أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - سرود محمود شاكر - اليوم العالمي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع هذه الجريمة، الذي يوافق 9 كانون الأول من كل عام.















المزيد.....

اليوم العالمي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع هذه الجريمة، الذي يوافق 9 كانون الأول من كل عام.


سرود محمود شاكر
باحث في مجال حقوق الإنسان ومدرب معتمد دولي

(Surd Mahmooed Shakir)


الحوار المتمدن-العدد: 8548 - 2025 / 12 / 6 - 13:34
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


مدخل: ميثاق الذاكرة ودروس الإنسانية
يُمثل التاسع من كانون الأول علامة فارقة في الذاكرة الإنسانية والقانون الدولي، إذ تحتفي الأمم المتحدة في هذا التاريخ بـ اليوم العالمي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع هذه الجريمة. هذا اليوم لا يشكل مجرد وقفة سنوية للتذكر، بل هو تجسيد للمبدأ القانوني والأخلاقي الراسخ بأن الإبادة الجماعية (Genocide) هي الجريمة الأفظع التي تهدد وجود البشرية وتفتت نسيجها الاجتماعي. ويتزامن هذا التاريخ مع ذكرى اعتماد اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في عام 1948، لتصبح بذلك أول معاهدة لحقوق الإنسان تُقرها الجمعية العامة للأمم المتحدة.
المفهوم القانوني: من رافائيل ليمكين إلى القانون الدولي
تعود الجذور الفكرية والقانونية لجريمة الإبادة الجماعية إلى المحامي البولندي-رافائيل ليمكين (Raphael Lemkin)، الذي صاغ هذا المصطلح لدمج كلمتي: genos (التي تعني العرق أو القبيلة في اليونانية) وcide (التي تعني القتل في اللاتينية). وقد سعى ليمكين إلى وصف الأفعال المنهجية المرتكبة ضد مجموعات عرقية، دينية، أو قومية، والتي تهدف إلى تدمير وجودها كلياً أو جزئياً.
لقد شكلت اتفاقية 1948 الإطار القانوني الدولي لهذه الجريمة، حيث حددت في المادة الثانية منها الأفعال التي تشكل جريمة الإبادة الجماعية، والتي تتطلب وجود "القصد الخاص" لتدمير مجموعة محمية. وهذا القصد هو ما يميزها عن غيرها من الجرائم الجماعية ضد الإنسانية أو جرائم الحرب، ما يجعل الإثبات القضائي لها أمراً بالغ التعقيد والتخصص.

-اتفاقية الإبادة الجماعية
تنصّ المادة 2 من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها على أنّ الإبادة الجماعية تعني «أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية...»، بما في ذلك:
قتل أعضاء من الجماعة؛
إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة؛
إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يُراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً؛
فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة؛
نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.
وتؤكد الاتفاقية أنّ الإبادة الجماعية، سواء ارتُكبت في زمن السلم أو في زمن الحرب، جريمة بموجب القانون الدولي تتعهّد الدول الأطراف «بمنعها ومعاقبة مرتكبيها» (المادة 1). وتبقى المسؤولية الأساسية عن منع الإبادة الجماعية ووقفها ملقاة على عاتق الدولة، بوصفها صاحبة الولاية الأولى في حماية سكانها.

- محاور التكريم والإحياء: واجب الذاكرة
إن تخصيص يوم دولي لتكريم الضحايا ليس غاية في حد ذاته، بل هو وسيلة حاسمة لـ حفظ الذاكرة، هذه الذاكرة تخدم هدفين رئيسيين:
أ. استرداد الكرامة: إعادة الاعتراف بآدمية الضحايا الذين حُرموا من حقوقهم الأساسية ومن حقهم في الحياة لمجرد انتمائهم إلى مجموعة معينة.
ب. التوثيق والمساءلة: ضمان أن الجناة لن يفلتوا من العقاب، فالتوثيق الدقيق للأحداث هو الركيزة التي يقوم عليها العدل الانتقالي والمحاكم الجنائية الدولية. إن المحاسبة القضائية، سواء أمام المحكمة الجنائية الدولية (ICC) أو المحاكم الخاصة (مثل محكمة رواندا ويوغوسلافيا السابقتين)، تساهم في تثبيت مفهوم السيادة المسؤولة بدلاً من الإفلات من العقاب .
حيث تعتبر المحاكم الدوليةمن العدالة إلى الردع الركيزة المؤسسية لإنفاذ اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948. لا يقتصر دور هذه المحاكم على مجرد محاكمة الأفراد المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم الفظيعة، بل يمتد ليشمل أهدافاً أعمق:
1. كسر حلقة الإفلات من العقاب : من خلال ملاحقة ومحاكمة كبار القادة والمسؤولين الذين يُعتقد أنهم يملكون "القصد الخاص" لتدمير مجموعة محمية، تعمل هذه المحاكم على إرساء مبدأ أن الجرائم ضد الإنسانية لن تمر دون حساب، بغض النظر عن الحصانة السياسية أو الجغرافية.
2. تثبيت السوابق القانونية: تسهم الأحكام الصادرة عن هذه الهيئات القضائية في تطوير وتوضيح مفهوم جريمة الإبادة الجماعية في القانون الدولي، خاصة فيما يتعلق بعناصرها المعقدة مثل إثبات القصد الجنائي الخاص، وتحديد مفهوم "المجموعة المحمية"، مما يوفر دليلاً للمحاكم الوطنية والدولية المستقبلية.
3. وظيفة الردع : تشكل هذه المحاكم آلية ردع قوية، حيث تبعث رسالة واضحة مفادها أن انتهاك القانون الدولي الجنائي له عواقب شخصية جسيمة، مما قد يدفع القادة السياسيين والعسكريين إلى التفكير ملياً قبل الأمر بارتكاب الإبادة أو المساهمة فيها.
4. توفير منصة للضحايا: تمنح المحاكم الدولية الضحايا والناجين فرصة للمشاركة في العملية القضائية، واسترداد جزء من كرامتهم، وتوفير سجل تاريخي معترف به دولياً لوقائع الجريمة، وهو ما يعد عنصراً حيوياً في جهود العدالة الانتقالية.
إن وجود هذه المحاكم يؤكد أن القانون الدولي يوفر حداً أدنى من الحماية للمجموعات المستهدفة، ويجعل من المحاسبة القضائية جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية الوقاية على المدى الطويل.

-البعد الوقائي: أهمية "الإنذار المبكر"
لا يمكن فصل الإحياء عن الوقاية، وهذا هو جوهر اليوم الدولي. الوقاية من الإبادة الجماعية هي مسؤولية جماعية تتطلب تضافر الجهود الدولية والمحلية، وتستند إلى أربعة مرتكزات أساسية:
1. تحليل المخاطر : المراقبة المبكرة للخطابات المحرضة على الكراهية، والتمييز الممنهج، وانتهاكات حقوق الأقليات، باعتبارها مؤشرات إنذار مبكر محتملة.
2. التعليم: إدماج دراسات الإبادة الجماعية في المناهج التعليمية لتعزيز قيم التسامح واحترام التنوع الثقافي والديني، وفهم الآليات التي تؤدي إلى التطهير العرقي.
3. دور الإعلام والمنصات الرقمية: استخدام الإعلام لتفكيك الأنماط السردية التي تهدف إلى "تجريد الآخر من الإنسانية" ، وهو الشرط النفسي والاجتماعي الأساسي لارتكاب الإبادة.
4. الدبلوماسية الإنسانية: تفعيل دور مستشار الأمم المتحدة الخاص المعني بمنع الإبادة الجماعية، والآليات الدبلوماسية للتدخل السلمي قبل أن تتفاقم الأوضاع.

خاتمة: : نحو يقظة مستمرة
إن إحياء ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية في 9 كانون الأول/ديسمبر هو تجديد للعهد الدولي الذي وقعه العالم في عام 1948: لن ننسى، ولن نترك ذلك يحدث مرة أخرى. هذه الذكرى تستوجب تحولاً من مجرد التعبير عن التعاطف إلى اتخاذ إجراءات استباقية ملموسة. فالوقاية ليست مجرد مفهوم نظري، بل هي التزام عملي يتطلب يقظة مستمرة وتطبيقاً صارماً للقانون الدولي لمواجهة كل مظاهر التعصب والتمييز. لتظل اتفاقية منع الإبادة الجماعية ليست مجرد وثيقة تاريخية، بل دليلاً عملياً على ضرورة العمل المشترك للحفاظ على الأمن والسلام الدوليين، وضمان حماية المجموعات البشرية من مصير التدمير المنهجي.



#سرود_محمود_شاكر (هاشتاغ)       Surd_Mahmooed_Shakir#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليوم العالمي للتطوع: نبض العطاء الإنساني
- اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة: نحو مجتمعات دامجة للجميع
- اليوم العالمي لإلغاء الرق 2025: نظرة على الرق الحديث
- اليوم العالمي للايدز
- اليوم العالمي لإحياء ذكرى ضحايا الحرب الكيميائية: دعوة إلى ع ...
- اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة(الاتحاد لإنهاء العن ...
- اليوم العالمي للتسامح
- اليوم العالمي لمنع ومكافحة جميع أشكال الجريمة المنظمة عبر ال ...
- نظام توزيع المقاعد في انتخابات مجلس النواب العراقي: آليات ال ...
- اليوم العالمي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكر ...
- اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ض ...
- اليوم العالمي للمرأة الريفية
- اليوم العالمي للفتاة 2025: شخصيتي والتغيير الذي أقوده
- اليوم العالمي للسلام 2025: اعملوا الآن من أجل عالم يسوده الس ...
- الحوكمة: المفهوم، الخصائص، والأبعاد الرئيسية
- اليوم العالمي للديمقراطية: تجديد الالتزام العالمي بالقيم الد ...
- اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري وأنتهاكات حقوق الإنسان
- أزمة عالمية تهدد ملياري شخص بسبب نقص المياه الصالحة للشرب وف ...
- اليوم الدولي لذكرى الاتجار بالرقيق الأسود وإلغائه والعبودية ...
- اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا أعمال العنف القائمة على أساس ...


المزيد.....




- اعتقالات واعتداءات إسرائيلية في الضفة الغربية والقدس
- اعتقال المتهم بزرع قنابل أنبوبية في واشنطن يكشف عن دافع مرتب ...
- تحذيرات من انهيار عدد من المباني على النازحين في غزة
- الجنائية الدولية: مذكرة اعتقال بوتين باقية رغم أي اتفاق سلام ...
- وصول دفعة جديدة من المهاجرين الفنزويليين المرحلين من أمريكا ...
- دهم واعتقالات بالضفة ومستوطنون يهاجمون مزارعين فلسطينيين
- الأمم المتحدة تتبنى 5 قرارات لمصلحة فلسطين بأغلبية ساحقة
- تصعيد في الضفة: اقتحامات واعتقالات وإصابات بالرصاص والغاز
- -معركة كلامية- بين البيت الأبيض ومغنية بسبب فيديو لاعتقال مه ...
- الأمم المتحدة تطالب إسرائيل بالانسحاب من الجولان المحتل


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - سرود محمود شاكر - اليوم العالمي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع هذه الجريمة، الذي يوافق 9 كانون الأول من كل عام.