أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد شحيمط - الشخصية في الرواية العربية















المزيد.....

الشخصية في الرواية العربية


احمد شحيمط
كاتب في مجالات عدة كالفلسفة والاداب وعلم الاجتماع

(Ahmed Chhimat)


الحوار المتمدن-العدد: 6561 - 2020 / 5 / 12 - 02:31
المحور: الادب والفن
    


الرواية العربية فن حديث وظاهرة أدبية تعكس ما هو ثقافي واجتماعي وفني، ونوع من السرد في قالب ممزوج بين الواقع والمتخيل، ديوان العرب الجديد بعد الشعر، ويعود تاريخها لأزيد من قرن من خلال رواية زينب فواز "حسن العواقب"، كما عرفت الرواية العربية مراحل يمكن تقسيمها إجمالا بين الرواية التقليدية والرواية الحديثة والرواية المعاصرة ، وتتميز كل مرحلة بخصائص مميزة في البناء الروائي، وفي الشخصيات، وفي الحبكة والعقدة . فالرواية التقليدية تستند على البداية والذروة والنهاية وتكون النهايات غالبا بانتصار الخير على الشر وهيمنة البطل، والقارئ يدرك بالتمام النهايات الحتمية دون الشك في النتائج والرفض لليقين المعرفي، هذا النوع من الرواية انتهي نهائيا مع بداية تيارات جديدة في الرواية الحديثة خصوصا بعد هزيمة 1967، وبداية الشك في الرسمي والقيم السائدة، ونشأة الرواية الواقعية وملامح تيار الوعي في عودة الروائي للوسط الاجتماعي ولذاته للتفتيش عن مكامن الخلل في الشخصية العربية، وأسباب الهزائم المتتالية، العودة للذات وتعريتها من السكون والجمود، والاعتراف بالأزمة المركبة التي تتجلى في بنية المجتمع الثقافية والسياسية، والواقع الذي نعيشه له جذور ضاربة في التاريخ، وبالتالي يجب إعادة التفكير في المعرفة السائدة، والمقولات الفنية والفكرية أي العودة للذات باعتبار الأدب شكل من أشكال التعبير عن ما يخالج هذه الذات من حيرة وقلق، من الاغتراب والتيه الذي يعاني منه الفرد في المجتمع، والهزيمة التي كانت قاسية حيث ولدت صدمة نفسية، كانت نتائجها صعبة في الاستيعاب، لكن الروائي رجع للوراء وعاد يلتمس الأسباب من الاجتماعي والفكري والظواهر التي تخترق المجتمع السقيم لأجل الحكاية، وتخيل الشخصيات المناسبة للتعبير عن الفكر والنوايا في مجتمع يعيش على التقاليد والاستبداد السياسي، وتلك الايدولوجيا التي ساهمت في تجييش العواطف وإلهاب المشاعر القومية والدينية .

الشخصية هنا في الرواية واضحة المرامي والتي تعبر عن ظواهر مختلفة تنخر المجتمع، شخصيات نجيب محفوظ كسعيد مهران واحمد عبد الجواد وأمينة وحسنين وإسماعيل عبد الوهاب وعاشور الناجي، شخصيات مأخوذة من سياق الواقع، من احتكاك الأديب بالمعيش، من الدروب والمقاهي ومن الصعيد والمدينة، فأراد نجيب محفوظ النفاد إلى قلب المجتمع حتى يكشف عن خبايا الظواهر التي كانت سببا في انتكاسة الإنسان العربي المقهور، وسبب في الهزيمة النفسية والحضارية أمام الآخر في قالب سردي يجمع بين الواقعي والمتخيل، وجاء الإبداع ليكشف عن المستور وزيف الخطاب الرسمي، والوعي المزيف من مجتمعات تعاني القهر والحرمان، وفي خطاب ممزوج بالواقعية وأقرب للوجدان. كذلك شخصية أبو الخيزران في رواية "رجال في الشمس" لغسان كنفاني، الرجل المصاب بالعجز الجنسي من حرب 1948 ، وحالة الهروب نحو المنافي القسرية والطوعية، جبرا إبراهيم جبرا اعتبر أبو الخيزران رمز للجيوش العربية المنهارة والمهزومة في حرب 1967، وما يسمى بالنكسة ، إثر الهزيمة العسكرية والنفسية والوجدانية رغم ما كانت يمتلكه العرب من جيوش وعتاد ، أصيب الناس بخيبات الأمل وتساءل المثقف العربي عن أسباب الإخفاق، فكانت التأويلات أحيانا من قبل البعض بعيدة عن الصواب والمنطق . هذا الشلل هنا يعني فتور القوة وضعفها في المجابهة من خلال الجيوش الجرارة بالعدد والعدة ضد إسرائيل، فلم يكن للعرب نصيب في هذه الحرب، فكانت الصدمة أقوى في استيعاب نتائجها. شخصية أبو هريرة لمحمود المسعدي ورحلة في التصوف والتطلع نحو الحرية ، وشخصية مصطفى سعيد للروائي السوداني الطيب صالح تعبر عن التقارب بين الشرق والغرب، وتجاوز التاريخ الخاص بالاستعمار الانجليزي، ومحاولة التقرب من الآخر في إطار الاعتراف والتصالح، وشخصية "ذات" للروائي المصري صنع الله إبراهيم نموذج للمرأة المصرية من زمن عبد الناصر والسادات ومبارك، تعيش حياة عادية وبسيطة، وبنوع من الحبكة والوصف للزمن الذي نقله الروائي بصدق وشفافية في قالب روائي متين، حياة آلاف من الناس في ذلك الزمن من انحصار الآفاق، والصراع مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية، "ذات" تعبير عن حال الأمة في انتشار ظواهر متنوعة تنخر المجتمع المصري، من التعصب الديني والفساد والقمع والاحتيال والفقر، وهناك شخصيات أخرى للروائي السعودي عبد الرحمان منيف في خماسية مدن الملح من أبرزها متعب الهذال ونجمة المثقال، الرجل صار طيفا، فاختفى عن الأنظار تاركا رسالة للحاضر والمستقبل، مبديا الرفض المبدئي من وجود الغرباء في الحفر عن سوائل الأرض، وكأنه يخبر الناس أن القادم سيكون أصعب في نقمة النفط والمدن التي يشيدها الناس في الصحراء وكثرة الدسائس، تغيرات في المجال وفي بنية المجتمع، وتحولات في القيم، من البداوة إلى الحضارة بشكل سريع لا يوازيه ثورة في الفكر والسياسة، ليست مدن الصحراء صلبة كما نعتقد بل مدن الملح قابلة للذوبان، حتى أن الروائي كان في طموحه يسعى أن تكون النهضة بالتدريج وبالقيم النابعة من الثقافة . ومن الرواية التاريخية يحكي ربيع جابر عن شخصيات تعيدنا للتاريخ عندئذ نعثر على الذات في ركام الماضي، مارون الصغير وحكاية الحرب الأهلية اللبنانية، وحنا يعقوب وحكاية الحرب الأهلية في جبل لبنان بين الدروز والمسيحيين الموازنة في زمن الحكم العثماني، وحكاية "مرتا" المرأة العربية النقيض لأمينة في ثلاثية نجيب محفوظ، تحملها مشقة السفر ،في الهجرة لأمريكا بحثا عن أخبار زوجها جو حداد ، يطول السرد ويبدأ من النهاية، في تصوير فني وجمالي وحوار لا ينتهي في عرض مشاكل المغتربين وماسي الهجرة ، وصف للأمكنة والأزمنة .

عناصر الرواية متنوعة كالحدث والشخصيات والزمان والمكان والعناصر الفنية كاللغة والأسلوب والحوار والحبكة. فالشخصية في الرواية المعاصرة أصبحت نامية ومتجددة يتخيلها الروائي، وتعبر عن الفكرة دون أن تكون هناك علاقة مباشرة ومتصلة معها سوى ما تؤديه الشخصيات من أدوار ووظائف ، الشخصية النامية تتطور بتطور الرواية وأحداثها ، يتوارى الراوي ويترك الأحداث تأخذ طابعها الخاص في مسارات لا تحدد بالنهايات القطعية، هناك قلق دائم في الشخصيات الروائية، والخطاب الروائي هو الرحم الذي ينتج الشخصيات ، وتصوير الشخصيات أنها دينامية ومتحركة، قيمة متغيرة وليست ثابتة ، أما الانتماء الطبقي للشخصيات حسب جورج لوكاتش فيحدد البطل الإشكالي في سياق البحث عن قيم أصيلة في مجتمع منحط، يعني أن البطل هنا غير منفصل عن واقعه الاجتماعي، وفي رأي ميخائيل باختين الشخصية تقوم على تعدد الأصوات، وتعيش في وسط مفعم بالأفكار والأيديولوجيات، وبالتالي ضرورة معرفة البطل في وعيه وطريقة إدراكه لذاته. فالرواية المعاصرة في مسألة الشخصيات غير منفصلة عن تيارات ما بعد الحداثة الذي تتميز بالتشكيك والتقويض، وتعدد الأصوات والتشتيت والاختلاف والتغريب ، شخصيات بدون بوصلة، وروايات بلا ضفاف، وكل ما ترسمه الشخصيات لذاتها في قلب الحكاية ، من النهاية في عودة جديدة للبدايات كما يفعل الروائي اللبناني ربيع جابر ، روايات تنهل من التراث والتاريخ، وتحاول العودة بالقارئ والسير خطوات نحو فهم عقد اليوم بالعودة نحو الأمس القريب والبعيد ، شخصيات متحركة في عالم دينامي، والروائي في عمله يحاول أن يرسم الشخصيات من الخارج، ولا يشكلها من الداخل لأنها تنفلت من التنميط ليترك للشخصية حرية التعبير عن نفسها بنفسها، بل حتى القارئ المتمرس في القراءة مطالب أن يسلك في دروب السرد ومتاهات الحكاية رؤية ذاتية وتأويلية في المتن الحكائي ، بعيدا عن رؤية الكاتب بفضل الحوار والنفاد للمعاني ومسارات الشخصيات في الرواية ، كما يمكن إدراك الشخصية من خلال مواصفات الرواية وقالب بنائها وأهدافها، ومن خلال قراءات لأهم النظريات في السرديات .

الشكلانيون يعتبرون الشخصية مظهر لساني تنحل إلى علاقة بين الدال والمدلول، ولا تكتمل إلا عندما يصل النص الروائي لنهايته، أما عند رواد التحليل النفسي فالشخصية تفاعلات داخلية في الغوص نحو اللاشعور، ومحاولة رصد طبيعة الشخصيات النفسية، في علاقة الذات بالواقع، وفي البنيوية دائما تتجلى دلالة البنية وعنصر الترابط والتفاعل بين البنيات الداخلية للنص الروائي، وإلغاء كل ما يتعلق بالأشياء الخارجية، وفي الواقعية الشخصيات تكون حاضرة لها وجود مادي، وتوصف بمواصفات في ملامحها وصوتها وأبعادها الأخرى، وأعتقد أن لهذا النوع من الشخصيات ميزة في الرواية التقليدية، والشخصية المتخيلة في الرواية الجديدة بناء غير مكتمل، وحركة دائبة ومتغيرة في واقع منفلت وعالم متشظي، لا تعبر الشخصيات في الرواية الجديدة عن الركود، ولا عن العوالم المثالية، ولا تحكي الحكاية من أجل أهداف وغايات محددة، بل تروم الهدم والتشكيك وإعادة النظر في مقومات الذات، وتترك كامل الحرية للقارئ لإعادة قراءة النص، وما يحمله من تداخل للنصوص أو ما يعرف بالتناص، الشخصيات في التجارب الروائية المعاصرة مجرد أصوات ورموز شخصيات بملامح وأبعاد، شخصيات من دون خلفيات معينة سوى ما تعبر عنه من أشياء وأفعال، كما يروم الكاتب خلق نوع من التشويق والدينامية في حركية الأشخاص، وفي إيقاع سريع للغة، وترك النهايات مفتوحة دون أن تسجن الرواية نفسها في قالب نهائي وحقائق ثابتة أو كما قال نيتشه أن عالم الحقيقة في النهاية يصير حكاية ، يعني الرواية مجرد حكاية بأسلوب سلس عن عالمنا في تجديد الوعي بذواتنا، وطريق يعيد المزج بين المرئي واللامرئي، بين الواقعي والمتخيل، ويرمي لإقامة قيم جديدة بعيدا عن القيم السابقة، ويعيد زحزحة المركز حتى يتسنى إعادة النظر في ترسبات الأفكار وركام الأحداث، إنها سؤال متجدد وإثارة في أعماق التجارب الإنسانية، وفي معنى الوجود الإنساني، مهمة الروائي هنا إثارة الشك وإعادة الاعتبار للمنسي والمهمش، ومحاولة النفاد في عمق المشاعر الإنسانية، واستخلاص النتائج النسبية دون الانتصار للخير على الشر، وللبطل الأحادي على باقي الأصوات في الرواية ، وبقدر ما يتوارى الروائي يتجه القارئ نحو مرامي السرد في الماضي القريب والبعيد، وبناء الأفكار من خلال تجربته الذاتية في الانغماس بالتأمل في مرامي الرواية، يعني التمرد على المعايير الجمالية والفنية السابقة، والرفض لكل ما هو رسمي ويقيني مع إبراز التنوع والتعدد. الرواية المعاصرة بالفعل شديدة التعقيد ، نزهات في غابة السرد، يجب أن تكون قارئا نموذجيا، بارعا وملما باليات الكتابة السردية حسب امبرتو إيكو، كما يمكنك أن تتحول إلى قارئ يجيد التأويل والنقد .



#احمد_شحيمط (هاشتاغ)       Ahmed_Chhimat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دون كيشوت والحروب الخاسرة
- فكرة الحرية في زمن التفاهة
- هل الحرب العالمية الثالثة قادمة ؟
- الاعلام العربي وأوهام الموضوعية
- لبنان يصنع الحدث
- لا أمل في الخلود بفضل الثراء
- الانسان في الفلسفة الوجودية
- هل يعود المكبوت التاريخي من جديد ؟
- في مفهوم السلطة
- نوال السعداوي ضد شهريار
- في التفلسف والعودة للذات
- الاقتراب من العلوم الانسانية
- الانا والاخر في الرواية العربية
- الانوثة والذكورة في عالم السرديات العربية
- اسئلة الراهن وتحديات المستقبل


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد شحيمط - الشخصية في الرواية العربية