أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أنس الراهب - قوس الأزمات، سورية - اللعبة الكبرى















المزيد.....



قوس الأزمات، سورية - اللعبة الكبرى


أنس الراهب

الحوار المتمدن-العدد: 8553 - 2025 / 12 / 11 - 19:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمــة:
شهد الشرق الأوسط منذ مطلع القرن الحادي والعشرين سلسلة من التحولات البنيوية العميقة، بدأت مع الثورة الإيرانية ثم الحرب على العراق، وصولًا إلى الثورة في سورية، وهجوم 7 أكتوبر، وانهاء الدور القوي لإيران عن طريق اضعاف حزب الله في سورية ولبنان، ليُعاد إنتاج "قوس الأزمات" الذي كثيرًا ما استُخدم في الاستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية الغربية لوصف مناطق التوتر في منطقة الهلال الخصيب.
منذ عام 2011، تم تركيز الضوء على سورية كساحة رئيسية الأكثر تعقيدًا في المشهد الإقليمي، حيث تحولت التوترات الداخلية فيها إلى صراعات متعددة المستويات (داخلي، إقليمي، ودولي). ما جعلها تمثل نموذجًا مكتملًا ضمن بيئة استراتيجية مضطربة لفهم آليات اللعبة الكبرى الجديدة التي تعيد رسم خرائط النفوذ من جديد، في المنطقة، وتطرح إعادة وتعريف مفهوم سيادة الدول.
منذ أن نشأت دول جديدة في منطقة بلاد الشام من خلال اتفاق سايكس وبيكو، بقيت سورية تعاني من عدم الاستقرار وأحيانًا فقدان في السيادة! وغالبًا ما كانت الانقلابات العسكرية هي سيدة الموقف، مّا تسبب في حالة عدم استقرار لها. ومن جانب آخر شهدت المنطقة عشرات الحروب، أضعفت دولها وأوهنتها، وكان آخرها الحرب في سورية، والتي استمرت أكثر من عقد، فأوصلت بها إلى حالة التفتت.
يقال أن ثلاث وثلاثون دقيقة كانت كافية لتغيير وجه سورية، والمنطقة، وهي الفترة التي أمضاها الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" مع الرئيس المؤقت لسورية "أحمد الشرع". وجهتا نظر قالهما "ترامب" كانت كافيتان:
تحقيق السلام مع إسرائيل هو السبيل الوحيد لاستقرار المنطقة.
الجماعات الإسلامية الممثلة بهيئة تحرير الشام وقائدها (الجولاني – الشرع) وحدها القادرة على ذلك في هذه المرحلة. وعليه يجب منح "الشرع" كل الدعم لبسط سيطرته على سورية.
ثلاث وثلاثون دقيقة جعلت الجميع يتساءل عن الأسباب الحقيقية لاختيار (الجولاني – الشرع) لهذه المرحلة، ولقيادة سورية؟ وعن دعم هيئة تحرير الشام التي صُنفت الولايات المتحدة على قوائم الإرهاب، ووضعت مكافآت مالية على قادتها، وأخيرًا هل سيتوقف الأمر عند قيام السلطة الجديدة بتحقيق السلام مع إسرائيل والانفتاح على الغرب، أم سيتجاوز ذلك لتحقيق أغراض لا يمكن التكهن بها بعد؟
ولفهم الحدث السوري والتطورات اليومية في المنطقة هناك ضرورة للعودة إلى الفترة التي قامت بها الثورة الإيرانية وما جاء بعدها من حروب الخليج الثلاث وأحداث الربيع العربي والحرب على غزة، وأخيرًا الانقلاب الدولي على "بشار الأسد" واستلام السلطة من قبل إسلاميين متشددين. وربطها جميعها مع الدراسات والأبحاث التي أعدّها باحثين واختصاصيين وسياسيين غربيين عن الشرق الأوسط، والتي بدأ بها "ماهان" ثم "سايكس" و"بيكو"، و"بلفور"، و"لويس" و"اينون" و"بوش" الابن "ورايس" و"بريجنسكي" و"كوردسمان" و"بيترز" و"كوشنير" حتى وصلت إلى رؤية "ترامب" للشرق الأوسط الجديد.

مفهوم قوس الأزمات وإعادة انتاجه بعد 2001:
ظهر مصطلح "قوس الأزمات" للمفكر "زبيغنيو بريجنسكي" في سياقات الحرب الباردة، ليدل على مناطق عدم الاستقرار الممتدة من شرق المتوسط حتى جنوب آسيا. إلا أنّ إعادة استخدام المصطلح من جديد جاء في إطار الاستراتيجيات الأمريكية الجديدة عقب أحداث 11 سبتمبر.
وقد ذكر "بريجنسكي" في كتابه رقعة الشطرنج الكبرى: التفوق الأميركي وضروراته الجيو - استراتيجية. وبأن كلاً من تركيا وإيران، الدولتين الأكثر قوة في "شرق البلقان" واللتين تقعان على حدوده الجنوبية، ضعيفتان من حيث الإمكان ومكشوفتان أمام الصراعات العرقية الداخلية (البلقنة)، وأنه إذا عانت أي منهما أو كلتاهما من عدم الاستقرار، فإن المشكلات الداخلية للمنطقة ستصبح غير قابلة للسيطرة عليها. ويبدو أن عراقًا مبلقنًا ومقسمًا سيكون أفضل وسيلة لتحقيق ذلك. وبالنظر إلى ما نعرفه عن طموحات البيت الأبيض نفسه، فهناك اعتقادًا بأن الدمار والفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط يشكلان أرصدة مفيدة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، أي خلق شرق أوسط جديد، وتوسيع خريطة الطريق الأنجلو - أميركية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى .
وبالرغم من وسع الإطار أو المفهوم الذي يقوم عليه "قوس الأزمات"، إلا أنه ركّز في الآونة الأخيرة على المنطقة الممتدة من إيران إلى فلسطين.
لقد سبق أن قام الفرقاء السياسيين الأمريكيين بالعمل على فكر "بريجنسكي" إلا أنه كان ممتزجًا مع توجهات لنظريات ودراسات سياسية أخرى طرحها كبار مفكري العلاقات الدولية والباحثين والسياسيين الأمريكيين. لكن الرئيس "ترامب" اختار هذا الفكر بالذات دون غيره، بما ينسجم مع سياسته التي اتبعها خلال ولايته الأولى، والثانية. وما يدّل على ذلك أن الرئيس "ترامب" أصدر في ولايته الأولى سنة 2017، قرارًا سمح بموجبه نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، الأمر الذي شرَّع سيطرة إسرائيل على كامل المدينة المقدسة. وقام بتحويل حل الدولتين من مبدأ ثابت في عملية السلام، إلى أمر خاضع لاتفاق الطرفين، أو بمعنى أدقَّ إلى موافقة إسرائيل. ورافق ذلك حملة ترويج عن احتمال قيام واشنطن بإلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وإيقاف دعمها المالي للسلطة الفلسطينية ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، وإغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. الأمر الذي سمح لإسرائيل في يوليو/تموز 2018 أن تقرّ قانون "الدولة القومية" اليهودية دون عواقب. فوصلت القضية الفلسطينية إلى الانهيار نتيجة تراجعها من سلم الأولويات في السياسية الدولية، واختلاط الأوراق الداخلية والإقليمية والدولية بشأنها. وهو ما أدّى لغياب الحلول السياسية، وازدياد العنف في المنطقة، وسيطرة التيارات الدينية المتطرفة كبديل لهذه السياسات. وفي ولايته الثانية كان دعمه مطلقًا لإسرائيل في حروبها على المنطقة وفي الوقت ذاته قام بدعم الجهاديين الإسلاميين القادمين إلى دمشق؟

التحولات الدولية والإقليمية في الشرق الأوسط:

أولًا- ثورة الخميني.
قامت ثورة الخميني عام 1979، بعد توقيع مصر اتفاق كامب ديفيد 1978، ثم معاهدة السلام مع إسرائيل 1979، وقد تبدّل المشهد السياسي النمطي في كل المنطقة العربية. وتشير الوثائق إلى أن دولًا غربية، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لعبت دورًا في تسهيل وصول "الخميني" للسلطة، عبر دعم إعلامي وسياسي وضغط على شاه إيران للخروج طوعًا. وكانت "فرح ديبا" (أرملة الشاه) كشفت أن مسؤولين أمريكيين، مثل الجنرال "هيزر" والسفير "سوليفان"، طلبوا من الشاه مغادرة إيران، مما أضعف موقفه وأفسح المجال للثورة. كما ظهرت وثائق تفضي بأن الغرب قدم دعمًا "للخميني" عبر الإعلام ووسائل أخرى، مما ساهم في التأثير على الرأي العام في إيران وتصاعد حركته. وقد سارعت دول غربية، مثل إدارة "كارتر"، للاعتراف بالنظام الجديد وتقديم عروض تجارية. إذ أن المصالح الاستراتيجية تبقى هي الأولوية، وهذا ما أشارت له أرملة الشاه إلى صمت الغرب تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في عهد الشاه، ثم تحولهم لمناقشة حقوق الإنسان بعد وصول الخميني . وهو سيناريو مشابه لما حصل ويحصل في سورية.
لم تدم محاولات التقارب بين الغرب وإيران طويلًا، إذ بدأ الشد والجذب بينهما، ووصل إلى حدّ العداء، الذي بدأ مع الولايات المتحدة حين قام طلاب إيرانيين باقتحام السفارة الأمريكية في طهران، واعلانها تصدير ثورتها، تحت شعار حماية المسلمين والمستضعفين ، وتحرير القدس.
كانت واشنطن تخشى من مخاطر انتشار الثورة الإسلامية الإيرانية في بيئة هشة تسود المنطقة، وما سينتج عن ذلك من تزايد نفوذ طهران. ولكنها في الوقت ذاته كانت تدرك مخاطر تصاعد القوة العسكرية والاقتصادية والعلمية للعراق. وبذلك دقت أبواق الحرب بين إيران والعراق، فتم تمويل وتأييد العراق في حربه على إيران (حرب الخليج الأولى 1980-1988)، ودعمه ليصبح قوة موازنة للثورة الإيرانية. وبذلك أدّت الحرب أهدافها في اضعاف كلا الدولتين (سياسة الاحتواء المزدوج). وقد عبر "هنري كيسنجر" عن مخاوف دولته في مذكراته، فكتب: هذه أول حرب في التاريخ أتمنى أن لا يخرج بعدها منتصر، وإنما يخرج طرفاها وكلاهما مهزوم!

ثانيًا- احتلال العراق.
بعد أن هيأت الولايات المتحدة الأمريكية الأرضية أمام "صدام حسين" لاحتلال الكويت، من خلال الاطمئنان الذي منحته السفيرة "أبريل غلاسبي" في كلماتها الدبلوماسية له، عندما ردّت على طرحه احتلال الكويت بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تتدخل في النزاعات الحدودية بين الدول العربية. بدأت ملامح تشكّل ساحة الحرب الإقليمية تصبح أكثر اتساعًا وانكشافًا ، كمقدمة لصراع دامي في المنطقة سيستمر طويلًا. وهو ما عبر عنه "هنري كيسنجر": من يريد السيطرة على الأمة العربية والإسلامية فعليه أن يدمر إرادة الأمة العراقية؛ فهي الحلقة الرئيسية فيها.
مع دوافع جيوسياسية تتعلق بتغيير النظام وتأمين المصالح في منطقة الشرق الأوسط، وبذرائع الادعاء بأن العراق يمتلك أو يطور أسلحة دمار شامل ويشكل تهديدًا للسلم العالمي، وربط نظام "صدام حسين" بالإرهاب الدولي (بعد أحداث 11 سبتمبر) والسعي للقبض على الإرهابيين وعزلهم، والقضاء على دكتاتورية نظام "صدام حسين" وترسيخ الديمقراطية في العراق والمنطقة، تم احتلال العراق وسقوط النظام فيه. في هذا الوقت كانت رؤية "بوش" تهدف لتحقيق فوضى في المنطقة، ما فتح المجال أمام طهران للعبور إلى الدول العربية من خلال البوابة العراقية، وقد مهد الطريق لذلك قرارات الحاكم الإداري في العراق "بول بريمر" ، الذي فرض مئة قانون ملزم بداية 2004، منها اجتثاث حزب البعث، واجراء تغييرات اقتصادية واسعة، وحلّ الجيش العراقي، وتوزيع المناصب على أساس طائفي، ودعم الأكراد قوميًا. وفي الحقيقة لم يكن ذلك رغبة في تحقيق الديمقراطية والعدالة، وإنما ربط نتائج الاحتلال مع ما سيأتي لاحقًا للمنطقة.

ثالثًا- التفرغ لسورية:
بعد أن أحكمت الولايات المتحدة سيطرتها على العراق، وجهت تهديداتها نحو سورية، وفرضت عليها حزمة جديدة من العقوبات، بما في ذلك القرار رقم 1559، لتنهي نفوذها السياسي والعسكري في لبنان.
وما أن قام الحراك الثوري في سورية عام 2011، حدث فراغ أمني كبير، دفع بالتيارات الإسلامية بكافة أشكالها إلى الصعود بخطوات متسارعة، ليعلن "أبو بكر البغدادي" من جهة عن قيام دولة "الخلافة الإسلامية" في العراق وسورية. ويمهد الطريق أمام الدول الإقليمية للتدخل وبسط نفوذها وسيطرتها على كامل الأراضي السورية، لتتحول الثورة المدنية إلى حروب أهلية، وصراعات مسلحة، ودمار.
ومن الحق الجميع أن يتساءل: كيف أبصرت النور وتشكّلت هذه الفصائل والمنظمات الإسلامية المتشددة، وكيف تم تسليحها وتمويلها، وكيف نمت وغزت مناطق شاسعة حتى سيطرت على معظم أراضي العراق وسورية؟ ويبدو أن الجواب على هذه الأسئلة بسيط، ويتلخص في اجهاض الثورة السورية المدنية لمصلحة الفصائل المسلحة، ذات الأيديولوجيات المختلفة، المرتبطة بدول إقليمية، وأجندة دولية.

رابعًا- 7 أكتوبر 2023.
في يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قامت "حماس" بهجوم مسلح على مستوطنة إسرائيلية بالقرب من غزة، في تجمع "سوبرنوفا سوكوت" ، تسبّب في مقتل أكثر من 1180 شخص، معظمهم من المدنيين الاسرائيليين. فردّت إسرائيل على هذا الهجوم بحرب كبيرة على حماس وقطاع غزة استمرت لعامين، نتج عنها تدمير معظم القطاع ومقتل عشرات الآلاف من سكانه ، وتهجيرهم. وكان لدخول "حزب الله" في هذا الصراع، البوابة التي استندت إليها إسرائيل بغطاء أمريكي لإضعاف إيران في المنطقة من خلال تدمير قدرات الحزب في لبنان وسورية، والقضاء على كافة أذرعها، واستكمال بناء مشروع الشرق الأوسط الجديد.

خامسًا- سورية على المسار.
بعد أن نجحت روسيا وإيران في ابعاد شبح سقوط "الأسد"، وتمكينه من السيطرة على أكثر من 65% من مساحة سورية، حدث نوع من التوازن الأمني والسياسي في البلاد. لكنه في المقابل كرّس حضورًا روسيًا وإيرانيًا وتركيًا وأميركيًا.
مع هذا التوازن النسبي قررت بعض الدول عودة التواصل مع "الأسد" لإيجاد مخرج ينهي الصراع في سورية، وإعادة تأهيله في النظام الدولي من جديد، ومعالجة القضايا العالقة وإيجاد مخرج لها وحلها نهائيًا، من خلال ابعاد النفوذ الإيراني، والتمهيد للسلام في عموم المنطقة مع إسرائيل، والقضاء على تنظيم داعش بشكل نهائي وعودة اللاجئين، لتحقيق استقرار المنطقة.
وكان لزلزال فبراير/شباط 2022، الحجة التي استندت عليها الدول الراغبة بإعادة علاقاتها مع دمشق تحت عنوان (الكارثة الإنسانية)، وقد شهد النصف الثاني من العام 2022، عودة الملف السوري وبشكل متسارع إلى الساحة الدولية. كما بدأت تحركات روسية لعقد لقاء بين الرئيسين "أردوغان والأسد" وإعادة العلاقات بينهما. وعلى الجانب العربي تم تشكيل وفد من الاتحاد البرلماني العربي لزيارة دمشق، ثم زيارة لوزير خارجية مصر، في أول زيارة دبلوماسية منذ أكثر من عشر سنوات. حتى استعادت سورية مقعدها في الجامعة العربية .
رأى "جوشوا لانديز" : أن كل الدول في المنطقة لديها قضايا عالقة مع سورية يجب التفاوض بشأنها. وحتى تركيا التي كانت من أكثر الداعمين للمعارضة، أعلن رئيسها "أردوغان" عدة مرات عن استعداده للتحاور مع النظام السوري وعودة العلاقات بينهما . وقد قبلت الدول الغربية بشكل ضمني هذه التحركات، لتبرير عودتها للاندماج مع سورية، ورفع العقوبات عنها، والتطبيع معها، بشرط تحقيق عملية سياسية جادة داخل سورية. إذ أدرك قادة الدول الأوروبية أن عملية التغيير الديمغرافي في سورية، قادمة لا محالة، وأنّ اللاجئين السوريين لن يستطيعون العودة إليها، ما لم يضع النظام خطة لعودتهم، وهذا يتطلّب التفاوض المباشر مع النظام في سورية. وفي الوقت الذي كانت تعمل عليه هذه الدول على خطة بديلة، اتخذت عدة قرارات لإعادة التطبيع مع "الأسد"، بدأت من خلال الرسالة الموجهة إلى "جوزيب بوريل" ، التي تضمنت اقتراح ممثلي ثماني دول أوروبية عدة نقاط من بينها، تعيين مبعوث خاص إلى سورية لتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع كافة الأطراف السورية. اضافة إلى مقترحات تقرب الـسياسة الأوروبية تجاه سورية، لتكون واقعية واستباقية وفعالة . أما بالنسبة للعقوبات المفروضة من الاتحاد الأوروبي على سورية والمعروفة باللاءات الثلاث، جاء في الرسالة أنها لم تؤد التأثير المطلوب، بل كان لها تأثيرها السلبي على المواطنين أكثر من تأثيرها على السلطة. وفي 26/07/2024، أعلن وزير خارجية ايطاليا عن تعيين سفيرًا لها في سورية. كما أعلن الاتحاد الأوروبي في 07/09/2024، عن تعيين السياسي الألماني "مايكل أونماخت"، قائمًا بأعمال الاتحاد الأوروبي لدى سورية. وبالرغم من هذه التطورات لم يتمكن "بشار الأسد" من الاستفادة من الاندفاع العربي والأوروبي تجاهه.
وبشكل موازي، كان هناك مسار آخر تسلكه فصائل المعارضة المسلحة. إذ دفع الجمود الحاصل بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم برعاية روسية - تركية في محافظة إدلب في مارس/آذار 2020، بين القوات الحكومية وقوات المعارضة في شمال غربي سوري، على تعزيز قدراتها العسكرية والسياسية. وأكّد على ذلك "جيروم دريفون" ، عندما قال: أن "ما نراه الآن هو نتيجة السنوات القليلة الماضية من تدريب واحتراف لقوات هيئة تحرير الشام.
وبفعل الحرب الإسرائيلية على غزة وجنوب لبنان، واضعاف حماس وحزب الله، وقصف أماكن تواجده في سورية، ضعفت قوة "الأسد"، ووصلت إلى حدّ الانهيار، لتطلق الفصائل الجهادية المسلحة في الشمال الغربي لسورية، عملية ردع العدوان، كأول اختراق لخطوط التماس في مدينة إدلب منذ اتفاق 2020.

سورية داخل اللعبة الكبرى

أولًا: سقوط دمشق:
تعتبر هيئة تحرير الشام، جماعة سلفية جهادية شاركت في الحرب في سورية. وتم تشكليلها في 28/01/2017 بعد أن مرّت بأربع مراحل:
- المرحلة الأولى (2012-2013) وفيها نشطت تحت اسم جبهة النصرة، وجرى تشكيلها وتمويلها من جانب تنظيم الدولة الإسلامية.
- المرحلة الثانية (2013-2016) انفصلت جبهة النصرة عن تنظيم الدولة الإسلامية، لتعلن ولاءها لتنظيم القاعدة.
- المرحلة الثالثة (2016-2017) قطعت جبهة النصرة علاقاتها مع تنظيم القاعدة ظاهريًا، ثم شكلت تحالفًا عسكريًا مع فصائل محلية أخرى، واتخذت لها اسم جبهة فتح الشام.
- المرحلة الرابعة (2017-2024) انفصلت جبهة فتح الشام عن تنظيم القاعدة واندمجت مع فصائل محلية أخرى تحت اسم هيئة تحرير الشام .
وقد اتخذت هيئة تحرير الشام، منذ انفصالها أيدولوجيًا وتنظيميًا عن القاعدة عام 2017، قرارها بالتخلّي عن فكرة الجهاد العالمي، وأن تنفيذ عملياتها داخل حدود سورية ضدّ الحكومة السورية لإسقاط النظام فيها. مّا شكل تحولًا بارزًا في سياستها العسكرية.
استطاعت هيئة تحرير الشام خلال فترة غير طويلة من هزيمة بعض الجماعات الإسلامية المسلحة في إدلب وشرق حلب، وفرضت سيطرتها على بقية الفصائل، بما في ذلك أحرار الشام وصقور الشام ولواء التوحيد بهدف المحافظة على نفوذها وسيادتها على الفصائل المحلية . وبالرغم من استمرار الهيئة في سعيها لتقديم نفسها بملامح أقل تطرفًا، وبأنها تركز فقط على السيطرة المحلية والحكم. إلا أن الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ودول غربية وبالرغم من التواصل معها، وتحضيرها للمرحلة القادمة في سورية بعد "الأسد" صنّفتها على أنها جماعة على صلة بتنظيم القاعدة، وأدرجتها على قوائم المنظمات الإرهابية.
في صباح يوم الأربعاء 27/11/2024، شنّت فصائل المعارضة المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام، عملية عسكرية ضد القوات الحكومية السورية وحلفائها باسم "ردع العدوان"، عقب مواجهات عنيفة شهدتها مناطق الاشتباك في ريف حلب الغربي وريف إدلب الشرقي، أمام أنظار حلفاء سورية (إيران وروسيا) ومراقبة إسرائيلية، ودعم تركي. فحققت خلال الساعات الأولى من هجومها، تقدمًا كبيرًا، وتمكنت من الوصول والسيطرة على ريفي حلب وإدلب. إلى أن وصلت إلى الجنوب السوري وريف دمشق الجنوبي، لتصبح المعارضة على بعد 10 كيلومترات فقط من ضواحي العاصمة دمشق . وفي فجر يوم 8/12/2024، دخلت الفصائل إلى دمشق، وأعلنت السيطرة عليها، وإسقاط "الأسد".
رأى متابعين للشأن السياسي والعسكري، أن خطة الهجوم كانت مُعدة لوصول هيئة تحرير الشام إلى مشارف حلب وتوقفها هناك من أجل الضغط على "الأسد" ونظامه وإلزامه تقديم تنازلات وتنفيذ القرار الأممي رقم 2254، والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سورية. لكن سهولة تقدم قوات فصائل هيئة تحرير الشام، وغض النظر الروسي، دفعت داعميها باستمرار توجهها إلى دمشق، وإسقاط نظام "الأسد". ليبقى ما حدث خلال أحد عشر يومًا، لغزًا محيرًا سيتكهن بشأنه الجميع إلى أن يتم كشف كامل تفاصيله لاحقًا؟

ثانيًا: ردود الفعل الدولية:
ألقى زعيم هيئة تحرير الشام، "أحمد الشرع" المعروف بأبي "محمد الجولاني"، مساء يوم 08/12/2024، أول خطاب له في الجامع الأموي بالعاصمة السورية دمشق، وصف فيه هذا الانتصار بأنه "انتصار للأمة الإسلامية بأسرها"، مؤكدًا أن المرحلة المقبلة ستشهد إعادة إعمار المناطق المتضررة بسبب الحرب. وبأن سورية ستُطهر من النفوذ الإيراني، واعدًا بالإفراج عن جميع السجناء السياسيين وإعادة البلاد إلى شعبها.
تلاحقت التصريحات الدولية والعربية مع سقوط "الأسد" ووصول هيئة تحرير الشام لدمشق، لتعبر عن ترحيبها بسقوط "بشار الأسد" والأمل في عودة الاستقرار لسورية وانهاء القتال، وحدوث انتقال سياسي سلمي في البلاد. وقد حملت بعض التصريحات تخوف من وصول المتشددين الى السلطة، ومن أثر ذلك على الأقليات.

ثالثًا: العملية الانتقالية والاعترافات الدولية:
كانت الجماعات المتمردة التي يقودها "الجولاني" تلقت دعمًا سياسيًا ولوجستيًا من عدة دول، مع وجود تقارير تفيد بوجود اتصالات غير مباشرة أو غير رسمية سابقة لدخولهم دمشق، مع دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتركيا. وهو ما يستلزم نوعًا من التنسيق السياسي والمخابراتي. وتشير التقارير إلى أنباء غير مؤكدة عن اتصالات متقطعة أو مراقبة من قبل جهات استخباراتية غربية خلال سنوات الصراع، خاصة بعد فك ارتباط هيئة تحرير الشام بـ"القاعدة" وتغيير الاسم إلى هيئة تحرير الشام.
يشير بعض المحللين السياسيين إلى أن ما جرى، استند في الواقع إلى حقيقة أن المجتمع الدولي وجد أن "الأسد" لم يكن قادرًا على الخروج من عباءة إيران ولا يلبي المطالب الدولية، وبالتالي، لم يعد قابلًا للتفاوض. وبناء على ذلك صدر قرار التخلص منه. فوقع الاختيار على "الجولاني" ضمن توليفة أُعدت سابقًا بشكل دقيق ومنظم من قبل المشروع الدولي الذي تبنته الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة في المنطقة بالتعاون مع تركيا. وأن المنطق يتطلب أن يقع الخيار على "الجولاني" الإسلامي المتشدد بعد أن قضى سنوات في قلب الصراع العسكري، أمام معارضة أثبتت تشرذمها وفشلها في اقناع الغرب. فأصبح هوا الخيار الوحيد المتاح ضمن هذا الصراع والمتغيرات التي تعيشها سورية. بينما كان وقع الخيار على هيئة تحرير الشام آخر ما فكّر فيه المواطن السوري، في الوقت الذي كان فيه الكثير من الشخصيات الوطنية المدنية والعسكرية التي قضت سنوات طويلة في الصراع ضدّ نظام "الأسد"، ولها وزن واعتبار عند الشعب السوري، ولديها الخبرة الكافية في التعاطي مع الشؤون الخارجية والداخلية خارج خياراتهم.
أعلنت الفصائل الجهادية المسلحة بتاريخ 29/01/2025 تعيين "أحمد الشرع" رئيسًا مؤقتًا لسورية لقيادة المرحلة الانتقالية. ومباشرة أصدر "الشرع" مجموعة قرارات تتعلق بحلّ الفصائل المسلحة لنفسها والالتحاق بوزارة الدفاع، وحلّ الجيش السوري والأجهزة الأمنية، وإلغاء العمل بالدستور، وحلّ مجلس الشعب وحزب البعث والأحزاب الأخرى المشكلة للجبهة الوطنية التقدمية.
وقد صرّح الأمين العام للأمم المتحدة أن المنظمة الدولية ليست بموقع الاعتراف بمسؤولين وحكومات، وأن هذا الأمر يتم تحديده بين الدول. وبيّن أن تركيز المنظمة ينصب في هذه المرحلة على العملية الانتقالية التي يجب أن تكون بقيادة سورية ويملكها الشعب السوري، والسعي لتحقيق المصالحة الوطنية وضمان مصالح الشعب السوري. واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أن تطبيق القرار 2254 لن يكون بالمهمة السهلة .
لم تعترف في وقتها أي دولة بالسلطة الجديدة في سورية، لكن مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط "باربرا ليف" التي رفضت لقاء "الشرع" في القصر الرئاسي خلال زيارتها سورية بتاريخ 20/12/2024، أبلغته، أن الولايات المتحدة الأمريكية ألغت المكافأة المالية المخصصة لمن يدلي بمعلومات تساعد في اعتقاله. وبأن هناك حاجة ملحة لضمان عدم قدرة الجماعات الإرهابية على تشكيل تهديد داخل سورية أو خارجها. وأن "أحمد الشرع" التزم بذلك. وقد شكّل تصريح "بربارا ليف" الإذن لبقية الدول بالانفتاح على السلطة الجديدة.

رابعًا: تشكيل الحكومة الجديدة والموقف الأمريكي:
عدم الاعتراف الأمريكي بالسلطة الجديدة في البداية، لا يعني أنها لن تتعامل معها؟ فالأمر يحتاج إلى تمهيد. "فالجولاني" وهيئته كانوا مصنفين كإرهابيين، والآن أصبح قائدهم رجل براغماتي وشجاع. وعلى "الشرع" وإدارته تنفيذ الشروط الأمريكية ضمن خارطة طريق متفق عليها. فالمتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأمريكية "سمويل ويربيرت" قال: من الضروري الأخذ بعين الاعتبار أن الانتخابات وتشكيل الحكومة ليس نهاية القصة، أو نتيجة، بل هي بداية القصة. هي خطوة مهمة ملموسة وجادة وتبدو أنها حكومة تكنوقراط. وعلينا أن نرى هل هذه السلطة الجديدة ستوفر للشعب السوري مطالبه، فليس الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو أي طرف خارج سورية أن يقيمها بل الشعب السوري. واستطاع بذلك "ويربيرت" أن يرمي بذكاء مسؤولية وجود هذه الحكومة على الشعب السوري وحده. كما شدد على أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد أن ترى أي طرف خارجي يملي أي مكان في سورية، وأن ترى النجاح من هذه الحكومة الجديدة وأن تسيطر على كل الأراضي السورية، وتتخلى عن الإرهاب، وتستبعد المقاتلين الأجانب من أي مهام رسمية، وتمنع إيران أو أي دولة أخرى من أن تملأ الفراغ الأمني، وأن تأخذ السلطة المؤقتة في سورية زمام السلطة الكاملة. مشيرًا إلى أن العلاقات مع سورية والوجود الأمريكي فيها قيد المراجعة، والسبب الوحيد لوجود القوات الأمريكية هناك هو مكافحة داعش .

- الفوضى في الداخل السوري (تَوْرّط السُلطة ومحاولات التأهيل).
أعلن الرئيس المؤقت "أحمد الشرع" بعد تسميته رئيسًا مؤقتًا لسورية، أن القيادة الجديدة أبعد ما تكون عن الطائفية والانتقام، وبأنها مجمعة على تحقيق المساواة والعدالة بين أطياف المجتمع السوري، والوصول بسورية إلى حالة الاستقرار. وأكّد على ضرورة تحقيق عقد اجتماعي جديد وأن الاعتراف بالسلطة يأتي من الشعب، وهو وحده من يقرر نظام الحكم الذي يريده. كما أعلن بأن سورية تقف على مسافة واحدة من الجميع، وبأنها ترغب في سلام إقليمي، وعودة سريعة إلى الحضن العربي، مؤكدًا أن سورية لن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولن تكون مصدر تهديد لجيرانها، في رسالة مبطنة إلى إسرائيل. وما أن أعلن ذلك، حتى بدأت مختلف الدول تتواصل مباشرة مع السلطة الجديدة، وتتسارع وفودها نحو دمشق تحت غطاء اعلامي عنوانه "التعرف على الشرع عن قرب"، وتطرح مطالبها من الإدارة الجديدة. وقد كان كافيًا أن يشيد الوفد الأمريكي بقائد العمليات العسكرية "أحمد الشرع" ويصفه بالبراغماتي، حتى يتم فتح الطريق أمام هذه الدول.
ألا أن واقع الحال ليس بهذه السهولة، ولم تتحقق تمنيات "الشرع" كما أراد! فمعظم ما جاء في تصريحاته في الشأن الداخلي لم تتحقق، وإنما جرى عكس ما أراده. إذ تورطت السلطة في الكثير من الانتهاكات التي ترتقي إلى مستوى جرائم حرب، ولم تتمكن من إنعاش الاقتصاد وتحسين مستوى المعيشة والأمن والأمان والعدالة الانتقالية، والمجتمعية لتحقيق الاستقرار بالرغم من مرور عام على استلامها السلطة؟ ويبدو أن الأسباب الرئيسية في ذلك، تتمحور في طول الفترة الزمنية للخروج من سلوك اللون الواحد، وعدم وجود مشاركة كافية وحقيقية للأقليات، وعدم مناسبة الدستور المؤقت لواقع سورية. كما أن نجاحه في الشأن الخارجي لم يكتمل. إذ أن رفع العقوبات الاقتصادية وقانون قيصر قد تم تقيدهما بشروط ومراقبة دورية قاسية. وهو ما أكده قرار مجلس الأمن رقم 2799 تاريخ 6/11/2025، الذي صدر ضمن الفصل السابع (وفيه تم شطب اسمي "الشرع" و"خطاب" من قوائم العقوبات الدولية المرتبطة بالإرهاب).
ومن خلال الإجراءات التي اتخذتها السلطة الجديدة يمكن ملاحظة ما يلي:

1- مؤتمر الحوار الوطني:
تم تأليف لجنة تحضيرية للمؤتمر من 7 أعضاء فقط. وبلغ عدد المشاركين في المؤتمر نحو 600 شخص. وقد أثارت مسألة وصول الدعوات قبل أقل من 48 ساعة من انعقاد المؤتمر، جدلًا واسعًا في الشارع السوري، فدفعت كثير من المدعوين للاعتذار عن الحضور. كذلك قوبلت مدة مناقشة جدول الأعمال المحدد بيوم واحد، بالكثير من الانتقادات، على اعتبار أن هناك أجندة كبيرة وهامة ومناقشتها تحتاج لأسابيع على الأقل، وهي تشمل ست قضايا رئيسية: العدالة الانتقالية، والبناء الدستوري، وإصلاح وبناء المؤسسات، وقضايا الحريات الشخصية والحياة الإنسانية، بالإضافة إلى دور منظمات المجتمع المدني، والمبادئ الاقتصادية. ما دفع الكثيرين إلى التشكيك بجدوى هذا المؤتمر وبالنتائج التي قد يخلص إليها. ومعتبرين أن انعقاد المؤتمر بهذا الشكل كان بعيدًا عن المهنية أو الاحترافية لتحقيق المرجو منه. فالسرعة التي عُقد فيها المؤتمر جعلتهم يشكّون بأن مخرجات المؤتمر قد أعدّت مسبقًا، وبأن اللجنة تم تشكيلها وفقًا لتطلعات السلطة الجديدة، وبأن هناك تعمد في إقصاء وتهميش بعض المكونات الأساسية في المجتمع السوري. متهمين اللجنة افتقارها إلى وجود تنوع عرقي وديني، وبأن غالبية أعضائها مرتبطين بالرئيس المؤقت "الشرع". وخلصوا إلى أن هذا المؤتمر "مسرحية سياسية"، فحضور المشاركين كان رمزيًا لا تأثير فعلي لهم، لأن النتائج التي خرج بها المؤتمر أخذت صفة استشارية (أي غير ملزمة)، ما يقلل من أهميته، ويجعله أقرب إلى حدث شكلي يهدف إلى إعطاء انطباع بوجود حوار وطني.

2- الإعلان الدستوري:
بدوره جاء الإعلان الدستوري مخالفًا لمعظم مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ومخيبًا للآمال. واعتبر بعض المراقبين أن الاعلان الدستوري لا مثيل له في كل الحالات المشابهة للحالة السورية، وبأنه أعطى صلاحيات هائلة وواسعة للرئيس المؤقت "أحمد الشرع".
وضع في الإعلان الدستوري 52 مادة، ضمن 4 أبواب رئيسية، وكأنه دستور جديد لا إعلان دستوري. وأشارت معظم مواده على سيطرة كاملة للسلطة الجديدة، وابتعادها عن المشاركة. فقد نصت احدى مواده على بقاء الحكومة المؤقتة لخمس سنوات، وهي مدة كافية لتغيير معالم سورية وتمكين القادمين الجدد من فرض ايديولوجياتهم المختلفة عن المجتمع السوري المعتدل. كما جاء في احدى مواده أنها قدّمت الفقه على الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي يحكم معظم المجتمع السوري. وهو يتعارض مع وجود مجتمع سوري مؤلف من ثمانية عشر طائفة، متعايشة في وئام وانسجام. مّا شكّل إرباكًا في المجتمع السوري، خاصة وأن القادمين الجدد يتصفون بالتشدد وبأنهم سلفيين، وسيفرضون قيمهم ومعتقداتهم على بقية المجتمع السوري. وفي مواد أخرى، جرى التأكيد على عدم تداول السلطة، وعدم فصل السلطات، التي تتركز جميعها في يدّ شخص واحد هو الرئيس المؤقت، في ظل غياب مجلس شعب منتخب، وأحزاب تمثل المجتمع السوري. وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى الإذعان بالطاعة، وعدم الاعتراض، مع غياب أي جهة للمساءلة والمحاسبة والعقاب، فالسلاح محصور بيد فصائل بعضها أجنبي تهيمن بالقوة على فرض شرعية التكفير.
لقد منح الرئيس المؤقت "أحمد الشرع" لنفسه سلطات واسعة. فهو بالإضافة لمنصبه رئيسًا للبلاد، هو أيضًا رئيسًا للوزراء، وقائدًا للجيش، وهو الذي يعين ثلث عدد أعضاء مجلس الشعب وما تبقى منهم (الثلثين) يتم تعيينهم من قبل لجنة يقوم "الشرع" نفسه بتعيين أعضاءها، وهي سابقة غريبة من نوعها أن يتم تشكيل مجلس الشعب بالتعيين، ولم تحدث سوى مرة واحدة في الوثيقة الدستورية السودانية عام 2019، حين نصت أن تحالف الجهات الفاعلة (الذي تم تأسيسه قبل أشهر فقط) يجب أن يحدد التشكيلة، وهو ما لم يحدث أبدًا ، الأمر الذي سيمكن "الشرع" من السيطرة التامة على برلمان معين غير منتخب. كما منح لنفسه حق تعيين أعضاء المحكمة الدستورية، وفرض عدم إمكانية محاسبة رئيس الجمهورية. حتى أن الفترة الانتقالية التي نصّ عليها الإعلان الدستوري بخمس سنوات، هي أطول من الفترة التي سوقها "الشرع" قبل الإعلان الدستوري التي كانت بين ثلاث وأربع سنوات. مما يخشى أن تؤدي طول هذه المدة إلى ترسيخ السلطة الجديدة كأمر واقع، وتقوم بإجراء تغييرات جوهرية في عادات وثقافات المجتمع السوري. كما أن تعيين المسؤولين في الحكومة الجديدة من طيف واحد، وبعضهم من عائلة "الشرع" ذاته، واستبعاده أسماء وقامات كبيرة في سورية، أعاد بالأذهان صورة النظام السابق.
وبهذا يكون الإعلان الدستوري قد وجّه ضربة قاسية لتحقيق أحلام السوريين الذين دفعوا أثمانًا كبيرة لنيل العدالة والحرية والديمقراطية.

3- مجازر الساحل:
أشار تقرير لمعهد دراسة الحرب في واشنطن، إلى وجود شعور متنامي بالتهميش تجاه العلويين في ظل حكومة انتقالية ذات غالبية سنية. ووفقًا للتقرير، فإن الحكومة لم تتخذ خطوات كافية لتطمين العلويين، مما زاد من احتمالات توسع دائرة العنف . خاصة بعد أن تمّ حلّ الجيش السوري، وطرد واهانة معظم ضباطه وجنوده والموظفين المدنيين العاملين في مؤسسات الدولة وقطع الرواتب عنهم. وأوضح التقرير أن التمرد العلوي بدأ باشتباكات في الساحل السوري في 06 مارس/آذار 2025، ضدّ قوات موالية للحكومة، تبعها ردود عنيفة من القوات الحكومية استهدفت قرى وبلدات ذات غالبية علوية، وهو ما فاقم المشهد الطائفي. ولفت التقرير إلى أن الحكومة تعاني في التعامل مع التمرد بسبب وجود شخصيات سنّية متشددة في مراكز القرار، وتورط بعض الميليشيات السنية الموالية للإدارة الجديدة في انتهاكات طائفية ضد العلويين. كما أن شعور العلويين بغياب العدالة والمحاسبة لمسؤولي النظام السابق دفع بعضهم إلى الانخراط في عمليات انتقامية أو تقديم دعم غير مباشر للمتمردين.
وأوصى التقرير المجتمع الدولي بالضغط على حكومة "أحمد الشرع" لتوسيع تمثيل الأقليات، ومواجهة الخطاب الطائفي المنتشر بين بعض أئمة المساجد ووسائل الإعلام المحلية، والذي قد يفاقم الانقسام الطائفي، وأكد أن معالجة جذور التمرد تتطلب حلولًا سياسية متكاملة، تبدأ بترسيخ العدالة الانتقالية وتوسيع الشراكة الوطنية في مؤسسات الحكم.
وأورد موقع الحرة أن الحصيلة الاجمالية منذ بدء الاشتباكات وصلت إلى 1676 قتيلًا، وتم توثيق وقوع 62 مجزرة في مناطق الساحل السوري، وآلاف المفقودين، ومئات الجثث المحتجزة في ثلاجات حفظ الموتى داخل مستشفيات دون تسليمها لذوي الضحايا .
وكان "آرون لوند" كتب: أن المسلحين العلويون لا يشكلون تهديدًا لسلطة "أحمد الشرع"، لكنهم يمثلون تحديًا محليًا خطيرًا، مُبديًا التخوف من أن يطلق التصعيد الأخير العنان لتوترات من شأنها أن تزعزع الاستقرار بشكل كبير. وأن الطرفين يشعران بأنهما تحت الهجوم، وكلاهما تعرض لفظائع مروعة على يد الآخر، في وقت لا تملك حكومة "الشرع" القدرة على التعامل مع المسلحين العلويين، إلا من خلال القمع، باعتبار هذه السلطة تحوي متشددين جهاديين يعتبرون العلويين أعداء الله. لذا عندما تقع هجمات، تنطلق هذه الجماعات لتجوب القرى العلوية المليئة بالمدنيين الضعفاء، وبالعسكريين السابقين المسلحين، منبهًا "إنها قنبلة موقوتة".
توالت ردود الأفعال الدولية بعد مرور ثلاثة أيام من بداية وقوع المجازر. وقد نددت دول غربية بهذه الأحداث وبضرورة محاسبة مرتكبيها وإجراء تحقيقات مستقلة (فرنسا وألمانيا). في حين أدان وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ارتكاب المجازر بحق أقليات في سورية، وحض السلطات الانتقالية على محاسبة المسؤولين عنها. كما دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان "فولكر تورك" القيادة السورية المؤقتة إلى التدخل لمنع عمليات قتل جماعي ترددت أنباء عن وقوعها في المناطق الساحلية ومحاسبة الجناة . أما إسرائيل فقد استغلت وقوع هذه المجازر، وعلى الفور حض وزير خارجيتها "جدعون ساعر" أوروبا على الكف عن منح الشرعية للسلطات الانتقالية في سورية بعد مقتل مئات المدنيين في اشتباكات. وقال في مقابلة مع صحيفة بيلد الألمانية: يجب ألا تفشل أوروبا في قراءة الواقع، ويجب أن تستيقظ، ويجب أن تتوقف عن منح الشرعية لنظام كانت أفعاله الأولى (وهو أمر غير مفاجئ بالنظر إلى خلفيته الإرهابية المعروفة) هو ارتكاب هذه الفظائع. بينما وصف وزير الدفاع الإسرائيلي قيام "أحمد الشرع" بتنفيذ مذابح بحق الطائفة العلوية، بأنه إرهابي جهادي، ينتمي إلى مدرسة القاعدة ويرتكب أعمالًا مروعة ضدّ السكان المدنيين . وفي بريطانيا: قال وزير الخارجية البريطاني "ديفيد لامي": إن التقارير الواردة عن مقتل أعداد كبيرة من المدنيين في المناطق الساحلية في سورية مروعة، وحث السلطات في دمشق على حماية جميع السوريين من العنف. وبأنه يتعين على السلطات في دمشق ضمان حماية جميع السوريين ووضع مسار واضح للعدالة الانتقالية.
أما تقرير منظمة العفو الدولية (أمنستي) الذي صدر بتاريخ 03/04/2025، جاء فيه: أن ميليشيات مرتبطة بالحكومة السورية تعمّدت استهداف جماعي لمدنيين من الطائفة العلوية في هجمات انتقامية بشعة. ووصفته بجرائم حرب، محمّلة الحكومة السورية مسؤولية الفوضى الدموية التي جرت. وخلصت المنظمة إلى أن هذه الهجمات كانت متعمدة وغير قانونية، واستهدفت الأقلية العلوية في المنطقة. وأن الحكومة السورية أجبرت عائلات الضحايا على دفن موتاهم في مقابر جماعية دون مراسم أو طقوس دينية .
ودعت "أغنيس كارمار" الأمين العام لمنظمة العفو الدولية الحكومة السورية إلى تقديم الحقيقة والعدالة لضحايا هذه الجرائم، وعدم التسامح اطلاقًا مع الهجمات على الأقليات. ونبهت إلى أن عدم اجراء تحقيقات مستقلة وفعّالة في عمليات القتل غير القانوني، سيعيد سورية إلى دوامة جديدة من الفظائع وسفك الدماء.
وكان الرئيس المؤقت "أحمد الشرع" قد وعد بمعاقبة الجناة، وشكّل لجنة لتقصي الحقائق، على أن تسلم تقريرها في مدة أقصاها شهر. لكن التمديد لثلاثة أشهر إضافية لهذه اللجنة، شكّل تساؤلًا عما إذا كانت اللجنة قد خلصت لإدانة إدارة "الشرع"، خاصة وأن اللجنة الدولية قد أقرّت بمسؤولية الإدارة عن هذه المجازر، وبأنها تسعى إلى تمييع التقرير مع مرور الوقت؟
وفي تحقيق لاحق، أجرته وكالة "رويترز"، بتاريخ 30/06/2025، كشف تقريرها عن تفاصيل جديدة بشأن مجازر الساحل، في الوقت الذي كانت فيه إدارة الرئيس الأميركي "ترامب" مندفعة باتجاه رفع العقوبات المفروضة على سورية. وخلص التقرير من بين عدة بنود إلى أن من بين الوحدات التابعة لهيئة تحرير الشام سابقًا، جهاز الأمن العام، والفرقة 400، ولواء عثمان متورطة في هذه الجرائم، كما تورطت فصائل مسلّحة انضمت حديثاً لصفوف القوات الحكومية، من بينها فرقة السلطان "سليمان شاه" وفرقة "الحمزة"، اللتان فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليهما لضلوعهما في عمليات القتل. بينما لم يفرض عقوبات على وحدات هيئة تحرير الشام الأخرى، كما لم تفرض الولايات المتحدة (أو غيرها) أي عقوبات تتعلق بأعمال القتل . وأشار التقرير إلى أن المجازر توزعت على أكثر من 40 موقعًا في محافظتي اللاذقية وطرطوس، شملت عمليات إعدام ميدانية للرجال، وقتل النساء والأطفال، فضلًا عن إحراق منازل وتشويه جثث في بعض الحالات. و بأن المهاجمين كانوا يسألون المدنيين: "هل أنت سني أم علوي؟"، لتحديد مصيرهم بناء على الهوية الطائفية. وقد وصفت وكالة رويترز ذلك بأنه تطهير طائفي واسع النطاق. ورغم نفي الحكومة الجديدة استهداف العلويين كطائفة، فإن التنسيق بين بعض تلك الفصائل ومؤسسات رسمية، بما في ذلك وزارة الدفاع، بدا واضحًا في وثائق مسرّبة عرضها التحقيق، مما يثير تساؤلات حول تورط مباشر من قيادات عليا .
أما لجنة التحقيق التي شكلتها الحكومية في سورية فقد أصدرت تقريرها أخيرًا. وقد وجد الحقوقيون والمتابعون أن التقرير تجاهل الطبيعة المنظمة لعمليات القتل والتصفية والإعدام الميداني الموثق بالصوت والصورة في كثير منه، وقد حاول التقرير عمدًا تأطير الأحداث في سياق فوضى لا مركزية لا ترتقي لجرائم ضد الإنسانية أو جرائم تطهير عرقي كما كانت الحال على الأرض. وبأنه اعتمد على تسميات أقل قسوة، مبتعداً من التوصيف الدقيق لما حصل، متعمداً عدم ذكر المجازر الجماعية المرتبطة بقرى بأسرها، إذ إن قرى بأكملها أبيدت وأخرى هجّر كل سكانها.
وقد أصدر المركز الدولي للحقوق والحريات بيانًا حول تقرير لجنة التحقيق في مجازر الساحل السوري، كشف عن ثغرات خطيرة في التقرير، منها غياب الشفافية وعدم نشر كامل نتائجه، وتجاهل الأدلة المتعلقة بالطابع الطائفي والممنهج للهجمات، وتغاضيه عن مسؤولية القيادات السياسية والعسكرية والأمنية. كما أشار إلى فشل التقرير في توثيق الانتهاكات الجسيمة واعتماده رواية سياسية منحازة.
كما خلصت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سورية، في تقرير أصدرته بتاريخ 14/08/2025، إلى أن أعمال العنف التي اجتاحت الساحل وغرب وسط سورية منذ كانون الثاني/يناير 2025 "قد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب". وأن أعمال العنف التي استهدفت في المقام الأول المجتمعات العلوية وبلغت ذروتها في مجازر وقعت في أوائل آذار/مارس 2025 شملت القتل والتعذيب والأفعال اللاإنسانية المتعلقة بمعاملة الموتى، والنهب على نطاق واسع وحرق المنازل والإساءة والإذلال. وأدى ذلك إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين. وقد ارتكبت هذه الانتهاكات من قبل عناصر قوات الحكومة المؤقتة وأفراد عاديين عملوا إلى جانبهم، وكذلك من قبل مقاتلين موالين للحكومة السابقة أو ما يسمى بـ "الفلول". وشملت الانتهاكات أفعالا قد ترقى إلى جرائم الحرب.

4- الملف الكردي - اتفاق "عبدي والشرع":
لم يمض يوم واحد على الانتهاء من مجازر الساحل، واسبوعين من دعوة "أوجلان" زعيم حزب العمال الكردستاني لحل حزبه وإلقاء السلاح ، حتى تفاجئ الجميع بقدوم قائد قوات سورية الديمقراطية (قسد) "مظلوم عبدي" إلى دمشق بواسطة طائرة هيلوكوبتر أمريكية، لتوقيع اتفاق بينه وبين "أحمد الشرع"؟ وتشير بعض المصادر إلى أن هذا الاتفاق الذي تم توقيعه بتاريخ 10/03/2025، جاء بضغط أميركي وأوروبي، لتهدئة الاحتقان الحاصل بعد ارتكاب المجازر في الساحل السوري بحق العلويين، ومنح فرص إضافية للسلطات السورية.
وتضمن الاتفاق ثمانية بنود هي: ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة، والاعتراف بالمجتمع الكردي كمجتمع أصيل في الدولة السورية، وبحقه في المواطنة، وبحقوقه الدستورية، ودمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة المرحلة الانتقالية، ووقف إطلاق النار. وضمان عودة المهجرين إلى بلداتهم وقراهم، وتأمين حمايتهم من الدولة السوري، وأن تدعم "قسد" إدارة المرحلة الانتقالية في مواجهة التهديدات التي تمس أمن الدولة ووحدتها. ورفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية وبث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري. على أن يطبق هذا الاتفاق خلال أجل لا يتجاوز نهاية العام الحالي.
يُعتبر هذا الاتفاق بخطوطه العامة جيد، ويلبي طلبات الطرفين، لكنه يواجه بعض التحديات التي قد تعيق تنفيذه. إذ أن بنوده تحتوي على خطوط عامة دون التفاصيل، ودون بيان الآليات التي سيتم من خلالها الاندماج بين الطرفين، وسيطرة الحكومة السورية على منطقة الجزيرة السورية. لكنه خطوة في ادماج الأكراد بالحياة السياسية العامة والمستقبلية لسورية.
إلا أن عدم تغيير سلوك السلطة المؤقتة في سورية، شكّلت تخوفات لدى "قسد"، ورأت انها لا تزال تعتمد على اللون الواحد في حكمها، بذريعة أنها في مرحلة تأسيسية وانتقالية، ويجب أن تتحكم في إدارة البلاد كي لا تحدث أي فوضى تؤدي إلى الانفلات. وكأن ذلك يعني وجود مواطنين مؤتمنين وصالحين، ومواطنين غير مؤتمنين وغير صالحين يصعب الثقة بهم. وما أن تم تشكيل الحكومة في دمشق حتى أصدرت الإدارة الذاتية لـ "قسد"، بيانًا انتقدتها فيه، ووصفتها بأنها لا تراعي التنوع، وأكدت أنها لن تنفذ مستقبلًا قراراتها. كما وصفت الإعلان الدستوري عند صدوره بأنه مماثل لسياسات حزب البعث السابقة، معتبرة أنه يفتقر إلى معايير التنوع الوطني السوري، ويخلو من بصمة أبناء سورية من الأكراد والعرب والسريان والآشوريين وغيرهم من المكونات. ولما عقد مؤتمر وحدة الصف والموقف الكردي بتاريخ 26/04/2025، في القامشلي، أكّد على مطالب الأكراد التي سيتم طرحها خلال اجتماعهم القادم مع الحكومة السورية. وخاصة صيانة حقوق الشعب الكردي في دستور سورية الجديدة، وبناء دولة ديمقراطية لا مركزية، وتشكيل نظام حكم برلماني يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وفصل السـلطات من دون إقصاء أو تهميش لأي مكون من مكوناتها، وأن تحترم سورية علاقاتها الإقليمية والدولية وتكون عامل استقرار وأمان في المنطقة .
ربما يكون الامتحان الحقيقي لهذا التحول هو الميدان السوري، حيث يتداخل الملف الكردي مع شبكة مصالح دولية ومحلية معقدة. فقوات سورية الديمقراطية "قسد" هي الحليف العسكري الأبرز لواشنطن في محاربة داعش، وهي تُتهم من قبل أنقرة بارتباطها العضوي بحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا بأنه منظمة إرهابية. وتضم قسد والإدارة الذاتية في شمال وشرق سورية أكثر من 30 حزبًا وتيارًا، وأن "الاتحاد الديمقراطي" (رغم تأثره بأفكار أوجلان) لا يخضع تنظيميًا لقيادةPKK .
يريد الرئيس "ترامب" من هذا الاتفاق، أعادة رسم أولويات واشنطن وموازين القوى في شمالي شرقي سورية، لذلك دعا الحكومة السورية المؤقتة إلى تولي مسؤولية مراكز احتجاز عناصر تنظيم داعش، وهو ما يعكس الأهمية المعطاة للإدارة السورية الجديدة في "مكافحة الإرهاب"، ويلبي مطالب تركيا بأن تكون الحكومة السورية وحدها المسؤولة في هذا الملف، ونزعه من يد قوات سورية الديمقراطية "قسد". ولذلك سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الضغط على دمج قوات قسد بالقوات الحكومية، وانجاح الاتفاق. وتشير التطورات إلى أن واشنطن بدأت تغير مفهوم تحالفها الاستراتيجي، مع "قسد"، مما يعكس إصرار أمريكي على بسط وجود الدولة على كامل الأراضي السورية لتحقيق الاستقرار فيها. وهو ما منح حكومة "الشرع" لأن تعلن أكثر من مرة رفضها أي محاولات لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية.
في 10/07/2025 وبعد اجتماع "الشرع" مع السفير "باراك"، حصل اجتماع حكومي مع وفد من قوات سوريا الديمقراطية "قسد". ويبدو أن نتائج الاجتماع لم تكن مرضية، إذ تشير التصريحات الرسمية والدولية إلى استمرار وجود نقاط خلاف رئيسية بين الجانبين في عدد من الملفات. أبرزها تغيير اسم الدولة إلى "الجمهورية السورية"، وتطبيق نظام اللامركزية، وضم قوات "قسد" إلى الجيش السوري ككتلة مستقلة، وهو ما قوبل برفض قاطع من حكومة دمشق. وقد ربطت "قسد" قبل الاجتماع مع الحكومة المؤقتة تسليم محافظتي دير الزور والرقة إلى الحكومة السورية بما سيتم الاتفاق عليه بشأن مطالبها .
وأثارت تصريحات "توماس باراك" المتناقضة، التي أدلى بها عقب المباحثات بين "قسد" والسلطات السورية، موجة من الجدل، حيث قال: إن "الفيدرالية لا تعمل في سورية"، في إشارة إلى "قسد" التي تطالب باللامركزية نظاماً للحكم في سورية. وبأنه يتعين على "قسد" أن تدرك سريعًا أن سورية دولة واحدة. مؤكدًا أنها قادرة على الاندماج بالبلاد والانضمام إلى جيشها. وأضاف: "قسد" يجب أن تتقبل حقيقة أن سورية وطن واحد وجيش واحد وشعب سوري واحد بشكل أسرع، وهناك محادثات بخصوص تحقيق ذلك ويجب أن تتم بسرعة أكبر وبرغبة أكثر بروزًا ويجب التمتع بالمرونة حيالها وهذه هي خلاصتي عن الموضوع.
وقد اعتبر نشطاء سوريون أن تصريحات "باراك" تحمل تدخلاً بالشأن السوري أشبه بــ "الوصاية". وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني السوري قد ردّ على تصريحات "باراك" معتبرًا أنها لا تخدم السلامة العامة وتعد إجحافا بحقوق قوات سورية الديمقراطية، وتحمل في طياتها إجحافا بحقوق شريك رئيسي وفعال في مكافحة الإرهاب . وبأن فرض أي قرارات أو مواقف من قبل جهات خارجية على الشعب السوري دون احترام إرادته وحقوق شركائه الوطنيين يُعد تجاوزا لصلاحيات هذه الأطراف. وهو أمر يجب أن يكون خارج تدخلاته ولا يقرره إلا الشعب السوري فقط في استفتاء على شكل دولته المقبلة .
أما الحكومة في دمشق، فقد شددت في بيان لها على تمسكها الثابت بمبدأ سورية واحدة، وبأن "الرهان على المشاريع الانفصالية أو الأجندات الخارجية هو رهان خاسر .
وفي كل الأحوال لم يشكل هذا الاتفاق نتائج ملموسة حتى الآن، كما ان تنفيذه ينتهي مع اليوم الأخير من عام 2025، وهو المر الذي لم يتحقق.

6- العقوبات الاقتصادية:
تسعى الدول الأوروبية إلى تحقيق مصالحها وخاصة في مسألتي الهجرة وقطاع الغاز، ولذلك تسعى إلى ترسيخ نفوذها في الحوض البحري للمتوسط الغني بالغاز. ومع غياب توافق حول النفوذ البحري وترسيم المناطق الاقتصادية الخالصة، تحول ملف العقوبات إلى ورقة ضغط في لعبة موازين القوى، أكثر منه أداة لتحفيز العملية الانتقالية في سورية، ضمن بازار سياسي دولي كبير يمارس على سورية. آخذين بعين الاعتبار وجود حسابات أُخرى وأوسع ترتبط بالنفوذ التركي في سورية، وبمصالح إسرائيل للتحكم بمسار الغاز في شرقي المتوسط. خاصة أن مشروع "إيست ميد" الذي يهدف إلى نقل الغاز من شرقي المتوسط إلى أوروبا عبر اليونان، تشارك فيه شركات إسرائيلية وأوروبية وأميركية، ويُنظر إليه كأداة لتقليص دور تركيا وروسيا في توريد الطاقة إلى أوروبا .
وبتاريخ 29/03/2025، استضافت باريس قمة خماسية جمعت لبنان وقبرص واليونان، بالإضافة إلى مشاركة الرئيس السوري المؤقت "أحمد الشرع" عبر الفيديو. وتم بحث قضايا عدة أبرزها موضوع اللاجئين، وترسيم الحدود اللبنانية السورية، وضمان استقرار المنطقة. وأعرب القادة الأوروبيون المشاركون عن دعمهم لترسيم الحدود البحرية السورية وفق القانون الدولي البحري، وإنشاء لجان متخصصة لضمان مصالح الجيران الأوروبيين. وتم رفع بعض العقوبات عن سورية، بعد الاتفاق على الخطط المستقبلية المتعلقة بشرق حوض المتوسط.
أما شروط الولايات المتحدة الأمريكية المعلنة للرأي العام تجاه الإدارة الجديدة في سورية لرفع العقوبات عنها، فكانت ثمانية. وتتلخص بتدمير الأسلحة الكيمياوية المتبقية، ومكافحة الإرهاب، وعدم تولي أجانب مناصب قيادية في الحكومة المقبلة، والعثور على "أوستن تايس"، الصحافي الأميركي الذي فُقد في سورية، وتحقيق السلام مع إسرائيل.
إلا أن معظم هذه الشروط تبخرت، فالشرط المتعلق بعدم تولي أجانب مناصب قيادية، تم التغاضي عنه عندما أعلن مبعوث الرئيس الأميركي إلى سورية، السفير "توماس باراك"، إن الولايات المتحدة وافقت على خطة طرحتها القيادة السورية الجديدة للسماح لآلاف من المقاتلين الأجانب، الذين كانوا في السابق ضمن المعارضة، بالانضمام إلى الجيش الوطني، شريطة أن يتم ذلك بشفافية. وأضاف أنه من الأفضل إبقاء هؤلاء المقاتلين ضمن مشروع الدولة بدلا من إقصائهم، ووصف كثيرين منهم بأنهم "مخلصون للغاية" للإدارة السورية الجديدة. ما شكّل هواجس كثيرة عن ما ينتظر سورية ومستقبلها، وقلق عميق لما ترتبه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لسورية؟ أما شرط تدمير مخازن الأسلحة الكيمياوية، فمعظمها قد دُمر سابقًا، وبكل الأحوال، فإن الإدارة السورية الجديدة لا ترغب بالاحتفاظ بها، خاصة وهي ليست بوارد تأجيج أي صراع خارج حدودها. فمعركتها الحالية هي السيطرة على الدولة ومؤسساتها. وبالنسبة لشرط التعاون في مكافحة الإرهاب، فهناك شكوك حول قدرة السلطة الجديدة في دمشق على تلبية هذا الشرط، إذ أن معظم فصائلها مدرجون تحت بند الإرهاب، وبالتالي هناك صعوبة في تقديم التعاون الأمثل بهذا الشرط نظرًا لأيديولوجيتها. كما أن مكافحة الإرهاب يحتاج إلى عناصر إضافية وخبرات عسكرية محددة في الجيوش النظامية لا تتوفر في جيش يشكله فصائل مختلفة، كان يمكن أن يوفره الضباط والجنود الذين انشقوا عن نظام "الأسد"، واستبعدوا من الالتحاق بوزارة الدفاع، أو ممن طردوا من الجيش بعد حلّه ولم تتلوث أيديهم. وفيما يتعلق بمصير الصحافي الأميركي "أوستن تايس" فهي قضية حساسة، إذ أن مصير آلاف السوريين ما زال أيضًا مجهولًا. ويمكن أن تتعاون الولايات المتحدة الأمريكية مع حكومة دمشق من خلال تشكيل خبراء دوليين قادرين على تتبع وملاحقة أثر المختفين في سورية .
لقد كانت رؤية الولايات المتحدة في وسورية ذات أبعاد أكثر شمولية عن النظرة الأوروبية، إذ كانت التصريحات الأمريكية المتلاحقة تمهد للمراحل القادمة التي ستخرج فيها "الشرع" وإدارته من ملاحقات الماضي، وتثبيت "الشرع" ورفع العقوبات عنه وعن هيئة تحرير الشام. فالمتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، صرّح عن أمل واشنطن في أن تقيم سورية علاقات جيدة مع دول الجوار، في تلميح إلى بدء حوار مع إسرائيل لرسم علاقات جيدة في المستقبل المنظور.

7- أحداث جرمانا وصحنايا.
جرت عدة اشتباكات في مناطق مختلفة على خلفية انتشار تسجيل صوتي يحمل إساءات للنبي محمد (ص)، نُسب إلى أحد شيوخ الطائفة الدرزية الذي نفى من جهته تمامًا في مقطع فيديو مسجل أن يكون الصوت الظاهر في التسجيل صوته. كما تضمن التسجيل إساءة للحكومة السورية، وتعمّد استفزاز الشعب السوري، وإلحاق ذلك بالطائفة الدرزية بشكل مقصود. وأثار التسجيل صخبًا واسعًا بدأ من محافظة حمص، عندما وقعت مشادات في سكن الطلاب الجامعيين وأصيب طالب من السويداء بجروح قبل أن يتدخل الأمن ويعيد الاستقرار .
وفي 29/04/2025، أي بعد يوم واحد من انتشار التسجيل الصوتي، حصلت اعتداء على حاجز "النسيم" في جرمانا، وهو يتكون من أفراد ينتمون للطائفة الدرزية في المنطقة، ويتبع للسلطة في دمشق، فسقط عدد من القتلى، وسرعان ما تحولت جرمانا إلى مسرحًا للاشتباكات لتنتقل مباشرة إلى بلدة صحنايا، التي تصاعدت فيها المواجهات وانتهت بمعركة واسعة. وأعلن المرصد السوري مقتل أكثر من مئة شخص بالإضافة إلى عشرات الجرحى، غالبيتهم من المقاتلين الدروز .
وأشار وزير الاعلام بوجود تردي في الوضع الأمني، وهو ما أدى إلى مجموعة من الأحداث. أما وزارة الداخلية فقد أثارت في بيانها معظم السوريين عندما أشادت بــمشاعر المواطنين الغيورين ووقوفهم الصادق دفاعًا عن النبي (ص)، بدلًا من أن تضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه التدخل في شؤون وعمل الأجهزة المختصة.
وفي اليوم التالي تدخلت إسرائيل، وقامت طائراتها الحربية بتاريخ 30/04/2025 بقصف على بلدة صحنايا، بالتزامن مع الاشتباكات التي كانت تخوضها القوات الحكومية السورية في تلك المنطقة. وفي 02/05/2025 شنّت إسرائيل أيضًا غارات جوية على منطقة مجاورة للقصر الرئاسي في دمشق، في رسالة تهديد للحكومة السورية بتنفيذ "ضربات انتقامية إذا لم تحمِ الأقلّية الدرزية في البلاد".
وفي ردود الفعل الدولية: أعرب مُنسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية "آدم عبد المولى"، عن شعوره بالقلق البالغ إزاء تصاعد العنف في ريف دمشق وسقوط ضحايا مدنيين، على خلفية هجماتٍ نفذتها مجموعاتٌ مسلحةٌ تابعة للحكومة السورية الانتقالية، ضد المدنيين من الطائفة الدرزية، مشيرًا إلى أن امتدادَ العنف باتجاه محافظة السويداء، يهدد أمنَ وسلامة المدنيين، مما يزيد من الوضع الإنساني هشاشة.
أما منظمة العفو الدولية، فقد عبرّت عن ازياد مخاوفها بشأن حماية المدنيين الدروز في سورية. وقالت في منشورٍ على منصة (X)، إن مقاطعَ مصورةً أظهرت عناصرَ تابعين لقوات الأمن العام بالحكومة الانتقالية، يحرّضون على العنف الطائفي ضدّ الدروز، وطالبت الحكومةَ الانتقالية في سورية، بالتحرك العاجل، لحماية "المجتمعات الأقلية". وحثت جميعَ الأطراف، على احترام القانون الدولي الإنساني وضمان حماية المدنيين، وتسهيل مرورٍ آمنٍ للفارين من العنف، دون تعرضهم للأذى أو الترهيب.
كما أعربت الخارجية الفرنسية في بيان لها، عن إدانتها الشديدة لأعمال العنف الطائفية، التي يتعرضُ لها أبناءُ الطائفة الدرزية، وبضرورة التزام الحكومة الانتقالية بتعهداتها، خاصةً ما ورد في الإعلان المشترك الصادر في باريس، بتاريخ 13/02/2025. كما دعت إسرائيلَ إلى تجنّب أي خطواتٍ أُحادية، قد تسهم في تصعيد التوترات الطائفية داخل سورية .
أما تركيا، فقد نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر في وزارة الخارجية التركية، أنها لا تقبل أي مبادرة تستهدف وحدة الأراضي السورية، أو تمس سيادتها، أو تسمح بحمل الأسلحة من قبل آخرين خارج السلطة المركزية السورية .

8- الملف الدرزي - اتفاق البنود الخمسة:
هو اتفاق تم التوصل إليه مؤخراً بين المرجعيات الدرزية في السويداء والحكومة السورية بعد اضطرابات في المحافظة، بهدف إعادة بسط سيادة الدولة، ونزع السلاح غير الشرعي، وتفعيل مؤسسات الدولة (الأمن والشرطة)، وتأمين طريق دمشق-السويداء، وتشكيل لجان للتحقيق في الانتهاكات، مع تأكيد الدروز على وحدة سورية ورفض التقسيم، مما يعكس محاولة لدمج السويداء مجدداً ضمن الدولة بعد فترة من الفوضى .
وقد أصدرت مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز بتاريخ 03/05/2025، بيانًا فندت فيه بنود الاتفاق الأخير الذي تم التوافق عليه لضبط الوضع في محافظة السويداء. وأكدت الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية، بحضور شيوخ العقل الثلاثة "حكمت الهجري"، "يوسف جربوع"، "حمود الحناوي"، بالإضافة إلى أعيان من المحافظة، وممثلين عن الفصائل العسكرية على تفعيل قوى الأمن الداخلي وتفعيل الضابطة العدلية من كوادر أبناء محافظة السويداء حصرًا، وبشكل فوري. ورفع الحصار عن مناطق السويداء، جرمانا، صحنايا، وأشرفية صحنايا، وإعادة الحياة إلى طبيعتها فورًا. وتأمين طريق دمشق – السويداء تحت مسؤولية السلطة، وبشكل فوري، ووقف إطلاق النار في جميع المناطق.
وقد عبّر محافظ السويداء، "عن الموقف الدرزي بأنه يميل إلى خيار الدولة وسيادة القانون. وأن الاتفاق جاء بمبادرة من جانب السويداء، وهو يدحض شائعات الانفصال أو التقسيم .

9- الهجوم على محافظة السويداء
اندلعت اشتباكات عنيفة بتاريخ 13/07/2025، بين مقاتلين من الدروز وعشائر البدو، بعد حادثة سلب على طريق دمشق - السويداء، تلاها سلسلة من عمليات الخطف المتبادل بين الطرفين واشتباكات أدت إلى قطع طريق دمشق - السويداء الدولي وانقطاع التيار الكهربائي عن أجزاء واسعة من المحافظة. وأعلنت وزارة الداخلية السورية، أنها ستبدأ بالتنسيق مع وزارة الدفاع، تدخلًا مباشرًا في محافظة السويداء، لفض النزاع ووقف الاشتباكات وفرض الأمن.
وكانت الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز، قد رحبت في بيان لها، بدخول قوات وزارتي الداخلية والدفاع إلى محافظة السويداء، بهدف بسط السيطرة على المراكز الأمنية والعسكرية وتأمين المحافظة. لكن سرعان ما بدأت بعض القوات الأمنية من وزارة الداخلية والدفاع المشكلة من سوريين وأجانب وأفرادًا من قبائل بدوية، بعمليات قتل وإهانات للدروز، والتطاول على رموز الطائفة. مما دفع بشيخ عقل طائفة الموحدين، "حكمت الهجري"، ليقول: إن بيان الطائفة الذي أصدرناه بشأن أحداث السويداء فُرض علينا، بتفاصيله الكاملة، من دمشق، وبضغط من دول خارجية، بحجّة حقن دماء أبنائنا، مؤكدًا تعرض أهالي السويداء لحرب إبادة. وأعلن تراجعه عن الموقف الداعم لدخول المؤسسات الأمنية والعسكرية إلى محافظة السويداء، داعيًا أبناء المحافظة إلى التصدي للجيش ومواجهته.
إلا أن الحدث الأهم جاء بعد دخول الجيش إلى السويداء، حيث شنّت إسرائيل ضربات على آليات عسكرية سورية قرب السويداء، واستهدفت محيط مدينة إزرع بريف درعا. وأكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" ووزير الدفاع "كاتس"، أن تل أبيب لن تسمح بإيذاء الدروز من قبل الجيش السوري، وستعمل على ضمان نزع السلاح في محيط حدودها الشمالية. كما قامت إسرائيل بقصف مقر هيئة الأركان العامة ومحيط قصر الشعب في العاصمة دمشق، في رسالة واضحة للقيادة المؤقتة في سورية.
وأمام هذه التطورات أعلن وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة بتاريخ 15/07/2025، وقفًا تامًا لإطلاق النار في السويداء عقب الاتفاق مع مشايخ ووجهاء المدينة، يقضي بنشر حواجز أمنية في المدينة، واندماج المحافظة بالكامل ضمن الدولة السورية. وصرح شيخ عقل الطائفة الشيخ "يوسف جربوع" بأنه تم التوافق على الاتفاق بين الحكومة ودار طائفة المسلمين الموحدين الدروز في سورية، بحضور الشيخ "حمود الحناوي"، بينما رفض الشيخ "حكمت الهجري" الاتفاق، مؤكدًا أن القتال سيتواصل لحين تحرير كامل السويداء . وبذلك انسحبت القوات السورية من المحافظة، وتم تشكيل لجنة مراقبة من الدولة السورية والمشايخ الدروز للإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الانسان، عن مقتل أكثر من 1000 شخص، جرى فيها عمليات "إعدام ميدانية" نفذتها قوات الأمن السورية على الأرض بما فيها مضافة "آل رضوان" بمدينة السويداء والمشفى الوطني.
وبينما دعا وزير الخارجية الأمريكي قوات الأمن السورية لمنع الجهاديين من دخول جنوب البلاد المتضرر وارتكاب مجازر، اتهم المبعوث الأمريكي "باراك" مسلحي تنظيم داعش بارتكاب العنف في السويداء، وزاد على ذلك، بأنهم ربما تنكروا بزي القوات الحكومية؟ وبأن العنف في السويداء نتج عن صراع داخلي بين القبائل؟ ناصحًا في الوقت ذاته "الشرع" بمراجعة سياساته!
يعد الهجوم على الدروز والهجوم السابق على العلويين، وارتكاب عدة مجازر وقتل بحق الأقليات، تأكيدّا على صعوبة التعايش مع ممثلي الإدارة الجديدة في سورية، ويولد شعورًا متزايدًا لدى عدد من المكونات السورية بأن المسار السياسي الحالي لا يُمثلهم. معتبرين أن وجود حكم حقيقي انتقالي بمؤسسات وقانون يحمي الجميع، يمنع الجميع من طلب الاستقلال. وأن إصرار السلطة على احتكار السلطة وتعاملها مع الجغرافيا السورية كإمارة ومشيخة، ستبقى بعيدة عن حياة السوريين، وسيبقى التوتر قائمًا والعنف كامنًا في انتظار تبدّل موازين القوى على الأرض .

تشابك الملفات الإقليمية والدولية.

الجولان المحتل، وما بعد المحتل - تهديدات إسرائيلية وتركية تواجه الحكم الجديد في سورية.
بلغت عدد الهجمات الجوية التي قامت بها إسرائيل منذ أوائل شهر ديسمبر/كانون الأول 2024 أكثر بكثير من الهجمات التي شنتها في عام 2023 كاملًا. حيث دمّرت أكثر من 80% من القدرات العسكرية الاستراتيجية المتبقية في غضون أول 48 ساعة لاستلام هيئة تحرير الشام لمدينة دمشق. وتوغلت في أكثر من عشر مواقع بمرتفعات الجولان السوري المحتل، لتسيطر على الجانب الشرقي من جبل الشيخ . وخلال يومين فقط من شهر آذار/مارس 2025، استهدفت إسرائيل ما يقارب مئة موقع داخل الأراضي السورية. وقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" صراحًة إن إسرائيل تعمل بطريقة منهجية على تفكيك ما يسميه محور الشر، وإن فصلًا جديدًا من تاريخ الشرق الأوسط بدأ بسقوط "بشار الأسد". وإن الجميع بات يدرك اليوم الأهمية البالغة لسيطرتنا على هضبة الجولان التي ستبقى إلى الأبد جزءًا لا يتجزأ من إسرائيل.
واعتبرت إسرائيل أن حكم الجهاديين السلفيين، يعطيها الحق بالقيام بجميع الإجراءات اللازمة لضمان أمنها وعدم تكرار (7 أكتوبر) جديد من داخل الأراضي السورية. وهي تؤمن بضرورة استغلال هذه اللحظات لإضعاف سورية إلى أقصى درجة ممكنة. لتكون المواقع الجديدة التي سيطرت عليها إسرائيل نقطة انطلاق جديدة لأية مفاوضات لاحقة مع دمشق بدلًا من الجولان السوري المحتل. وتطالب إسرائيل بمنطقة مجردة من السلاح تبدأ من دمشق إلى الجنوب السوري بما فيها السويداء ودرعا والقنيطرة.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد صرّحت بأنها لا تريد أي تدخل أجنبي في سورية، لكنها تدرك أن لإسرائيل مخاوف، وهي لا تشارك وليس لها يدّ في هذه الضربات الإسرائيلية. وفي النهاية تريد الولايات المتحدة الأمريكية أن ترى حكومة شاملة في سورية لديها الامكانية أن تمنع أي مجموعة بما فيها حماس وحزب الله وداعش أن تستغل الفراغ الأمني في سورية لشن هجماتها على إسرائيل أو دول أخرى، وبأن الولايات المتحدة ترغب أن ترى إسرائيل وسورية وغيرها تعيش جانب إلى جانب بدون اشتباكات ومشاكل، ويجب العمل على ذلك .
من جانب آخر، ترى إسرائيل أن هجماتها تُعد رسالة أيضًا إلى تركيا. فهي تتوجس من التقارب الكبير الحاصل بين دمشق وأنقرة، وما يرافق ذلك من أحاديث وتوقعات بشأن توقيع اتفاقيات تضمن للجيش التركي التمركز في مناطق متقدمة داخل سورية. فالرئيس "أردوغان" يدعم "الشرع"، ويسعى إلى الحفاظ على نفوذ تركي في سورية بما يضمن لها دوراً في رسم مستقبل البلاد. والعلاقة بين تركيا وهيئة تحرير الشام جيدة، لدرجة أن أنقرة استعانت على مدار سنوات "بالجولاني" وتنظيمه لضبط انفلات فصائل المعارضة السورية الموالية لها، وهي من مكنته من السيطرة على مساحات واسعة في مناطق إدلب بسورية، بما في ذلك أهم طرق العبور للمساعدات الإنسانية والتجارة بين إدلب والحدود التركية.
وبالرغم من تصاعد لهجة الاتهامات بين تركيا وإسرائيل، إلا أن كلاهما دعما العناصر التكفيرية داخل سورية. وكلاهما لديهما مشاريعهما في سورية. فتركيا تطالب بإجراءات لتحمي أمنها القومي على حساب الأراضي السورية، وترغب في رؤية سورية موحدة مركزية ذات سيادة وطابع إسلامي، وتسعى لتحقيق تحالف أيديولوجي مع أنقرة، يلبي مصالحها. بعكس إسرائيل فهي لا ترغب في رؤية حكومة إسلامية بدمشق موالية لأنقرة على حدودها. وستبذل قصارى جهدها لتقويض رؤية تركيا في ترسيخ وجود عسكري دائم لها وتعزيز لهيمنتها الإقليمية على السياسة السورية ، التي ستهدد التوازن الإقليمي .
لقد وجدت إسرائيل نفسها أمام تطورات جيوسياسي كبيرة وتغير جذري في سورية، تقاطعت معها الأجندات بين تركية وإسرائيلية. فتارة يحدث تنسيق بينهما، وتارة تتصاعد فيها المخاوف المتبادلة، وسط إعادة رسم لخريطة النفوذ في الشرق الأوسط لتشكّل صراع استراتيجي بينهما على مشروع النفوذ في سورية. وأمام هذا التنافس والمخاطر المتوقعة، طرح الرئيس "ترامب"، نفسه كوسيط بينهما لإيجاد حل للتوترات القائمة، وقبول التعاون لتحقيق مصالحهما المشتركة في سورية. ومع ذلك ترجح المصالح الإسرائيلية على المصالح التركية في سورية، بفضل الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل. وقد أصرت الولايات المتحدة على سرعة تواصل الإدارة الجديدة في سورية مع إسرائيل. وتم تحقيق ذلك في عدة مناسبات. إذ كشفت تقارير عن لقاءات إسرائيلية - سورية متكررة جرت في عدة دول، ترمي إلى الاتفاق على وقف الأعمال العدائية، وتحديد مناطق فض الاشتباك، وبحث إمكانية التوصل إلى اتفاق أمني شامل.

النتائج الجيوسياسية للصراع في سورية:

رؤية "ترامب" في ترتيب أوراق الشرق الأوسط الجديد:
في عام 2021، كشف المبعوث الأمريكي "جيمس جيفري" في حديثه لموقع "فرونت لاين"، أن الولايات المتحدة الأمريكية منعت من التخلص من زعيم هيئة تحرير الشام "أبو محمد الجولاني"، وبأنها لم تستهدفه أبدًا، وأنها أخبرت الأتراك بهذا الأمر. ولفت "جيفري" إلى أن "الجولاني" تواصل مع الولايات المتحدة عدة مرات، وكان يريد في كلّ مرة أن يخبرنا بأنه ليس إرهابيًا، كما أنّ تنظيمه لا يشكّل تهديدًا للولايات المتحدة، وأنهم فقط يحاربون السلطة السورية، وركزت رسائل الجولاني على التوضيح دائمًا (هذا ما نقوم به، هذه هي أهدافنا، نحن لا نشكل تهديدًا لكم).
جاء انخراط الولايات المتحدة الأمريكية في الملف السوري بعد ذلك، ليحتل المركز الأول في التأثير على اعادة صياغة التوازنات فيها. فكانت قمة الرياض نقطة البداية الرسمية في تحوّل السياسة الأميركية تجاه دمشق بعد تأكيد "الشرع" المضي قدمًا نحو الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى أثر ذلك اعتمدت واشنطن مقاربة جديدة في التعامل مع الحكومة السورية المؤقتة، لتنتقل من سياسة العزل والعقاب إلى سياسة الانخراط المشروط والدعم الحذر، أي العمل مع سلطات دمشق الانتقالية إذا التزمت بمسار التسوية السياسية وراعت المطالب الدولية، وهو نهج مقارب لرؤية حلفاء أميركا الأوروبيين. لكن سلوك الإدارة الجديدة في دمشق في بدايتها، لم يؤد إلى رفع العقوبات الكاملة عنها، وإن ما جرى هو تخفيف جزئي لبعضها أو تعديلها. وأصبحت جميع عقود الاستثمارات الموقعة بالأحرف الأولى متوقفة لحين تبين مصير سورية ومدى استقرارها.
وما أن التقى الرئيس "ترامب" مع "الشرع" في الرياض حتى روّج له دوليًا، فوصفه بأنه عظيم، وجيد جدًا. وبأنه شاب جذاب وقوي البنية وله ماضٍ قوي. ماض قوي للغاية، مقاتل (صحيفتا نيويورك تايمز وواشنطن بوست). وكانت شبكة "سي ان ان" نقلت عن "ترامب" قوله: "الشرع" لديه فرصة حقيقية لحشد الصفوف.
يقول الرئيس "ترامب": تحدثتُ مع الرئيس "أردوغان". أنا مُنفتح جدًا لهذا الأمر. أشعر أن لديه فرصة للقيام بعمل جيد .
وقد صرّح الرئيس "ترامب" مرارًا عن رغبته في أن يعم السلام المنطقة، الأمر الذي يتطلب وجود سورية آمنة بحكومة قوية وشاملة وعلاقات نشطة مع العالم الحر.
ولتحقيق متطلبات إعادة بناء الشرق الأوسط الجديد وفق رؤية "ترامب"، فان حكومة إسلامية هي وحدها القادرة على تحقيق ذلك؟ وما يجري الآن يحتاج إلى حكومة من لون هيئة تحرير الشام. فالأمة الإسلامية تختلف عن الوطن والدولة، ولا مانع من حدوث تغيرات على الأرض، مهدت لها كثير من تصريحات المسؤولين الأمريكيين، وخاصة تصريحات مبعوث "ترامب" لسورية "باراك" الذي بدأ باستهجان اتفاقية سايكس – بيكو، ووصلت إلى مقايضات على الأراضي في طرابلس والبقاع والجولان والساحل السوري وغزة والضفة!
كانت هناك تكهنات حول اتصال بعض الأطراف الغربية مع الجولاني لمناقشة "ملف إدلب" و"مكافحة الإرهاب" ومحاولة فصله عن الأجندة الدولية المتطرفة، كما أشار تقرير لصحيفة "ذا ناشيونال" في 2020 حول لقاءات غير رسمية، مع تأكيد أن الهدف كان إما للضغط عليه أو لفهم نواياه.
أما السفير الأمريكي الأسبق في سورية "روبرت فورد"، فقد أثار عاصفة كبيرة بعد أن كشف في محاضرة بعنوان "انتصر الثوار في سورية ... والآن ماذا؟" نشرها مجلس بالتيمور للشؤون الخارجية عبر قناته على يوتيوب، والتي عُقدت بتاريخ 1 مايو/أيار 2025، عن لقاء جمعه بـ "الجولاني - أحمد الشرع"، في إطار محاولة غير معلنة لتحويله من عالم الإرهاب إلى عالم السياسة. وأوضح "فورد" أن مؤسسة بريطانية غير حكومية متخصصة في حل الصراعات دعته عام 2023 للمساعدة في عملية إعادة تأهيل "الشرع"، واخراجه من عالم الإرهاب وإدخاله إلى عالم السياسة التقليدية. وقال "فورد": عندما التقيته للمرة الأولى، كان اسمه الحركي "الجولاني" لكن اسمه الحقيقي الذي لم يكشف عنه إلا بعد السيطرة على دمشق في ديسمبر/ كانون الأول الماضي 2024، هو "أحمد الشرع". وأشار فورد إلى أنه أجرى مع الشرع حوارًا سلسًا وقال: إن ما لفت نظره خلال اللقاء أن "الشرع" (أبو محمد الجولاني حينها) لم يعتذر عن العمليات الإرهابية في العراق وسورية، لكنه قال، إن التكتيكات والقواعد التي كان يتبعها في العراق لا تصلح عندما تحكم 4 ملايين شخص (في إدلب) .
كما كشفت صحيفة (التلغراف) أن رئيس الأمن القومي البريطاني "كير ستارمر" أدار قناة اتصال سرّية بين الاستخبارات البريطانية (M16) وبين هيئة تحرير الشام تحت ستار مؤسسة خيرية عام 2023. وبأن الاستخبارات البريطانية كانت تهيئ الأرضية منذ سنوات للتعامل مع القوة التي قد تحكم سورية بعد "الأسد". وهذا ما حصل حين استولت هيئة تحرير الشام على الحكم في دمشق، سارعت بريطانيا إلى رفع التصنيف الإرهابي عن الهيئة في خطوة وصفها الخبراء بأنها غير مسبوقة .
بدوره وزير الخارجية الأمريكي "ماركو روبيو"، دعا إلى دعم السلطات الانتقالية في سورية. ودافع في جلسة الاستماع للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، عن قرار الرئيس "ترامب" برفع العقوبات عن سورية، موضحًا أن "ترامب" قرر رفع العقوبات من خلال الجهاز التنفيذي عن سورية بسرعة متذرعًا بأن دول المنطقة ترغب في إيصال المساعدات، وتريد البدء بمساعدتها. لكنها لا تستطيع ذلك خوفًا من عقوباتنا. وأقّر "روبيو" بأن الخبر السيء هو أن شخصيات السلطة الانتقالية، لم يجتازوا فحص خلفياتهم، الذي عادة ما يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي. ولكن من ناحية أخرى، إذا تواصلنا معهم، فقد ينجح الأمر، وقد لا ينجح. في حين إذا لم نتواصل معهم، فمن المؤكد أن الأمر لن ينجح. وتابع: نحن نعتقد، وبصراحة، أن السلطة الانتقالية، بالنظر إلى التحديات التي تواجهها، على بُعد أسابيع، وليس أشهر، من انهيار محتمل وحرب أهلية شاملة ذات أبعاد ملحمية، أي تقسيم البلاد. وهناك أقليات سورية تعاني من انعدام ثقة داخلي عميق. لأن "الأسد" حرّض هذه الجماعات عمدًا على بعضها البعض.
وفي تصريحات رسمية أخرى للولايات المتحدة الأمريكية، قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى سورية "توم باراك"، في تصريح له وعبر حسابه عبر منصة "X": منذ قرن من الزمان، فرض الغرب خرائط وحدودًا مرسومة ووصايات وحكمًا أجنبيًا. فقد قسّمت اتفاقية سايكس - بيكو سورية والمنطقة الأوسع لتحقيق مصالح إمبريالية، لا من أجل السلام. وقد كلّف هذا الخطأ أجيالًا كاملة، ولن نسمح بتكراره مرة أخرى". وأضاف: "لقد انتهى عصر التدخلات الغربية. المستقبل يعود للحلول الإقليمية، المبنية على الشراكات والدبلوماسية القائمة على الاحترام (كما شدد الرئيس "ترامب" في خطابه بالرياض بتاريخ 13/05/2025)، حيث ولّت الأيام التي كان فيها المتدخلون الغربيون يطيرون إلى الشرق الأوسط لإلقاء المحاضرات عن كيفية العيش، وكيفية إدارة شؤونكم الخاصة. وأضاف: إن "مأساة سورية وُلدت من الانقسام. أما ولادتها من جديد فلا بد أن تكون من خلال الكرامة، والوحدة، والاستثمار في شعبها. ويبدأ ذلك بالحقيقة والمساءلة وبالعمل مع دول المنطقة، لا بتجاوزها.
وفي تخبط واضح في تصريحات "باراك"، الذي يبدو متأثرًا بما نشره الكولونيل "رالف بيترز" في مقاله حدود الدم. فقد أثارت تصريحاته الكثير من المحللين، معتبرين أنه تصريحاته تدل على ملامح جديدة للدور الأميركي القادم في المنطقة، وقد تؤدي لمشاريع أكبر من سايكس - بيكو نفسها، في ظل حديث متكرر لرئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" عن شرق أوسط جديد يبتلع حدود سايكس – بيكو.
أما الرئيس المؤقت "أحمد الشرع" الذي يريد حكم سورية، فقد أراد اقناع المجتمع الدولي بأنه اتخذ مسار الاتجاه نحو صفر مشاكل في علاقاته الدولية. وكانت تصريحاته تجاه إسرائيل مبادرة حسن نية. فهو فتح المجال أمام اليهود لزيارة سورية، ومناطقهم المقدسة، كما قدّم تلميحات أمام عضوي مجلس الشيوخ نقلها "كوري ماليز" بأن السلام مع إسرائيل ممكن لكنه مرتبط بالظروف المناسبة (فالشرع لا يملك صلاحية عقد السلام أو الحرب باعتباره رئيسًا مؤقتًا غير منتخب مهمته تسيير الأعمال في الوقت الحالي، ولا يملك مجلسًا منتخبًا من الشعب). كما قدّمت حكومة "الشرع" لإسرائيل كل مقتنيات جاسوسها "إيلي كوهين" وبأن رفاته سيعود إلى إسرائيل حين معرفة مكان تواجده. وقد توج ذلك بعقد لقاءات مع مسؤولين بين دمشق وتل أبيب، في عدة دول ضمن غرف مغلقة لرسم معالم ما بعد الحرب.
وكانت المفاجأة في تصريحات "الشرع" بشأن اجراء المعارضة المسلحة مفاوضات مع روسيا بعد الدخول إلى حماة خلال عملية "ردع العدوان" وهو ما أدى لانسحاب القوات الروسية بعد وصول فصائل المعارضة إلى حماة وتعهد الطرفان بـ"التزامات" ونفذاها. وأضاف: عند وصولنا إلى حمص ابتعد الروس في هذا الوقت عن المعركة وانسحبوا تماماً من المشهد العسكري ضمن اتفاق جرى بيننا وبينهم .
صحيح أن الأزمات في سورية متعددة لكنها في النهاية تبقى مرتبطة بجذور سياسية. ولا يمكن حلّها إلا بحل المشاكل السياسية فيها. فهناك حاجة ماسة إلى إعادة دراسة المشهد السياسي في سورية من زاوية جديدة. وما نشهده الآن هو تفكيك واقتسام للدولة السورية.
هذه التغيرات التي اجتاحت المنطقة، وتحديدًا في سورية ولبنان وغزة، هي الصك النهائي لتشكيل الشرق الأوسط الجديد وفق رؤية "ترامب".

تغير مفهوم الدولة الوطنية:
تغير مفهوم الدولة الوطنية في سورية بشكل جذري مع صعود أحمد الشرع وهيئة تحرير الشام، حيث انتقل التركيز من الدولة القومية الحديثة (بمفهومها العلماني أو حتى القومي العربي التقليدي) إلى دولة ذات أساس ديني (إسلامي) إداري انتقالي يهدف إلى "إدارة" المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة، مع محاولة بناء هياكل "دولة" في مناطق محدودة (مثل إدلب) عبر هيئات مدنية، وهو ما أدّى إلى التصادم مع مفهوم الدولة الوطنية الشاملة التي تتبنى سيادة القانون والمواطنة المتساوية.
وتجلى التغيير في مفهوم الدولة الوطنية من خلال عدد من الممارسات منها: الانتقال من الجماعة الجهادية كما في هيئة تحرير الشام إلى السيطرة على إدارة المناطق (إدلب)، لتقديم الخدمات وتطبيق الشريعة فيها، مما يمثل شكلاً مختلفاً عن مفهوم الدولة الوطنية الحديثة التي ترتكز على العقد الاجتماعي والمؤسسات المدنية. وعندما تم تغيير الدستور بدستور مؤقت في عام 2025 لإرساء نظام رئاسي انتقالي، فانه تسبب في تأسيس شرعية جديدة تستند إلى السلطة الواقعية للجماعة بدلاً من الشرعية الوطنية الشاملة. وهو ما يمثل تراجعاً عن الدساتير السورية السابقة. وفي محاولة من "الشرع" لإبراز نفسه كقائد سياسي قادر على إدارة الدولة "الجديدة"، يحاول فصل الإدارة عن الأيديولوجية الجهادية الصرفة، تغيرت طبيعة "الدولة" التي سعى لتأسيسها عن الدولة الوطنية التقليدية. وزاد على ذلك أن المفهوم السائد لهيئة تحرير الشام الذي يرتكز على هوية إسلامية، أضعف مفهوم المواطنة المتساوية بين جميع السوريين بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو العرقية، وهو جوهر الدولة الوطنية الحديثة.
وهذا ما أوصل مفهوم الدولة الوطنية السورية إلى مفهوم أقرب إلى دولة إسلامية انتقالية تديرها فصائل مسلحة تسعى لدمج هياكل الدولة مع أجندتها العقائدية، مما شكّل تحولًا كبيرًا عن الدولة الوطنية العلمانية أو القومية التي سعت سورية لتأسيسها في الماضي.

الخاتمة:
من الصعوبة بمكان التنبؤ عن مستقبل سورية القريب والبعيد، خاصة مع التخبط الواضح لدى السلطة الجديدة المؤقتة، سواء على صعيد العلاقات الدولية أو السيطرة على الداخل السوري.
- على صعيد العلاقات الدولية:
تؤكد الوقائع أنّ سورية أصبحت مركزًا للصراع الجيوسياسي العالمي، وأنّ موقعها ضمن "قوس الأزمات" ليس حدثًا عابرًا بل نتيجة تراكمات تاريخية واستراتيجية بدأت منذ 2001. فاللعبة الكبرى في الشرق الأوسط تُدار اليوم على الأراضي السورية، ما يجعل سورية حالة نموذجية لفهم التحولات الإقليمية والدولية التي تعيد صياغة مستقبل المنطقة.
بعد مرور عام على سقوط نظام الأسد، فتحت سورية فصلًا جديدًا ظنّ كثيرون أنه مستحيل، فهي أعادت بناء العلاقات الدولية مع الدول التي كانت تقاطعها لتتخلص من سنوات العزلة السابقة. لكن إعادة التأهيل دوليًا لا يعني الكثير، إذا لم يشعر جميع السوريين بالأمان في شوارعهم .
خلال هذا العام، حظي "الشرع" بإعجاب الرئيس الأميركي "ترامب" الذي شرّع له أبواب البيت الأبيض ووصفه بـ"صديق" و"رجل قوي". وصعد "الشرع" إلى منصة الجمعية العامة في الأمم المتحدة متحدثًا، وتنقّل بين العديد من الدول الغربية والعربية وصولًا إلى روسيا الاتحادية التي قصفت طائراتها مرارا معارضي "الأسد". كما أزالت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا عقوبات اقتصادية عن بلاده، بموازاة شطب اسمه عن قوائم الإرهاب الأميركية وفي مجلس الأمن. ووقّعت دمشق التي زارها موفدون من أنحاء العالم، مذكرات واتفاقات استثمار بمليارات الدولارات في مجالات عدة بينها البنى التحتية والطاقة .
يرى "جمال منصور" أن إسرائيل التي ترغب بتكريس منطقة خالية من السلاح وصلت إلى تخوم دمشق، وتوغلت قواتها في عمق سورية، وهو ما شكًل تحدّيا آخر لسلطة الشرع.
وبالرغم من خوض الطرفين جولات تفاوض مباشرة على مستوى وزاري، لكن ذلك لم يوقف هجمات إسرائيل. وقد حذّر "ترامب" إسرائيل من زعزعة استقرار سورية، مشبرًا إلى أنها تضع "الشرع" في وضع حرج، مع مواصلة ضغطها والتمادي في هجماتها وفي عرض عضلاتها وقوتها .
ان معالجة التحدي الأكبر للانفلات الإسرائيلي اليومي على سورية يحتاج إلى الانتقال من حالة التلقي والطلبات، إلى حالة اجبار إسرائيل الاستجابة لمصالح سورية، أقله تبني قرار دولي يمنع إسرائيل من انتهاكاتها مقابل طرح رسمي لرؤية سورية عن مستقبل العلاقة مع إسرائيل؟

- على صعيد الداخل السوري:
أدرك المراقبون حقيقة أن "الشرع"، يحاول تقديم نفسه للغرب كإصلاحي معتدل. وقد يتمكن من تحقيق الاستقرار، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين الذين يحكمهم. وتبدو جهود "الشرع" نحو توحيد البلاد تحت حكومة انتقالية واعدة لكنها ستواجه عقبات كبيرة تتطلب وقتًا لنجاحها. خاصة مع أسلمة الدستور والقمع السياسي، وهو ما قد يفضي بالبلاد إلى المزيد من العنف الطائفي .
لقد أثرت طريقة انعقاد الحوار الوطني، وتشكيل الدستور المؤقت، وتعيينات أعضاء مجلس الشعب، والتعيينات الإدارية، والفصل من الوظائف، وغيرها، سلبًا على أحوال السوريين. إذ أفرزت بعض الممارسات من قبل أتباع السلطة الجديدة مشهدًا قلقًا تجاه حرية المعتقدات والحريات الشخصية والمساواة وتحقيق العدالة. مّا شكّل هواجس كبيرة عند المجتمع السوري، دعمها ضعف الإدارة. فهي ارتكبت أخطاء تجاه حقوق الإنسان، ومارست التمييز والتفرقة في المجتمع والعنف الطائفي والانتقام. فكانت مجزرة الساحل عنوان لفقدان الثقة والأمل والأمان تجاه هذه الحكومة، وما تبعها من أحداث جرمانا، وتفجير الكنيسة في ريف دمشق، والهجوم على السويداء. عدا عن الحوادث المتكررة التي تجري بشكل يومي في معظم المحافظات السورية، وتصر السلطة الجديدة على تسميتها بحوادث فرعية من اغتيالات وقتل وسرقة واستيلاء على أملاك الآخرين، والدعوات لاتباع الدين الإسلامي في كل مكان وخاصة في المناطق المسيحية، ومطاردة وضرب وقتل مرتادي النوادي والملاهي الليلية، ومصادرة الأملاك الخاصة، وسؤال الرجال عن الفتيات اللاتي بصحبتهم، وعن دياناتهم، وغير ذلك.
إلا أن قراي مجلس الأمن رقم 2254/2015 و2799/2025 قد يكونان البوابة الرئيسية نحو المرحلة الانتقالية المأمولة. إذ سبق أن قيّد القرار 2254 السلطة في دمشق بإجراء انتقال سياسي شامل وذي مصداقية بقيادة سورية، وأفاد القرار بأن الشعب السوري هو المخول الوحيد بتقرير مصير بلاده، كما نصّ على ضرورة قيام جميع الأطراف في سورية بتدابير بناء الثقة للمساهمة في جدوى العملية السياسية لإنشاء حكماً ذا مصداقية وشاملاً وغير طائفي في غضون ستة أشهر، وأن يتم وضع جدولاً زمنياً وعملية لصياغة دستور جديد. كما طلب القرار 2254 إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف المنظمة العالمية، بهدف تنفيذ عملية انتقال سياسي ، إضافة لمطالب أخرى.
بينما نصّ القرار 2799 الوارد ضمن الفصل السابع على: شطب اسمي "أحمد الشرع" و"أنس خطاب" من قائمة الجزاءات الخاصة بتنظيمي داعش والقاعدة. وأكّد على التزام مجلس الأمن التام بسيادة سورية واستقلالها وسلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية، وبضمان وصول المساعدات الإنسانية، ومكافحة الإرهاب، وحماية حقوق الإنسان، ومعالجة المقاتلين الأجانب، مما يفرض رقابة دولية مكثفة. وأشار القرار إلى تعزيز إعادة الإعمار والاستقرار والتنمية الاقتصادية، مع الحفاظ على فعالية نظام العقوبات. بمعنى أن هذا القرار عزز الإطار القانوني الدولي لفرض رقابة أكبر على سلوك الأطراف السورية بموجب الفصل السابع، مما يوسع دور الأمم المتحدة في مراقبة الأمن والالتزام الدولي .
أما بالنسبة لقانون قيصر، فقد وافق مجلسي الشيوخ والنواب على رفع عقوبات قيصر نهائياً، مع شروط غير ملزمة، ويتضمن تقريراً تقدمه الإدارة إلى الكونغرس في مدة لا تتجاوز الــ 90 يوماً من تاريخ إقراره، وكل 180 يوماً بعد ذلك على فترة 4 أعوام، يفصل ما إذا كانت الحكومة السورية تتخذ إجراءات ملموسة وفعّالة للقضاء على التهديد الذي يشكّله تنظيم داعش والجماعات الإرهابية الأخرى، بما في ذلك "القاعدة" وفروعها بالتعاون مع الولايات المتحدة، لمنع عودة التنظيم. وأنها أبعدت، أو تتخذ خطوات لإبعاد المقاتلين الأجانب من المناصب العليا في حكومة سورية، بما في ذلك في مؤسسات الدولة والأمن. إضافة إلى خطوات تحترم حقوق الأقليات الدينية والإثنية في سورية، بما في ذلك حرية العبادة والمعتقد، وتسمح بالتمثيل العادل والمتكافئ في الحكومة، بما يشمل الوزارات والبرلمان. وألا تقوم بعمل عسكري أحادي الجانب وغير مبرر ضد جيرانها، بما في ذلك إسرائيل، وتواصل إحراز تقدم نحو اتفاقيات أمنية دولية، كما أنها تتخذ خطوات ملموسة وموثوقة لتنفيذ اتفاق 10 مارس (آذار) 2025 الذي تم التفاوض عليه بين حكومة سورية وقوات سوريا الديمقراطية، بما في ذلك إجراءات متناسبة لدمج القوى الأمنية والتمثيل السياسي، بالإضافة إلى اتخاذها خطوات فعّالة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل، وفقاً للمعايير الدولية. وألا تقوم بتمويل أو مساعدة أو إيواء أفراد أو جماعات خاضعة للعقوبات والتي تُشكّل خطراً على الأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في المنطقة. إضافة إلى ذلك، على التقرير المطلوب أن يشمل ما تقوم به الحكومة السورية من خطوات تضمن ملاحقة قضائية فعّالة لأولئك الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك المسؤولون عن مجازر بحق الأقليات الدينية وأنها تتخذ خطوات لمكافحة الإنتاج غير المشروع والانتشار الدولي غير المشروع للمخدرات، بما في ذلك الكبتاغون. وعلى الرئيس الأميركي أن يقوم كذلك بإبلاغ الحكومة السورية بنتائج التقرير المطلوب.
وعن إعادة فرض العقوبات، يعطي نص المشروع الرئيس الأميركي صلاحية «إعادة النظر» في فرض عقوبات على أفراد «إن لم يتمكن من تقديم إفادة إيجابية خلال فترتين متتاليتين من التقارير المطلوبة» من دون إلزامه بذلك، على ألا تشمل العقوبات هذه عقوبات على استيراد السلع .
إذا لم تُنفّذ السلطة الجديدة في سورية مقتضيات القرار 2254، فهذا لا يعني وجود عقوبات آلية ستفرض على السلطة في سورية، لكن يسمح لمجلس الأمن اتخاذ قرارات لاحقة بحسب المادتين 41 و42 من الفصل السابع، تبدأ بتدابير غير عسكرية كالعقوبات والحصار، حتى تصل إلى التدابير العسكرية. وهو أمر يحتاج إلى نصّ جديد وتصويت جديد. وفي كل الأحوال إن صدور القرار 2799 تحت الفصل السابع يشكّل رسالةً سياسية تدفع لتنفيذ القرار 2254. كما أن الشروط غير الملزمة في رفع قانون قيصر يمكن يشكلا معاً رسالةً سياسية تدفع بانتقال سورية نحو تسوية داخلية شاملة ترضي جميع أطياف المجتمع السوري.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نوبل وبلد واحد يحكم العالم
- رحلة شقاء - الكاتب الراحل هلال الراهب
- بروباغاندا البرلمان السوري (1919 - 2025).
- من سايكس وبيكو إلى ترامب ونتنياهو


المزيد.....




- ما تفسير البيت الأبيض لوضع ترامب ضمادة على يده؟
- أوكرانيا تقدم لترامب مسودة من 20 بندا لإنهاء الحرب - ماذا تت ...
- حركة 23 مارس تحكم سيطرتها على بلدة أوفيرا الاستراتيجية وتهدد ...
- خبير عسكري: روسيا تتقدم نحو القلعة الحصينة بدونيتسك عبر بوكر ...
- بلا خيام وبلا مقومات.. الغزيون يواجهون منخفضا جويا فاقم معان ...
- هيئة البث: إسرائيل أعدت خطة لهجوم واسع على حزب الله
- هجمات -الزيرو كليك- تهدد الهواتف عالميا.. ماذا يمكن أن نفعل؟ ...
- دعوى قضائية ضد -شات جي بي تي- بتهمة التشجيع على -القتل-
- البيت الأبيض: ترامب -سئم- اجتماعات أوكرانيا.. يريد أفعالا
- رحلة غامضة لطائرة عسكرية أميركية في اليابان تثير التساؤلات


المزيد.....

- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أنس الراهب - قوس الأزمات، سورية - اللعبة الكبرى