع بلا خدمة.

القانون نفسه يقرّ بالتحول نحو العدادات الذكية
ما يُطرح اليوم كحل ليس فكرة نظرية أو اجتهاداً إعلامياً، بل توجه أقرّه المشرّع العراقي صراحة. فقد نص قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم (13) لسنة 2023، في المادة (2/أولاً/8/ج)، على جملة التزامات واضحة على وزارة الكهرباء، أبرزها:
١. على وزارة الكهرباء تزويد الأحياء السكنية التي لا توجد فيها شبكة توزيع الطاقة الكهربائية (غير مكهربة) بشبكة أرضية مع نصب عدادات ذكية مسبقة الدفع وبدون أن تتحمل الوزارة أي تبعات مالية على أن يتم تسديد مستحقات كلف التنفيذ من خلال الجباية وبموجب اتفاقات بين الوزارة والشركات المنفذة.
٢. على وزارة الكهرباء تغيير شبكات التوزيع الهوائية إلى شبكات أرضية وتعطى الأولوية في التنفيذ للمناطق ذات الاستهلاك المرتفع أو نسب التجاوز المرتفعة مع نصب عدادات ذكية أو مسبقة الدفع ولكل المستهلكين على أن يتم دفع مستحقات الشركات المنفذة لذلك من الجباية.
٣. تقوم وزارة الكهرباء بالزام الشركات المنفذة للمجمعات السكنية الاستثمارية بنصب عدادات ذكية أو مسبقة الدفع للوحدات السكنية في تلك المجمعات، وتتم أدارة الجباية من قبل نفس الشركة المنفذة أو شركة أخرى في حال اعتذار الشركة المنفذة عن العمل.
٤. تقوم وزارة الكهرباء بالجباية من جميع الوحدات السكنية والمستهلكين داخل وخارج التصميم الأساسي للمدن وتزويدها بعدادات ذكية أو مسبقة الدفع.
هذا النص القانوني يعكس بوضوح أن الدولة نفسها انتقلت، تشريعياً، من منطق "الكهرباء المجانية او شبه المجانية" إلى منطق "الخدمة المنظمة والجباية العادلة".

58% ضياعات… المشكلة ليست إنتاجاً بل سيطرة
آخر التصريحات الرسمية كشفت رقماً صادماً:
الضياعات المسموح بها فنياً في شبكات الكهرباء ينبغي ان لا تتجاوز 6%، بينما تبلغ الضياعات الحالية أكثر من 58%. هذه النسبة لا تعني انقطاعاً تقنياً، بل تعني كهرباء مُنتَجة ومجهزة، لكنها غير مجباة، وغير مسيطر عليها، وغير منظمة، وتُصنّف كـ"ضياعات إدارية".
بمعنى أوضح للقارئ غير المختص: أكثر من نصف الكهرباء التي تُنتَج لا تدخل دورة الجباية ولا تعود كإيراد للدولة، وهو ما يجعل أي زيادة في الإنتاج بلا جدوى، طالما بقيت منظومة التوزيع خارج السيطرة.

لماذا يرفض البعض هذا الحل؟
الرفض لا يأتي من سبب واحد، بل من ثلاث جهات رئيسية:
أولاً، أصحاب المولدات، الذين تشكلت حولهم شبكة مصالح واسعة، وأي حل جذري للكهرباء يعني تهديد هذا المصدر.
ثانياً، بعض المواطنين الذين اعتادوا على الكهرباء المجانية أو شبه المجانية، ويرفضون فكرة الالتزام والدفع المنظم.
ثالثاً، الفقراء والمحتاجون، الذين يخشون أن يكون الدفع عبئاً يفوق قدرتهم.
أي مشروع جاد يجب أن يتعامل مع هذه الاعتراضات، لا أن يتجاهلها.

كيف نُجفّف منابع الرفض بدل الاصطدام بها؟
الحل لا يكون بالقوة ولا بالشعارات، بل بآليات ذكية:
1 - اعتماد العدادات الذكية والدفع المسبق، بحيث لا تُجهّز الكهرباء إلا بعد التسديد، وهو نظام معمول به عالمياً.
2 - دعم الفقراء نقدياً بدل دعم الاستهلاك المفتوح، لضمان العدالة وضبط الهدر.
3 - دمج أصحاب المولدات ضمن منظومة شركات التجهيز، كمقاولين محليين أو شركاء ثانويين، لتقليل المقاومة وتحويلهم إلى جزء من الحل.
4 - دفن شبكات الكهرباء تحت الأرض بدل الأسلاك المتدلية، وهو استثمار طويل الأمد يقلل التجاوزات والضياعات.

التدرج هو مفتاح النجاح
لا يمكن تعميم التجربة دفعة واحدة على كل العراق. الحل الواقعي هو البدء بمناطق مختارة، منظمة، يُضمن فيها الالتزام بالدفع والتجهيز المستمر، ثم توسيع التجربة ضمن سقف زمني واضح. حين يرى الناس بأعينهم أن مناطق قريبة منهم تنعم بكهرباء مستقرة وبكلفة أقل من المولد، سيتحولون من معترضين إلى مطالبين بتطبيق التجربة عليهم.
هكذا تُبنى القناعة، لا عبر الخطابات، بل عبر الواقع.

الخلاصة
العراق لا يعاني نقصاً في المال ولا في الطاقة، بل في القرار والسيطرة. النصوص القانونية موجودة، والتجارب الناجحة قائمة داخل بغداد نفسها، والأرقام الرسمية تؤكد أن المشكلة إدارية بالدرجة الأولى. الكهرباء المستمرة ليست حلماً، بل خياراً مؤجلاً.
المشكلة لم تعد: هل يمكن؟
بل: متى نقرر أن نطبق ما شرّعناه بالفعل؟



#نور_جواد_الدليمي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يصبح الزي الموحد جزءاً من الطريق: هل الزام اصحاب الكيات ...
- 120 مليون دولار كادت تُنتزع من العراق… كيف قلب ملف قانوني من ...
- حين يتحول الخلاف الأسري الى شروع في القتل: قراءة قانونية في ...
- جريمة السحر والشعوذة في المقابر:سرد أدبي لوقائع حقيقية
- فحص المخدرات عند التعيين… حلٌّ ناقص لظاهرة خطيرة: لماذا نحتا ...
- أخطر ثغرات دعوى منع المعارضة في القانون العراقي… وكيف تتجنب ...
- الصك بين الحقيقة القانونية والواقع: هل هو أداة وفاء أم أداة ...
- أسرار اختيار أفضل محامي في العراق: الدليل الذي يبحث عنه الجم ...
- لا تملك دليلاً مكتوباً؟ إليك الطريق السري لاسترجاع دينك
- كارثة الكوت: عندما يتحول الإهمال إلى مقصلة جماعية – قراءة قا ...


المزيد.....




- دعوات إعدام وسجال ولاء.. صدام حاد بين ترامب ومشرعين بالكونغر ...
- من كابل إلى القارات الخمس.. اللاجئون الأفغان يشكلون إحدى أكب ...
- أغلبية الألمان تؤيد تخفيض عدد طالبي اللجوء وتشديد سياسة الهج ...
- منظمة دولية: غزة لم تعد تعاني من المجاعة بعد تدفق المساعدات ...
- الأمم المتحدة تعلن انتهاء المجاعة في غزة وتدعو لإدخال المزيد ...
- هدم المخيمات .... مسار استراتيجي متكامل لتصفية قضية اللاجئين ...
- تنفيذ حكم الإعدام بحق عميل إسرائيلي..كيف تواصل مع كيان الاحت ...
- العفو الدولية تدعو تونس لإلغاء أحكام سجن المعارض العياشي اله ...
- الأمم المتحدة: الحوثيون اعتقلوا 10 من موظفينا باليمن ليرتفع ...
- غوتيريش يدين بشدة احتجاز الحوثيين مجددا موظفين في الأمم المت ...


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - نور جواد الدليمي - الكهرباء في العراق: لماذا خرجت بعض المناطق من الظلام وبقيت أخرى أسيرة المولدات؟