أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد يحيى عبيد - حوار الذات ومخاطبة الشبيه














المزيد.....

حوار الذات ومخاطبة الشبيه


عماد يحيى عبيد
محام ، كاتب وناشط حقوقي وسياسي مستقل

(Imad Yhya Obeid)


الحوار المتمدن-العدد: 8556 - 2025 / 12 / 14 - 02:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


محطة 1-:
في إحدى الأماسي الشعرية الخاصة بالشعر العامي والمقامة في المركز الثقافي للمدينة، وصل الشاعر (نجم الأمسية) من إحدى القرى ومعه ثلاثة باصات مكتظة بالجمهور من ضيعته حيث تجاوز عددهم السبعين شخصا، وحضر من رواد المركز ما يقارب نصفهم، مما اعتبره القائمون على الشأن الثقافي مهرجانا يستحق التقدير أمام اضمحلال وتدني الإقبال على المناسبات الأدبية.
لكن الملفت بالمناسبة أنه بعد كل هيجان خطابي أو نبرة حماسية من الشاعر تلتهب أكف المصفقين وتتالى صيحات الإعجاب والتقدير ليس أهمها هتاف (الله .. الله)، بل كان هناك هتافات محفوظة في لاوعي الجمهور مثل (صح لسانك ... حياك يا نمر القوافي ... طاعتلك حروف الشعر ...) إلى ما سنحته اللغة من عبارات الثناء والمديح، هذا فضلا عن الذين قاطعوه ليدلوا بدلائهم من أشعار حماسية تحاكي المناسبة وأحيانا لا علاقة لها بالمناسبة.
يقال أنه بعد أن انتهت الاحتفالية عاد الشاعر ورفاقه إلى قريتهم، وإلى بيته بالذات حيث اصطفت المناسف وخاطبت بطونهم ببلاغة تفوقت على بلاغة شعر تلك الأمسية. ويقال أنه لحق بهم القائمون على الثقافة وجلسوا في صدر المضافة.
لم يمض إسبوعين إلا وشهد نفس المكان أمسية لشاعرين قدما من خارج المحافظة كل منهما يحمل رصيدا موثقا بالإصدارات والشهادات وقيمة أدبية معروفة على مستوى الوطن العربي، فلم يحضر في القاعة ربع العدد الذي حضر في أمسية الشاعر العامي اللوذعي، وصودف أن كان في الحفل الأخير أحد مناصري الشاعر العامي، فأوصل له وقائع الحفل من حيث عدد الحضور لا من حيث قيمة مادة الاحتفالية، فرد عليه شاعر المناسف: (طير الصقر فوق الروابي مساريه ... وطير القفص محبوس كنو رهينه).
محطة 2-
بعد أن أنعم الله على أمة العرب والإسلام بالأنترنت، ثم سخر لهم الهواتف النقالة بتقنية الأندرويد، وامتلكه الصغير والكبير والمقمط بالسرير، أصبح دأب واهتمام كل حامل لهذا المخلوق العجيب أن يفتح له حسابا على الفيس بوك، ومن الطبيعي أن تبدأ صداقاته مع الأصول والفروع حتى نهاية أغصان شجرة العائلة، ثم يبحش عن أهل العشيرة والضيعة والطائفة إضافة إلى أصحاب البروفيلات الجميلة والصور الاغرائية، وإذا امتلك أبجدية القراءة والكتابة وكتب جملتين نسخا ولصقا بنية حسنة أو سيئة (لافرق) سنجد زخات الإعجابات وسيول التعليقات – بغض النظر إن كان أصحابها يعرفون (الطبيخ بدار مين) وبعد ذلك ربما نحتاج إلى متطوعين لتهدئة رأس صاحب المنشور، فما بالكم إن كان الناشر يتمرجل على الشعر ويستهويه السجع ولديه تضخم في هرمونات الحب والهيام، وأطرى عليه جوقة الرديدة، وأزروه بالثناء والمديح، عندها سيبدأ بالتسويق لنفسه على أنه شخصية عامة (ويا أرض اشتدي وما حدا قدي) ... بالرغم من أنه يعرف أن كل جمهوره من أهل الحارة.
محطة 3 –
في عالم السياسة التي أضحى الإعلام فيها صاحب القول الفصل على رأي (سيمون هيرتش) تيسر لمن هبَّ ودبَّ أن يصنع له منصة إعلامية ويسوق لها وينتقي جمهوره من المستحوذ عليهم مسبقا من جهة الخطاب الذي يدغدغ أحلامهم، وحتى على صفحات السوشل ميديا فجمهور هؤلاء يردد ما قاله خطيبهم حتى لو أخطأ.
في الأزمات تزدهر هذه الخطابات وتتجلى التبعية بأبشع صورها خاصة تلك المرتدة إلى المراجع الإثنية العرقية والمناطقية والإيديولوجية (خاصة الدينية وحلقتها الضيقة الطائفية) وفوقهم تفعل المصلحية فعلها الانتهازي، فيما تغيب عندهم الرؤى فوق العصبية، هناد يتقوقع كل خطاب ضمن دائرة مريديه والمفلوكين به، بعد أن يغدقوا عليه عبارات المديح والثناء ليتحول إلى الممثل الشرعي والوحيد لأمالهم وطموحاتهم، فيركب الخطيب هوادج الريح ويحلق ويظن نفسه أن ما قاله فصل الختام وبعده (رفعت الأقلام وجفت المحابر واحتجبت الصحف)، بالوقت نفسه يسري إحساس إيماني شفيف المشاعر لدى مؤيديه فيبايعونه على السراء والضراء مادام يناغي فيهم إحساسهم بالوجع ويضخم من مظلوميتهم إلى درجة أن يصبح مجرد تكرار المأساة واستذكارها هو الغاية وليس الوسيلة لتجاوزها.
هذا الخطاب الأحادي مجاله الحيوي الاستثمار بالجهل والمأساة معتمدا على الذهنية القطيعية المتفشية والولاء الأعمى وعدم القدرة على اجتراح حلول أو علاجات تنتقل من حالة اللطم إلى الفعل، حتى الفعل إن تم اقتراحه يأتي على هيئة اقتراح عاطفي يربت على كتف الجمهور بصيغة مفارقة للواقع، سيما إن عرفنا أن العجز هو سيد الموقف فيتم الاتكال على تبجيل الأفراد باعتبارهم مُخَلصين وبانتظار فتاويهم، وقد يصل الأمر إلى ذروة التسليم لهم وتبرير كل ما يصدر عنهم من أخطاء لأنهم ارتقوا عندهم إلى مصافي التبجيل.
خاتمة:
هذه المحطات الثلاث تشير إلى مدى تغول الذهنية القطيعية لدينا، ومدى التسويق للخطاب الجامع لها، مما يعني أن صاحب الخطاب يخاطب نفسه ويبقى ضمن دائرته ولا يستطيع أن يتخطاها لأنه سيفقد رصيده الجمهوري إذا دخل إلى عالم المختلف، كذلك التابع له لا يرغب أن يسمع خطابا مغايرا لما يريد فيغلق أذنيه عن الأخر متنعما بمحدوديته ومكتفيا بشرنقته ما دام هنالك من يمده بالخطاب المدغدغ لها.
في المحطات الثلاث نرى:
الشاعر الشعبي المكتفي بعشيرته هو لا شيء إن بقي محصورا بها وبجمهورها.
المناضل الفيسبوكي سيبقى ضمن حارته وحيزه الضيق بالرغم من فرصته للإبحار في فضاء لا محدود، لكن عجزه يمنعه عن التواصل المفتوح فيكتفي باللعب داخل الجدران.
الناشط السياسي وجمهوره سيبقيان يحاكيان بعضهما البعض آلاف السنين إن لم يأخذا بعين الاعتبار أن هنالك آخرا مختلفا يجب أن يتحاوروا معه.
الخطاب الموجه إلى الذات والحوار داخل الأنا لن يخرجنا خارج جسدنا إن لم نستنشق هواء آخرا مختلفا، فلنكن متحصنين للفاسد منه ولنملأ رئتينا من عليله.



#عماد_يحيى_عبيد (هاشتاغ)       Imad_Yhya_Obeid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- للكأسِ ثلاثةُ أنصافٍ
- مسرحية الأمم المتحدة
- السويداء والخيارات الصعبة
- المظلومية ... ديكتاتورية المصطلح
- الدولة المستحيلة
- مرثية لغد مضى
- البرناسية، قداسة الفن
- موقف الأديب بين الانحياز والتحيز
- النصوص الدستورية وحقوق المرأة السورية
- الإعلان الدستوري السوري، خطوات إلى الوراء
- الديمقراطية وشرعنة الديكتاتورية
- العرب خيمة وسوق
- بين مدينة إفلاطون وإمارة ميكافيللي


المزيد.....




- مقتل شخصين وإصابة آخرين في إطلاق نار بجامعة براون الأمريكية، ...
- الداخلية السورية تكشف معلومات عن منفذ هجوم تدمر الدامي
- سقوط قتيلين وجرحى في إطلاق نار بجامعة أميركية
- من هو رائد سعد القيادي في -حماس- الذي أعلنت إسرائيل اغتياله؟ ...
- ألمانيا تحبط مخططا -إرهابيا- لمهاجمة سوق لعيد الميلاد
- قتيلان و8 مصابين في إطلاق نار جامعة براون الأمريكية.. وترامب ...
- ما قصة -الشموسة- التي أدت إلى سلسلة وفيات اختناق داخل منازل ...
- سوريا.. تفاصيل تتكشف عن هجوم تدمر والقوات الأميركية تعزز انت ...
- إطلاق نار في جامعة أميركية.. وأنباء عن سقوط جرحى وقتيلين
- الأردن: تحركات رسمية بعد ارتفاع الوفيات بمدافىء محليّة وإغلا ...


المزيد.....

- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد يحيى عبيد - حوار الذات ومخاطبة الشبيه