أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - احمد شحيمط - الصادق النيهوم مفكرا















المزيد.....

الصادق النيهوم مفكرا


احمد شحيمط
كاتب في مجالات عدة كالفلسفة والاداب وعلم الاجتماع

(Ahmed Chhimat)


الحوار المتمدن-العدد: 8544 - 2025 / 12 / 2 - 16:01
المحور: قضايا ثقافية
    


الصادق النيهوم (1937- 1994) كاتب وأديب ليبي، ولد في مدينة بنغازي، درس الابتدائي والإعدادي والثانوي بليبيا، ودرس بالجامعة الليبية كذلك، قسم اللغة العربية، وانتقل بين البلدان المختلفة، من ألمانيا إلى فنلندا وسويسرا، رحلة طويلة في البلدان الباردة، ورحلة أخرى في عوالم الفكر والأدب، فسحة تأمل في الثقافات، وتاريخ الحضارات بعيدا عن رمال الصحراء، سفر في دروب الفكر والمعرفة، حيث اكتشف الأديب مزايا الغرب العلماني، ومحاسن العيش الرغيد في رحاب الحرية، رحلة المفكر بين دروب المعرفة، رحلة في الأفق الذي كان يسعى الأديب إلى بنائه من خلال تجربته الشخصية في الحياة الغربية، ومن خلال سنوات الدراسة، والعيش في قلب المجتمع الليبي، الاغتراب يمنح الكاتب رؤية في ثنايا الذات، وتفكير فلسفي عميق في مرايا الواقع بكل ما يحمله المفكر من ألم ومعاناة، واقع الإنسان العربي بصفة عامة، ومحنة الإنسان أمام سلطة السياسي وسلطة الفقيه. محنة الواقع المرير، ومحنة الإنسان أمام ثقافة مزورة تراكمت من الماضي البعيد، وترسخت في الذهن والوجدان .

إن الإنسان العربي ضحية للعوالم المزيفة، ضحية للبنيات التي صنعت من هذا الكائن نسخة مشوهة عن المجتمع الإسلامي الأول الذي عرف ميلاد أول تجربة في الإجماع، تجربة رائدة في الإدارة الجماعية، كان هذا النوع من المجتمع مصدرا للشرع الإسلامي والتوافق، ولما انحرفت القيم عن طبيعتها في عصر معاوية، وانقسمت الأمة بين الملل والنحل، والمذاهب، أصبح الإنسان ضحية للتقاليد والعادات، ضحية للسلطة الجديدة الموروثة في تقنياتها من تقاليد بيزنطة في التنظيم السياسي والعسكري، وعلاقة الحاكم بالمحكوم . التاريخ مدون بطريقة غير موضوعية، كتبه فقيه غاضب، وعبرت عنه أصوات متعددة من المثقفين، مهمتهم تجاهل الواقع، والسير نحو التغريب، واستعارة نماذج غربية جاهزة، وإسقاطها في تحليل الواقع المادي، وتكريس الايدولوجيا العابرة للحدود في الوعي الفردي والوعي الجمعي، تيارات تتمركز بين اليمين واليسار، ترفع شعارات واختيارات، نابعة من تربة مغايرة، بعيدة عن سياق الإرادة الجماعية، ثقافة مزورة اندست في الوعي، وشكلت المخيال الاجتماعي، وانتقلت من التفكير نحو الفعل مما ساهم في ضياع الذات أمام قوى الاستلاب، وهيمنة نظام الإقطاع .
الذين في جوهره يخاطب الأحياء، ويبعث روحا جديدة في النفوس الحائرة، والثقافة بدون شرع الجماعة لا معنى لها. لقد خسرا العرب معارك عديدة ضد أنفسهم، وضد السلطة النابعة من ثقافة مزورة، وليست من صميم الإجماع، وقناعة الجماعة في الوحدة والقرار، معارك حقيقية في سبيل الانعتاق، والتحرر من نظام الإقطاع نحو نظام الجامع، من الحكم الفردي القائم على الوراثة نحو الشورى والتوافق. العرب لم يخسروا إسبانيا فقط بل خسروا المحيط ، عندما نزلت فرقة الخيالة الإسبانية في المكسيك، وتقدم المدعو (كورتيز) لإبادة هنود الأزتك والأنكا، كان الحصان العربي هو السلاح الذي أربك الهنود أكثر من سواه، وكان على التاريخ أن يسجل بهدوء، أن الحصان العربي قد وصل إلى أمريكا، لكن فارسه العربي لم يصل (1)، خسارة في البر والبحر تنم عن حاجة الإنسان إلى فهم عميق للتاريخ البعيد، فهم للحيثيات والأسباب التي عطلت العقل العربي، وانتهت إلى الفشل والإقرار بالهزيمة، ولما فازت أوربا في إدارة المحيطات، ظلت الهيمنة على الشعوب الأخرى قائمة بفعل العلم والتقنية، وبفعل الدهاء والذكاء، بفعل السيطرة على البحار، والمعابر، والملاحة الدولية، طوى العالم الصفحة القديمة من الأنظمة الإقطاعية نحو عالم جديدة تقوده الرأسمالية والفلسفة الليبرالية، رأس المال يفرض نفسه على الكل، ولذلك تشكلت ثقافة جديدة في العالم، اكتسحت ميادين متعددة كالتجارة والصناعة، وتدفقت الرساميل من خلال بناء قواعد جديدة، ومدن كبيرة ومزدهرة في مجال الصناعة والتبادل التجاري، لاح في الأفق بداية الهيمنة، والسيطرة على العالم، وفي عالمنا اليوم أصبحنا مستهلكين للمفاهيم والكلمات، أصبحنا منقسمين بين تيارات ومذاهب.

ظهرت في عالمنا الأحزاب الاشتراكية، والفكر القومي، وتغلغلت في أدبيات السياسة والخطاب مفاهيم كالاشتراكية والديمقراطية، والليبرالية، وحقوق الإنسان، وصفات سحرية تم إسقاطها دون أن تكون ثقافتنا منبعها وأصلها، الأمة العربية أمة لا تبالي بمنطق العصر، ولا تملك نظاما شرعيا للإدارة الجماعية، ولا تلتزم بمبادئ الحرية والعدل، ولا تتورع عن تمجيد البربرية، من شريعة عزل المرأة، واستبعاد الطفل إلى شريعة الحكم الفردي، وتبذير المال العام على أهواء الأسر الحاكمة(2)، وما يجري في الأمة من غياب للعقل، وحضور للتقاليد الشعبية، والتحالف بين الفقهاء والسلطة المحتكرة من قبل الحكم الفردي، أما كلمة الأمة، فلا تكون بالفعل إلا كلمة جامعة للناس على صوت واحد، كلمة قائمة على الملك لله، ولا أحد ينوب عن أحد أو يشفع له، وغياب الكلمة من زمن طويل انتهى إلى غياب شريعة الجماعة المتمثلة في الإدارة الجماعية المشتركة، وتسليم السلطة للناس للعمل بالشورى والتوافق من خلال قيمة ما يمثله الجامع من لحمة متماسكة بين الجماعة المتراصة التي تدير نفسها بعيدا عن سلطة الإملاء، بعيدا عن ثقافة الآخر التي اخترقت شعوبنا من رأس الدولة إلى عامة الناس .

يسود الاجتماع بين الناس على أساس التوافق والشورى، تنمحي الطائفية والمذهبية، في الاجتماع تكون الأهداف والنوايا واضحة، تكون السياسة هادفة، والكلمة قائمة على الحماية والصيانة لأن الجامع بمثابة الجهاز الشرعي الوحيد الذي يمنح المسؤولية للكل، محرر من الخلافات الحزبية، والأهواء الفردية، وميولات الجماعات الأيديولوجية. فالجامع ليس هو المسجد، وليس مدرسة لتلقين علوم الدين، بل جهاز إداري مسؤول عن تسيير الإدارة جماعيا، بموجب مبدأين أساسيين في جوهر العقيدة الإسلامية نفسها(3)، بنو أمية، وتحويل دور الجامع في تدبير الأمور القائمة على سلطة جماعية، نحو صيغة جديدة للسياسة والتدبير من خلال حكم الفرد، وصيغة الجيوش المدافعة عن الديار إلى جيش مأجور يأتمر بأوامر الحاكم، ونظام إقطاعي يهيمن، ويسيطر، حيث تحول بيت مال المسلين من ميزانية عامة إلى بيت للسيطرة العائلية، حيث توزع العطايا باسم الولاء، وليس للمستضعفين والمعوزين من الفقراء والمحتاجين، إنه انقلاب في التدبير، واحتواء لكل حركة دافعة نحو التغيير تحت سيادة القوة، والسلطة القهرية.

اختفت أغلب القواعد التي تأسس عليها الإسلام، من العدل والمساواة، ومسؤولية الحاكم أمام الله والناس، بقيت قاعدة أداء الشعائر، وفروض الطاعة، والولاء للحاكم التي دعمها الفقهاء بالنصوص القرآنية، سقطت قواعد عديدة، وكلها نابعة من سلطة الجماعة والإجماع، سقوطها كان عمدا بفعل غياب الإدارة الجماعية، غياب للشرعية النابعة من الجماعة، قواعد جماعية تبدأ من حقوق الطفل، وحقوق المرأة، والمسؤولية، والدفاع عن المستضعفين، وتحريم الربا إلى العمل بكتاب الله... قراءة النيهوم للدين والمجتمع، تفكير بعقلية المفكر والأديب الذي خبر الواقع، وتجرع من ألمه، المفكر الذي سافر واغترب، قارئ في الانكسارات والوقائع من خلال إلمامه باللغات الأجنبية، وما يتعلق بالأدب المقارن، نال المفكر شهرة بفعل الجرأة في النقد والمساءلة للذات والتراث معا، التنوير العربي رهين بنقد الفكر الديني، التنوير يبدأ بإزالة الحجب عن ترسبات الماضي وتراكمات التقاليد، مضمون الإسلام وجوهره كرسالة سامية وكونية، ومضمون الإسلام المكبل بأغلال القراءة الفقهية، فرغم أن الإسلام لا يعتبر الوعظ حرفة، ولا يجيز الاكتساب منها، ولا يعترف أصلا بشرعية رجال الدين، فإن التاريخ لم يعرف دينا ازدحم فيه الوعاظ والفقهاء كما حدث في تراث الإسلام(4)، يكون في الأمر مبالغة لدى البعض لمن يقول أن النيهوم كان قاسيا على الفقهاء، وهم صنفين، الذين نعرفهم في واقعنا، من الذين يعلمون القران، الفقيه الذي يبيع الأحجبة، ويعلم الأطفال على اللوح، ويكون شديدا في عملية التعلم، أو الفقهاء من الذين كان لهم دورا في نسج الحديث والفتوى، بعد الإمام مالك الذي افتتح مسيرة الحديث، ولمن ينظر إلى الصادق النيهوم بوصفه مفكرا أصاب الحقيقة، في تعرية عميقة للذات والتراث، تعرية تعيد الاعتبار للفهم الصحيح للدين والواقع، لذلك كتب عن الإسلام في الأسر، والإسلام ضد الإسلام، والثقافة الأصيلة والمزورة .

يتغلغل المفكر نوعا ما في البنية الذهنية، ويحاول تحريك الترسبات، ويضع أمام القارئ تفكيرا آخر يحمل المسؤولية لأطراف معينة في تاريخ المسلمين، يتكلم النيهوم عن معاوية وبنو أمية، يتكلم عن الانقسام المذهبي في الإسلام بين الشيعة والسنة والخوارج، الحقيقة الإسلامية ضائعة أو مختطفة، وبالتالي يجب نزع القداسة عن التراث العربي، الإسلام لا يعترف بالمهنة الدينية، والقرب إلى الله مقياسه التقوى، والمفاضلة بين الناس على أساس ذلك، حيث أن الإسلام رسالة تقوم على الألفة بين جميع الرسالات، وتتوجه لاحتواه الشقاق الفقهي، بإعلان العقيدة، وتقديم العمل على شكل الشعائر واعتماد مبدأ المسؤولية كما كسبت أيديهم، وإذا كان الفقه قد أصر على القول، بأن الإسلام لا يستقيم إلا بأداء الشعائر الخمس، فلا بد أنه قد استمد هذا الحكم من قران لا يعرفه أحد(5)، عالمية الإسلام كرسالة للبشرية مضمونها التوحيد والإخلاص، وتحرير الإنسان من العبودية نحو الحرية، التحرر هنا يصيب الفرد والجماعة معا، والتنوير لا بد أن يزيل القراءة الماضوية للتراث الديني بالنقد والتفكيك، والمساءلة كذلك، رسالة الأنبياء حسب الصادق النيهوم تبليغ الدعوة وإقامة العدل، ويستشهد الأديب بالآيات القرآنية كدليل على معنى كلمة إسلام في القران، حيث تشير إلى جميع الأديان، ويمثل الإسلام دين الفطرة، الأنبياء منهم، نوح وإبراهيم وعيسى وموسى وغيرهم، رسالتهم واحدة، التوحيد، والدفاع عن المستضعفين، والمنبوذين في لغة الإسلام، دفاع عن الحق والإنسانية جمعاء، حيث ينتهي الصادق النيهوم في عرضه للفكرة بأسلوب سلس، يروم المرونة والتوضيح لما هو غائب في تراثنا، ولما نسيه الناس بفعل نظام الإقطاع، وغياب الإدارة الجماعية، وقيمة يوم الجمعة في الإسلام .

نحن ملزمون بتحرير يوم الجمعة من سيطرة المؤسسات الدينية والإقطاعية، الشرع الجماعي أفضل طريق نحو استعادة نظام الجامع، ما يرمز إليه الجامع من حيت الدلالة والمعنى والفعل، العرب خلاصهم في يوم الجمعة، عندما يسترد هذا اليوم وظيفته بعودة القرار الجماعي، يتم تفعيل مبدأ المسؤولية المشتركة، ستكون العودة نحو منابع الإسلام الأولى، العودة إلى القواعد المشتركة بين الناس، يوم الجمعة، كما يفهمه النيهوم ليس يوما من أجل الصلاة فقط، اليوم يحمل معنى وقيمة باعتباره لقاء أسبوعيا ورسميا على مستوى الأمة بعيدا عن الخطب والمواعظ، الناس يحملون في صدوره مشاكلهم وأزماتهم، لا ينطقون ولا يتكلمون ، يجلسون صامتين ومنكسي الرؤوس ، وقد يكون القصد من ذلك حسب النيهوم أن الخطيب في يوم الجمعة يجب أن يلمس هموم ومشاكل الناس، أن يعبر عن المرغوب والمطلوب القيام به، أن تكون الدعوة صريحة، والخطب غايتها النظر للحياة، وإصلاح أحوال الناس، لذلك طرح المفكر سؤالين : من سرق الجامع؟ وأين ذهب يوم الجمعة؟ يمكن القول اليوم أن السياسة لا تدار من الجامع، ويمكن للجامع أن يكون الكلمة الفصل في الإجماع، وتوحيد كلمة الأمة على شيء ما، لا يمكن اختزال يوم الجمعة في الوعظ والإرشاد، موعظة الفقيه المعين من قبل الدولة، الذي يقرأ الخطاب، ولا يتجلى تأثيره في الناس، ولا تنبع الحقيقة من المواعظ، ولا من معالجة الأزمات التي تعترض الأمة أو هكذا يمكن فهم مقاصد الفكرة حسب ما يرمي إليه النيهوم، يشدد الكاتب على قيمة الجامع في النقاش والحوار. فقد غاب الجامع، وغاب معه عصر الخلفاء الشرعيين، وخرجت الإدارة من أيدي الجماعة، وخسرت الأغلبية حق اتخاذ القرار، وتعطل مبدأ المسؤولية الشخصية، واستولت الدولة على بيت مال المسلمين، وفقد المجاهد سلاحه، وفقد المواطن حقه في الضمان الاجتماعي(6)، لعله البحث في طبيعة الكلمات، ودلالة الفكرة من خلال ثقافتنا، حيث يرمي الكاتب للبحث في الصيغة التي ولدت من الواقع، التاريخ لا يكتبه الفقيه، التاريخ يكتبه من يدرك دلالة التاريخ، ويلم بحيثيات الوقائع التي اكتملت في الذهن، ويقوم المؤرخ بالعمل على تدوينها .

تاريخ طويل من الجمود والانقلاب الفكري على الإدارة الشرعية التي كانت من صميم الواقع، ومن قلب الإجماع، الدين قبل خضوعه لأهواء السياسة، الذين قبل أن يتلون بالمذهبية، والتشرذم في المواقف والانتماء، في حب الحياة وإسعاد الإنسان بالروحانيات، والعمل الصالح كبديل عن القوة والغلبة، بديل عن الاصطفاف والاندفاع، المسلمون خسروا مناطق شاسعة من العالم، عاشوا في سبات عميق، والأمة الغربية نهضت بخطوات عملية، وفي سيرورة متصاعدة، ومتدرجة بفعل علم البحار، والعلم الطبيعي، والسيطرة على الملاحة البحرية، اكتملت السيطرة بفعل التقنية، والمؤسسات المالية الغربية، والسفن العابرة للقارات، بفعل الرحلات والمغامرات والاستكشافات، بفعل الوحدة بين السياسي والاقتصادي، نزل الإنسان الغربي في الجزر البعيدة، ونزل المغامرون والمستعمرون في سواحل العالم الجديد، أقاموا المستوطنات والمستعمرات بالقوة والتدمير، في استراليا ونيوزيلندا وكندا، وفي إفريقيا وأمريكا اللاتينية والمكسيك، تشكلت حقائق جديدة، وظهرت أنظمة اقتصادية، وانتشرت الأفكار بسرعة بفعل الرأسمالية، والاشتراكية، وبفعل صراع الأيديولوجيات الغربية، وبفعل هيمنة رأس المال . الأمر لا يتناسب وثقافتنا بكل ما تحمله من صدمات وكدمات، الصدمات ليست بالضبط علمية وفكرية بل صدمات طابعها الانقسام، والصراع على السلطة، وحروب في تعزيز الحكم الفردي، والعرب اليوم يركضون وراء العالم، في سعي نحو الماديات، في حب المال، هروبهم من الحاجة والخصاص، في انتشال الشعوب من الفقر، جاءت الثروة البترولية، وفاضت خيرات الطبيعة لنقل العرب نحو أزمات جديدة، تولدت عنها تدخلات أجنبية في المنطقة، واشتعلت فيها حروب، ونزاعات مغلفة بالطائفية والمذهبية، ونشر الحرية والديمقراطية .

إن الدول العربية قد تقف على باب العلم ألف سنة أخرى من دون أن تدخله، لأن حارس الكنز، لا يفتح، وكلمة السر هي الحرية(7)، كلمة السر كذلك في الناس، تحرير الطاقات وفك القيود من خلال إدارة عقلانية للدولة والسلطة، تتم من قبل الجماعة، وبناء على روح المسؤولية، سر التقدم في الغرب العقل والحرية، ثقافة الأنوار، أسس الفكر التعاقدي، الحرية الفردية، والحرية الجماعية من خلال إقامة قواعد للنظام الديمقراطي، وفلسفة حقوق الإنسان، والإعلاء من الإنسان كمواطن محكوم بالحق والواجب، عاش النيهوم مدة طويلة في الغرب، في المناطق الباردة مع شعوب راقية ومتحضرة، تسكنها الحضارة، ويسكنها التنوير ورغد العيش، شعوب سعيدة بذاتها وثقافتها، منسجمة مع قيمها وإرادة الجماعة، لا بد أن يكون التأثير واضحا، ومن أجل أن نكون بين الأمم، كان الاغتراب واقعا حقيقيا في سبيل النهوض بالأمة، في محاولة لتشخيص الأزمات والأعطاب التي تتمثل بالدرجة الأولى في الإدارة الجماعية النابعة من عمق الثقافة، الجامع والوظيفة السياسية عندما يصير بيتا للحوار والنقش السياسي، بيتا للمراجعة والمحاسبة، وصياغة القوانين ، ولا يتشكل الوعي الجمعي إلا بالمخيال المشترك، والرغبة في تحمل المسؤولية، قناعة الرجل مأخوذة من سياق الواقع والتاريخ، لما دخلت الدبابة الايطالية إلى ليبيا لم تجد وسائل متطورة للمقاومة سوى ما كان يجمع الليبيون من الوحدة، وحب الوطن، دافعوا بصدورهم العارية، قاوموا بوسائل بسيطة الاستعمار الايطالي، جاء التحرير بدم الشهداء والأبطال، اكتشفت ليبيا في صحرائها نعمة البترول، الأرض تفوح برائحة الغاز والبترول، كرم الأرض بلا حدود، وهنا كان تحذير النيهوم شديدا وصادقا لأهل ليبيا، وكان الرجل ينبه الشعب الليبي إلى نقمة الغاز، عندما لا يتم تحويل الثروة الباطنية نحو عملية الاستثمار في بناء الإنسان، وحينها قال : إن ليبيا بلد مبني بالقش، ويطفو فوق بحيرات من البترول، فما أسهل أن تندلع فيه النار، ولا يبقى من أساسه إلا العظام، مخاوف يعبر عنها الليبيون، ويخشى أن تتحول نعمة البترول لنقمة ، مخاوف مشروعة يتم تبديدها بالوحدة واليقظة .

لقد عاش النيهوم صادقا مع ذاته ومجتمعه، ورغم ما يقال عن علاقته بمعمر القذافي، والعمل في مؤسساته، يمكن النظر إليه كمفكر يحمل قلق الوجود، وهم الحقيقة في بناء الإنسان . انتهت حياة الرجل، حيث ترك بصمة من الفكر الذي يمكن اعتباره تنويرا في حل معضلات الأمة التي غاب عنها الجامع، والإدارة الجماعية، والواقع أن الاغتراب في البلدان الغربية لم ينل كثيرا من المفكر إلا ما تعلق في ذاته من قلق التنمية، والعبور بالأمم نحو التقدم، دون أن يتجاهل الواقع أو يتنصل لأمته . هكذا تكلم النيهوم، وهكذا يمكن قراءته على ضوء القلق العميق الذي ساوره في معركة كبرى ضد التقاليد الشعبية، وضد الفقهاء، الإسلام تم احتواؤه وأدلجته من قبل طبقة دينية متحالفة مع السلطة السياسية، الإسلام في الأسر، والإقطاع انتصر على الناس باسم الإسلام منذ زمن معاوية، وكلمة السر تتعلق بتحرير الناس من آفة الثقافة المزورة، ومن سلطة الإقطاع للعودة من جديدة نحو الشرعية التي مصدرها الشرع الجماعي .

هوامش :
(1) الصادق النيهوم " محنة ثقافة مزورة صوت الناس أم صوت الفقهاء " رياض الريس للنشر والتوزيع ، الطبعة الثانية دمشق 1996 ص 115
(2) الصادق النيهوم " الإسلام في الأسر" رياض الريس للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، دمشق 1995 ص174
(3) الصادق النيهوم " محنة ثقافة مزورة صوت الناس أم صوت الفقهاء "، ص 36
(4) الصادق النيهوم " محنة ثقافة مزورة " ص 54
(5) الصادق النيهوم "إسلام ضد الإسلام شريعة من ورق" رياض الريس للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1995 ص29
(6) الصادق النيهوم" محنة ثقافة مزورة" ص 64
(7) الصادق النيهوم " الإسلام في الأسر " ص 31



#احمد_شحيمط (هاشتاغ)       Ahmed_Chhimat#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المغاربة والهجرة غير النظامية
- الاستهلاك وسلوك المستهلك
- نهاية العولمة وميلاد عالم جديد
- القلق الوجودي وسؤال الوجود
- الفلسفة والامل في السعادة
- سياسة السطو على تراثنا
- الحرب وحق المقاومة
- مونديال قطر 2022
- نداء سقراط
- الجابري وقضية حقوق الإنسان
- الخوف من الاخر
- مسار التاريخ بدون نهاية حتمية
- الفيلسوف وعالم السياسة
- الجابري وقضية الديمقراطية
- الفلسفة والتجربة الدينية
- الانتخابات الأمريكية والخوف من المجهول
- البرغماتية فلسفة في المنفعة
- هيجل والعالم الشرقي : تأملات فلسفية في الوعي والحرية
- النوع الاجتماعي ومشكلة العلاقة بين الانوثة والذكورة
- الشخصية في الرواية العربية


المزيد.....




- قبيل اجتماع بوتين – ويتكوف.. الكرملين: أي اتفاق بشأن أوكراني ...
- لأول مرة منذ عامين.. شاهد كيف عاد طلاب غزة إلى مدارسهم المدم ...
- السعودية وروسيا توقعان اتفاقية تاريخية للإعفاء المتبادل من ت ...
- الشرطة البلجيكية تعتقل المسؤولة السابقة عن الخارجية الأوروبي ...
- 753 قتيلا حصيلة جديدة لفيضانات إندونيسيا
- صور مأساوية من مستشفى للأمراض النفسية بالعراق تثير غضبا واسع ...
- محاولة ذبح قربان في الأقصى تنتهي بالفشل.. ما القصة؟
- بعد عمليتي الدعس والطعن.. هل تحفز عقوبات الاحتلال المقاومة ب ...
- خبير عسكري: لهذه الأسباب تعجز إسرائيل عن التنبؤ بعمليات الضف ...
- نتنياهو يشترط منطقة منزوعة السلاح من دمشق حتى الجولان


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - احمد شحيمط - الصادق النيهوم مفكرا